الفصل السابع والعشرون
في فترة ما بعد الظهيرة، صادف هال ماري بيرك في الشارع. كانت قد عثرت على والدها منذ فترة طويلة، ورافقته إلى حانة أوكالاهان كي يحتفل بِنِعَم العناية الإلهية عليه. كانت ماري حينها مهتمة بمسألة أكثر خطورة. كان المنجم رقم ٢ في خطر! فقد كان الانفجار في المنجم رقم ١ عنيفًا جدًّا إلى درجة أنه عطَّل تروس مروحة المنجم الآخر، التي تمتد إلى ما يقرُب من ميلٍ على طول الوادي. ومن ثَمَّ توقَّفت المروحة، وعندما ذهبَ أحدُهم إلى أليك ستون يطلب منه إخراج الرجال، رفضَ. صاحت ماري: «أتدري ما قال؟ أتدري؟ «اللعنة على العمَّال! أَنقِذوا البِغال!»»
كان هال قد نسي حقيقة وجود منجمٍ ثانٍ في القرية؛ حيث لا يزال مئاتُ الرجال والفتيان يباشرون أعمالهم. وسأل: «ألا يعلمون بأمر الانفجار؟»
قالت ماري: «ربما سمعوا الضجيج. لكنهم لا يعرفون ما حدث، ولن يخبرهم الرؤساءُ إلا بعد أن يُخرِجوا البِغال.»
على الرغم من كل ما رآه هال في نورث فالي، لم يستطِع تصديق ذلك الخبر. ومن ثَمَّ، سألَ مُستفسِرًا: «كيف لكِ أن تعرفي ذلك يا ماري؟»
فأجابته ماري: «لقد أخبرني الشابُّ روفيتا للتوِّ. لقد كان هناك، وسمعَ ذلك بأُذنَيه.»
أخذَ يُحدِّق إليها. وقال: «دعينا نذهب ونتأكد»، شرعَا في السير في الشارع الرئيسي للقرية. وفي الطريق انضمَّ إليهما آخرون؛ لأن أخبار هذه المصيبة الجديدة كانت قد بدأت بالفعل في الانتشار. مرَّ بهم جيف كوتون في سيارة، وصرخت ماري: «لقد قلتُ لكم ذلك! عندما ترونه ذاهبًا إلى مكان، فاعلموا أن هناك عملًا قذرًا يُخطِّطون له!»
وصلوا إلى المبنى حول بئر المنجم رقم ٢، ووجدوا حشدًا من الناس، فيما يشبه الإضراب. وكان النساءُ والأطفال يصرخون ويُلَوحون، مُهدِّدين باقتحام المكتب واستخدام هاتف المنجم لتحذير الرجال بأنفسهم. وها هو قائد المعسكر يستحثُّهم على التراجع. وصلَ هال وماري في الوقت المناسب ليرَيَا السيدة ديفيد، التي كان زوجها يعمل في المنجم رقم ٢، وكانت تُلوِّح بقبضتها في وجه قائد المعسكر وتصرخ فيه مثل قطٍّ بري. وجَّه قائد المعسكر مسدسَه إليها، وعندها تقدَّم هال إلى الأمام. تملَّكه غضبٌ أعمى … كان على استعدادٍ أن يُلقي بنفسه فوق القائد.
لكن ماري بيرك أوقفته، دفعت ذراعَيها حوله، وثبَّتته بالقوة. صاحت: «لا، لا! تراجع يا رجل! أتريد أن تُقتَل؟»
أدهشته قوتُها. وأدهشته أيضًا شدة عاطفتها. راحت تناديه بالأحمق المجنون، وبألفاظ أقذع من ذلك. وقالت: «أناقصُ عقلٍ أنت مثل النساء؟ تركض هكذا نحو فُوَّهة مُسدَّس!»
مرَّت الأزمة في لحظة، حيث تراجعت السيدة ديفيد، فرفعَ قائد المعسكر سلاحَه عنها. لكن ماري استمرت في توبيخ هال، محاولةً صرفَه بعيدًا. وقالت: «هيا الآن! ارحل من هنا!»
«لكن يا ماري! يجب أن نفعل شيئًا!»
«لا يمكنك أن تفعل شيئًا، صَدِّقني! لا بد أن لديك من العقل ما يكفي لمعرفة ذلك. لن أدعكَ تُعرِّض نفسك للقتل! ابتعِد الآن!» سحبته بعيدًا إلى الشارع، بالقوَّة تارةً وباللين تارة.
كان يحاول التفكير في الموقف. هل كان الرجال في المنجم رقم ٢ في خطر حقًّا؟ هل كان من الممكن أن يكون الرؤساءُ قد تعاملوا مع هذا الاحتمال بكل هذا البرود وعدم الاكتراث؟ وخصوصًا في ظل حادث المنجم الآخر الذي وقع في اللحظة نفسها أمام أعينهم! لم يستطع أن يصدق، وفي الوقت نفسه أوضحت ماري، التي كانت تسير بجانبه، أنَّ الرجال ليسوا في خطرٍ كبيرٍ … كانت كلمات أليك ستون الوحشية هي ما أصابها بالجنون فحسب.
«ألا تذكر عندما انسدَّ مجرى الهواء من قبل، وساعدتَ بنفسك في إخراج البِغال؟ لم تعُدَّه أمرًا خطيرًا حينها، وهكذا هو الوضعُ الآن. سوف يُخرِجون الجميعَ في الوقت المناسب!»
وكانت تُخفي مشاعرها الحقيقية حفاظًا على سلامته، تركها تقوده، بينما كان يحاول التفكير في شيء آخر ليفعله. كان يفكِّر في الرجال في المنجم رقم ٢، لقد كانوا أعزَّ أصدقائه، جاك ديفيد، وتيم رافيرتي، وفريسماك، وأندروكولوس، وكووفوسكي. كان يفكِّر فيهم، في زنزاناتهم النائية … يتنفَّسون هواءً مُلوَّثًا، ويَمرضون ويفقدون الوعي … حتى تُنقَذَ البِغال! كان يتوقَّف في الطريق من حين إلى آخر، وكانت ماري تسحبه، مُردِّدة مرارًا وتكرارًا: «لا يمكنك أن تفعل شيئًا!» ثم فكَّر: ما الذي كان يمكنه فعله؟ لقد بذلَ قصارى جهده في خداع جيف كوتون قبل ساعاتٍ قليلة، وكانت النتيجة أنْ أشهرَ قائدُ المعسكر فوهةَ مسدسِه في وجهه. كلُّ ما كان في استطاعته فعله الآن هو أن يَلفت انتباه كوتون إليه، وأن يجعله يطرده من المعسكر في الحال.