الفصل السابع عشر
في منتصف النهار، سمع هال وَقْع أقدامٍ في الممر بالخارج، وفتحَ رجلٌ لا يعرفه البابَ ذا القضبان، ووضعَ إبريقَ مياهٍ وطَبَقًا من الصفيح به قطعةٌ كبيرة من الخبز. عندما شرعَ في المغادرة، تحدَّث هال: «دقيقة واحدة، من فضلك.»
عبسَ الآخر في وجهه.
«هل يمكنك أن تعطيني أي فكرة عن المدة التي سأقضيها هنا؟»
قال الرجل: «لا يمكنني.»
قال هال: «إذا كانوا سيحبسونني، فمن المؤكد أن من حقي أن أعرف التهمة الموجَّهة إليَّ.»
قال الآخر: «فلتذهب إلى الجحيم!» وأغلقَ البابَ، ومضى في الممر.
عاد هال إلى النافذة، وقضى الوقت في مشاهدة المارَّة. تجمَّعت مجموعاتٌ من الأطفال بثياب رثة، ناظرين إليه مبتسمين وملوِّحين … حتى ظهر شخصٌ ما في الأسفل وأمرَهم بالرحيل.
مع مرور الوقت، أصبح هال جائعًا. سرعان ما يصبح مذاقُ الخبز الذي يؤكَل وحده رتيبًا، ولا يخفِّفه مذاق الماء، ولكن هال مضغَ الخبز، وشرب الماء، وطلبَ المزيد منهما.
مرَّ اليوم ببطء، وفي وقتٍ متأخر من فترة ما بعد الظهيرة جاء الحارس مرة أخرى، ومعه قطعة خبز كبيرة أخرى وإبريق آخر من المياه. قال هال والرجل يغادره: «اسمعني لحظة.»
قال الآخر: «ليس لديَّ ما أقوله لك.»
توسَّل هال قائلًا: «لديَّ شيءٌ لأقوله لك. لقد قرأتُ في كتاب … نسيت اسمه، لكن مؤلِّفه كان طبيبًا … أن الخبز الأبيض لا يحتوي على العناصر الضرورية للإبقاء على صحة الإنسان.»
قال السجَّانُ بصوتٍ هادِر: «وَيْحك! أتهزأ بنا؟»
أوضح هال: «أعني أن طعامًا يتكوَّن من الخبز والماء ليس بالنظام الغذائي الذي سأختاره لأعيشَ عليه.»
«وماذا ستختار؟»
بدا من نبرة صوته أنَّ السؤال كان تهكميًّا، لكن هال أخذه بحُسن نية. وقال: «لو أمكنَ أن أحصل على بعض شرائح اللحم البقري والبطاطس المهروسة …»
أُغلِقَ بابُ الزنزانة بصفعةٍ قوية طغى صداها على بقية تلك القائمة التخيُّلية. وهكذا جلس هال مرة أخرى على النَّضَد الصلب، ومضغَ قطعة خبزه الكبيرة، وفكَّر كما يفكِّر السجناء.
عندما انطلقت صافرة انتهاء العمل، وقفَ عند النافذة، ورأى مجموعات أصدقائه مرة أخرى، وتلقَّى منهم إشارات التشجيع السرية. حَلَّ الظلامُ وبدأت سهرَة طويلة أخرى.
كان الوقتُ متأخرًا، ولم يكن لدى هال وسيلةٌ لمعرفة إلى أي مدًى قد تأخَّر الوقت، باستثناء انطفاء جميع الأضواء في المعسكر. أدرك أنه كان سيبيت في الحبس في تلك الليلة، وقد استقر على الأرض مُتوسِّدًا ذراعه، وغفا في النوم حتى سمع فجأة صوتَ كَشطٍ على قضبان نافذته. جلسَ جافلًا، وسمع صوتًا آخر، حفيف ورق لا شك. هَبَّ إلى النافذة، حيث كان في إمكانه أن يرى في ضوء النجوم الخافت شيئًا يتدلَّى. التقطه، وبدا أنه كان دفتر ملاحظاتٍ عاديًّا، كالذي يستخدمه الكُتَّاب المختزلون، مربوطًا في طَرْفِ عَصًا.
نظر هال بالخارج، لكنه لم يتمكَّن من رؤية أحد. أمسكَ بالعصا وهزَّها مُرسِلًا إشارة، ثم سمعَ همسًا عرف على الفور أنه روفيتا. قال: «مرحبًا! اسمع. اكتب اسمك مائة مرة في الدفتر. وسأعود. هل تفهمني؟»
كان الطلب مُحيِّرًا للغاية، لكن هال أدرك أنه لم يكن هناك وقتٌ للتفسيرات. أجاب: «أجل»، وقطعَ الخيط وأخذَ الدفتر. كان هناك قلم رصاص مُرفق، تحيط قطعة من قماشٍ بسِنِّه لحمايته من الكسر.
سُحِبت العصا، وجلس هال على النَّضَد، وراح يكتب اسمه، ثلاث أو أربع مراتٍ في الصفحة، «جو سميث … جو سميث … جو سميث.» لم يكن من الصعب أن يكتب «جو سميث»، حتى في الظلام، وهكذا، بينما كانت يَدُ هال تتحرك، انشغلَ عقلُ هال بهذا اللُّغز. لم يفترض هال بمنطق الحال أنَّ لجنته تريد مثلًا توزيع توقيعه عل سبيل التذكار؛ لا بد أنهم يريدونه لغرضٍ مهمٍّ ما، لمجابهة مؤامرة جديدة من الرؤساء. لم يمر وقت طويل حتى عرف حَلَّ اللغز: عندما لم يتمكَّن الرؤساء من العثور على المال معه، كتبوا رسالة وأخذوا يعرضونها على اعتبار أن مَنْ كتبها هو مراقب الأوزان المُنتظَر. فأراد أصدقاؤه الحصول على توقيعه للطعن في صحة الرسالة.
كتب هال بسرعة وحرية، مُزيِّنًا أحرُفَه؛ فقد كان واثقًا أن الأمر سيكون مختلفًا عن فكرة أليك ستون عن شخبطة صبي من العمَّال. أخذَ قلمُه ينطلق على الورق «جو سميث … جو سميث …» صفحة تِلوَ الأخرى، حتى تأكد من أنه كتبَ توقيعًا لكل عامل منجم في المعسكر، وكان يشرع في الكتابة إلى المساعدين. ثم سمع صوتَ صفير في الخارج، فتوقَّف وقفزَ إلى النافذة.
همس صوتٌ: «ارمِ بها!» وألقى هال بالورقة. رأى شخصًا يختفي في الشارع، وبعد ذلك ساد الهدوءُ كلَّ شيء مرة أخرى. استرق السمع بعض الوقت، ليرى ما إذا كان قد أيقظ سجَّانه، ثم استلقى على النَّضَد … وعاد ليفكِّر فيما يفكِّر فيه السجناء!