الفصل السادس والعشرون
أبقى هال عينَيه على ذلك الذي تعرَّف عليه لتوِّه، وأدركَ أنه كان يتحدَّث مع آخرين غيره. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى تعاملَ الرجل مع العجوز مايك، ولم يكن مايك بالطبع يستطيع أن يرفض دعوة للتذمر، على الرغم من أنها جاءت من الشيطان ذاته. قرر هال أنه يجب فعل شيء حيال الأمر.
استشار صديقَه جيري، الذي ربما لديه معيارٌ بحُكم كونه راديكاليًّا لاختبار الرجل الغريب. بحثَ جيري عنه في وقت الظهيرة، ثم عاد وأفاد بأنه كان جاهلًا بالأحوال مثل هال تمامًا. إما أن الرجل كان محرِّضًا يسعى إلى «بدء شيء ما»، وإما كان محقِّقًا أرسلته الشركة. ولم يكن هناك سوى طريقة واحدة لمعرفة ذلك؛ وهي أن يتحدَّث معه شخصٌ ما بحرية وصراحة، ونرى ما سيحدث لذلك الشخص بعد ذلك!
بعد فترة من التردُّد، قرر هال أنه سيكون الضحية. فقد أيقظ الأمرُ فيه من جديدٍ حُبَّ المغامرة، الذي كان الحفرُ في منجم الفحم قد أخمدَه. كان الغريبُ الغامض بمنزلة نوعٍ جديد من عمَّال المناجم، نوع يحفر في نفوس الرجال؛ ومن ثَم كان على هال أن يرسمَ له خطة مضادة ليكشفه، كان عليه أن يضع له الألغام، وربما يُفجِّره. وكان في إمكانه اجتياز هذه التجربة أفضل من غيره … أفضل، على سبيل المثال، من السيدة ديفيد الضعيفة، التي استقبلت الغريبَ في منزلها بالفعل، وكشفت له عن حقيقة أنَّ زوجها عضو في واحدة من أبرز منظمات عمَّال المناجم الثورية؛ اتحاد جنوب ويلز.
ومن ثَم، دعا هال الغريبَ في يوم الأحد التالي إلى نزهة أخرى. كان الرجل مترددًا … حتى قال هال إنه يريد التحدُّث إليه. في أثناء سيرهما في الوادي، استهلَّ هال حديثه: «كنت أفكِّر فيما قلتَه عن الظروف في هذه المعسكرات، ولقد خلصتُ إلى أنه سيكون من الجيد لو أحدثنا بعضَ التغيير هنا في نورث فالي.»
قال الآخر: «أحقًّا؟»
«في بداية وجودي هنا، كنت أعتقد أنَّ العمَّال مجرد أُناسٍ متذمِّرين. لكن الآن أُتيحت لي الفرصة لأرى بنفسي، ولا أعتقد أن أحدًا يُعامَل بإنصافٍ. فمن ناحية، لا يحصل أحدٌ على وزن حمولته الكامل في هذه المناجم … على الأقل ليس إلا إذا كان من المفضَّلين لدى رئيس العمَّال. أنا متأكد من ذلك، فقد جرَّبتُ كلَّ شيء مع زميلي. حمَّلنا عربة بحمولة خفيفة للغاية، وقُدِّر وزنُها بألف وثمانمائة، ثم حمَّلنا عربة بحمولة كبيرة وثقيلة، كي نتأكَّد من أنها تحتوي على ضِعف حمولتها … ولكن كل ما حصلنا عليه كان اثنَين وعشرين وثلاثة وعشرين. لا توجد طريقة يمكنك بها التغلُّب على الأمر … على الرغم من أن الجميعَ يعلم أن تلك العربات الكبيرة تتَّسع لحمولة طنَّين أو ثلاثة أطنان.»
قال الآخر: «نعم، أعتقد أنها تتَّسع لذلك.»
«وإذا وضعتَ أصغر قطعة من الصخر، فكلُّ ما هنالك أن وزن حمولتك سيصبح «صفرَين»، وبالطبع يدَّعون أحيانًا أنك قد وضعتَ الصخر عمدًا لتزيد الوزن في حين أنك لم تفعل ذلك. ولا يوجد قانون يجبرهم على التحقُّق من الأمر.»
«نعم، أظنه لا يوجد.»
«الأمر ببساطة كالتالي … يجعلونك تعتقد أنهم يدفعون خمسة وخمسين للطن، لكنهم يبخسونك الوزن لتحصل على خمسة وثلاثين. وبالأمس في متجر الشركة دفعتُ دولارًا ونصف دولار مقابل بذلة عمل زرقاء كنت أدفع فيها في بيدرو ستين سِنتًا.»
قال الآخر: «حسنًا، تتحمَّل الشركة مصاريفَ نقل البذلات إلى هنا، كما تعرف!»
اكتشف هال تدريجيًّا أن الوضعَ قد انعكسَ … أصبح الغريبُ الغامض مشغولًا الآن بتجنُّب التباسُط معه في الحديث! لسببٍ ما، لم يترك اهتمامُ هال المفاجئ بالعدالة في العمل أيَّ أثر لدى الشخص الذي يُحادثه.
وهكذا انتهت مسيرته المهنية كمحقِّق نهاية غير مشرِّفة. ومن ثَم، صاح مغيِّرًا الموضوع: «أخبرني يا رجل! ما هي خطتُك، على أي حال؟»
قال الآخر بهدوء: «خطة؟ ماذا تعني؟»
«أعني، لماذا أنتَ هنا؟»
«أنا هنا من أجل دولارَين في اليوم … مثلُك على ما أخمِّن.»
شرع هال في الضحك. وقال: «أنا وأنت مثل غواصتَين، تحاول كلٌّ منهما العثور على الأخرى تحت الماء. أعتقد أنه من الأفضل أن نصعد إلى السطح لمباشرة قتالنا.»
فكَّر الآخر في التشبيه، وبدا أنه أعجبه. وقال: «فلتبدأ أنتَ أولًا.» لكنه لم يبتسم. كانت عيناه الزرقاوان الهادئتان مُثبَّتتَين على هال بجدية شديدة.
قال هال: «حسنًا. قصتي ليست مثيرة للغاية. لستُ مجرمًا هاربًا، ولست جاسوسًا للشركة، كما قد يتبادر إلى ذهنك. ولست عامِل مناجم «في الأصل». تصادفَ أنَّ لديَّ أخًا وبعض الأصدقاء في موطني يعتقدون أنهم يعرفون صناعة الفحم، وقد استفزَّني هذا، فجئتُ لأرى بنفسي. هذا كلُّ ما في الأمر، غير أنني وجدتُ أشياء مثيرة للاهتمام، وأريد البقاء فترة من الوقت، لذلك آملُ ألا تكون «محلَّ إزعاج»!»
مشى الآخر في صمتٍ، وهو يفكِّر في كلمات هال. ثم علَّق أخيرًا: «تلك قصة لا يمكنك وصفها بالعادية.»
أجاب هال: «أعرف. ولكن أفضل ما يمكنني قوله عنها هو إنها صحيحة.»
قال الغريب: «حسنًا، سأُصدِّقها. يجب أن أجد أحدًا أثق به، إذا كنت أريد تحقيق شيء. لقد اخترتُك لأن وجهَك أعجبني.» ثم ألقى على هال نظرة فاحصة أخرى وهو يمشي. «ابتسامتُك ليست ابتسامة شخصٍ مخادع. لكنك صغير السن … ولذا دعني أذكِّرك بأهمية التكتُّم والسرية في هذا المكان.»
قال هال: «سألتزم الصمت»، وفتحَ الغريبُ جيبًا في قميصه، وأخرج خطابًا يثبت أنه توماس أولسون، مُنظِّم «اتحاد عمَّال المناجم»، وهو الاتحاد الوطني الكبير لعُمَّال مناجم الفحم!