الفصل الخامس
لم يكن جو المؤامرات هذا بالأمر الهيِّن على نفوس الرجال الذين يكسبون عيشَهم من الفحم، لكن هال كان لا يزال يرى فيه جوًّا من التشويق والإثارة، حتى في أخطر اللحظات. كان قد قرأ قصص الثوار، والشرطة التي طاردتهم. لا بد أن مثل هذه الإثارة كانت موجودة في روسيا، فقد كان يعلم ذلك، ولكن لو أن أحدًا قد أخبره أنه يمكن أن يجدها في موطنه الأمريكي الحُر، على بُعد ساعاتٍ قليلة من مدينته ومدينة جامعته، فما كان ليصدق هذا الكلام.
في المساء الذي تلا زيارة هال لإدستروم، أوقفه رئيسُه في الشارع. جفلَ هال عندما التقى به فجأة كأنه لصٌّ اصطدمَ بشرطي.
قال رئيس العمَّال: «مرحبًا يا فتى.»
كان الرد: «مرحبًا يا سيد ستون.»
قال رئيس العمَّال: «أريد التحدُّث إليك.»
«حسنًا يا سيدي.» وبعد ذلك، قال لنفسه: «لقد كَشَفَ أمري!»
قال ستون: «تعالَ إلى منزلي.» وتبِعه هال، وهو يشعر كما لو كانت الأصفادُ حول مِعصَمَيه بالفعل.
قال الرجل وهما يسيران: «بالمناسبة، اعتقدتُ أنك ستخبرني إذا سمعتَ أيَّ حديث.»
«لم أسمع شيئًا يا سيدي.»
تابعَ ستون: «حسنًا، عليك أن تشرع في مهمتك؛ من المؤكَّد أن هناك ثرثارين في كل معسكر فحم.» وفي أعماقه، تنفَّس هال الصعداء. كان إنذارًا كاذبًا!
وصلا إلى منزل رئيس العُمَّال، واتخذ رئيس العُمَّال لنفسه كُرسِيًّا في الشُّرفة وأشار إلى هال أن يتخذ لنفسه كرسيًّا آخر. جلسَا في إضاءة خافتة، وأخفضَ ستون صوتَه عندما استهلَّ حديثه. «ما أريد التحدُّث معك بشأنه الآن هو أمرٌ آخر … إنها هذه الانتخابات.»
«أيُّ انتخاباتٍ يا سيدي؟»
ألم تعلم أنه كانت هناك انتخابات؟ تُوفِّي عضو الكونجرس عن هذه المنطقة، وستُجرى انتخاباتٌ استثنائية بعد ثلاثة أسابيع اعتبارًا من يوم الثلاثاء المقبل.»
«أرى يا سيدي.» وضحكَ هال بينه وبين نفسه. سيحصل على المعلومات التي أوصاه توم أولسون أن يعرفها!
سأل رئيس العمَّال: «ألم تسمع أيَّ حديثٍ عن ذلك؟»
«لا شيءَ على الإطلاق يا سيدي. لا أُولي الكثيرَ من الاهتمام بالسياسة نهائيًّا … لا شأنَ لي بها.»
قال رئيس العمَّال بحماسٍ: «جيد، هذه هي الطريقة التي أحبُّ أن أسمع عمَّال المناجم يتحدَّثون بها! إذا كان لديهم جميعًا ما يكفي من العقل لترك السياسة للسياسيين، فسيكونون في وضعٍ أفضل بكثيرٍ. ما عليهم فعله هو الاهتمام بوظائفهم.»
وافق هال بحِلمٍ وخنوع: «نعم يا سيدي … مثلما يتعيَّن عليَّ أن أعتني بالبِغال، إذا كنت لا أرغب في الإصابة بالمغص.»
ابتسم الرئيس بتقديرٍ. وقال: «أنت أرجحُ عقلًا من معظمهم. إذا بقيتَ بجانبي، فستكون هناك فرصة لك لتحسين أوضاعك.»
قال هال: «شكرًا لك يا سيد ستون. أعطني فرصة.»
«حسنًا الآن، إليك أمرَ هذه الانتخابات. إنهم يرسلون إلينا كلَّ عام مجموعة من أموال الحملة لإدارتها. قد تُصادِف القليل منها في طريقك.»
قال هال وقد تهلَّلت أساريرُه: «أعتقد أنني أستطيع إدارتها. ماذا تريد أن أفعل؟»
توقَّفا عن الكلام برهةً، بينما كان ستون ينفخ في غليونه. ثم تابعَ ستون بنبرة احترافية. ما أريدُه هو شخصٌ يستطلع لي الأمور قليلًا، ويُطلِعني على الوضع. اعتقدتُ أنه من الأفضل عدم استخدام الرجال الذين يعملون معي عادةً، بل شخص لا يمكن الشك فيه. في شيريدان وبيدرو يقولون إن الديمقراطيين يُحدِثون ضجة كبيرة، والشركة قَلِقة. أفترضُ أنك تعرف أنَّ «الشركة العامة للوقود» تتَبع الحزبَ الجمهوري.»
«لقد سمعتُ ذلك.»
«قد تحسب أنَّ عضو الكونجرس في واشنطن لا شأن له بنا، ولكنْ لحملته أثرٌ سيئ علينا؛ حيث يخبر الرجالَ أنَّ الشركة تستغلهم. ولذا، أودُّ منك أن تتجوَّل قليلًا، وأن تبدأ في التحدُّث مع الرجال عن السياسة، وأن ترى ما إذا كان أحدٌ منهم كان يستمع إلى حديث ماكدوجال هذا. (ماكدوجال هذا ديمقراطيٌّ، كما تعلم.) وأريدُ معرفة ما إذا كانوا يرسلون المنشورات إلى هذا المعسكر، أو إذا كان لديهم أيُّ عملاء هنا. كما ترى، يزعمون الحقَّ في الحضور إلى هنا وإلقاء الخُطب، وكل تلك الأمور. نورث فالي هي مدينة مجالس بلدية، ولذا فإن القانون يدعمُها، وإذا أخرسناهم، فسيثيرون الشغب في الصحف، ولا يبدو هذا جيدًا. ومن ثَم، علينا أن نتقدَّم عليهم بطرقٍ هادئة. لحُسن الحظ أنه لا توجد أي قاعة في المعسكر ليجتمعوا فيها، وقد أصدرنا مرسومًا محلِّيًّا يحظُر التجمعات في الشوارع. إذا حاولوا إدخال المنشورات، فلا بد أن نتعامل معهم بشكلٍ ما قبل أن يتمكَّنوا من توزيعها. هل تفهم؟»
قال هال: «أفهم» وفكَّر في منشورات توم أولسون الدعائية!
«سننشر الأمر … إنَّ الشركة تريد انتخابَ الجمهوريين، وستكون لهم بالمرصاد، وترى كيف يشعرون حِيال الأمر في المعسكر.»
قال هال: «يبدو هذا سهلًا للغاية. لكن أَخبِرني يا سيد ستون، لماذا تهتم بالأمر؟ هل يملك الكثيرُ من هؤلاء الأجانب أصواتًا؟»
«لا يتعلق الأمرُ كثيرًا بالأجانب. لقد جنَّسناهم لغرضٍ ما … إنهم يعطون أصواتهم لمَن نريد مقابل كأسٍ من الجِعَة. ولكنَّ الناطقين بالإنجليزية، أو الأجانب الذين مرَّ الكثيرُ من الوقت على وجودهم هنا، وأصبحوا مُعتَدِّين بأنفسهم … فهم الذين يجب أن نضع أعيننا عليهم. إذا بدءُوا بالحديث في أمور السياسة، فإنهم لا يتوقفون عند هذا الحَدِّ؛ ومن ثَم سرعان ما يستمعون إلى مُحرِّضي الاتحادات النقابية ويطمحون إلى إدارة المعسكر.»
قال هال: «أوه نعم، أرى!»، وتساءل في نفسه عما إذا كانت نبرةُ صوتِه قد بدت مناسبة.
لكن رئيس العمَّال كان مهتمًّا بمشكلاته الخاصة. فقال: «كما قلتُ لسي آدامز في ذلك اليوم، ما أبحث عنه هو رجال يتحدَّثون لغة جديدة … لغة لن يفهمها أحدٌ أبدًا! ولكني أفترض أن ذلك سيكون سهلًا للغاية. لا توجد طريقة لمنعهم من تعلُّم القليل من الإنجليزية!»
قرَّر هال الاستفادة من هذه الفرصة لتحسين معرفته بالأمور. فقال: «بالطبع يا سيد ستون، ليس عليك إحصاء أي أصوات إذا كنت لا تريد ذلك!»
أجابَ ستون: «حسنًا، سأخبرك. ما يُهمني هو الطريقة الأسهل لإدارة الأمور. عندما كنت مشرفًا في معسكر هابي جالش، لم نُضِع أيَّ وقتٍ في السياسة. كانت الشركة ديمقراطية في ذلك الوقت، وعندما أتت ليلة الانتخابات، سجَّلنا أربعمائة صوتٍ لصالح المرشحين الديمقراطيين. لكن أول شيء عرفناه هو أنهم نقلوا مجموعة من الزملاء إلى المدينة، وأقسموا إنهم صوَّتوا للقائمة الجمهورية في معسكرنا. ملأَ الخبرُ الصحف الجمهورية، وأصدرَ قاضٍ أحمق حُكمًا بإعادة فرز الأصوات، واضطُرِرنا إلى العمل طوال الليل ووضع العلامات على الكثير من بطاقات الاقتراع الجديدة. لقد سبَّب لنا هذا الكثير من الإزعاج!»
ضحكَ رئيس العمَّال، وانضمَّ إليه هال بتحفُّظ.
«ولذا، كما ترى، عليك أن تتعلَّم إدارة الأمور. إذا كانت هناك أصوات للمرشح الخطأ في معسكرك، فستنكشِف الحقيقة، وإذا كانت النتائج لصالح جانبٍ واحدٍ، يحدث الكثير من التذمُّر. هناك الكثير من رؤساء العمل الذين لا يهتمون بالأمر، لكنني تعلَّمتُ الدرس في ذلك الوقت، ووضعتُ لنفسي طريقتي الخاصة … وهي عدم السماح باندلاع أي مُعارضة. أتفهم؟»
«نعم، أفهم.»
«ربما ليس لرئيس المنجم أيُّ حقٍّ للتدخل في السياسة … ولكن هناك شيئًا واحدًا لديه رأيٌّ فيه، وهو مَن يعمل في منجمه. أسهل شيء هو التخلص من العناصر غير المرغوب فيها … اقتلاعُها …» لم ينسَ هال قطُّ الحركة التي أوضحَ بها أليك ستون هذه الكلمات بيدَيه البدينتَين. مع مواصلته لحديثه، لم تبدُ نبراتُ صوته لطيفة كالعادة. وأضافَ قائلًا: «الرجال الذين لا يريدون التصويتَ وفقًا لما أريد يمكنهم الذهاب إلى مكان آخر ليُدلوا فيه بأصواتهم. هذا كلُّ ما لديَّ لأقوله في السياسة!»
توقَّفَا عن الكلام برهة، بينما كان ستون ينفخ في غليونه. ثم ربما خطرَ في باله أنه ليس من الضروري الخوضُ في مثل هذه التفاصيل في أثناء ترويضه لمستجَدٍّ في السياسة. عندما استأنفَ حديثَه، كان حديثه حَثًّا لطيفَ اللهجة على المغادرة. فقال: «إليكَ ما ستفعله يا فتى. غدًا ستُصاب بالتواءٍ في معصمك، ومن ثَم لن تتمكَّن من العمل بضعة أيام، وذلك سيُعطيك فرصة للتجوُّل في المعسكر والاستماع إلى ما يقوله الرجال. في تلك الأثناء، سأحرص على حصولك على راتبك.»
قال هال: «يبدو هذا جيدًا» لكنه لم يُظهِر إلا قدرًا ضئيلًا من شعوره بالرضا!
نهضَ رئيس العمَّال من كرسيه وضربَ غليونه مخرِجًا منه الرماد. وقال: «تذكَّر … أريدُ معلوماتٍ موثوقة. يعمل لديَّ رجالٌ آخرون، وأقارنُ بينهم. ولعلمك، ربما أكلِّفُ شخصًا بمراقبتك.»
قال هال، وابتسمَ مبتهجًا: «نعم. لن أنسى ذلك.»