الفصل الرابع عشر
غرق العجوزُ مايك في النوم سريعًا؛ ولكن هال لم يعمل لعدة أيام، وكانت لديه أفكار مثيرة أبقته مُستيقظًا. كان مستلقِيًا في سكون لبضع ساعاتٍ عندما أدركَ أن ثمة مَن يتحرك في أرجاء المكان. كان هناك مصباح خافت الضوء، وبعينَين نصف مغمضتَين تبين له أن أحد العُمَّال يتخذ وضعية الجلوس. لم يكن متأكِّدًا في البداية مَن يكون، لكنه في النهاية أدركَ أنه اليوناني.
استلقى هال بلا حراكٍ، وبعد دقيقة، أو نحو ذلك، ألقى نظرةً خاطفة أخرى ورأى الرجل يجلس القرفصاء ويُنصت بعناية، وكانت يداه لا تزالان على الأرض. استمر هال في اختلاس النظر عبر جفنَين نصف مفتوحَين، فيما نهضَ الآخر وتوجَّه نحوه على أطراف أصابعه، بخطواتٍ حذِرة فوق الأجساد النائمة.
بذل هال قُصارى جهده للتظاهر بالتنفُّس في أثناء النوم؛ لم يكن بالأمر السهل والرجل ينحني فوقه، وكان من الممكن أن يطعنه بسكين. لكنه انتهز الفرصة، وبعد ما بدا كأنه دهر من الزمان، شعر بأصابع الرجل تلمس جانبه بخِفَّة. وبعدها انتقلت إلى جيب معطفه.
فكَّر هال قائلًا لنفسه: «هل سيُفتشني؟!» وانتظر متوقعًا أن تنتقل اليد إلى جيوبه الأخرى. ولكن بعد ما بدا كأنه زمنٌ لا نهاية له، أدركَ أن أبوستوليكاس وقفَ مجدَّدًا، وهمَّ أن يعود إلى مكانه. وفي غضون دقيقة أخرى كان مستلقيًا، وساد الصمتُ في الكوخ.
انتقلت يَدُ هال إلى جيبه، وانزلقت أصابعُه داخله. فلمست شيئًا أدركَ على الفور أنه لفافة من الأوراق النقدية.
قال لنفسه: «فهمت! إنها مكيدة!» وضحكَ في نفسه، راجِعًا بذاكرته إلى مرحلة الطفولة المبكرة … إلى صندوق متهالِك في عِلِّيَّة منزله يحتوي على كتبٍ قصصية كان والده يملكها. كان في استطاعته أن يراها الآن، بأغلفتها البُنية البالية وصورها البدائية: «سلسلة الحظ والجسارة» لهوراشيو ألجر، و«حياة أو موت»، و«القوي الهُمَام»، إلخ. كم تحمَّس لقصة الصبي الريفي الذي يأتي إلى المدينة، ويلتقي بالشرير الذي يسرق درج النقود الخاص بصاحب عمله، ويضع مفتاحه في جيب البطل! من الواضح أن أحدًا ذا صلة بالشركة العامة للوقود قد قرأ لهوراشيو ألجر!
أدرك هال أنه لا يمكنه التسرع في إخراج تلك النقود من جيبه. فكَّر في إعادتها إلى «يهوذا»، لكنه قرَّر أنه سيدَّخرها لإدستروم، الذي من المرجَّح أنه سيحتاج إلى المال قريبًا. انتظر نصفَ ساعة لينام اليوناني، ثم بسكين جيبه، أحدث بهدوء ثَقبًا في رماد الأرض ودفن المال قدر استطاعته. وبعد ذلك تسلَّل إلى مكان آخر، وراح يفكِّر مستلقيًا.