الفصل الخامس عشر
كان العجوز مايك يُقيم في نُزُل «ريمينيتسكي»، وبعد انتهاء العشاء، بحث هال عنه. كان من السهل التعرُّف عليه، واتَّضح أنه من الأشخاص الذين يجد المرء مُتعة في التعرُّف إليهم. تمكَّن هال من التجوُّل في عشرات المعسكرات في المنطقة بفضل وصفه البليغ. كان الرجل العجوز عصبي المزاج وذا طبعٍ حادٍّ لم يستطع التحكُّم فيه، ومن ثَم كان كثيرًا ما يتنقَّل من معسكر فحم إلى آخر، لكنه قال إنَّ كل الأماكن متشابهة؛ فقد كانت هناك دائمًا حيلةٌ ما يبخسون بها العامل أجرَه. كان عامل المناجم بمنزلة رجل أعمالٍ بسيط، مقاولٍ يتولى مهمة معينة، بنفقاتها وفُرص الربح أو الخسارة فيها. كان رئيس العُمَّال يخصِّص له «مكانًا»، ويتولى هو مهمة استخراج الفحم منه، ويحصل في المقابل على خمسة وخمسين سِنتًا للطن، عن كل طنٍّ من الفحم الصافي. في بعض «الأماكن» كان في إمكان المرء أن يَجني الكثيرَ من المال، وفي أماكن أخرى كان المرءُ يعمل أسابيع، ولا يتمكَّن حتى من دفع حساب ما يشتريه من المتجر.
يتوقف الأمرُ كله على كمية الصخور والأردواز التي يُعثَر عليها مع الفحم. إذا كان عِرْق الفحم موجودًا على مسافة كبيرة، يصبح على الرجل إزالة قدم أو قدمَين من الصخور التي تعلوه، وكان لا بد من تحميل هذه الصخور في عرباتٍ منفصلة، وطرحها بعيدًا. كان يُطلق على هذا العمل «إزالة الصخر»، ولم يكن عامل المنجم يتلقَّى عنه أيَّ أجرٍ. أو ربما استدعى الأمر حفرَ ممرٍّ جديد، وإزالة الصخر، أو ربما «دكَّ القاع»، ووضع الوصلات والقضبان لمرور العربات التي ستُحمَّل بالأوزان، أو ربما اصطدم عِرْقُ الفحم ﺑ «صَدْع»، أي مكان متصدِّع حيث توجد صخور بدلًا من الفحم … ويجب قطع هذه الصخور، والتخلُّص منها قبل أن يتمكَّن عامِل المنجم من الوصول إلى الفحم. كلُّ هذا العمل كان يُطلق عليه «العمل الميِّت»، وكان هو سبب الصراع المستمر. في الأيام الخوالي كانت الشركة تدفع مبالغ إضافية مقابل هذا العمل، ولكن الآن، ومنذ أن أصبحت لها اليد العليا على العُمَّال، أصبحت ترفض الدفع. ومن ثَم، كان من المهم لعامل المنجم أن يُكلَّف ﺑ «مكان» حيث لا يوجد الكثير من هذا العمل الميت. ويعتمد «المكان» الذي كان يُكلَّف به العامِل على رئيسه؛ ومن هنا جاءت فرصةٌ لا نهائية، من مبتدأ الأمر، للمحسوبية واستغلال النفوذ، أو الشجار، أو «مُداهنة» رئيس العُمَّال كسبًا لرضاه. ما الفرصة التي يمكن أن يحصل عليها رجلٌ فقير عجوز ومذموم، ولا يجيد التحدُّث بالإنجليزية؟ كان هذا ما تساءل عنه العجوز مايك بمرارة. سرقَ رئيسُ العمَّال عرباته وأعطاها أناسًا آخرين، وأخذ حمولتها وأعطاها الرفقاء الذين كانوا يُقيمون معه، أو يدعونه إلى الشراب، أو يتملَّقونه بطريقة أو أخرى.
قال مايك: «أعمل خمسة أيام في الجنوب الشرقي، وأُقسم لك يا أخي، حتى عندما أعمل الأيام الخمسة كاملة، إلى درجة أنني لا أستطيع القيام عن هذا الكرسي، يظل لديَّ عجز بمبلغ خمسة عشر سِنتًا. أربع عشرة بوصة من الصخور! وأقول للسيد بيشوب، ذلك المراقب: «هل ستدفع لي مقابل تلك الصخرة؟» يقول: «هه؟» فأقول: «حسنًا، إذا لم تدفع لي مقابل الصخرة، فلن أواصل العمل عليها. لا مكانَ لديَّ لأضعَ فيه تلك الصخرة.» فيقول: «اخرج من هنا بحق الجحيم»، وعندما شرعتُ في مهاجمته صوَّب مسدسه نحوي. ثم ذهبتُ إلى جبل سيدار، وأعطاني المشرف عملًا هناك، وقال: «اذهب إلى الموقع رقم ٤، ضَعِ القضبان في الموقع رقم ٣، وكذلك العوارض والوصلات.» وقال: «سأدفع لك عندما تُوصِّلها.» فانصرفتُ بها ووصَّلتُها، وعملتُ حتى الساعة الثانية عشرة. حملتُ الأزواج الثلاثة من القضبان والعوارض والوصلات، اقتلعتُ جميع المسامير …»
سأل هال: «اقتلعتَ المسامير؟»
«لم أحصل على أيِّ مسامير جيدة. ومن ثَم، لم يكن أمامي إلا أن أستخدم المسامير القديمة، التي كنت أقتلعها من العوارض والوصلات القديمة. ثم أقول له: «ماذا عن نصف اليوم الذي وعدتني به؟» فيجيبني قائلًا: «إنك لم تستخرج أيَّ فحمٍ بعد!» فأقول: «ولكن يا سيدي، أنت وعدتني أن تدفع لي مقابل اقتلاع المسامير وتركيب العوارض والوصلات!» فيقول: «الشركة لا تدفع شيئًا مقابل العمل الميت … أنت تعلم ذلك»، وكان ذلك كلَّ ما حصلتُ عليه من تعويض.»
«ولم تحصل على أجر نصف اليوم الذي وعدكَ إياه؟»
«بالطبع لم أحصل على شيء. فرئيس العُمَّال يفعل ما يحلو له في منجم الفحم.»