الفصل الخامس عشر
هل سينتظرون حتى الصباح أم سيأتون قريبًا؟ كان يميل إلى التخمين الأخير، ومن ثَم لم يذهَل إلا قليلًا عندما سمع، بعد ساعة أو ساعتَين، مقبض باب الكوخ يدور. وبعد برهة، سمعَ صوت ارتطام، وانفتح البابُ مظهرًا خلفه كَتِف رجلٍ ضخم.
سرعان ما سادت الغرفة حالةٌ من الارتباك. هبَّ العُمال واقفين وهم يصيحون، وجلسَ آخرون مذهولين، وكانوا لا يزالون نصفَ نائمين. كان أحدُ المقتحمين يُمسك في يده بمصباح جيب كهربائيٍّ أضاءَ الغرفة. صاحَ صوتٌ، أدرك هال على الفور أنه صوتُ جيف كوتون، قائد المعسكر: «ها هو الرجل! ارفع يديك يا جو سميث!» لم ينتظر هال ليرى بريقَ مسدس قائد المعسكر.
أعقبَ ذلك صمتٌ مُطبق. ونظرًا إلى أن هذا المشهد التمثيلي كان الغرض منه أن يكون على مرأى ومسمع الرجال الآخرين، كان من الضروري منحهم الوقت للاستيقاظ بالكامل، ولكي تعتاد أعينهم الضوءَ. في هذه الأثناء وقف هال، رافعًا يديه في الهواء. واستطاع في ضوء المصباح أن يستبينَ وجوه الحاضرين: قائد المعسكر، وبود آدامز، وأليك ستون، وجيك بريدوفيتش، ورجلَين أو ثلاثة آخرِين.
قال كوتون أخيرًا: «الآن يا رجال، أنتم بعض مَن يطالبون بتعيين مراقِبٍ للأوزان. وهذا هو الرجل الذي اخترتموه. أليس كذلك؟»
لم يُجِب أحد.
«سأُريكم أي نوعٍ من الرجال هو. لقد جاء إلى السيد ستون هنا وعرضَ عليه خيانتكم مقابل المال.»
قال هال بهدوءٍ: «هذا كذبٌ وافتراء يا رجال.»
أصرَّ قائد المعسكر: «لقد أخذ بعضَ المال من السيد ستون للتخلِّي عنكم!»
قال هال مجددًا: «هذا كذب.»
صاحَ الآخر: «إنَّ المال معه الآن!»
وصاح هال بدوره: «إنهم يحاولون توريطي في شيءٍ ما أيها الفِتية! لا تدعوهم يخدعونكم!»
نهره قائدُ المعسكر بنبرة آمرة: «اخرس»، ثم قال للرجال: «سأُريكم. أعتقد أن المال معه الآن. جيك، فَتِّشه.»
تقدَّم موظف المتجر.
صاح هال: «انتبهوا أيها الفتية! سيضعون شيئًا في جيوبي.» ثم قال للعجوز مايك، الذي بدأ يتقدَّم في غضبٍ: «لا بأسَ يا مايك! دعهم وشأنهم!»
أمرَ كوتون: «جيك، اخلع معطفك. شمِّر أكمامك. أظهِر يديك.»
كان الأمرُ للجميع أشبه بعرض الحاوي. خلعَ اليهوديُّ الضئيل الحجم معطفَه وشمَّر أكمامَه فوق مرفقَيه. وعرضَ يديه للجمهور، وقلَّبهما لأعلى ولأسفل، ثم أبقاهما أمامه، وتقدَّم ببطءٍ نحو هال، كأنه منوِّم مغناطيسي على وشك أن يُنوِّمه.
قال كوتون: «راقِبوه جيدًا! المال معه، أعلم ذلك.»
صاح هال: «انظروا جيدًا! إذا لم يكن هناك مال، فسوف يدُسُّونه.»
أمرَ قائد المعسكر: «ارفع يديك إلى أعلى أيها الشاب. وأنتم هناك، ابتعدوا عنه!» وجَّه جملته الأخيرة إلى مايك سيكوريا والمشاهدين الآخرين الذين كانوا يقتربون أكثر، وينظر كلٌّ منهما من فوق كتف الآخر.
كان الأمر برُمَّته قد أصبح شديد الجديَّة في ذلك الوقت، ولكن عندما تذكَّر هال المشهد لاحقًا، ضحك على هيئة بريدوفيتش البشِعة، الذي كان يُفتِّش في جيوبه مع حرصه على الابتعاد عنه قدر الإمكان، كي يعلم الجميع أنَّ الأموال قد خرجت بالفعل من جيب هال. وضعَ المفتش يدَيه أولًا في جيوب هال الداخلية، ثم في جيوب قميصه. كان الأمر يتطلَّب بعض الوقت لإحداث هذا التصاعُد الدرامي وبلوغ ذروة المشهد!
أمرَ كوتون: «استدِر»، فاستدار هال، وأخذ اليهودي يُفتِّش في جيوب بنطاله. أخرجَ ساعة هال، ثم مشطه، ثم مرآته، ومنديله، وفحصَ كُلًّا منها وألقاه أرضًا. سادَ صمتٌ لاهث عندما وصلَ إلى محفظة هال، وشرع في فتحها. وبفضل جشع الشركة، لم يكن في المحفظة سوى بعض الفكَّة. طوى بريدوفيتش المحفظة وألقاها على الأرض.
صاح رئيس التشريفات: «انتظر! لقد وضع ذلك المال في مكان ما، أيها الفتية! هل بحثتَ في الجيبَين الجانِبيَّين يا جيك؟»
قال جيك: «ليس بعد.»
صاح قائد المعسكر: «انظروا جيدًا!» ومال الجميع إلى الأمام بفارغ الصبر، بينما جثا بريدوفيتش على ركبة واحدة، ووضعَ يدَه في أحد جيبَي المعطف ثم في الآخر.
أخرجَ يده مرة أخرى، وكانت نظرة الفزع على وجهه واضحة للغاية إلى درجة أن هال لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك. وقال: «إنها ليست هنا.»
صاح كوتون: «ماذا؟» وحدَّق كلٌّ منهما إلى الآخر. «وربِّي لقد تخلَّص منها!»
أعلن هال: «ليس معي أموال أيها الفتية! إنهم يحاولون خداعنا!»
صاح قائد المعسكر: «لقد أخفاها! اعثر عليها يا جيك!»
ثم بدأ بريدوفيتش في البحث مرة أخرى، وبسرعة، وبتمحيصٍ أقل. لم يكن يفكِّر كثيرًا في المشاهدين الآن بقدر ما كان يفكِّر في أن كل تلك الأموال قد ذهب هباءً! جعل هال يخلع مِعطفه، ومزَّق بطانته، وفكَّ أزرار البنطال، وتحسَّس داخله، ودسَّ أصابعه للأسفل إلى داخل حذاء هال.
لكن لم يكن هناك مال، ووصلوا في تفتيشهم إلى طريق مسدود. أعلنَ قائد المعسكر: «لقد أخذ خمسة وعشرين دولارًا من السيد ستون ليبيعكم! لقد تمكَّن من التخلُّص منها بطريقة ما.»
صاح هال: «أيها الفتية، لقد أرسلوا جاسوسًا إلى هنا، وطلبوا منه أن يضع المال في جيوبي.» كان ينظر إلى أبوستوليكاس وهو يتكلَّم، ورأى الرجل يجفل ويتراجع.
صاح العجوز مايك: «ذلك هو! إنه نَذْل! المالُ معه، أُراهِن على ذلك!» وتحرَّك نحو اليوناني.
هكذا أدرك قائد المعسكر فجأة أن الوقت قد حان لإسدال الستار على هذه المسرحية. أعلن قائلًا: «كفى هذه الحماقة. أحضروا هذا الرجل إلى هنا!» وفي لمح البصر أمسك اثنان من الجمع بمِعصمَي هال، بينما أمسكه ثالثٌ من حاشية قميصه. وقبل أن يتمكَّن عمَّال المناجم من إدراك ما كان يحدث، دفعوا بسجينهم مسرعين خارج الكوخ.
لم ينعَم مراقِب الأوزان المُنتظَر بالراحة طوال رُبع الساعة التي تلت ذلك. وفي الخارج، استطاع قائد المعسكر، وكذلك أليك ستون، التنفيس عن غضبهما بحرية. فقد أمطراه بوابلٍ من اللعنات، وركلاه، وقيَّداه في أثناء سيرهم. ولوى أحدُ الرجلَين اللذين أمسكا بمعصمَيه ذراعَه حتى صرخَ من الألم؛ ثم لعناه بشدة، وأمراه أن يصمت. أسرعوا في الشارع المظلم الصامت، ودلفوا إلى مكتب قائد المعسكر، ثم إلى الطابق العلوي إلى الغرفة التي كانت بمنزلة سجن نورث فالي. كان هال سعيدًا للغاية عندما تركاه هنا صافعَين البابَ الحديدي خلفهما.