الفصل التاسع والعشرون
كان أولسون حريصًا على إقناع هال، واستمر في إخباره بكل أسرار عمله. لقد بحث عن رجالٍ يؤمنون بالاتحادات النقابية، وكانوا على استعدادٍ للمخاطرة بمحاولة إقناع الآخرين. كانت خطته أنه في كل مكانٍ يزوره سيؤلِّف مجموعة، ويرتِّب طريقة ما للتواصل معهم، وبعد مغادرته سيُهرِّب منشوراتٍ دعائية لتوزيعها. وستكون هذه بمنزلة النواة لتشكيل منظمة نقابية. وفي غضون عام أو عامَين ستكون لديهم نواةٌ كهذه في كلِّ معسكرٍ، ومن ثَم سيكونون مستعدِّين للظهور إلى العَلن، والدعوة إلى عقد اجتماعاتٍ في المدن وفي أماكن أخرى في الوديان التي يتوافد إليها عمَّال المناجم. ومن ثَم، تشتعل نيران الثورة؛ حيث سيزداد معدل انضمام العمَّال إلى الحركة بما لا يدع مجالًا أمام الشركات لاستيعاب ما يجري والتخلُّص منهم، وسيُطالبون بحقوقهم، مُعوِّلين على تهديدات الإضراب التي سيُطلقها العُمَّال في جميع أنحاء المنطقة.
أضافَ أولسون: «كما تفهم، لدينا حقٌّ قانوني في تشكيل منظمة نقابية … حتى مع عدم موافقة رؤساء العمل على ذلك. وعلينا الثبات على هذا الهدف وعدم الحيود عنه.»
قال هال؛ «أجل، ولكن يبدو لي أنه سيكون من الأفضل، من الناحية التكتيكية هنا في نورث فالي، إذا اخترت مشكلة لا يدور حولها خلافٌ كبير، كأن تُركِّز على وجود مراقِب للأوزان.»
ابتسم الآخر. وقال: «يجب أن يكون لدينا اتحادٌ نقابي لدعم الطلب؛ فما الفارق إذن؟»
قال هال: «حسنًا، هناك تحيُّزاتٌ يجب أخذها في الاعتبار. بعض الأشخاص لا تروق لهم فكرة الاتحاد النقابي … يعتقدون أنها تعني الاستبداد والعنف …»
ضحكَ المنظِّم النقابي. وقال: «أنت غير مقتنع، ولكن هذا عهدُك، أليس كذلك؟ حسنًا، كلُّ ما يسعني قوله هو أنك إذا كنت تريد التعامل مع مسألة وجود مراقِب للأوزان في نورث فالي، فلن أقفَ في طريقك!»
ها هي فكرةٌ ما تلُوح في الأفق … فكرةٌ حقيقية ملموسة! فقد أصبحت حياة هال باهتة وكئيبة منذ أن بدأ عمله كمساعِدٍ في مكان يبلغ ارتفاعُه خمس أقدام. أما الآن، فمن شأن هذه الفكرة أن تَعِدَ بأوقاتٍ أكثر طاقةً وحيوية!
ولكن هل كان هذا هو الشيء الذي يريد فعله؟ حتى ذلك الوقت، كان هال يكتفي بمراقبة الأحوال في معسكر الفحم. كان مقتنعًا بأنَّ الأحوال قاسية، وكان في رأيه أيضًا أن هذه القسوة غير ضرورية ومتعمَّدة. ولكن عندما تعلَّق الأمر باتخاذ إجراءٍ حيال ذلك … تردَّد، وتصدَّرت التحيُّزات والمخاوف القديمة المشهدَ. فقد قِيلَ له إنَّ العمَّال «متمردون» و«كُسالى»، ومن ثَم كان لا بد من «حُكمهم بقبضة من حديدٍ»، أما الآن، فهل هو على استعدادٍ لإضعاف هذه القبضة الحديدية، هل هو على استعدادٍ للتحالف مع أولئك الذين «أثاروا روح التمرُّد بين العمَّال»؟
ولكنه قال لنفسه إنه شتانٌ بين هذا وذاك. كان اقتراح أولسون مختلفًا عن فكرة النقابة العُمَّالية، التي قد تكون بمنزلة قوة مُعرقِلة، تقود العمَّال من مطلبٍ إلى آخر، حتى يَطمحوا إلى «الهيمنة على الصناعة ككل». فقد كان اقتراحُه مجرد لجوءٍ إلى القانون واحتكامٍ إليه، مجرد اختبار لمزاعم المصداقية والتعامُل المنصِف التي تتشدَّق بها الشركة في كل مكان. إذا كان العمَّال يتمتعون، كما ادَّعى رؤساءُ العمل، بحماية كاملة بموجب قانون مراقبي الأوزان، وإذا كان السبب وراء عدم وجود مراقبين، يُعزى ببساطة — كما أوهموا العالَم كله — إلى عدم مطالبة العمَّال بذلك، فلا ضررَ إذن. أما إذا كان الرؤساء يعتبرون أنَّ المطالبة بحقٍّ لم يكن فقط حقًّا قانونيًّا، بل أخلاقي أيضًا، شكلٌ من أشكال التمرد ضد الشركة، فهذا من شأنه أن يخبرَ هال بالمزيد عن أسباب «تمرد» العمَّال! وإذا كان هدف الرؤساء، كما أكدَّ العجوزُ مايك والباقون، أنْ «يجعلوا حياة العمَّال مأساةً لعينة» حتى يضطروا إلى ترك العمل، فإنه على استعدادٍ لأن يجعل حياةَ الرؤساء مأساةً في المقابل!
قال هال فجأة: «ستكون تجربة مثيرة.»
وضحك الآخر. «حقًّا، ستكون كذلك!»
أضاف هال: «ترى أنني سأخوض تجربة أخرى كتجربة باين كريك.» ثم أردفَ: «حسنًا، ربما يحدث ذلك … ولكن عليَّ أن أجرِّب بنفسي. اسمَع، لديَّ أخٌ في موطني، وعندما أفكِّر في المشاركة في تمرد، أتخيَّل أنني أخوض جدالًا معه. أريد أن يسعَني القول حينها إنني «لم أنسَق انسياقًا أعمى وراء آراء الآخرين وأفكارهم؛ بل خُضْتُ التجربة بنفسي، وهذا ما حدث.»
أجاب المنظِّم النقابي: «حسنًا، لا بأس. ولكن بينما تسعى إلى تعليم نفسك وأخيك، لا يغيب عن ذهنك أنني قد اكتسبت معرفتي بالخبرة والتجربة. ومن ثَم، فأنا أعلم ما يحدث للرجال الذين يطالبون بتعيين مراقبين للأوزان، ولا أستطيع أن أُضحِّي بنفسي لإثبات ذلك مرة أخرى.»
ضحك هال، وقال: «لم أطلب منك ذلك قطُّ. إن كنتُ لم أنضم إلى حركتك، فلا يمكنني أن أتوقَّع منك الانضمام إلى حركتي! ولكن إذا تمكَّنتُ من العثور على بعض الرجال الذين هم على استعدادٍ لتحمُّل المخاطرة بالمطالبة بوجود مراقِب للأوزان، فلن يضر ذلك بعملك، أليس كذلك؟»
قال الآخر: «مُطْلَقًا! بل على العكس تمامًا … سوف يعطيني ذلك مثالًا عمليًّا يمكنني الرجوع إليه. يوجد رجالٌ هنا لا يعرفون حتى أنَّ لديهم الحقَّ القانوني في المطالبة بتعيين مراقِب للأوزان. وهناك آخرون يعرفون أنهم لا يحصلون على ما يُكافئ أوزان حمولتهم الفعلية من الفحم، لكنهم ليسوا متأكِّدين من أن الشركة هي مَن يغشُّهم. إذا رفضَ الرؤساء السماحَ لأحدٍ بمراقبة الأوزان، وإذا تمادَوا وطردوا الرجال الذين يطالبون بذلك، فسينخرط الكثير ممن في اتحادي المحلي!»
قال هال: «حسنًا. لا أُخطِّط لإمداد اتحادك المحلي بالرجال، ولكن إذا كانت الشركة ترغب في ذلك، فهذا شأنها!» وعلى هذا الاتفاق تصافَح الاثنان.