الفصل التاسع عشر
وجد هال نفسه مُجبَرًا على قبول قرار القادة العُماليين. ذلك أن لديهم الخبرة، وفي إمكانهم الحكم على مجريات الأمور. سيتعيَّن على عمال المناجم العودة إلى العمل، وسيقودهم كارترايت وأليك ستون وجيف كوتون كما حدث من قبل! وكل ما في وسع الثوار أن يفعلوه هو محاولة الحفاظ على سرية التنظيم في المعسكر.
ذكر جيري مينيتي جاك ديفيد. كان قد عاد هذا الصباح دون رؤية القادة العماليين. وذلك كي ينأى بنفسه عن الشبهات، ويحتفظ بوظيفته، ويساعد العمل النقابي.
سأل هال: «ماذا عنك؟ أفترض أنك أحرقت جميع سفنك.»
لم يسمع جيري هذه العبارة من قبل، لكنه فهم معناها. قال: «بالطبع!» وأضاف: «أحرقتها عن بكرة أبيها!»
سأل هارتمان: «ألم ترَ «المحققين» أسفل الدرَج في الردهة؟»
«لم أكتسب فراسة التعرُّف عليهم بعدُ.»
«حسنًا، ستكتسبها، إذا بقيت في هذا العمل. لم تمر دقيقة واحدة منذ افتتاح مكتبنا إلا وكان هناك ستة منهم يقفون في الجهة المقابلة من الشارع. كل رجل يأتي لرؤيتنا يتبعونه إلى معسكره ويُطرَد في اليوم نفسه. لقد اقتحموا مكتبي ليلًا وسرقوا رسائلي وأوراقي، وهدَّدونا بالموت مائة مرة.»
«لا أرى كيف يمكننا إحراز أي تقدمٍ بأي حالٍ من الأحوال!»
«لا يمكنهم إيقافنا أبدًا. ظنُّوا أنهم إذا اقتحموا مكتبي، فسيحصلون بذلك على قائمة بمنظمينا النقابيين. ولكنني، كما تعلم، أحفظ القوائم عن ظهر قلب!»
قال مويلان: «إنه ليس بالأمر السهل. هل تريد أن تعرف عدد المنظمين النقابيين لدينا؟ إنهم سبعة وتسعون. ولم يقبضوا على واحدٍ منهم!»
سمعه هال مندهشًا. وهنا ظهر جانبٌ جديدٌ للحركة العمالية! هذا «الهولندي» العجوز الهادئ والحازم، الذي ربما ظننته صاحب متجر للأطعمة المعلبة، وهذا الصبي الأيرلندي ذو العينَين المرحتَين، الذي قد تظنُّه مرافقًا لسيدة في إحدى الحفلات الراقصة لرجال الإطفاء … لقد كانا مثل قائدَين عسكريين من خبراء المتفجرات، يهدمان أبراج قلعة بيتر هاريجان المبنية على الجشع والطمع!
اقترح هارتمان أن جيري قد يغتنم الفرصة للقيام بهذا النوع من العمل. من المؤكد أنه سيُطرد من نورث فالي، ولذا فمن الأفضل أن يُرسَل إلى عائلته للقدوم إلى بيدرو. وبهذه الطريقة، يمكنه أن يوفر لنفسه عملًا كمنظمٍ نقابي؛ لأنه كان من عادة «جواسيس» هذه الشركة تتبُّع الرجل إلى معسكره والتعرُّف عليه هناك. إذا استقل جيري قطارًا إلى ويسترن سيتي، فسيُبعدهم عن طريقه، وقد يدخل إلى معسكرٍ جديدٍ ويمارس نشاطه التنظيمي وسط الإيطاليين. قَبِل جيري هذا الاقتراح بابتهاجٍ؛ فقد كان من شأنه أن يرجئ اليوم المشئوم الذي ستُترك فيه روزا وأطفالها الصغار لرحمة المصادفة.
وبينما هم يتحدثون، رنَّ الهاتف. كان سكرتير هارتمان في شيريدان يخبرهم بأنه سمع للتوِّ أخبارًا عن اللجنة المختطَفة. لقد أخذوا المجموعة بأكملها، ثمانية رجال ومعهم ماري بيرك، إلى هورتون، وهي محطة ليست بعيدة عن خط السكة الحديدية، ووضعوهم في القطار موجِّهين إليهم العديد من التهديدات الخطيرة. لكنهم غادروا القطار في المحطة التالية، وأوضحوا أنهم يعتزمون القدوم إلى بيدرو. من المفترض أن يصلوا إلى الفندق قريبًا جدًّا.
أراد هال أن يحضر هذا الاجتماع، ونزل إلى الطابق السفلي ليخبر أخاه. نشب بينهما خلافٌ آخر بالطبع. ذكَّر إدوارد هال أن الوضع في بيدرو يميل إلى الرتابة، وهو ما لم يسَع هال الرد عليه إلا باقتراحه أن يُعرِّف أخاه إلى أصدقائه. إنهم رجال يستطيعون أن يُعلِّموا إدوارد الكثير، إذا وافق أن يتعلم. كان في إمكانه أن يحضر الجلسة مع اللجنة … ثمانية رجال وامرأة غامروا بعملٍ بطولي وأصبحوا ضحايا لجريمة. ليسوا نمطيين أو رتيبين، مثلما يرى إدوارد على الأرجح! بينهم، على سبيل المثال، تيم رافيرتي ذو العينَين الزرقاوَين، قَزَم هادئ ذو وجه مُسَخَّم، خرج من كهفه المظلم وبسط أجنحة الخطابة الذهبية التي لم يتوقعها أحدٌ منه، وهناك أيضًا ماري بيرك، التي قد يقرأ إدوارد عنها في ذلك اليوم في الطبعة المسائية لصحيفة «جازيت» التابعة إلى ويسترن سيتي … «جان دارك معسكرات الفحم»، أو شيء رائع من هذا القبيل. لكن مزاج إدوارد لم يكن ليتحسَّن. رأى أن أخاه سيظهر في الصحيفة باعتباره رفيقًا لجان دارك الأيرلندية!
ذهب هال مع جيري مينيتي إلى ما وصفه شقيقه ﺑ «المنزل البائس» بينما ذهب إدوارد منعزلًا إلى غرفة الطعام في الفندق الأمريكي. لكنه لم يُترك في عزلته؛ فسرعان ما جاء شابٌّ حاد الملامح للجلوس بجانبه، وشرع في محادثته. قال إنه «بائع متجول»، وأن «مجال عمله» هو الخردوات، فماذا عن مجال عمل إدوارد؟ أجاب إدوارد ببرودٍ أنه لم يكن لديه «مجال عمل»، لكن ذلك لم يصُدَّ الشاب … على ما يبدو أن «مجال عمله» قد جعله لا يعبأ بردود أفعال الآخرين. ربما كان إدوارد مهتمًّا بمناجم الفحم؟ ولكن هل كان في زيارة للمعسكرات؟ ألحَّ الشاب في سؤاله، وطرحه مرارًا وتكرارًا، إلى درجة أنه خطر على بال إدوارد في النهاية ما يعنيه هذا … ربما يكون في استجوابٍ من قِبَل أحد «الجواسيس»! من الغريب أن الظروف قد جعلت غضب إدوارد من نظام بيتر هاريجان يفوق ما جاء في كل روايات أخيه البليغة عن القمع الذي يُمارَس في نورث فالي.