الفصل الأول
كان هال يعتزم الذهابَ إلى ويسترن سيتي في أسرع وقتٍ ممكن لمقابلة محرِّري الصحف. ولكن كان عليه تدبير المال أولًا كي يتمكَّن من السفر، وكانت أفضل طريقة اهتدى إليها للحصول على ذلك المال هي العثور على جون إدستروم. غادر القطار وتبعه بيت هانون. وبعد بعض التقصي والاستفسار، التقَى بمتعهِّد دفن الموتى الذي دفنَ السيدة إدستروم، والذي أخبره بمكان إقامة السويدي العجوز، في منزل عامِلٍ قريب.
استقبلَه إدستروم بأسئلة مدفوعة بالحماس: مَن الذين لقوا حتفَهم؟ ماذا كان الوضع؟ روى هال في جملٍ مختصرة ما حدث. وعندما ذكر حاجته إلى المال، أجابه إدستروم بأن لديه القليل، وأنه سيُقرِضه إياه، لكنه لم يكن كافيًا لشراء تذكرة إلى ويسترن سيتي. سأل هال عن الخمسة والعشرين دولارًا التي أرسلتها ماري بيرك عبر البريد المسجَّل، غير أنَّ الرجل العجوز لم يكن قد سمعَ عنها شيئًا، فلم يكن قد ذهبَ إلى مكتب البريد. قال هال على الفور: «دعنا نذهب الآن!» ولكن في أثناء نزولهما إلى الطابق السفلي، خطرت بباله مشكلة أخرى. كان بيت هانون في الشارع بالخارج، ومن المرجَّح أنه قد سمعَ عن تلك الأموال من جيف كوتون؛ ومن ثَم فقد يقبض على إدستروم ويأخذ المال.
قال الرجل العجوز: «دعني أقترحُ شيئًا. تعالَ والتقِ بصديقي إد ماكيلار. ربما يمكنه أن يُسدي إلينا بعضَ النصائح … أو حتى يفكِّر معنا في طريقة لفتح المنجم.» أوضحَ إدستروم أنَّ ماكيلار، عجوز اسكتلندي، كان عامِل منجم في السابق، لكنه أصبح الآن مُقعَدًا ولديه بعضُ الأعمال الصغيرة التي يُباشرها في بيدرو. لقد كان معارِضًا عنيدًا لمنظومة «ألف» ريموند، وكادوا يقتلونه في إحدى المرات. لم يكن منزله بعيدًا، ولم تكن استشارته لتستغرق وقتًا طويلًا.
قال هال: «حسنًا»، وانطلقَا في الحال. تبعَهما بيت هانون، ولم يكن يبعد عنهما إلا اثنتَي عشرة ياردة، لكنه لم يعترضهما، ووصلَا إلى بوابة كوخٍ صغير. فتحت امرأةٌ البابَ، وطلبتْ منهم الدخول إلى غرفة الطعام؛ حيث كان يجلس ماكيلار … رجلٌ عجوز ذو شعرٍ أشيب، مصاب بالروماتيزم، ومضطر إلى استخدام العكازات.
روى هال قصَّته. ولأنَّ الرجل الاسكتلندي نشأَ في المناجم، لم يستوجب الأمرُ الخوضَ في تفاصيل الوضع. عندما أخبره هال أنه يفكِّر في التوجُّه إلى الصحف، ردَّ الآخرُ على الفور، قائلًا: «لن تضطر إلى الذهاب إلى ويسترن سيتي. هناك رجلٌ سيؤدي تلك المهمة نيابة عنك، اسمه كِيتينج من صحيفة «جازيت».
صاح هال: «صحيفة «جازيت» في ويسترن سيتي؟» كان يعرف هذه الصحيفة؛ فقد كانت جريدة مسائية تُباع مقابل سِنت واحد، ويقرؤها العُمَّال. كان المثقفون يصفونها بأنها صحيفة «صفراء».
قال ماكيلار، مُعلِّقًا على نبرة هال: «أعرفُ. لكنها الصحيفة الوحيدة التي ستنشر قصتَك على أي حالٍ.»
«أين هذا المدعو كيتينج؟»
«إنه هناك في المنجم. من المؤسِف أنك لم تقابله.»
«هل يمكننا أن نجده الآن؟»
«ربما يكون في بيدرو. جرِّب أن تسألَ عنه في الفندق الأمريكي.»
توجَّه هال إلى الهاتف، وفي غضون دقيقة كان يستمع للمرة الأولى إلى الصوت المبتهِج لصديقه ونائبه المستقبلي «بيلي» كيتينج. وخلال بضع دقائق أخرى كان صاحبُ الصوت عند باب ماكيلار، يمسح العرقَ المتصبِّب على جبهته ورأسِه نصف الصلعاء. كان وجهُه مستديرًا كالبدر، ومبهجًا مثل شخصية فالستاف الهزلية، عندما تعرفه جيدًا تكتشف أنه مخلصٌ مثل كلب نيوفاوندلاند. على الرغم من بِنيته الضخمة، كان كيتينج صحفيًّا صبَّ كلَّ جهده «في العمل».
بدأ في استجواب عامِل المنجم الشاب بمجرد تقديمه إليه، وسرعان ما أصبح واضحًا لهال أنه كان الرجل الذي كان يبحث عنه. كان كيتينج يعرف بالضبط الأسئلة التي عليه أن يطرحها، وعرف القصة بأكملها في بضع دقائق. صاحَ: «يا إلهي! طبعتي الأخيرة!» وأخرج ساعة جيبه، وقفز إلى الهاتف. نادى قائلًا: «مكالمة خارجية، أريدُ محرِّر الأنباء المحلية لدى صحيفة «جازيت» في ويسترن سيتي. ومن فضلك، يُرجى إعلامي إذا لم يكن في استطاعتك إيصالي به بسرعة. الأمرُ عاجل للغاية، اضطررتُ آخِر مرة إلى الانتظار لمدة نصف ساعة تقريبًا.»
عاد إلى هال، وشرعَ في طرح المزيد من الأسئلة، وفي الوقت نفسه سحبَ مجموعة من أوراق النَّسخ من جيبه، ودوَّن بعضَ الملاحظات. حصلَ على جميع تصريحات هال حول عدم رشِّ المناجم، وعدم وجود مخارج للطوارئ، والتأخُّر في تشغيل المروحة، والتقاعُس عن إخراج عدد من الرجال احتُجِزوا في المنجم. صاحَ: «كنت أعلم أن الأمور كان يشوبها الفسادُ هناك! لكنني لم أتمكَّن من الحصول على دليل! لقد أبقوا رجلًا معي يُلازمني كلَّ دقيقة. هل تعرف شخصًا يُدعَى بريدوفيتش؟»
قال هال: «أعرفُه. موظف متجر الشركة؛ لقد فتَّش جيوبي ذات مرة.»
ظهر الامتعاضُ على وجه كيتينج. وقال: «حسنًا، لقد كان المرافِق الذي لازمني هناك. تخيَّل أن تحاول استنطاقَ عُمَّال المناجم للبوح بما يحدث وذلك الجبان في عَقبيك! قلتُ للمشرِف: «لا أحتاجُ إلى أحدٍ لمرافقتي في المكان.» فنظر إليَّ بابتسامة صغيرة بغيضة. وقال: «نحن لا نريد أن يحدث لك أيُّ شيء في أثناء وجودك في المعسكر يا سيد كيتينج.» فقلتُ: «لكنك لا تهتم بضرورة حماية أرواح الصحفيين الآخرين.» قال: «لا، ولكن صحيفة «جازيت» لها أعداءٌ كثيرون، كما تعلم.» فقلتُ: «كفاكَ خداعًا يا سيد كارترايت. هل تريد أن تضعني تحت المراقبة بينما أباشرُ عملي الصحفي في هذه المهمة؟» أجابَ: «لتفهم الأمر هكذا، إذا كنت ترى أن هذا سيرضي قُرَّاء صحيفة «جازيت».»»
قال هال: «من المؤسف أننا لم نلتقِ! أو ليتَك حتى قد التقيتَ بأحد أعضاء مجموعتنا للمطالبة بمراقِب للأوزان!»
صاحَ الصحفيُّ: «أوه! هل تعرف أمرَ مراقِب الأوزان! لقد سمعتُ تلميحًا عنه … ولذلك جئتُ إلى هنا اليوم. سمعتُ أن هناك رجلًا يُدعى إدستروم، طردوه لأنه يختلقُ المشكلات، وتصوَّرتُ أنني إذا تمكَّنتُ من العثور عليه، فقد أحصلُ على دليل.»
نظر هال وماكيلار إلى السويدي العجوز، وأخذَ الثلاثة يضحكون. قال ماكيلار: «ها هو الرجل الذي تبحث عنه!»
أضافَ إدستروم، مشيرًا إلى هال: «وها هو مراقِبُ الأوزان!»
عاد الصحفيُّ على الفور إلى عمله؛ وبدأ سلسلة أخرى من الأسئلة. كان يعتزم استخدامَ قصة مراقِب الأوزان هذه باعتبارها «متابعة تحقيقية» لليوم التالي لإبقاء موضوع نورث فالي حيًّا. كان للقصة علاقة مباشرة بالحادث؛ لأنها أظهرت ما كان رؤساءُ العمل في نورث فالي يفعلونه في الوقت الذي كان يتعيَّن عليهم فيه الاهتمام بمعايير السلامة في منجمهم. قال كيتينج: «سأكتبُ عن الأمر بعد ظهر هذا اليوم وأرسل تحقيقي الصحفي بالبريد» وأضافَ مبتسِمًا: «تلك إحدى مزايا التعامُل مع الأخبار التي لا تتطرَّق إليها الصحفُ الأخرى … ليس هناك ما يدعو إلى القلق بشأن فقدانِك «لسبقك الصحفي».»