الفصل الثالث
بدأ هال وارنر يجُر نفسَه على الطريق نزولًا إلى الوادي، لكن قُواه لم تُسعِفه. وصلَ إلى جدول صغير ينحدِرُ من جانب الجبل، والذي كان بإمكانه أن يشرب منه دون الخوف من الإصابة بالتيفوئيد؛ فهناك كان يرقد صائمًا طوال النهار. وبحلول المساء هبَّتْ عاصفةٌ رعدية، وزحفَ ليحتميَ أسفل صخرة لم تكن له مأوًى على الإطلاق. وسرعان ما تبلَّلت البطانية الوحيدة التي كانت معه، وقضى ليلةً تكاد تقترب في بؤسها من الليلة الماضية. لم يستطع النوم، لكنه استطاع التفكير، وقد فكَّر فيما حدثَ له. قال بيل إنَّ منجم الفحم ليس مَلعبًا لكرة القدم، غير أنه بدا لهال أنَّ محصِّلة تأثير كلٍّ منهما — سواء الملعب أو المنجم — واحدة إلى حَدٍّ كبير. وهنَّأ نفسَه على أنَّ مِهنَته لم تكن مُنظِّمًا نقابيًّا.
نهض عند الفجر بشِقِّ الأنفس، وواصل رحلته، وقد أنهكه البردُ ونقصُ الطعام الذي لم يكن يألفه. وصلَ خلال النهار إلى محطة لتوليد الكهرباء بالقرب من سفح الوادي. لم يكن لديه ثمن وجبة، وكان يخشى التسوُّل؛ ولكن في إحدى مجموعات المباني على جانب الطريق كان هناك متجَر، فدخل وسأل عن سعر البرقوق المجفَّف، الذي كان بخمسة وعشرين سِنتًا للرطل. كان السعر مُرتفعًا، ولكن المكان أيضًا كان مرتفعًا، وكما اكتشفَ هال مع مرور الوقت، فقد برَّروا أحدَ الارتفاعَين بالآخر … مع أنهم لم يوضحوا قطُّ سبب أن ارتفاع الأسعار دائمًا ما يكون أكثر بكثيرٍ من الارتفاع الجغرافي للمتجر. رأى وراء منضدة البيع إشعارًا: «نشتري السندات المالية بخصم عشرة في المائة.» كان قد سمع شائعاتٍ عن وجود قانون في الولاية يحظر دفعَ الأجور في شكل «سنداتٍ مالية»؛ لكنه لم يسأل عن الأمر، وحملَ رطل البرقوق المجفَّف المبخوس وزنه للغاية، وجلس على جانب الطريق وأخذ يمضغه.
خلف محطة توليد الكهرباء مباشرة، وأسفل خط السكة الحديدية، كان هناك كوخٌ صغير بحديقة خلفه. شَقَّ طريقَه إلى هناك، فوجدَ حارسًا عجوزًا مبتورَ الساق. استأذن في المبيت على أرضية الكوخ، وعندما رأى الرجلَ العجوز ينظر إلى عينه السوداء من أثر الكدمة، أوضح له قائلًا: «لقد حاولتُ الحصول على عملٍ في المنجم، وحَسبوني مُنظِّمًا نِقابيًّا.»
قال الرجل: «حسنًا، لا أريدُ أيًّا من المنظِّمين النقابيين هنا.»
توسَّل هال قائلًا: «لكنني لست واحدًا منهم.»
«كيف لي أن أعرف ما أنت؟ ربما تكون جاسوسًا للشركة.»
قال هال: «كلُّ ما أريده هو مكان جافٌّ لأنامَ فيه. وبالطبع، لا ضرر عليك إنْ وفَّرته لي.»
أجاب الرجل: «لستُ متأكِّدًا. ولكن يمكنك فرد بطانيتك في الركن. لكن لا تتحدَّث معي عن أي أمور تتعلق بالنقابات.»
لم يكن لدى هال الرغبة في التحدُّث. لفَّ نفسَه في بطانيته، ونامَ كما لو أنه رجلٌ لا يشغله حُبٌّ أو فضول. وفي الصباح أعطاه الرجل العجوز شريحة من خبز الذُّرَة وبعض البصل الصغير من حديقته، وكان طعمُه ألذَّ من أي إفطار تناوله في أي وقتٍ مضى. عندما شكر هال مضيفَه في أثناء مغادرته، قال الأخير: «حسنًا، أيها الشاب، هناك شيءٌ واحد يمكنك فعله لتشكرني، وهو ألَّا تقول شيئًا عن الأمر. عندما يشيبُ شعرُ الرجل ولا تكون له سوى ساقٍ وحيدة، قد يصبح فقدانه لعَمله كالغرق في جدول ماء.»
وَعَدَه هال أن يكتم الأمر، ومضى في طريقه. لم يعُد ألم كدماته شديدًا، وأصبح قادرًا على المشي. كانت هناك بيوت ريفية في الأُفُق … وكان الأمر أشبه بالعودة فجأة إلى أمريكا!