الفصل السادس والعشرون
كان هال يحاول أحيانًا وسط هذه الحالة من الجلَبة والارتباك أن يتذكَّر أسماء العاملين في المنجم رقم ١ الذين عرفهم. لقد عمل هو نفسه في المنجم رقم ٢، ومن ثَمَّ كان بطبيعة الحال يعرف عددًا أكبر من العاملين في ذلك المنجم. لكنه كان يعرف بعضَهم من المنجم الآخر … العجوز رافيرتي كمثال، ووالد ماري بيرك كمثالٍ آخر، وعرف على الأقل واحدًا من المجموعة التي اختارته مراقبًا للأوزان … زاميروفسكي. تذكَّر هال فجأة وجه هذا الرجل الضئيل الحجم الصبور الذي ابتسمَ بلطفٍ شديدٍ بينما كان الأمريكيون يحاولون نُطقَ اسمه. والعجوز رافيرتي، بجميع أطفال عائلته، وجهوده الجديرة بالشفقة للحفاظ على رضا رؤسائه! والمسكين باتريك بيرك، الذي لم يرَه هال إلا في حالة سُكر، لا شكَّ أنه قد استفاقَ الآن، إنْ كان لا يزال على قيد الحياة!
ثم التقى هال وسط الحشد بجيري مينيتي، وعلم أن من الرجال الآخرين الذين كانوا في الحفرة هم فارِنزينا، الإيطالي الذي تلاعبت به «الحسناء»، وأبوستوليكاس الخائن، الذي أخذ معه الآن عُملاته الفضية الثلاثين إلى شرك الموت!
كان الناس يُعِدُّون القوائم، وكذلك كان يفعل هال، بسؤال الآخرين واستجوابهم. وقد خضعت هذه القوائم إلى التعديل … في ظل ظروف درامية أحيانًا. كان المرء يرى امرأة تنتحب مجفِّفة عينَيها بمئزرها، ثم فجأة تنظر إلى أعلى، وتُطلِق صرخة مُدوِّية، وتندفع نحو أحد الرجال وتحتضنه. أما هال فقد شعر كما لو رأى شبحًا عندما وجد باتريك بيرك واقفًا أمامه فجأة وسط حشدٍ من الناس. ذهب هال إلى الرجل العجوز واستمع إلى قصته، وعرفَ كيف أن رجُلًا إيطاليًّا قد سرقَ أخشابه، فصعِدَ بيرك إلى السطح ليأتي بالمزيد؛ وهكذا نجا بحياته بينما لا يزال لصُّ الأخشاب بالأسفل … إنه حُكم العناية الإلهية على مجرمي المناجم!
سأل هال الآن عمَّا إذا كان بيرك قد ذهبَ ليُخبر عائلته. فقال إنه ركضَ إلى المنزل، ولكنه لم يجد أحدًا هناك. ومن ثَمَّ، أخذ هال يشق طريقه وسط الحشود بحثًا عن ماري أو أختها جيني أو أخيها تومي. واستمر في هذا البحث على الرغم من تساؤله عما إذا كانت عائلة السكير اليائس ستُقدِّر تدخُّل العناية الإلهية من أجله.
التقى بأولسون الذي نجا بصعوبة في أثناء عمله على السطح بالقرب من الرافعة. كانت كلُّ هذه الأحداث بمنزلة قصة قديمة ومتكررة الحدوث بالنسبة إلى المنظِّم النقابي، الذي عمل في المناجم منذ أن كان في الثامنة من عمره، ورأى العديدَ من أنواع الحوادث. وشرعَ في شرح الأمور إلى هال كأمرٍ واقعٍ لا جدال فيه. يتطلَّب القانون عددًا معينًا من الفتحات لكل منجم، وأيضًا مخرجَ طوارئ ذا سُلَّم يمكن للرجال الخروج منه، غير أن تكلفة الحفر مرتفعة.
لم يكن السببُ المباشر للانفجار معروفًا في هذا الوقت، غير أنه كان في إمكانهم القول إنه كان «انفجارًا غباريًّا» بسبب سُحب من غبار فحم الكُوك، ولم يكن أحد مِمَّن كان داخل المنجم ورأى ظروفه الجافة ليشكَّ فيما كانوا سيجدونه عندما ينزلون ويتتبَّعون «مصدر الانفجار» وآثاره. كان من المفترض أن يرُشُّوا المناجم بانتظامٍ، ولكن في مثل هذه الأمور كان الرؤساء يركنون إلى حُكمهم الخاص.
استمعَ هال بنصف أذن إلى هذه التفسيرات. كان وَقْعُ الأمرُ قاسيًا جدًّا وفظيعًا جدًّا عليه. ما الفائدة من معرفة المسئول عن هذا الخطأ؟ لقد وقعَ الحادث، وكان السؤال حينئذٍ عن كيفية التعامل مع هذا الظرف الطارئ! في أثناء حديث أولسون، سمعَ صرخات الرجال والفِتيان وهم يختنقون في الزنازين المظلمة … سمعَ نحيبَ النساء، كأمواجٍ تضرب شاطئًا بعيدًا، أو همهمة خافتة دءوبة لآلة وَتَرية مكتومة: «ويلاه، زوجي! ويلاه، زوجي!»
عادا إلى جيف كوتون مُجدَّدًا. ووجداه قد استعان هذه المرة بستة رجال آخرين لإبعاد حشود النساء عن الحفرة، ومَدِّ سلك شائك لإبعادهن. قال هال في نفسه إن كوتون لم يكن شخصًا لطيفًا بأي حالٍ من الأحوال، لكن مما لا شك فيه أنَّ النساء يُصبحن مزعجاتٍ عندما يجنُّ جنونُهن. كان يجيب عن أسئلتهن المُلحَّة: «نعم، نعم! سنُحضِر مروحة جديدة. نحن نفعل كلَّ ما في وسعنا، صدقوني. سوف نخرجهم. اذهبن إلى منازلكن وانتظرن.»
ولكن بالطبع لم يكن أحدٌ ليعود إلى منزله. كيف يمكن لامرأة أن تجلس في بيتها، أو تباشر مهامها العادية من طبخ أو غسل وزوجها ربما كان يعاني الاختناقَ تحت الأرض؟ أقل ما يمكنها فعله هو أن تقف عند فتحة الحفرة … في أقرب مكان منه قدر استطاعتها! وقفَ بعضُهن بلا حراكٍ، ساعة بعد أخرى، بينما كان بعضُهن الآخر يجوب شوارع القرية، سائلًا الأشخاص نفسها، مرارًا وتكرارًا، عما إذا كانوا قد رأَوا أزواجهن. ظهر بعضُهم، مثل باتريك بيرك، وبدا دائمًا أن هناك فرصة لظهور آخر.