الفصل السابع والعشرون
أراد هال اغتنام فرصة للتحدث مع ماري بيرك؛ لم يكن قد خاضَ معها حديثًا خاصًّا منذ لقائها بجيسي آرثر، والآن ينوي الرحيل لوقتٍ طويل. أراد أن يعرف خطط ماري للمستقبل … والأهم من ذلك … كيف كان شعورها؟ إن استطاع انتشال هذه الفتاة من اليأس، فلن تكون دورتُه الصيفية في علم الاجتماع التطبيقي قد باءت بالفشل الذريع!
طلب منها أن تذهب معه لتوديع جون إدستروم، الذي لم يكن قد رآه منذ فراقهما المفاجئ في منزل ماكيلار، عندما سارع هال إلى قطار بيرسي هاريجان. أوضح هال في الردهة مهمته إلى أخيه الذي كان في انتظاره، والذي لم يعلق، ولكنه فقط قال إنه سيتبعه، إذا لم يكن لدى هال أي اعتراض. لم يكن مهتمًّا بالتعرف على جان دارك الأيرلندية، ولم يكن ليقترب بما يكفي للتدخل في محادثة هال مع السيدة، لكنه أراد أن يفعل ما في وسعه لحماية أخيه. هكذا انطلق الموكب في ضوء القمر … أولًا هال وماري، ثم إدوارد، ثم رفيق إدوارد على مائدة العشاء، «بائع الخردوات المتجوِّل»!
كان هال مُحرَجًا في بداية حديثه الأخير مع ماري الذي هو بمنزلة وداعٍ لها. لم تكن لديه فكرة عن شعورها تجاهه، وقد اعترف شاعرًا بالذنب لخوفه من معرفة شعورها! اعتقد أنه من الأفضل أن يكون مُبتهِجًا، فبدأ يخبرها عن حسن تصرفها في أثناء الإضراب. لكنها لم ترد على كلامه، وفي النهاية أدرك أن بعض الأفكار غير المعلَنة كانت تُثقل كاهلها.
شرعت في الحديث فجأة، قائلة: «هناك شيء يجب أن أقوله لك! قبل بضعة أيام كنت أعرف كيف أريد أن أقول ذلك، لكنني الآن لا أعرف.»
ضحك قائلًا: «حسنًا، قولي ذلك كما كنتِ تريدين قولَه.»
«لا؛ لقد كان الأمر مريرًا … وأنا الآن لا حول لي ولا قوةَ أمامك.»
قال هال وهو لا يزال يضحك: «لا أريدُكِ أن تشعُري بالمرارة، ولكنني أنا مَن أصبح لا حول له ولا قوة أمامكِ. فلم أُحقق أي شيء، أنتِ تعرفين ذلك.»
«لقد فعلتَ كل ما في وُسعك … وأكثر مما فعلته بقيتُنا. أريدك أن تعرف أنني لن أنسى ذلك أبدًا. ولكنني أريدك أن تسمع الشيء الآخر أيضًا!»
واصلت السير وهي تنظر أمامها، وتثني يدَيها في توترٍ. قال، وهو لا يزال يحاول الحفاظ على نبرة صوتٍ مبهجة: «حسنًا، ما الأمر؟»
«هل تتذكر ذلك اليوم بعد الانفجار مباشرة؟ هل تتذكر ما قلتُه عن … عن الذهاب بعيدًا معك؟ أنا أتراجع عن هذا الكلام.»
قال بسرعة: «نعم، بالطبع! لقد كنتِ مُشتَّتة الانتباه يا ماري … لم تكوني تدركين ما تقولينه.»
«لا، لا! ليس الأمر كذلك! لكنني غيرتُ رأيي؛ فلا أنوي أن أُلقيَ بنفسي بعيدًا.»
قال: «لقد أخبرتُكِ أنكِ سترَين الأمر على هذا النحو. لا يوجد رجلٌ يستحق كل هذا العناء.»
قالت: «آه يا فتى! هذا لسان حالك بكلماتك اللطيفة … ولكنني أُفضِّل أن تعرف الحقيقة. عندما رأيتُ الفتاة الأخرى، كرِهتُها!»
سارا مسافة قصيرة في صمتٍ. أدرك هال جيدًا صعوبة الأمر. قال بلُطفٍ: «لا أريد أن أكون مُتحذلِقًا يا ماري. لكنكِ ستُغيِّرين رأيكِ بشأن ذلك أيضًا. لن تكرهيها؛ بل ستشعرين بالأسف تجاهها.»
ضحكت … ضحكة قاسية جافة. «أي نكتة هذه؟»
«أعلم … قد يبدو الأمر كذلك. لكنكِ ستدركين الأمر يومًا ما. لديك شيء رائع للعيش والكفاح من أجله، بينما هي …» تردد للحظة؛ لأنه لم يكن متأكدًا من اعتقاده الشخصي في الأمر … «أمامها أشياء كثيرة لتتعلَّمها، وقد لا تتعلمها أبدًا. ستفوتها بعضُ الأشياء الجميلة.»
قالت ماري متجهمة: «أعرف أحد الأشياء الجميلة التي لا تنوي تفويتها. إنه السيد هال وارنر.» ثم بعد أن سارا مجددًا في صمتٍ: «أريدُكَ أن تفهمني، يا سيد وارنر …»
قال مُتوسلًا: «آه، يا ماري! لا تُعامليني بهذه الطريقة! اسمي جو.»
قالت: «حسنًا، فليكن اسمك جو. فسيُذكِّرك بمغامرة جميلة … عندما كنت عاملًا لبضعة أسابيع. حسنًا، هذا جزء مما عليَّ أن أقوله لك. لديَّ كبريائي، حتى لو كنت ابنة عامل منجم فقير؛ وقد عرفت مكاني في ذلك اليوم.»
سأل: «ماذا تقصدين؟»
«ألا تفهم؟ أصِدقًا؟»
قال: «نعم، صِدقًا.»
«أنت غبي فيما يخُص النساء، يا جو. لم ترَ ما فعلَتْه بي الفتاة! لقد كنتُ كالحشرة أمامها. لم تكُن متأكدة مما إذا كنت من النوع الذي يلدغ، لكنها لم تجازف … تخلَّصت مني بكل سهولة.» وحركت ماري يدها، كما يفعل المرء عندما يتصدى لحشرة.
توسَّل هال، قائلًا: «آه، الآن! أنتِ لستِ عادلة!»
«أنا عادلة قدر الإمكان يا جو. لقد أخرجتُ نفسي من الأمر وفهمته تمامًا. أُدرك جيدًا … أنه ليس خطأها، ربما … إنها طبقتها الاجتماعية، أنتم جميعًا هكذا، حتى أفضل مَن فيكم، حتى أنت يا جو سميث!»
أجاب: «نعم، قال تيم رافيرتي ذلك.»
«لقد قال تيم الكثير … ولكن جزءًا منه كان صحيحًا. تعتقد أنك أتيت إلى هنا وأصبحت واحدًا منا نحن العُمال. ولكن ألا يخبرك إحساسك بالفرق، كما لو أن هناك واديًا عرضه مليون ميل … بين مخلوق فقير جاهل في معسكر للتعدين، وابنة رجل ثري، سيدة نبيلة؟ ستقول لي ألَّا أخجل من الفقر، ولكن هل وضعتَني من قبل بجانبها … على كل مشاعر الصداقة الجميلة التي تشعر بها تجاه مَن هم أدنى منك؟ ألم تُظهر ذلك في منزل مينيتي؟»
«ولكن ألا ترين يا ماري …» وبذل جهدًا ليضحك. «لقد اعتدتُ طاعة جيسي! لقد عرفتُها منذ وقت طويل قبل أن أعرفك.»
«آه، يا جو! لديك قلب طيب، وأسلوب لطيف في الكلام. لكن ألن يهمك أن تعرف الحقيقة؟ قلت إنك أتيت إلى هنا لمعرفة الحقيقة!»
وأجاب هال بصوتٍ منخفضٍ: «نعم»، ولم يقاطعها مرة أخرى.