الفصل الثالث عشر
عندما انطلقت صافرةُ انتهاءِ موعد العمل، جاءَ مايك سيكوريا مُسرعًا للانضمام إلى هال وسماع ما حدث. كان مايك مُبتهِجًا؛ لأن العديد من العُمال الجُدد قد جاءوا إليه، وعرضوا عليه الانضمام إلى حركة مُراقِب الأوزان. لم يكن الرجل العجوز مُتأكِّدًا مما إذا كان هذا بسبب بلاغته كدَاعية، أو بسبب صديقه الأمريكي الشاب الرائع، ولكنه كان فخورًا بالقدر نفسه في كلتا الحالتَين. أعطى هال رسالةً في يده، وقد أدرك هال أنها قادمة من توم أولسون. أفادَ المنظِّمُ النقابي أنَّ كل فرد في المعسكر كان يتحدَّث عن مراقب الأوزان، ومن ثَم، فمن وجهة نظر دعائية يمكنهم اعتبار أن حركتهم قد نجحت، بغضِّ النظر عما قد يفعله رؤساؤهم. وأضاف أن هال يجب أن يكون معه عددٌ من العُمال في تلك الليلة، كي يكونوا شهودًا إذا حاولت الشركة «ممارسة أي ألاعيب». وأضاف: «وعليك أن تتوخَّى الحذر من العُمال الجُدد. من المؤكَّد أن بينهم جاسوسًا أو اثنَين.»
ناقش هال ومايك خطتَهما لليلة الثانية. لم يكن أيٌّ منهما على استعداد للنوم في العراء مرة أخرى … السلوفاكيُّ العجوز بسبب عظامه، وهال بسبب ما أدركه الآن من وجود العديد من الجواسيس الذين يتبعونه. في نُزُل «ريمينيتسكي»، تحدَّث إلى بعض أولئك الذين عرضوا عليه دعمَهم، وسألهم عما إذا كانوا على استعدادٍ لقضاء الليلة معه في كوخ إدستروم. لم يُحجِم أحدٌ عن الأمر الذي كان بمنزلة اختبار لإخلاصهم؛ فقد حملوا جميعًا بطانياتهم، وذهبوا إلى المكان، حيث أشعل هال المصباح، وعقد اجتماعًا ارتجاليًّا بصفته مراقبًا للأوزان … مستمتعًا على هامشه بالبحث عن أي جواسيس بين الحضور!
كان أحدُ الوافدين الجُدد بولنديًّا يُدعى فوييتشيتسوفسكي؛ هذا الاسم، علاوة على اسم زاميروفسكي، قد جعلا هال ييئس من محاولاته لمخاطبة البولنديين بأسمائهم الفعلية. كان «فويي» رجلًا ضئيلَ الحجم وجادًّا، ذا وجه مُتعَب وحزين. قال إنَّ سبب وجوده بينهم أنه سَئِم من تعرُّضه للسرقة، وأنه كان على استعدادٍ لدفع حصته في أجر مراقِب الأوزان، وإذا طردوه فلا بأس، سيمضي في طريقه، وليذهبوا إلى الجحيم. بعد هذا التصريح، لفَّ نفسه ببطانية وذهبَ لينام على أرضية الكوخ مُصدرًا غطيطًا. لم يبدُ ذلك سلوكَ جاسوس.
كان هناك آخَرُ إيطاليٌّ يُدعى فارنزينا، كان رجلًا ذا حاجبَين داكنَين ومظهر شرير، ربما كان يصلُح في دور الشرير في أي مسرحية ميلودرامية. جلسَ إلى الحائط، وتحدَّث بصوتٍ أجش، ونظر إليه هال بارتيابٍ شديد. لم يكن من السهل فهم إنجليزيته، ولكن هال تمكَّن أخيرًا من فهم القصة التي كان يرويها … كان يحب فتاةً «حسناء»، وكانت «الحسناء» تتلاعب به. وكان على وشك أن يتخذ قرارًا بأنها فتاة لَعُوب، ولم تكن تستحق الاهتمامَ بها، لذلك لم يعُد يهتم بأي لعناتٍ، ولم يعُد يهتم حتى إذا ما طردوه من الوادي. اختتم بصوتٍ هادر: «لا تقاتِل من أجل حسناء، ولكن قاتِل من أجل مراقب الأوزان!»
كان هناك متطوع آخَر، وهو عامل يوناني، وقد كان شابًّا ثرثارًا صغير السن جلس مع هال في وقت الغداء، وقال إن اسمه أبوستوليكاس. خاض مع هال محادثة بطلاقة، موضِّحًا كم كان مهتمًّا بخطة مراقِب الأوزان، وأراد أن يعرف ما الذي كانوا سيفعلونه، وما هي فرصة النجاح التي كانوا يعتقدون أنهم سيحظَون بها، ومَن بدأ الحركة ومَن كان فيها. اتخذَ ردُّ هال شكلَ خُطَب قصيرة حول تضامُن الطبقة العاملة. وفي كل مرة كان الرجل يشرع فيها في «سحب» الكلام منه، كان هال يشرح أهمية هذه القضية لعمَّال المناجم، كيف يجب عليهم أن يتحدوا ويُضحوا من أجل مصلحة الجميع. بعد أن تحدَّث عن نظريات مجردة لمدة نصف ساعة، يئس أبوستوليكاس منه وانتقل إلى مايك سيكوريا، الذي تحدَّث، بعد غمزة من هال له، عن «الأنذال»، والأشياء المروِّعة التي سيفعلها العمَّال الشرفاء بهم. عندما شعر اليوناني أخيرًا بالتعب مرة أخرى، واستلقى على الأرض، انتقل هال إلى العجوز مايك وهمس له بأن الاسم الأول لأبوستوليكاس لا بد أنه يهوذا!