الفصل الحادي عشر
كانوا قد اتفقوا في اجتماع الليلة الماضية على نشر خبر حركة مراقب الأوزان، لما له من قيمة في الدعاية وترويج الفكرة. ولذا، عندما خرج العُمال الثلاثة من المكتب، كان هناك حشد في انتظار معرفة ما حدث؛ انهال الحشد بالأسئلة، وأحاط الآخرون بكل مَن يعرف الخبر، لسماعه في حماسٍ. شقَّ هال طريقه إلى النُّزُل، وعندما انتهى من تناوُل عشائه، انطلقَ من مكانٍ إلى آخر في المعسكر مخبِرًا العُمال بخطة مراقِب الأوزان، وموضحًا أنَّ ما طالبوا به هو حَقٌّ قانوني. في أثناء هذا كله، وقفَ العجوزُ مايك إلى أحد جانبَيه، ووقفَ إدستروم إلى الجانب الآخر؛ ذلك أنَّ توم أولسون كان قد أصرَّ بشدة على ألا يُترَك هال وحده لحظة. من الواضح أن أمرًا مماثلًا قد وصلَ إلى الرؤساء؛ فعندما خرج هال من نُزُل «ريمينيتسكي»، كان هناك «جيك» بريدوفيتش، موظف المتجر، يقف بجانب الحشد، وتبِع هال أينما ذهب، وكان بلا شكٍّ يُدوِّن ملاحظاتٍ عن كل شخص تحدَّث إليه.
تشاوروا حول المكان الذي سيَقضون فيه الليل. كان العجوزُ مايك متوترًا؛ لأنه فسَّر ما يفعله ذلك الجاسوس بأنه يعني أنهم ستُسفَك دماؤهم في الظلام. فقد روى قصصًا مروِّعة عن مثل هذه الحوادث. ما الطريقة الأسهل التي في إمكان الشركة اتباعها لتسوية الأمر؟ كان من شأنهم أن يُلفِّقوا قصة ما؛ فالعالَم بالخارج سيصدِّق أنهم قُتِلوا في خلافٍ وهم في حالة ثمالة، ربما خلاف على امرأة. أقلقَ هذا الاقتراحُ الأخير هال على وجه التحديد؛ فقد فكَّر في الناس في منازلهم. كلَّا، يجب ألا ينام في القرية! ومن ناحية أخرى لم يتمكَّن من الخروج من الوادي؛ لأنه بمجرد عبوره البوابة، قد لا يُسمح له بالدخول مرة أخرى.
خطرت بباله فكرة. لماذا لا يتَّجه إلى أعلى الوادي؟ لم يكن هناك حاجز في الطرف العلوي للقرية … لا شيء سوى البرية والصخور، دون حتى طريق.
سأل العجوزُ مايك مذعورًا: «ولكن أين ننام؟»
قال هال: «في الهواء الطلق.»
ردَّد مايك عبارته المعهودة التي تعني «شيئًا فظيعًا» في لغته، ثم قال: «وينخر هواءُ الليل في عظامي؟»
«أتظن أنَّ هواء النهار يدخل في عظامك عندما تنام في الداخل؟» وضحك هال.
«لِمَ لا، عندما أغلقُ النوافذ بإحكام، وأُدفئُ عظامي؟»
قال هال: «حسنًا، خاطِر بتجربة هواء الليل مرة واحدة. إنه أفضل من أن يطعنك أحدُهم بسِكِّين.»
«ولكن ذلك الرجل المدعو بريدوفيتش … إنه يتبعنا عبر الوادي أيضًا!»
«نعم، لكنه رجلٌ واحد فقط، وينبغي ألَّا نخاف منه. إذا ذهبَ ليجلب رجالًا آخرين، فلن يتمكَّن أبدًا من العثور علينا في الظلام.»
أما إدستروم، الذي لم تكن معرفته بالتشريح بدائية مثل مايك، فقد دعم هذا الاقتراح؛ ومن ثَم أخذوا بطانياتهم وتسلَّقوا الوادي مُتعثِّرين في سكون الليل وضوءِ النجوم. سمعوا لوهلة وقعَ أقدام الجاسوس خلفهم، ولكنه تلاشَى في النهاية، وبعد أن ذهبوا أبعدَ قليلًا، اعتقدوا أنهم سيظلون آمنين حتى بزوغ ضوءِ النهار. كان هال قد قضى العديدَ من الليالي في العراء صيَّادًا في رحلات الصيد، لكنها كانت مغامرة جديدة أن ينام في العراء وهو مُطارَد!
نهضوا في الفجر، ونفَّضوا الندى عن بطانيَّاتهم، ومسحوه عن أعينهم. كان هال شابًّا، وشاهدَ جمال الصباح، بينما كان مايك سيكوريا المسكين يتأوَّه ويتذمَّر من مفاصله المتصلِّبة والمسِنَّة. ظنَّ أنه دمَّر نفسه إلى الأبد، لكنه تحلَّى بالشجاعة عندما ذكرَ إدستروم القهوة، وأسرعوا لتناول الإفطار في النُّزُل.
حانَ الآن وقتٌ عصيب، حيث كان لا بد من ترك هال بمفرده. اضطر إدستروم إلى النزول من الوادي لحضور جنازة زوجته، وكان واضحًا أن مايك سيكوريا لم يكن ليذهب إلى العمل اليوم، ومن ثَم سيقدِّم لرئيسه عُذرًا لطرده. لم يكفل قانون مراقب الأوزان تعيين حارسٍ شخصيٍّ له!
كان هال قد أعلن عن خطته في لحظة التحدي تلك في مكتب كارترايت. وبمجرد أن بدأ العمل، ذهبَ إلى المَقلَب. قال لرئيس المَقلَب: «يا سيد بيترز، لقد جئتُ لتولِّي وظيفة مُراقب الأوزان.»
كان رئيس المَقلَب رجلًا ذا شارب أسود كبير، وهو ما جعله يبدو مثل صور نيتشه. حدَّق إلى هال، في ذهولٍ تامٍّ. وقال: «ماذا تقول بحق الجحيم؟»
أوضح هال بنبرةٍ احترافية: «لقد اختارني بعضُ العُمال لوظيفة مراقِب الأوزان. عندما تأتي عرباتُهم، سأراقبُ عملية وزنها.»
قال بيترز: «ابتعد عن هذا المَقلَب أيها الشاب!» كانت نبرة احترافية بالقدر نفسه.
ومن ثَم، خرجَ مراقبُ الأوزان المُنتظَر وجلسَ على الدرج مُنتظِرًا. كان المَقلَب مكانًا عامًّا إلى حَدٍّ ما، ورأى أنه كان في مأمنٍ هناك كما في أي مكان آخر. ابتسم بعضُ العُمال وغمزوا له في أثناء ذهابهم إلى مباشرة عملهم، ووجدَ العديدُ منهم فرصةً ليهمسوا بكلمات التشجيع. وجلسَ طوال الصباح، مثل بروتستانتي يجلس عند أبواب قصرٍ ماندرينيٍّ في الصين، كان عملًا شاقًّا، لكنه اعتقدَ أنه سيتمكَّن مِن تحمُّله لفترة أطول مما كان بإمكان الشركة.