الفصل الثالث والعشرون
ودَّع هال السيدة سوايكا، وانطلق إلى محطة السكة الحديدية. لكنه في أثناء مغادرته الفندق، التقى بأخيه مصادفةً، حيث وجده قادمًا نحوه مباشرة.
بدت على وجه إدوارد نظرة ضجرٍ، وظهر من هيئته المعتادة والمجلة التي حملها تحت ذراعه أنه قد اهتدى بعد جهدٍ ويأسٍ إلى شرائها لمقاومة رتابة بيدرو. يا لها من خدعة للقدر، أن يأخذ رجل أعمال مهم، ويضعه تحت رحمة مجنون في بلدة فحم منبوذة! ما الذي يفعله الناس في حفرة كهذه؟ هل يدفعون نيكلًا لمشاهدة الصور المتحركة لرعاة البقر ومزيِّفي العملات؟
كان مظهر إدوارد يفوق روح دعابة هال. وإلى جانب أنه كان لديه عذرٌ جيدٌ؛ ألم يكن من المناسب اختبار تنكُّره قبل مواجهة الخطر الحقيقي في نورث فالي؟
وقف في طريق أخيه، وقال بنبرة صوت السيدة زامبوني العالية المتذمِّرة: «سيدي!»
حدق إدوارد إلى الشخص المتشح بالسواد الذي اعترض طريقه. «سيدي، أنت شقيق جو سميث، أليس كذلك؟»
كان لا بد من تكرار السؤال قبل أن يُعطي إدوارد إجابته على مضضٍ. وقد أعطاها الإجابة في غير فخرٍ بهذه العلاقة.
تابع الصوتُ المتذمر: «سيدي، مات زوجي العجوز جرَّاء الانفجار الذي حدث في المنجم. حصلتُ على خمسة أشلاء منه ودفنتها بالأمس في المقبرة. كان عليَّ أن أدفع ثلاثين دولارًا مقابل دفنِها، ولم يتبقَّ معي أي أموال. لم أحصل على أي مال من رجال الشركة. أتى محامٍ وقال إنني ربما أحصل على المال لأدفن زوجي، ولكن هذا إذا لم أجادل كثيرًا. لكن يا سيدي، لديَّ أحد عشر طفلًا يجب عليَّ إطعامهم. ولم يعد لديَّ زوج، ولن أجد زوجًا جديدًا لامرأة عجوز مثلي. عندما أعود إلى المنزل أسمع الأطفال يبكون ولا أملك أي طعام، ومتاجر الشركة لا تعطيني أيَّ طعام. أعتقد أنك يا شقيق جو سميث، أيها الرجل الطيب، ربما ترثي لحال أرملة مسكينة، ربما تعطيني بعض المال يا سيدي، كي أشتري طعامًا لصغاري.»
قال إدوارد: «حسنًا.» أخرج محفظته، وأخرج ورقة نقدية، تصادف أنها كانت بقيمة عشرة دولارات. بدا لسان حاله يقول: «بحق السماء، ها هو المال!»
أمسكت السيدة زامبوني الورقة النقدية بأصابعها البدينة، لكنها لم تكن راضية. فقالت: «لديكَ الكثير من المال يا سيدي! أنت رجل غني، هيا! يمكنك أن تُعطيني كل ما لديك من أموال، كي أشتري ما يكفي لإطعام صغاري؟ أنت لا تعرف متاجر الشركة، يا سيدي، أسعارها مرتفعة جدًّا كالجبال، والأطفال جائعون، يبكون طوال النهار والليل، ولن تدوم قطعة نقود واحدة طويلًا. أعطِني المزيد من النقود، يا سيدي … هلا فعلت؟»
قال إدوارد: «سأُعطيكِ ورقة أخرى. أحتاج إلى بعض المال لنفسي.» أخرج ورقة نقدية أخرى.
«لِمَ تحتاج إلى الكثير من المال يا سيدي؟ ليس لديك الكثير من الأطفال، أليس كذلك؟ وربما لديك الكثير من المال في المنزل!»
قال الرجل: «ذلك كل ما أستطيع أن أعطيه لكِ.» تنحَّى جانبًا، كي يتجنب هذا العائق الذي اعترض طريقه.
لكن العائق اتخذ خطوة هو الآخر … وبخفة حركة مدهشة. «يا سيدي، أشكرك على الأموال. سأقول للأطفال إنني حصلت على المال من رجلٍ طيبٍ. أنا مُعجَبة بك يا سيد سميث، فأنت تعطي المال لأرملة فقيرة … أنت رجل لطيف.»
وأخرجت المخلوقة المروعة إحدى كفَّيها، كما لو كانت ستربت على وجنتَي إدوارد، أو تمسك بذقنه. تراجع إدوارد، كما لو كان خائفًا من العدوى، لكنها تبعته، عازمة على أن تفعل له شيئًا، لم يستطع التأكد من ماهيته. فقد سمع أن لهؤلاء الأجانب عادات غريبة!
قال مُصرًّا: «لا بأس! هذا شيء بسيط!» وتراجع … في الوقت نفسه كان ينظر حوله متوترًا كي يرى ما إذا كان هناك مشاهدون لهذا المشهد.
صاحت المرأة العجوز بودٍّ متزايد: «أنت رجل لطيف يا سيدي! رجل لطيف! ربما أجد يومًا ما رجلًا مثلك يا سيد إدوارد سميث … فلا أبقى أرملة بعد ذلك الحين. هل تعتقد أنك ربما ترغب في الزواج بامرأة سلافية لطيفة، لديها الكثير من الأطفال اللُّطفاء؟»
أدرك إدوارد أن الأمر أصبح يائسًا، فهرع جانبًا. كادت تصله تلك القفزة إلى بر الأمان، لكن مما أثار رعبه أن الأرملة السلافية قفزت من بعده … أنشبت فيه أظافرها من تحت إبطه، وقرصته بقوة من ضلوعه. ثم خرجت صاحبة الأظافر إلى الشارع دون أن تلتفت إلى الوراء، ولكنها أصدرت كركرة غريبة، والتي ربما كانت نحيب أرملة ثكلى باللغة السلافية، أو ربما كانت أي شيء آخر كذلك.