الفصل التاسع
بعد تسوية مسألة اللجنة، أخبر هال الجَمْعَ كيف طلبَ منه أليك ستون التجسُّس على الرجال. رأى أنه ينبغي لهم معرفة الأمر؛ فقد يحاول الرؤساء استخدام هذا الأمر ضده، كما سبق وحذَّر أولسون. ومن ثَم قال: «قد يقولون لكم إنني خائن. يجب أن تثقوا بي.»
صاحَ مايك بحماسة: «نحن نثِق بك!» وأومأ الآخرون بالموافقة.
أجاب هال: «حسنًا. يمكنكم التأكُّد من هذا الشيء الوحيد … إذا حصلتُ على هذه الوظيفة، فسوف تحصلون على أوزانكم الصحيحة!»
صاحَ «جاك الكبير» بطريقته الإنجليزية: «اسمعوا، اسمعوا!» وسَرَت همهمة في أرجاء الغرفة. لم يجرُءُوا على إحداث الكثير من الضجيج، لكنهم أوضحوا أنَّ هذا هو ما أرادوا فعله.
جلس هال، وبدأ في فكِّ الضمادة عن معصمه. قال: «أعتقد أنها قد أدَّت مهمتها»، وأوضحَ كيف انتهى به الحال لارتدائها.
صرخ العجوز مايك: «ماذا؟ أتخدعني هكذا؟» وقبض على معصمه، وبعد أن تأكد من عدم وجود أي أثر لتورُّم به، هزَّه حتى كاد يلويه بالفعل، وهو يضحك حتى سالت الدموع على وجنتَيه. ثم صاحَ: «أيها المخادع العتيد!» في هذه الأثناء كان كووفوسكي يروي القصة لزاميروفسكي، وكان جيري مينيتي يوضحها لفريسماك فيما يشبه لغة إنجليزية هجينة تفي بالغرض في مثل هذه المعسكرات. لم يرَ هال مثل هذه الضحكات الصادقة من قبل منذ مجيئه إلى نورث فالي.
لكن المتآمرين لا يسعهم الابتهاج طويلًا. ومن ثَم، عادوا مرة أخرى للعمل. اتفقوا على أن وقت زيارة اللجنة للمشرف يجب أن يكون عند انتهاء وقت العمل غدًا. ثم تحدَّث جون إدستروم، مقترِحًا أنَّ عليهم الاتفاق على خطة عمل في حال تعرَّضوا للعنف.
قال أحدهم: «هل تعتقد أنَّ العنف محتمَل بدرجة كبيرة؟»
صرخَ مايك سيكوريا: «بالطبع! ذات مرة في جبل سيدار ذهبنا لمقابلة رئيس العمَّال، لإخباره بانسداد مسار الهواء. أتدري ماذا فعل بالرجال؟ سدَّد إليهم لكمة في الأنف، وثلاث ركلات في المؤخرة، وركض خلفهم!»
قال هال: «حسنًا، إذا احتمل حدوث أي شيء من هذا القبيل، فلا بد أن نستعد له.»
سأل جيري: «ماذا ستفعل؟»
هنا حان الوقت ليتولَّى هال دوره في قيادة الأمور. ومن ثَم قال: «إذا لَكمني في أنفي، فسوف أردُّ له اللكمة في أنفه، هذا كلُّ شيء.»
صفَّق بعضُهم عند سماع ذلك. هكذا يكون الكلام، القول ما قالَ هال! شعر هال ببهجة تولِّيه زمام القيادة. غير أن ثقته بنفسه قد تعرَّضت لمَحَكٍّ مفاجئ … «لكمة في أنف» كبريائه، إذا جاز التعبير. جاء صوت امرأة من الركن، منخفضًا وكئيبًا: «نعم! وتسوقُ نفسَك إلى حتفها بعد كل ما بذلته من جهدٍ!»
نظر نحو ماري بيرك، ورأى وجهَها المفعم بالحيوية، مُتورِّدًا وعابسًا. ومن ثَم سألها: «ماذا تقصدين؟ هل تريدين منا أن ندير ظهورنا ونهرب بعيدًا؟»
قالت: «أودُّ ذلك! بدلًا من أن تُقتَلوا. ماذا ستفعلون إذا أشهرَ مُسدَّسه في وجوهكم؟»
«أيُشهر مسدسَه في وجوه لجنة بأكملها؟»
قاطع العجوز مايك الحديث مرة أخرى. وقال: «ذات مرة في باريلا … ألم أخبرك كيف خسرتُ عرباتي؟ أخبرتُ رئيس الأوزان أنَّ شخصًا ما يسرق عرباتي، فأشهرَ مسدسه في وجهي، وقال: «تبًّا، اخرج من ذلك المَقلَب، أيها العجوز الخَرِف، سأطلق عليك النار فلا أترك في جسدك مكانًا سليمًا!»»
اعتاد هال بين زملائه في الكلية بأنَّ أفضل طريقة للتعامُل مع اللص هي أن تصرخ في وجهه، قائلًا: «تعالَ أيها الرجل العجوز، وتفضَّل، لا يوجد شيء هنا يستحق أن أتلقَّى رصاصة من أجله.» ما قيمة أي شيء يمكن للص أن يسرقه مقارنة بحياة المرء نفسها؟ وبالطبع، كما كان للمرء أن يتصوَّر، هذا هو الوقت المناسب لتطبيق تلك النظرية الوجيهة. ولكن لسببٍ ما لم تخطر هذه النظرية حتى على بال هال في ذلك الحين. كان يمضي قُدُمًا، تمامًا كما لو كان أجر استخراج طنٍّ من الفحم يوميًّا هو الشيء الوحيد المهم في الحياة!
سأل: «ماذا عسانا أن نفعل؟ لا نريد التراجُع.»
ولكن حتى في أثناء طرحه للسؤال، كان هال يُدرك أن ماري على حقٍّ. كان موقفُه هو موقف أبناء الطبقة المرفَّهة الذين اعتادوا أن تكون لهم طريقتهم الخاصة، لكن ماري، على الرغم من عصبيَّتها تلك، كانت تؤكد ضرورة ضبط النفس. كانت هذه هي المرة الثانية التي تجرح فيها كبرياءه في هذه الليلة. ولكنه سامحها الآن لإعجابه بما قالت؛ كان يعلم دائمًا أن ماري لديها عقلٌ راجحٌ وأنه كان في إمكانها مساعدته! زادَ إعجابه بما كان يقوله جون إدستروم … يجب ألا يفعلوا شيئًا من شأنه أن يضُرَّ بقضية «الاتحاد الكبير»، ولذا يجب أن يعقدوا العزم على عدم إبداء أي مقاومة جسدية، بغض النظر عما قد يحدث لهم.
كان هناك جدالٌ حاد على الجانب الآخر. صاح العجوز مايك: «فلنقاتل! فلنقاتل!» وصرخ فجأة، كالمتوجس من الألم الذي سيشعر به إذا تلقَّى لكمةً في أنفه: «أتقول إننا ينبغي أن نتحمَّل ذلك؟»
قال إدستروم: «إذا أجبناهم بالعنف، فسوف ينالنا جميعًا أسوأ ما في الأمر. ستقول الشركة إننا بدأنا المشكلة، وستُحمِّلنا جريرة أفعالنا. يجب أن نعزم أمرنا على أن نعتمد على القوة المعنوية.»
وهكذا، بعد مزيدٍ من النقاش، اتفقوا على أن كلًّا منهم سيحافظ على رباطة جأشه … إذا استطاع! وعلى هذا تصافحوا كلهم متعهدين بالثبات. ولكن عندما أُعلِنَ انتهاء الاجتماع، وتسلَّلوا واحدًا تلو الآخر في الليل، كانوا زُمرة من المتآمرين الشديدي اليقظة والترقُّب.