الفصل السابع والعشرون
فَزِع هال من هذا الاكتشاف؛ إلى درجة أنه توقَّف فجأة وحدَّق في الرجل. لقد سمع الكثير عن «مُثيري المتاعب» في المعسكرات، ولكن النوع الوحيد الذي كان قد رآه حتى ذلك الحين هو أولئك الأشخاص الذين وظفَّتهم الشركة لإثارة مشكلاتٍ لدى العمَّال. ولكن الآن، ها هو ذا أحد المنظِّمين النِّقابيين! ألمحَ جيري إلى هذا الاحتمال، لكن هال لم يأخذه على محمل الجد؛ كان المنظِّم النقابي كائنًا أُسطوريًّا يتهامس بشأنه عمَّال المناجم، ملعونًا من الشركة وخُدَّامها، ومن أصدقاءِ هال في موطنه. شخصٌ مثير للمتاعب، مُحرِّض، صاخِب، غير مسئول، يستثير العواطفَ العمياء والخطيرة! ونظرًا إلى أنَّ هال كان يسمع عن أمورٍ كهذه طوال حياته، فإنَّ أول ما بدر منه هو عدم الثقة. شعرَ هال بشعور عامِل التحويلة العجوز الأعرج الذي أعطاه مكانًا لينامَ فيه، بعد ضربه في باين كريك، والذي قال: «لا تتحدَّث معي عن أمورٍ تتعلق بالاتحادات النقابية!»
عندما لاحظ المنظِّم النقابي ما اعترى هال من مشاعر، أطلقَ ضحكة مزعجة. وقال: «بينما تأمل ألا أكون «محل إزعاج»، أثق أنك تفهم — بدورك — أنني آمل ألا تكون أنت الآخر كذلك.»
كانت إجابة هال في صلب الموضوع. قال ويداه تتحسَّسان مكان كدماته القديمة: «لقد اعتقدوا أنني مُنظِّم نقابي ذات مرة.»
ضحكَ الآخر. وقال: «هل انتهى الأمر بضربك؟ لقد كنت محظوظًا. في الجنوب في ألاباما، منذ وقتٍ ليس ببعيدٍ، سكبوا على أحدِنا القَطِران وغطَّوه بالريش.»
ظهر الفزعَ على وجه هال، ولكن بعد لحظة بدأ يضحك هو الآخر. وقال: «كنت أفكِّر لتوِّي في أخي وأصدقائه … ماذا كان عساهم سيقولون لو أني عدت إليهم في الديار من باين كريك وأنا مُغطًّى بالقَطِران والريش!»
تجرأ الآخر، قائلًا: «ربما كانوا سيقولون إنك حصلتَ على ما تستحقه.»
«نعم، يبدو هذا دَيدَنهم ودأبهم. تلك هي القاعدة التي يطبقونها على كلِّ العالم … إذا وقع لك خَطب ما، فلا بد أنه خطؤك أنت. إنها أرض الفُرَص المتساوية.»
قال المنظِّم النقابي: «وسوف تلاحظ أنه كلما زادت الامتيازات لدى الأشخاص، تجرَّءوا أكثر على التحدُّث بتلك الطريقة.»
بدأ هال يشعر بإحساسٍ من الرفقة مع هذا الغريب، الذي كان قادرًا على تفهُّم مشكلات عائلته! لقد مضى وقتٌ طويل منذ أن تحدَّث هال مع أي شخصٍ من العالَم الخارجي، وقد وجدَ في ذلك راحة لذهنِه. تذكَّر كيف أنه بعد أن تعرَّض للضرب استلقى تحت المطر، وهنَّأ نفسه على أنه لم يكن ما ظنَّه الحُرَّاس فيه. كان في ذلك الحين لديه فضولٌ بشأن سيكولوجية المنظِّم النقابي. لا بد أنَّ لدى الرجل قناعاتٍ قوية كي ينشغل بهذا الأمر!
أبدى هال هذه الملاحظة، وأجاب الآخر: «يمكنك الحصول على راتبي في أي وقتٍ تقوم فيه بعملي. لكن دعني أخبرك أيضًا أن الضرب والطرد من المعسكر ليسا أكثر ما يزعج المرء؛ وليس أيضًا قائد المعسكر والجاسوس والقائمة السوداء. فأسوأ مشكلاتك تكمن في أذهان الرجال الذين تحاول مساعدتهم! هل فكَّرتَ يومًا فيما تعنيه محاولة شرح الأمور لرجالٍ يتحدَّثون عشرين لغة مختلفة؟»
قال هال: «نعم، بالطبع. أتساءل كيف ستبدأ الحديث معهم من الأساس.»
«حسنًا، عليك أن تبحث عن مترجمٍ … وربما يكون جاسوسًا للشركة. أو ربما يكون أول رجلٍ تحاول إقناعه هو مَن سيُبلغ عنك رئيس العمَّال. ولأن بعض الرجال بالطبع جبناء، وبعضهم محتالون، فسوف يبيعون الزميل التالي من أجل الحصول على «وضعٍ» أفضل … ربما مقابل كأس من الجِعَة.»
قال هال: «لا بد أن لهذا تأثيرًا في إضعاف قناعاتك.»
قال الآخر بلهجة واقعية: «لا، إنه أمرٌ صعب، ولكن لا يمكن للمرء أن يلوم هؤلاء المساكين التُّعساء. إنهم جاهلون … أَبقَوهم على جهلهم عن عمدٍ. يجلبهم الرؤساء إلى هنا، ولديهم نَسقٌ منتظم لمنعهم من الالتقاء والاجتماع معًا. وبالطبع، فإن هذه الشعوب الأوروبية لديها تحيُّزاتها القديمة … تحيُّزات وطنية، وتحيُّزات دينية، تُبقيهم منفصلين. فربما ترى رجلَين، أحدُهما لا يقل بؤسًا عن الآخر … ولكنك تجد أحدَهم يحتقر الآخر؛ لأنه كان في وطنه أفضل من الآخر. وهكذا يخدمون مصالح رؤسائهم دون أن يدروا.»