الفصل الحادي والثلاثون
خرج إلى الشارع، حيث كان شقيقه يسير غاضبًا ذهابًا وإيابًا. كان «بائع الخردوات المتجوِّل» قد بذل جهدًا مرة أخرى ليخوض معه محادثة، فقِيل له أن يذهب إلى الجحيم … لا شيء أقل من ذلك!
سأل إدوارد وهو يُنفِّس عن غضبه في هال: «حسنًا، هل انتهيت الآن؟»
أجاب الآخر: «نعم. أفترض ذلك.» أدركَ أن إدوارد لم يكن ليهتمَّ بشأن ذراع إدستروم المكسورة.
«إذن، بالله عليك، ارتدِ بعض الملابس ودعنا نتناول بعض الطعام.»
قال هال: «حسنًا.» لكن إجابته كانت فاترة، ونظر الآخر إليه بحدة. حتى في ضوء القمر، كان في إمكان إدوارد أن يرى الخطوط التي بزغت في وجه أخيه الأصغر، والهالات حول عينَيه. أدرك للمرة الأولى إلى أي مدًى أثرت هذه التجارب في رُوح الصبي. صاح بشعورٍ مفاجئ: «يا لكَ من فتًى مسكين!» لكن هال لم يُجِب؛ لم يكن يريد التعاطف، لم يكن يريد أي شيء!
قام إدوارد بلفتة يائسة. وقال: «يعلم الله أنني لا أعرف ما الذي يمكنني أن أفعله من أجلك!»
عادا إلى الفندق، وكان إدوارد يبحث طوال الطريق عن موضوعٍ للحديث لا يسبب ضررًا لهال. ذكر أنه توقع أن تكون المتاجر مغلقة، فاشترى ملابس لأخيه. وأضاف بجدية أنه لم تكن ثمة حاجة إلى أن يشكره؛ فلم يكن ينوي العودة إلى ويسترن سيتي مع مُتشَرِّد.
ومن ثَم اغتسل، وكان أول غُسل فعلي يأخُذه منذ فترة طويلة. (لن تتمكن السيدات مرة أخرى من أن يقُلن في حضور هال وارنر إن الفقراء يمكنهم على الأقل الحفاظ على نظافتهم!) حلق ذقنه، وقص أظافره، ومشَّط شعره، ولبس زي رجل نبيل. ورغمًا عنه، وجد أنه قد استعاد بعضًا من بهجته. إحساس غريب ورائع أن يعود المرء لارتداء ملابس الرجل النبيل. تذكر مقولة الزنجي العجوز، الذي يُحِب أن تصطدم إصبع قدمه بشيء؛ نظرًا إلى الارتياح الذي يشعر به عندما يزول الألم!
خرجا للبحث عن مطعمٍ، وفي الطريق مرَّ إدوارد بمغامرة أخيرة. رأى هال عامل منجم عجوز يمرُّ بجانبه، وتوقف صائحًا: «مايك!» نسي على الفور أنه رجل نبيل، ونسي عامل المنجم العجوزُ ذلك أيضًا. حدق لحظة في حيرة، ثم اندفع نحو هال، وأحاطه بعناقٍ مثل دُبٍّ جَبَلي أشيَب.
صاح: «رفيقي! رفيقي!» وأعطى هال ضربة قوية على ظهره. «بحق يهوذا!» وضربه بيده الأخرى. «أنت! أيها الشقي العجوز!» وقبَّله بحرارة!
ولكن في خضم هذه النشوة، خطر له أنه كان ثمة خطبٌ ما بشأن صديقه. تراجع إلى الوراء وهو يحدق. وقال: «لقد حصلتَ على ملابس جيدة! لقد أصبحت ثريًّا، أليس كذلك؟»
من الواضح أن الرجل العجوز لم يسمع أي شائعة بخصوص سر هال. قال هال: «لقد قمت بعملٍ جيد جدًّا.»
«مهلًا، ماذا تعمل؟»
«كنت أعمل في إضراب في نورث فالي.»
«ما هذا؟ هل يجني المرء المال من العمل في الإضرابات؟»
ضحك هال، لكنه لم يشرح. «وأنت ماذا كنت تعمل؟»
«أعمل في إضراب أيضًا … إضراب بمفردي.»
«أليس لديك عمل؟»
«أعمل يومَين في السكة الحديدية. أزيل القضبان هناك. يدفعون لي دولارَين وخمسة وعشرين سنتًا في اليوم. ولا يوجد عمل آخر.»
«هل جرَّبت العودة للعمل في المناجم؟»
«ماذا؟ أنا؟ إنهم يعرفونني جيدًا! لقد ذهبت إلى سان خوسيه. وقال لي رئيس العمال: «اخرج من هنا أيها العجوز المتذمِّر! لن تحصل على أي عمل آخر في هذه الناحية!»»
نظر هال إلى مايك، ورأى أن وجهه العجوز المُلطَّخ بالفحم أصبح هزيلًا وشاحبًا، ويناقض البهجة الواهنة في كلماته. قال: «سنذهب لتناول شيءٍ ما. ألن تأتي معنا؟»
قال مايك بلهفة: «بالطبع! لا آكل كثيرًا الآن.»
قدم له هال «السيد إدوارد وارنر»، الذي قال له: «كيف حالك؟» قبِل بحذرٍ شديد مصافحة اليد ذات المخالب التي مدَّها إليه السلوفاكي العجوز، لكنه لم يستطع أن يخفي نظرة الانزعاج التي بدت على وجهه. صبره قد نفد تمامًا. أملَ في العثور على مطعمٍ لائقٍ، وتناوُل بعض الطعام الحقيقي، ولكن الآن، بالطبع، لم يستطع الاستمتاع بأي شيء، وهذا الغول العجوز أمامه.
دخلوا مطعمًا كان مفتوحًا طوال الليل، حيث طلب هال ومايك شطائر الجبن والحليب، وجلس إدوارد متعجبًا من قدرة أخيه على تناول مثل هذا الطعام. وفي هذه الأثناء، أخبر كلٌّ من الصديقَين الآخر بما جرى معه، وضرب مايك العجوز ركبته وصرخ فرحًا بمآثر هال. صاح: «أوه، أيها الرفيق!» ثم قال لإدوارد: «أليس رائعًا؟» وضرب إدوارد على كتفه. «بحق يهوذا، لا يمكنهم التغلب على رفيقي!»
كان هال قد شاهد مايك سيكوريا آخر مرة من نافذة سجنه في نورث فالي، عندما كان يوزع نُسَخًا من توقيع هال، وقبض عليه بود آدامز. ثم اقتاده حارس المنجم إلى سقيفة خلف محطة الطاقة، حيث وجد كوسر وكالوفتس، وهما زميلان آخران قُبِض عليهما في أثناء مساعدتهما في التوزيع.
حكى مايك تجربته بالتفصيل بإيماءاته المعتادة. قلت: «أنت يا سيد بود، إذا كنت ستُخرجني من الوادي، فأنا أريد الحصول على أغراضي.» فقال: «فلتذهب إلى الجحيم أنت وأغراضك.» ثم قلت: «يا سيد بود، أريد أن أحصل على أَجر الفترة التي عملت فيها.» فقال: «سأُعطيك حسابك جيدًا هنا!» وصفعني وطرحني أرضًا. ثم أمسك بي، فرفعني مرة أخرى وسحبني إلى الخارج، ورأيتُ سيارة كبيرة تنتظر، وقلت: «بحق يهوذا! سأستقل سيارة خاصة! وأنا العجوز الذي يبلغ من العمر سبعًا وخمسين، ولم أركب سيارة مطلقًا في حياتي. كنت أظن أنني سأموت ولن أركب سيارة أبدًا!» خرجنا من الوادي، ونظرت حولي ورأيت الجبال، وشعرت بريحٍ باردة لطيفة تُداعب وجهي، قلت: «أحسنت يا سيد بود، لن أنسى هذه السيارة أبدًا. لم أحظَ بوقتٍ ممتعٍ كهذا في أي يومٍ طوال حياتي.» فقال: «اخرس أيها العجوز الحقير!» ثم خرجنا إلى البراري، وصعدنا جبال بلاك هيلز، وتوقفوا وقالوا: «اخرجوا من هنا أيها الأوغاد.» وتركونا هناك وحدنا. ثم قالوا: «إن رجعتم مرة أخرى، فسنُمسك بكم ونمزقكم إربًا!» غادروا مسرعين، واضطُرِرنا إلى السير لسبع ساعات، نحن الرجال، قبل أن نعثر على أحد المنازل! ولكنني لم يزعجني ذلك، وطلبت بعض الطعام، ثم حصلت على عملٍ في إصلاح خطوط السكة الحديدية، لم أنزعج إلا عندما خرجت من السجن، واعتقدت أنني ربما قد فقدت رفيقي ولن أراه مجددًا.»
هنا توقف الرجل العجوز، وهو يحدق بمودة إلى هال. وقال: «لقد كتبت لك رسالة وأرسلتها إلى نورث فالي، لكنني لم أتلقَّ ردًّا، واضطُرِرت إلى السير بطول السكة الحديدية بحثًا عنك.»
تساءل هال كيف مرَّ الأمر على الرجل؟ لم يرَ إلا الرعب في بلد الفحم هذا … ولكن ها هو هنا، لم يكن سعيدًا تمامًا بتركه إياه! سيفتقد العجوز مايك سيكوريا، وقبلته الحارَّة، وعناقه الأشبه بعناق دب أشيَب!
استغلق على الرجل العجوز الكلام عندما وضع ورقة نقدية بقيمة عشرين دولارًا في يده. كما أعطاه عنوان إدستروم وماري، وملاحظةً إلى يوهان هارتمان، الذي قد يستخدمه للعمل بين السلوفاكيين الذين جاءوا إلى البلدة. أوضح هال أنه كان عليه العودة إلى ويسترن سيتي في تلك الليلة، لكنه لن ينسى أبدًا صديقه العجوز، وسيهتم بأن يحصل على وظيفة جيدة. كان يحاول البحث عن بعض الوظائف للرجل العجوز في ممتلكات والده. يا له من دب أشيب أليف!
حان وقت مغادرة القطار، واصطفَّ طابور طويل من عربات النوم المظلمة على رصيف المحطة. كان الوقت متأخرًا … بعد منتصف الليل، ولكن العجوز مايك انتظر. شعر بالرهبة من هال الآن، بملابسه الجميلة والعشرين دولارًا التي أعطاها إياه، ولكنه تحت وطأة عواطفه عانقه عناقًا آخر وقبله مرة أخرى بنفس الحرارة. صاح: «وداعًا يا رفيقي! عُد مجددًا يا رفيقي! أنا لا أنسى رفيقي!» وعندما بدأ القطار في التحرك، لوَّح بقبعته الممزَّقة، وركض على طول الرصيف ليُلقي عليه نظرة أخيرة، ويودِّعه وداعًا أخيرًا. عندما ركب هال العربة، اغرورقت عيناه بالدموع.