الفصل الحادي والثلاثون
أجبرتْ ماري نفسَها على المُضي قُدمًا. وقالت: «هكذا تدبَّرتُ الأمرَ يا جو! قلتُ لنفسي: «أنتِ تحبِّين هذا الرجل، ولا تريدين إلا حُبَّه! إذا كانت لديه مكانة في العالَم، فلن تكوني إلا عائقًا أمامه … وأنتِ لا تريدين ذلك. لا تريدين اسمه، أو أصدقاءَه، أو أيًّا من تلك الأشياء … أنتِ تريدينه هو!» هل سمعتَ من قبل عن شيء كهذا؟»
اشتعلتْ وجنتاها تورُّدًا، لكنها ظلَّت تنظرُ في عينَيه. وأجابَ بصوتٍ منخفض: «نعم، سمعت.»
«ما رأيك فيه إذن؟ أهو صادق؟ سيقول القَسُّ سبراج بلا شكٍّ إنه الشر بعينه، وسيُسميه الأبُ أوجورمان في بيدرو خطيئةً مُهلِكة، وربما يعرفون … لكنني لا أعرف! كلُّ ما أعرفه هو أنني لم أَعُدْ أستطيعَ تحمُّل الأمر!»
ترقرقتِ الدموعُ في عينَيها، وصرختْ فجأة: «أوه، خُذني بعيدًا عن هنا! خُذني بعيدًا وأَعطني فرصة يا جو! لن أطلبَ شيئًا، لن أقفَ في طريقك أبدًا؛ سأخدمُك، سأطبخ وأغسل وأفعل كلَّ شيء من أجلك، سأبذل كلَّ طاقتي من أجلك! أو سأخرج وأعمل في وظيفة ما، وأشارك في المصاريف. وأَعِدُك … إذا سئمتَ مني وأردتَ أن تتركني، فلن تسمع مني كلمة شكوى واحدة.»
لم تتعمَّد التأثير فيه حسيًّا؛ بل جلست تحدِّق إليه بنِيةٍ صافية وعينَين دامعَتين، وهذا ما صعَّبَ الرد عليه أكثر.
ماذا كان عساه أن يقول؟ شَعرَ بدافعٍ خطير قديم … أن يأخذ الفتاة بين ذراعَيه ويطمِئنها. وعندما تحدَّث أخيرًا بذلَ جهدًا ليحافظ على هدوءِ صوته. وقال: «سأوافق يا ماري، إذا اعتقدتُ أنَّ الأمر سينجح.»
«سينجح! سينجح يا جو! يمكنك الانسحاب متى أردت. أعني ذلك جديًّا!»
«لا توجد امرأةٌ في هذا العالَم يمكنها أن تكون سعيدة بهذه الشروط يا ماري. فأيُّ امرأة تريد زوجها، تريده لنفسها، وتريده دائمًا؛ إنها لا تخدع إلا نفسها إذا صدَّقت في أي شيء آخر. أنتِ مُثقَلة بالأعباء الآن، ما رأيتِه في الأيام القليلة الماضية قد جعلكِ شديدة الانفعال والتوتر …»
صاحت: «لا! ليس ذلك فحسب! بل كنتُ أفكِّر في الأمر لأسابيع.»
«أعرفُ. كنتِ تفكِّرين، لكنكِ ما كنتِ لتتحدَّثي لولا هذا الحادث المروِّع.» توقَّف لحظة، لاستعادة ثباته. ثم قال: «لن ينجح الأمرُ يا ماري. لقد رأيتُ آخرين يحاولون أكثر من مرة، على الرغم من أنني لست كبيرًا في السن. حاولَ أخي ذات مرة، ودمَّر نفسه.»
«آه، أنتَ خائفٌ من أن تثق بي يا جو!»
«لا، ليس الأمر كذلك؛ ما أَعنيه هو … أنه دمَّر قلبَه، فقد كان أنانيًّا. أخذَ كلَّ شيء، ولم يُعطِ شيئًا. إنه أكبر مني بكثير، ومن ثَمَّ كان في إمكاني أن أرى تأثير ذلك فيه. إنه مُتبلِّد المشاعر، ولا يؤمن بشيء، ولا حتى بنفسه، عندما تتحدَّثين إليه حول إصلاح العالَم يَنعتُكِ بالحمقاء.»
قالت مُصِرَّة: «إنها طريقة أخرى للتعبير عن خوفك مني. أنت خائفٌ من أن تضطر إلى الزواج بي!»
«لكن يا ماري … هناك الفتاة الأخرى. أنا حقًّا أُحبُّها، وقد قطعتُ لها وعدًا. ماذا يمكنني أن أفعل؟»
قالت بصوتٍ هامِس: «لم أصدق قطُّ أنك أحببتَها.» غضَّت بصرَها واستأنفت بتوتُّرٍ الإمساك بأطراف فستانها الأزرق الباهت، الذي كان مُلطَّخًا ببُقع الشحم، ربما من أثر مجهوِدها مع أطفال زامبوني. اعتقدَ هال عدة مرات أنها ستتحدَّث، لكنها كانت تطبق شفتَيها مرة أخرى؛ كان يشاهدها بقلبٍ يعتصرُ ألمًا.
عندما تحدَّثتْ أخيرًا، كان حديثُها لا يزال هَمْسًا، واعترت صوتَها مسحةُ ذُلٍّ لم يعهدها فيها من قبل. فقالت: «أظنك لن ترغب في التحدُّث إليَّ يا جو بعد ما قلتُه.»
صاحَ وأمسكَ بيدها: «أوه يا ماري! لا تقولي إنني زِدتُكِ تعاسة وشقاءً! أنا أريد مساعدتكِ! ألن تسمحي لي أن أكون صديقكِ … صديقكِ الحقيقي المخلص؟ دعيني أساعدكِ على الخروج من هذه المَهلَكَة؛ ستكون لديكِ الفرصة للنظر حولك واستكشاف العالَم، وستجدين سبيلكِ إلى السعادة … العالَم كله سوف يبدو مختلفًا لكِ حينها، وسوف تضحكين على فكرة أنكِ أردتِ أن تكوني معي في يوم من الأيام!»