الفصل الخامس والعشرون
خلع هال ثياب الأرملة، وخلع معها المرح الذي تظاهر به من أجل العمال. ولكنه شعر بردِّ فعلٍ مفاجئ؛ إذ أدرك أنه مُتعَب.
عاش لعشرة أيام في دوامة من الإثارة، وبالكاد كان يتوقف لنيل قسطٍ من النوم والراحة. ها هو الآن يستلقي في مقعد العربة، شاحبًا ومُنهَكًا؛ كانت رأسه تؤلمه، وأدرك أن محصلة تجربته في نورث فالي هي الفشل. لم يبقَ فيه أيُّ أثر لروح المغامرة تلك التي كان قد بدأ بها في «دورته الصيفية في علم الاجتماع التطبيقي.» لقد ذاكر دروسه، وحاول تسميعها، لكنه «فشل». ابتسم ابتسامة مريرة، متذكرًا الابتسامة اللامبالية التي ارتسمت على شفتَيه عندما وصل إلى هذا الوادي نفسه:
وصل القطار إلى بيدرو، واستقل هال سيارة في المحطة وتوجه إلى الفندق. كان لا يزال يحمل ثياب الأرملة، ملفوفة معه في حزمة. ربما كان سيتركها في القطار، إلا أنَّ دافع الاقتصاد وترشيد النفقات الذي اكتسبه خلال الأسابيع العشرة الماضية قد أصبح عادةً لديه. سوف يُرجعها إلى السيدة زامبوني. ربما من الأفضل أن تستخدم المال الذي وعدها به لإطعام صغارها. وسيترك الوسادتَين في العربة، وليتحمَّل الفندق الخسارة!
عند دخول الردهة، كان أول شخص يراه هال هو شقيقه، وقد أدَّت رؤية ذلك الوجه الأرستقراطي، المعبِّر عن شعورٍ إنساني بالاشمئزاز، إلى التخفيف من صداع هال بعض الشيء. كانت الحياة قاسية وموحشة، ولكن ها هو إدوارد المُتعَب ينتظره هنا، تلك الهبة من العزاء البهيج!
سأله إدوارد أين كان، وأجاب هال: «كنت أزور الأرامل والأيتام.»
قال إدوارد: «أوه! بينما كنت أجلس أنا في هذا الجحيم قلقًا! ما هذا الذي تحت ذراعك؟»
نظر هال إلى الحزمة. قال: «إنها هدية تذكارية من إحدى الأرامل»، وفك الحزمة وبسط الثياب أمام عينَي أخيه الحائرتَين. «أعطتها لي سيدة تُدعى السيدة سوايكا. كانت ملكًا لسيدة أخرى، وهي السيدة زامبوني، لكنها لم تعُد في حاجة إليها بعد الآن.»
«ما شأنك بهذه الثياب؟»
«يبدو أن السيدة زامبوني سوف تتزوج مرة أخرى.» وخفض هال صوته في سرية. وقال: «إنها قصة حب يا إدوارد … ربما تثير اهتمامك لكونها مثالًا على أخلاق هذه الأجناس الأجنبية. لقد التقت برجلٍ في الشارع، تقول: إنه رجلٌ طيبٌ ولطيفٌ … وقد أعطاها الكثيرَ من المال. فذهبت واشترت لنفسها بعض الملابس الجديدة، وهي تريد أن تُعطي ثياب الحداد هذه للزوج الجديد المنتظر. هذه هي العادة في بلدها، على ما يبدو … علامة على أنها تقبل خطبته.»
عندما رأى هال نظرة الدهشة ترتسم على وجه أخيه، كان عليه أن يتوقف لحظة ليحافظ على جدية تعابير وجهه. وقال: «إذا لم يكن ذلك الرجل جادًّا في نواياه يا إدوارد، فسيُواجه مشكلة؛ لأنني أعرف السيدة زامبوني وحالتها العاطفية. سوف تتبعه في كل مكان …»
«هال، تلك المخلوقة مجنونة!» ونظر إدوارد حوله متوترًا، كما لو أنه يعتقد أن الأرملة السلافية قد تظهر فجأة في ردهة الفندق لإظهار حالتها العاطفية.
أجاب هال: «لا، إنها مجرد أحد الاختلافات بين عادات الشعوب.» وفجأة انبسطت أسارير وجه هال. وبدأ يضحك، ربما بصوتٍ أعلى مما يسمح به المظهر اللائق.
كان إدوارد منزعجًا جدًّا. كان هناك أشخاصٌ في الردهة، يحدقون به. صاح: «كفى يا هال! نكاتك الحمقاء تصيبني بالملل!» غير أن هال استطاع أن يرى التشكُّك في وجه أخيه. تعرَّف إدوارد على ثياب الأرملة. وكيف يمكنه التأكد من «العادات المحلية» لتلك المخلوقة البشعة التي قرصته في ضلوعه على قارعة الطريق؟
صاح مرة أخرى: «كفى!»
غيَّر هال صوته فجأة إلى صوت السيدة زامبوني، وصاح: «يا سيدي، لديَّ ثمانية أطفال يجب أن أطعمهم، ولم يعد لديَّ زوج، ولا أجد زوجًا جديدًا لامرأة عجوز مثلي!»
وهكذا بدأت الحقيقة بكامل فداحتها تتجلَّى أخيرًا لإدوارد. ذهب عنه ذعره واشمئزازه، واستمع هال إليه وقد هدأت حدة ضحكاته. قال: «إدوارد، أنت ما زلت لا تأخذني على محمل الجد!»
صاح الآخر: «يا إلهي! أعتقد أنك مجنون حقًّا!»
«لقد كنتَ هناك يا إدوارد! لقد سمعتَ ما قلتُه لهؤلاء المساكين! واعتقدت حقًّا أنني سأذهب معك وأنسى أمرهم!»
تجاهل إدوارد هذا. وكرر قائلًا: «أنت مجنون حقًّا! سوف تتسبَّب في مقتلك، على الرغم من كل ما أقوم به!»
لكن هال لم يسَعْه إلا أن ضحك. وقال: «لا داعي للخوف! كان يجب أن ترى آداب حفلات الشاي التي عاملني بها قائد المعسكر!»