الفصل الثاني والثلاثون
عادَ الاثنان إلى حفرة المنجم. لقد مضى يومان على الحادث، ولم تكن المروحة قد بدأ تشغيلُها بعد، ولم تكن هناك إشارة على بدء تشغيلها. كان هلعُ النساء يزداد أكثر فأكثر، وانتشر التوتر بين الحشود. أحضرَ جيف كوتون قوةً من الرجال لمساعدته في حفظ النظام. وقد بَنوا سياجًا من السلك الشائك حول الحفرة ومداخلها، وخلف هذا السلك مشى مَدنيون صارمو المظهر ومعهم «هراوات» رجال الشرطة، وانتفاخ هياكل مسدساتهم ظاهرٌ بوضوحٍ أعلى سيقانهم.
خلال هذه الفترة الطويلة من الانتظار، أجرى هال محادثاتٍ مع أعضاء مجموعة مراقِب الأوزان الداعمة له. حكوا له ما حدث في أثناء حبسه، وذكَّره هذا بشيء كان قد نسيه في غمرة الانفجار. كان المسكينُ جون إدستروم في بيدرو، ربما في عَوز شديد. ذهبَ هال إلى كوخ السويدي العجوز في تلك الليلة، ودخله متسلِّقًا إحدى نوافذه، وأخرجَ الأموالَ المدفونة. كانت خمس ورقات نقدية من فئة الخمسة دولارات، وضعَها في مظروفٍ، وكتبَ العنوانَ على مكتب بريد بيدرو، وجعلَ ماري بيرك تأخذه إلى مكتب البريد لإرساله.
مرَّت الساعات بطيئةً، ولم تظهر أي إشارة بعد على فتح حفرة المنجم. بدأت تُعقَد تجمُّعاتٌ سِرية لعمَّال المناجم وزوجاتِهم للشكوى من تصرُّف الشركة وأسلوب إدارتها؛ وكان من الطبيعي أن تكون الصدارة في ذلك لأصدقاء هال الذين بدءوا حركة المطالبة بمراقِب الأوزان. كانوا من أكثر العُمَّال ذكاءً، ومن أحصفهم وأبعدهم نظرًا في مُجريات الأحداث. لم يفكِّروا فقط في الرجال المحاصَرين تحت الأرض، ولكن أيضًا في الآلاف غيرهم مِمنْ سيظلون محاصَرين لسنواتٍ قادمة. كان هال، على وجه الخصوص، يفكِّر في كيفية إنجاز شيء بعينه قبل مغادرته المعسكر؛ لأنه بالطبع سيضطر إلى المغادرة قريبًا … سيذكره جيف كوتون، ويُنفِذ تهديده للتخلص منه.
نشرت الصحفُ أخبار الحادث، وقرأها هال وأصدقاؤه. كان من الواضح أن الشركة كانت شديدة الحرص على كتابة الأخبار من وجهة نظرها الخاصة. كان موضوعُ حوادث المناجم في هذه الولاية يشغل اهتمامَ الرأي العام ويحظى بحساسية كبيرة. فقد لُوحِظَ ارتفاع معدَّل الوفيات الناجمة عن هذه الحوادث على نحوٍ مُطَّرد؛ إذ أظهرت تقاريرُ مفتش المناجم التابِع للولاية أنَّ ستةً من بين كل ألف قد ماتوا في عامٍ واحدٍ، وما بين ثمانية وتسعة أشخاص في العام الذي يليه، وما بين واحد وعشرين شخصًا واثنين وعشرين شخصًا في العام الذي يليه. وعندما يلقَى خمسون رجلًا أو مائة رجل حتفهم في حادثٍ واحدٍ، وتستمر هذه الحوادث، حادثًا تلو الآخر، فهو أمرٌ لا يسعُ حتى الجمهور الأكثر فظاظة وقسوة إلا أن يتساءل أمامه. ومن ثَمَّ، كان حرص «الشركة العامة للوقود» الدائم على تقليل الخسائر في الأرواح، واختلاق الأعذار. ولم يُعزَ الحادثُ إلى إهمالٍ من جانب الشركة؛ فالمنجم يُرَشُّ بانتظامٍ، بالماء وغبار الطوب اللَّبِن، ومن ثَمَّ فلا بد أن سببَ الانفجار نابعٌ من إهمال الرجال وعدم توخِّيهم الحذر عند استخدام البارود.
دارَ نقاشٌ في كوخ جاك ديفيد ذات ليلة حول عدد الرجال المدفونين في المنجم. قدَّرت الشركةُ العددَ بأربعين، لكن مينيتي وأولسون وديفيد اتفقوا على أن هذا العدد غير منطقي. كان في إمكان أي شخصٍ تجوَّل بين الحشود أن يتأكَّد من وجود ضِعف هذا العدد أو ثلاثة أمثاله من المفقودين الذين لم يُذكَروا. وهذا التزوير كان مُتعمَّدًا؛ لأن الشركة كان لديها نظامُ فحصٍ، يمكنها من خلاله معرفة اسم كل عامِل في المنجم. غير أن معظم هذه الأسماء كانت أسماءً سلافية يتعذَّر نطقها، ولم يكن لأصحابها أصدقاءٌ يذكرونهم … على الأقل ليس بأي لغة يفهمها مُحرِّرو الصحف الأمريكية.
كان ذلك كلُّه جزءًا من النظام، كما أعلنَ جاك ديفيد، الذي كان غرضُه ونتيجتُه هما تمكين الشركة من الاستمرار في قتل الرجال دون تعويض، سواء ماديًّا أو أدبيًّا. خطرَ ببال هال أنه سيكون من المفيد الاعتراض على هذه التصريحات الكاذبة … بقدر ما هو مفيد إنقاذ الرجال الذين كانوا مدفونين في هذه اللحظة. كان كلُّ مَنْ يتقدَّم بالاعتراض على هذه التصريحات يُعرِّض نفسه بالطبع لإدراج اسمه في القائمة السوداء، ولكن هال اعتبر نفسه رجلًا محكومًا عليه بالفعل بتلك العقوبة.
تحدَّث توم أولسون. «ماذا ستفعل باعتراضك؟»
أجاب هال: «سأُدلي به إلى الصحافة.»
«ولكن ما الصحيفة التي ستنشر ذلك؟»
«هناك صحيفتان متنافستان في بيدرو، أليس كذلك؟»
«إحداهما يملكها ألف ريموند، زعيم الإمبراطورية، والأخرى يملكها فاجلمان، مستشار «الشركة العامة للوقود»، أيهما ستُجرِّب؟»
«حسنًا، هناك الصحف الخارجية … تلك الموجودة في ويسترن سيتي. يوجد صحفيون هنا الآن، ومن المؤكَّد أن أحدهم سيتولَّى القضية.» أجابَ أولسون، مُعلنًا أنهم لن يكون أمامهم سوى الصحف العُمَّالية والاشتراكية لنشر مثل هذه الأخبار. لكن، حتى في هذه الحالة، كان الأمر يستحق المحاولة. وقال جاك ديفيد، الذي كان ضليعًا في أمور الاتحادات النقابية وجميع أنشطتها: «ما يجب فعله الآن هو إجراء إحصاءٍ منتظم، كي نعرف تحديدًا عدد العُمَّال المحتجَزين داخل المنجم.»
أثارَ الاقتراحُ حماسَهم، واتفقوا على الشروع في تنفيذه في مساءِ ذلك اليوم. كان من الباعث على الارتياح أن يفعل المرء شيئًا، أن يشغل عقله بشيء خلاف اليأس. أبلغوا عزمهم إلى ماري بيرك، وإلى روفيتا، وكووفوسكي، وآخرين، وفي تمام الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي التقوا مجدَّدًا، وجمعوا قوائمهم معًا، وتبيَّن أن ما لا يقل عن مائة وسبعة من الرجال والفتيان قد باتَ معروفًا بما لا يدع مجالًا للشك أنهم محاصَرون في المنجم رقم ١.