الفصل السابع
وقف هال يُشاهِد ذلك الجسد البدين حتى اختفى عن الأنظار، ثم استدار ومرَّ بالمخبرِين الثلاثة الذين توقَّفوا. فحدَّق إليهم ولكن دون إيماءة منه أو منهم. وعلى بُعد قرابة عشرين قدمًا خلفه، اصطفُّوا وتبِعوه كما فعلوا من قبل.
كان القاضي دينتون قد اقترحَ استشارة أحد رجال الشرطة، وفجأة لاحظ هال أنه كان يمرُّ أمام دار البلدية، وخطر بباله أنه ربما من الجيد أن يلفت انتباه عُمدة بيدرو إلى مسألة ملاحقته وتعقُّبه. وتساءل عما قد يبدو عليه كبير مسئولي «مدينة ملعونة» كهذه، وبعد التحقُّق جيدًا، وجدَ نفسه في مكتب السيد إيزرا بركينز، الذي كان رجلًا ضئيلَ الحجم متواضِعًا، وعمل في مجال أعمال الدفن والجنائز قبل أن يصبح أحدَ رموز ما يُسمونه بالآلة «الديمقراطية».
جلسَ متوترًا يجذب لحيته البُنية المشذَّبة بعناية، محاوِلًا التهرُّب من المعضلة التي وضعَه فيها هال. فمُلاحقة عامل منجم شاب في شوارع المدينة أمرٌ وارد حقًّا، ولكن كون هذا مخالِفًا للقانون من عدمه هو أمرٌ متوقف على الظروف. إذا كان قد أحدثَ جلبة في نورث فالي، وكان هناك سبب للاعتقاد بأنه ربما كان ينوي إثارة المتاعب، فستتبعه الشركة بالطبع. لكن بيدرو كانت مكانًا يحترم القانون، وستُصان حقوقه ما دامَ يُحسن التصرُّف.
ردَّ هال مُستشهِدًا بما قاله له ماكيلار عن ضرب الرجال في الشوارع في وضح النهار. أجاب السيد بركينز عن هذا بأن ملابسات هذه الحوادث تحيط بها الشكوك، وأنها قد حدثت على أي حالٍ قبل أن يُصبح عمدة المدينة. كما أن إدارته كانت تهدف إلى الإصلاح، وقد أصدر أوامر صارمة إلى رئيس الشرطة بالحرص على عدم وقوع المزيد من الحوادث من هذا النوع.
سأل هال: «هل ستذهب معي إلى رئيس الشرطة وتُعطيه الأوامر الآن؟»
قال السيد بركينز: «لا أرى ضرورة لذلك.»
بدا أنه كان يوشك أن يعود إلى منزله. كان مثلَ حيوانٍ قارض صغير مُرتعِب ومثير للشفقة، وكان من العار أن يُضيِّق عليه الخناق أكثر من ذلك، لكن هال لازمه عشر دقائق أو عشرين دقيقة أخرى في جدالٍ وإصرار … حتى اندفعَ القارضُ الصغير في نهاية المطاف نحو الباب ولاذ بالفرار في سيارة. وكانت كلماتُه الأخيرة بينما كان يُدير محرك السيارة: «يمكنك الذهاب إلى رئيس الشرطة بنفسك»، وقرَّر هال الأخذ بهذا الاقتراح. لم يتبقَّ لديه أمل، غير أنه قد تملَّكه شكلٌ من أشكال الغضب العنيد. ولن يستسلم!
بعد الاستفسار من أحد المارَّة، عَلِمَ بأنَّ مقرَّ الشرطة موجود في هذا المبنى نفسه، وأن مدخله كان عند الزاوية تمامًا. دخلَ، ووجدَ رجلًا يرتدي الزيَّ الرسمي، جالسًا إلى مكتبه يكتبُ شيئًا، وأخبره هذا الرجل أن رئيسَ الشرطة قد «خرج إلى الشارع». جلس هال منتظِرًا بجوار إحدى النوافذ، حيث تسنَّى له النظر من خلالها إلى المسلَّحِين الثلاثة الذين كانوا يتسكَّعون في الطريق.
استمر الرجلُ الجالس إلى المكتب في الكتابة، لكنه كان بين الحين والآخر يرمق عامِلَ المنجم الشاب بتلك النظرة العَدائية التي ينظر بها رجال الشرطة الأمريكيون إلى الطبقات الدنيا. كانت هذه ظاهرة جديدة بالنسبة إلى هال، ووجد نفسه فجأة يتمنَّى لو كان قد ارتدى ملابسَ ماكيلار. ربما لم يكن الشرطيُّ سيلاحظ أنها ليست ملابسه.
دخل رئيس الشرطة. وكان زيُّه الأزرق يُخفِي بِنيتَه القوية، وقد كشفَ شاربُه عن أن ما خرجَ إلى الشارع لأجله كان احتساءَ الجِعَة. قال مُثبِّتًا نظره على هال: «حسنًا، ما الأمر أيها الشاب؟»
أوضح هال مطلبَه.
سأل رئيس الشرطة بنبرة عدائية بكل تأكيدٍ: «ماذا تريدني أن أفعل؟»
«أريدك أن تجعل هؤلاء الرجال يكفُّون عن ملاحقتي.»
«وكيف يمكنني ذلك؟»
«يمكنك حبسهم، إذا لزم الأمر. يمكنني أن أُشير لك إليهم، إذا تقدَّمتَ إلى النافذة.»
لكنَّ الآخرَ لم يتحرك. وقال: «أعتقد أنهم إن كانوا يلاحقونك، فلا بد أنَّ لديهم سببًا لذلك. هل كنت من مُثيري الشغب في المعسكرات؟» طرح هذا السؤال بقوة مفاجئة، كما لو كان قد خطر بباله أنه ربما يكون من واجبه أن يُلقي القبض على هال.
قال هال مستجمِعًا ما استطاع من الشجاعة: «كلَّا … كلَّا بالطبع، لم أكن من مثيري الشغب. كنت فقط أطالبُ بحقوقي.»
«كيف لي أن أعرف ما كنت تفعله؟»
كان عامل المنجم الشاب على استعدادٍ للشرح، لكنَّ الآخرَ قاطعَه. وقال: «فلتُحسِن التصرُّف ما دمت في هذه المدينة، أيها الشاب، هل تفهم؟ إذا فعلت ذلك، فلن يُزعجك أحد.»
قال هال: «لكنهم هدَّدوا بالفعل بإزعاجي.»
«ماذا قالوا؟»
«قالوا لي أن أترقَّب ما سيحدُث لي في ظلمة الليل.»
«حسنًا، ربما … ربما يقصدون أن تسقط ويرتطم أنفك بالأرض.»
أطرَبت رئيسَ الشرطة مزحتُه، ولكن لحظيًّا فقط. ثم سأل هال: «هل تفهم، أيها الشاب، سنُعطيك حقوقَك في هذه المدينة، ولكننا لا نحبُّ المحرِّضين، ولا نتظاهر بذلك. هل تفهم؟»
«هل تَعُدُّون المرءَ مُحرِّضًا عندما يطالِب بحقوقه القانونية؟»
«ليس لديَّ وقت للجدال معك أيها الشاب. حفظ النظام في معسكرات الفحم ليس بالمهمة السهلة، ولن أتدخَّل في شئون العمل. أعتقد أن مُحقِّقي الشركة لديهم حقوق في هذه المدينة مثلك.»
سادَ الصمت فترة وجيزة. رأى هال أنه لم يكن ثمة ما يَجنيه من استمرار المناقشة مع رئيس الشرطة. ها هو الآن يرى لأول مرة كيف يبدو الشرطيُّ الأمريكي في نظر العامِل المتمرد، وبدت له هذه التجربة مُفيدة للغاية. خرجَ هال إلى الشارع وقلبه يتأجَّج غضبًا كأنه معبأٌ بالديناميت؛ وزادت من غضبه المتأجِّج تلك الابتسامات الساخرة التي لاحظها على وجه بيت هانون ووجهَي الشخصَين الآخرَين الضخمَي البِنية.