الفصل الثامن والعشرون
وصلَا إلى مكانٍ بعيد في الوادي، وجلسَا على صخرة مسطَّحة؛ حيث تمكَّنا من التحدُّث على راحتهما.
قال المنظِّم النقابي: «ضَعْ نفسك مكانَهم. إنهم في بلدٍ غريب، وإذا بأحدِ الأشخاص يقول لهم شيئًا، ويقول آخر شيئًا غيره. يقول السادة ووُكلاؤهم: «لا تثقوا بمحرِّضي الاتحادات النقابية. إنهم مُحتالون يعيشون حياة سهلة، ولا يضطرون إلى العمل. يأخذون أموالكم ويُطالبونكم بالإضراب، فتخسِرون أموالكم ومنازلكم، وربما يبيعونكم ويذهبون إلى مكان آخر ليُكرِّروا الخُدعة نفسها.» ويعتقد العمَّال أن ذلك ربما يكون صحيحًا؛ فليس لديهم من الفِطنة ما يمكِّنهم من أن يرَوا أنه إذا كان قادة الاتحادات النقابية فاسدِين، فلا بد أن ذلك بسبب أن رؤساء العمل يشترونهم بالرِّشا، ومن ثَم، تجدهم، كما ترى، في حيرة تامة؛ لا يعرفون إلى أي صَوْبٍ يتَّجهون.»
كان الرجل يتحدَّث بهدوء، ولكن كان القليلُ من وَهج الإثارة يرتسم على وجهه. «تظل الشركة تكرِّر إلى الأبد أنَّ هؤلاء الأشخاص راضون … وأننا نحن مَن نستنهضهم ونثيرهم. ولكن هل هم راضون؟ لقد قضيتَ هنا وقتًا طويلًا بما يكفي لتعرف الإجابة!»
أجاب هال: «الأمر لا يستدعي النقاش. بالطبع ليسوا راضين؟ لقد بدَوا لي كأنهم مجموعة كبيرة من الأطفال يبكون في الظلام … لا يعرفون ما خطبُهم، أو مَن المسئول عما هم فيه، أو إلى أين يتجهون طلبًا للمساعدة.»
وجد هال أنَّ عدم ثقته بالرجل قد بدأ يتلاشى. فلم يتطابق بأي شكلٍ من الأشكال مع الصورة التي كانت في مُخيِّلة هال عن المنظِّمين النقابيين؛ كان شابًّا أمريكيًّا أزرق العينَين ونظيفَ المظهر، ولم يكن مُتَهوِّرًا وصاخبًا، بل كان مُتروِّيًا فَطِنًا. كان يشعر بالسخط بالطبع، لكنه لم يعبِّر عن سخطه بالضجيج أو البلاغة المتكلَّفة؛ وقد لاقى هذا الانضباط إعجابَ هال، الذي، على الرغم من ميوله الديمقراطية، اعتاد التفكير كواحدٍ من أبناء الطبقة التي يَقبِضُها الضجيجُ والتأكيد الزائد على الأمور.
كان هال مُهتمًّا أيضًا بموقفه تجاه نقاط ضعف العمَّال. «خمول» الفقراء، الذي جعلَ الكثيرين ييئَسون منهم — جُبنهم واضطرابهم — كانت هذه هي الأشياء التي سمع عنها هال طوال حياته. سيقول الناس: «لا يمكنك مساعدتهم. إنهم قذرون وكسالى، يشربون الخمرَ ويتهرَّبون من عملهم، ويخونون أنفُسَهم. لقد كانوا دائمًا هكذا.» وملخص الفكرة أنك «لا يمكنك تغيير الطبيعة البشرية!» حتى ماري بيرك، التي هي نفسها من أبناء الطبقة العاملة، تحدَّثت عن العمَّال بهذه الطريقة الغاضِبة والساخرة. لكن أولسون كان يؤمن برجولتهم، وسعَى إلى إيقاظهم وتعليمهم.
كان الطريق أمامه واضحًا ومُستقيمًا. «يجب أن يتعلَّموا التَّضافُر. إنهم، كأفرادٍ، عاجزون أمام سلطة الشركات الكبرى، ولكن إذا اتَّحدوا، إذا باعوا عملهم كوحدة واحدة … فسيكون لهم شأن حقًّا.» توقَّف، ونظر إلى الآخر مُتسائلًا. «ما شعورك تجاه الاتحادات النقابية؟»
أجاب هال: «إنها أحدُ الأشياء التي أريد أن أعرف معلوماتٍ عنها. يسمع المرء هذا وذاك … هناك الكثير من التحيُّز في كلا الجانبَين. أريد أن أساعد المستضعَفين، لكني أريد أن أتأكَّد من الطريقة الصحيحة.»
سأل أولسون: «وهل من طريقة أخرى في رأيك؟» وتوقَّف قليلًا. ثم قال: «أن تتودَّد إلى القلوب العطوفة لأصحاب الشركات؟»
«ليس بالضبط؛ ولكن ألا يمكن للمرء أن يجذب الناسَ بشكلٍ عام … الرأي العام؟ لقد نشأتُ أمريكيًّا، وتعلَّمت أن أُومِن ببلدي. لا يسعُني التفكير، ولكن ثمة طريقة لتحقيق العدالة. ربما إذا خاض الرجالُ العمل بالسياسة …»
صاح أولسون: «السياسة؟ يا إلهي! كم قضيتَ في هذا المكان؟»
«شهرين فقط.»
«حسنًا، ابقَ حتى نوفمبر، وانظر ماذا سيفعلون بصناديق الاقتراع في هذه المعسكرات!»
«يمكنني أن أتخيَّل، بالطبع …»
«لا، لا يمكنك. مثلما لا يمكنك أن تتخيَّل الفسادَ والبؤس!»
«ولكن إذا كان على الرجال أن يُصوِّتوا معًا …»
«كيف يمكنهم أن يصوِّتوا معًا … في حين أن أيَّ أحدٍ يذكر الفكرة يُطرَد من الوادي؟ عجبًا، لا يمكنك حتى الحصول على أوراق التجنُّس إلا إذا كنت رجل الشركة؛ لن يقوموا بتسجيلك إلا إذا منحهم رئيسُك في العمل الموافقة. كيف ستشرع في الأمر إذا لم يكن لديك اتحاد نقابي؟»
كان على هال أن يعترف أنَّ الأمر قد بدا معقولًا، لكنه فكَّر في القصص التي سمعها عن «المندوبين المتجوِّلين»، وكلِّ العواقب المروِّعة المترتِّبة على «هيمنة الاتحادات النقابية.» لم يكن ينوي الدخول في نظام اتحادٍ نقابي للعمَّال!
كان أولسون يواصل حديثه. «لقد مرَّرنا القوانين؛ مجموعة كاملة من القوانين حول تعدين الفحم … قانون الساعات الثماني، قانون مكافحة الصكوك المالية، قانون متجر الشركة، قانون رش المناجم، قانون مُراقبي الأوزان. ما الفرق الذي يُحدِثه وجودُ مثل هذه القوانين في سجلات التشريع على نورث فالي؟ هل كنت حتى تسمع عنها يومًا؟»
قال هال: «آه، الآن! إذا كان الأمر كذلك … إذا كانت حركتك تهدف إلى تفعيل القانون … فأنا معك!»
«لكن كيف سيُفعَّل القانون، إلا بوجود اتحادٍ نقابي؟ لا يمكن لفردٍ أن يفعل ذلك وحده … «سيُطرَد من الوادي» إذا ذكر القانون. يذهب أعضاء اتحادنا النقابي في ويسترن سيتي إلى مسئولي الحكومة، لكنهم لا يفعلون شيئًا أبدًا … ولماذا؟ إنهم يعلمون أن العمَّال لا يسيرون في ركابنا! إن موقف السياسيين هو نفسه موقف رؤساء العمل … الاتحاد النقابي هو الشيء الوحيد الفعَّال!»
وجد هال هذا المنطق جديدًا تمامًا. ومن ثَم، قال: «الناس لا يدركون تلك الفكرة … أن الرجال يجب أن يُنظِّموا جهودَهم كي يحصلوا على حقوقهم القانونية.»
ورفع الآخر يديه في إيماءة هَزلية. وقال: «يا إلهي! إن حاولت أن تُحصي كَمَّ الأمور التي يجهلها الناس عن عُمَّال المناجم، فحَدِّث ولا حَرَج!»