الفصل السادس عشر
أوضحَ العجوزُ مايك أنَّ هناك طريقة أخرى يكون عامل المنجم بها تحت رحمة الآخرين، وهي سرقة العربات. كان لكل عامل منجم لوحاتٌ نحاسية عليها رقمه، وعندما كان يرسل عربة محمَّلة إلى خارج المنجم، كان يُعلِّق إحدى هذه اللوحات على خطَّافٍ داخل العربة. وفي أثناء الرحلة الطويلة إلى المَقلَب، كان من شأن أي أحدٍ أن يُغيِّر اللوحة، ومن ثَم تضيع حمولة العربة على العامل ولا تُحسَب له. وفي بعض المناجم، كان الرقم يُكتَب على العربة بالطباشير، ومن ثَم كان من السهل على أي شخصٍ أن يمسح الرقم ويُغيِّره! بدا لهال أنه سيكون من السهل وضع قُفلٍ بالرقم على العربة بدلًا من اللوحة، لكن هذه الأقفال كانت ستكلِّف الشركة مائة أو مائتَي دولار، حسبما قِيلَ له، وهكذا استمرت السرقة سنة بعد أخرى.
سأل هال: «هل تعتقد أن الرؤساء هم مَن يسرقون هذه العربات؟»
«أحيانًا الرؤساء، وأحيانًا أصدقاء الرؤساء … أحيانًا تسرقها الشركة نفسها من عُمَّال المناجم.» أصرَّ العجوز السلوفاكي على أن الشركة نفسها هي التي كانت تسرق العمَّال في نورث فالي. قال إنه لم يكن من المُجدي أن يرسل العامل أكثر من ست عرباتٍ في اليوم الواحد؛ فلم يكن في إمكانك أبدًا الحصول على مقابل لأكثر من ست عربات. كما لم يكن من المُجدي أن تُحمِّل أكثر من طن في العربة الواحدة؛ فلم يكونوا يزِنون العربات كما ينبغي؛ إذ كان مسئول تسجيل الأوزان يُمرِّرها بسرعة فوق الميزان، وكانت لديه أوامر بألَّا يتجاوز متوسِّطًا مُعيَّنًا. حكى مايك عن إيطالي حمَّل عربة، على سبيل الاختبار، على ارتفاع عالٍ إلى درجة أنه بالكاد استطاع تمريرها تحت سقف المدخل، وصعد إلى المَقْلَب، ورآها بنفسه وهي تُوزَن، وكان وزنها ستة آلاف وخمسمائة رطل. فقدَّروها بثلاثة آلاف وخمسمائة، وعندما همَّ بالشجار معهم قبضوا عليه. لم يرَه مايك وهم يقبضون عليه، ولكنه عندما خرج من المنجم، كان الرجل قد رحل، ولم يره أحدٌ مرة أخرى. بعد ذلك وضعوا بابًا على غرفة تسجيل الأوزان، حتى لا يتمكَّن أحدٌ من رؤية الموازين.
كلما استمع هال إلى العُمال، وتفكَّر أكثر في هذه الأمور، زاد إدراكه بأن عامل المنجم كان متعاقِدًا لم تكن لديه أيُّ فرصة لتحديد حجم العقد قبل تولي تنفيذه، ولا بعد ذلك لتحديد مقدار العمل الذي أدَّاه. والأدهى من ذلك أنه كان مضطرًّا إلى استخدام الإمدادات التي لم تكن لديه سيطرة على أسعارها وأحجامها. كان يستخدم البارود، وقد يجد عجزًا في آخِر الشهر في كمية معينة، ولو ثبت أن الكمية غير سليمة، فإنه لم يكن يحصل على أي تعويض. وكان يُفرَض عليه مبلغٌ معينٌ نظير أعمال «الحِدادة»، مثل صيانة أدواته والمحافظة عليها، وكان من الممكن أن يجد دولارًا أو دولارَين مُستقطَعَين من حسابه كلَّ شهر، حتى لو لم يَقْرَب ورشة الحدادة من الأساس.
تساءل هال عن رأي أي رجل أعمال في العالم إذا قُدِّم إليه هذا العرض، تُرى هل سيُبرم عقدًا بناءً على شروط كهذه! هل سيُقدِم أيُّ شخص على بناء سَدٍّ، على سبيل المثال، ولم تسنح له فرصةٌ لقياس الأرض أولًا، أو تُتَح له وسيلة لتحديد كم ياردة مكعَّبة سيستخدمها من الأسمنت؟ هل يبيع البقَّال إلى زبون يقترح عليه أن يأتي إلى المتجر ويزِن بضاعته بنفسه … ويمنع البقَّال من دخول المتجر في تلك الأثناء؟ لم يكن طرْح مثل هذه الأسئلة إلا لإظهار عبثية الأمر، ومع ذلك كان هناك في هذه المنطقة خمسة عشر ألف رجل يعملون في هذه الظروف تمامًا، ويخضعون لهذه الشروط بحذافيرها.
بموجب قانون الولاية، كان لعامل المنجم الحَقُّ في المطالبة بمراقِب أوزان كي يحمي مصالحه في أثناء وزن حمولة العربات من الفحم، وكان عليه أن يدفع أجر هذا المراقب من أجره الخاص. وعندما كانت تُوجَّه أيُّ انتقاداتٍ عامة حول ظروف العمل في مناجم الفحم، كان أصحاب المناجم يتشدَّقون بهذا القانون، وينتصرون لأنفسهم به، وكان على المرء أن يعيش الواقع الفعلي، وتكون لديه تجربة حقيقية للأُمور كي يدرك حجم السخرية المريرة التي يشعُر بها عامل المنجم جرَّاء ذلك.
في غرفة الطعام، جلس هال بجوار عملاقٍ سويدي أشقر الشعر، يُدعَى يوهانسون، كان يُحمِّل الأخشاب لمدة عشر ساعات في اليوم. كان هذا الرجل من النوع الذي يتمتَّع برفاهية التعبير عن رأيه صراحة؛ لأنه كان شابًّا ومفتول العضلات، ولم تكن له عائلة تُقيِّده. كان من النوع الذي يُطلَق عليه «عمالة متجوِّلة»؛ حيث كان يتجوَّل من منجمٍ إلى حقل حصاد، ومن حقل حصادٍ إلى مُعسكَرٍ لقطع الأخشاب. طرحَ عليه أحدُهم موضوعَ مراقِب الأوزان، وسمع كلُّ مَن يجلسون إلى الطاولة ضحكته الساخرة. فليحاول أحد أن يطلب مراقِبًا للأوزان!
سأل هال: «هل تقصد أنهم سيطردونه؟»
كان جوابه: «ربما! ربما يجعلونه يطرد نفسه.»
«كيف هذا؟»
«يُنغِّصون عليه حياته حتى يرحل.»
هكذا كان الحال مع مراقِب الأوزان … مثلما هو الحال مع الإيصالات والصكوك، ومع المتاجر التابعة للشركة، ومع جميع أحكام القانون التي تحمي عامل المناجم من الحوادث. قد تجوز لك المطالبة بحقوقك القانونية، ولكن إن فعلت ذلك، فستُصبح رهن مزاج رئيس العُمَّال. قد يجعل حياتك بائسة لَعِينة حتى تغادر بمحض إرادتك. أو قد يصبُّ عليك وابلًا من الشتائم، ويُصدِر الأمر «بإخراجك من الوادي!» … وربما تتلقَّى ركلة من حذائه، أو تجد فُوَّهة مسدسه مُصوَّبة أسفل ذقنك.