الفصل التاسع والعشرون
أخذت ماري على هال عَهدًا بألا يتشاجر مع كوتون. ذهبَا إلى المنجم رقم ٢. ووجدا البِغال قادمة، والرؤساء يَعِدُون بأن الرجال سيخرجون في غضون فترة قصيرة. كان كلُّ شيء على ما يرام … لم يكن ثمة خطر يُذكَر! لكن ماري كانت تخشى أن تثق بهال، على الرغم من وعده لها، ومن ثَمَّ استدرجته إلى المنجم رقم ١.
وجدا أنَّ هناك سيارة إنقاذ قد وصلت للتوِّ قادمة من بيدرو، وكانت تُقِلُّ أطباء وممرضين، وكذلك عددًا من «الخوذات». كانت هذه «الخوذات» أدواتٍ غريبة الشكل، تُثبَّت فوق الرأس والكتفَين، مُحكَمة الغلق، ومزوَّدة بأكسجين يكفي لساعة أو أكثر. جلس الرجال الذين كانوا يلبسونها في صندوقٍ كبير أُنزِل في البئر بواسطة رافعة، وكانوا بين الحين والآخر يسحبون سلكَ الإشارة لإعلام مَن على السطح بأنهم على قيد الحياة. عندما عادَ أولُهم، أفادَ بوجود أجساد بالقرب من قاع البئر، ولكنها كانت جميعها جُثثًا على ما يبدو. وكان هناك دخانٌ أسود كثيف، ما أشار إلى اشتعال حريقٍ في مكان ما بالمنجم، ومن ثَمَّ لم يكن ثمة ما يمكن فعله إلى حين الانتهاء من تركيب المروحة. وعند تشغيل المروحة، سيتمكَّنون من سحب الدخان والغازات وإخلاء البئر.
أُخطِر مفتش المناجم بالولاية بالأمر، لكنه كان مريضًا في منزله، وأرسلَ أحدَ نوابه. كان هذا الشخص هو المسئول بموجب القانون عن جميع أعمال الإنقاذ، لكن هال وجد أن عمَّال المناجم لم يهتموا بحضوره. كان واجبه هو منْع وقوع الحادث، ولم يكن يفعل ذلك. وعندما يأتي، فإنه يفعل ما تريده الشركة.
في وقتٍ ما بعد حلول الظلام، بدأ العمَّال في الخروج من المنجم رقم ٢، واحتضنتهم نساؤهم، اللاتي كن ينتظرن عند حافة الحفرة، بصيحاتٍ من الشكر والامتنان لسلامتهم. لاحظ هال نساءً أخريات، كان رجالهن في المنجم رقم ١، وربما لا يخرجون أبدًا مرة أخرى، واقفاتٍ يُشاهدن هذه الترحيبات بعيونهن الحزينة الممتلئة بالدموع. كان من هؤلاء الذين خرجوا جاك ديفيد، وقد سار هال معه هو وزوجته إلى المنزل، مستمِعًا إلى السباب الذي صَبَّته الزوجة على كوتون وأليك ستون، وكان بمنزلة درس في مفردات الوعي الطَّبَقي. كرَّرت المرأة الويلزية الضئيلة الحجم عبارة رئيس العمَّال: «اللعنة على العمَّال، أنقِذوا البِغال!» قالتها مرارًا وتكرارًا … بدا الأمر كأنه يُبهِجها كما لو كان عملًا فنيًّا، وقد لخَّص ذلك بكفاءة تامة موقف الرؤساء تجاه رجالهم! لاحظ هال أنه كان هناك العديد من الآخرين الذين ردَّدوا تلك العبارة؛ فقد انتشرت في جميع أنحاء القرية، وجابت جميع أنحاء المنطقة في غضون أيام قليلة. لقد لخَّصت رأي أبناء المنطقة في موقف أصحاب المناجم تجاه عُمَّالهم!
بعد أن تغلَّب هال على صدمته الأولى الناجمة عن الحادث، أراد الحصول على معلومات، وسأل «جاك الكبير»، الذي كان رجلًا موثوقًا به وواسعَ الاطلاع وعلى دراية جيدة بكل جوانب الصناعة. أوضحَ لهال — بطريقته الهادئة البطيئة — أن وتيرة الحوادث في هذه المنطقة لم تكن بسبب أي مشكلة بعينها في تشغيل هذه المناجم، أو بسبب الانفجارات الناجمة عن الغازات، أو جفاف الجو. بل كانت لمجرد إهمالٍ من المسئولين وتجاهُل من جانبهم للقوانين الموضوعة لحماية العمَّال. لا بد من وجود قانون صارم ذي «أنياب» … قانون ينصُّ، على سبيل المثال، على أن يحصل ورثةُ كل عامل يلقى حتفه في منجم للفحم على ألف دولار، بغض النظر عمَّن تسبَّب في الحادث. وهكذا سنلاحظ كيف سيهتم أصحابُ المناجم ويبحثون عن حلول للمخاطر «غير المعتادة»!
لقد عرفوا، في ظل الوضع الحالي، وبغض النظر عن حجم الذنب الواقع على عاتقهم، أنَّ في إمكانهم الإفلات من الأمر وتكبُّد خسائر طفيفة. ولا شكَّ أن محاميهم كانوا في موقع الحادث بالفعل، وبحلول الوقت الذي أُخرجَت فيه أُولى الجثث، كانوا يُسَوُّون أمورهم مع عائلات الضحايا. يعرضون على الأرامل العودة إلى أوطانهن، ويعطون عائلة كاملة من الأطفال الأيتام بعض المال، ربما خمسين دولارًا، وربما مائة دولار … ولا خيارَ أمامهم سوى أخذِها أو تركها. لا يمكنك الحصول على شيء من المحاكم؛ فقد كانت القضية ميئوسًا منها إلى درجة أنه لم يكن في إمكانك أن تجد محاميًا لمحاولة تولي قضيتك. وقال «جاك الكبير» ساخِرًا إنَّ ذلك هو أحد الإصلاحات التي تُؤمن بها الشركات؛ إذ أرادوا إبعاد «المحامين المخادعين» عن العمل!