الفصل الحادي عشر
كانوا يجلسون في الطابق العلوي في غرفة ماكيلار. ثم نهضوا متجهين نحو الدَّرَج عندما سمعوا فجأةً جرس الباب الأمامي. توقَّفوا وحدَّق كلٌّ منهم إلى الآخر. همسَ كيتينج:
«ها هم جاءوا!»
جلسَ ماكيلار فجأة، ومَدَّ عُكَّازَتيه إلى هال. وصاح: «القُبَّعة والمعطف في الردهة الأمامية. فلتحاوِل!» كانت كلماته مُفعَمة بالحيوية، ولكنَّ صوتَه كان يرتجف على غرار إدستروم. فلم يَعُد شابًّا، ولم يَعُد قادرًا على خوض المغامرة بروحٍ لا تَعبأ بعواقب الأمور.
ركض هال وكيتينج إلى الطابق السفلي، وتبعَهما إدستروم. ارتدى هال المعطف والقبعة، وذهبَا إلى الباب الخلفي، بينما فتح إدستروم البابَ الأمامي في الوقت نفسه.
كان الباب الخلفي يُفتَح على ساحة، وكانت تلك الساحة تؤدي بدورها إلى زقاق عبر بوابة جانبية. أخذَ قلبُ هال ينبض بشدة عندما بدأ يعرج بالعُكَّازَتين. كان عليه أن يسير بخُطى ماكيلار الوَئِيدة … بينما بدأ كيتينج يتحدَّث إلى جانبه. وقد أخبره من قبيل تجاذبهما أطرافَ الحديث، مخاطِبًا إياه ﺑ «السيد ماكيلار»، أن صحيفة «جازيت» كانت صحيفة تؤمن بقضايا الشعب، وتتعهَّد بنشر وجهة النظر الشعبية في جميع المسائل العامة. وبينما كانا يتحدَّثان في ذلك، خرجَا من البوابة ودخَلا الزقاقَ.
خرج رجلٌ من الظل ومشى بجوارهما. ثم مرَّ بينهما على مسافة ثلاث أقدامٍ من هال، ونظر إليه بفضولٍ، عن قرب. لحُسن الحظ لم تكن ليلة قَمَرية؛ ولم يتمكَّن هال من أن يتبيَّن وجهَ الرجل، وأملَ ألا يكون الرجلُ قد تبيَّنَ وجهَه.
في هذه الأثناء، كان كيتينج يواصلُ حديثَه. ويقول: «كما تفهم يا سيد ماكيلار، في بعض الأحيان يكون من الصعب معرفة الحقيقة في وضعٍ كهذا. عندما يملأ أصحابُ المصالح صُحفهم بالأكاذيب والمبالغات، فإننا نميل إلى نشر أكاذيب الطرف الآخر ومبالغاته. لكننا، مع مرور الوقت، نجد أن من الأفضل نشر الحقيقة يا سيد ماكيلار … يمكننا دعمها، ولن نتراجع.»
إحقاقًا للحق، لم يكن هال يُولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الخطبة البنَّاءة. كان ينظر أمامه، حيث ينتهي الزقاق مؤديًا إلى الشارع. كان هذا هو الشارع الواقع خلف منزل ماكيلار مباشرة، ولم يكن يبعُد عن السكة الحديدية إلا بقدر مربع سكني واحد.
لم يجرؤ على النظر خلفه، لكنه كان يسترق السمع. وقد سمعَ فجأة صُراخًا بصوتِ جون إدستروم. «اركض! اركض!»
في لمح البصر، أسقط هال العُكَّازَتين، وانطلقَ في الزقاق، وفي عَقبَيه كيتينج. سمعَا صراخًا خلفهما، وصوتًا، بدا قريبًا جدًّا، يأمرهما قائلًا: «توقَّفَا!» لكنهما كانا قد وصلا إلى نهاية الزقاق، وكانا قد أوشكا على الانعطاف في الطريق عندما انطلقت رصاصةٌ وتحطَّم زجاج نافذةِ منزلٍ خلفهما على الجانب الآخر من الشارع.
كان أمامهما بعد ذلك قطعة أرضٍ خالية يمرُّ طريقٌ عبرها. وبعد هذا، احتميَا خلف بعض الأكواخ، ووصلَا إلى شارعٍ آخر … ثم إلى قضبان السكة الحديدية. كان أمامهما طابورٌ طويلٌ من عربات الشحن، وركضَا بين اثنتَين منهما، ومرَّا فوق الوصلات، ورأَيَا محرِّكًا كبيرًا مُتوقفًا، تضيء مصابيحُه بشدة أمام عيونهما. قفزا أمامه، وبجانب القطار، مرَّت مقطورة، ثم عربة أمتعة، ثم عربة فخمة.
صاحَ كيتينج، الذي كان يلهث برئتَيه الأشبه بمِنفَاخ: «هَا نحن!»
رأى هال أنه لم يكن هناك سوى ثلاث عرباتٍ أخرى في القطار، كما رأى رجلًا يرتدي ملابس العمل الزرقاء يقف عند الدرج. اندفعَ نحوه. وصاحَ فيه: «عربتُك تحترق!»
صاح الرجل: «ماذا؟ أين؟»
صرخَ هال: «هنا!»، وفي لمح البصر، قفزَ متجاوِزًا الآخر، وصعدَ الدرج ودلَفَ إلى العربة.
كان هناك ممرٌّ طويلٌ وضيقٌ يمكن لمَن يراه أن يعرف بسهولة أنه الجزء المخصَّص للمطبخ في عربة الطعام، وفي الطرف الآخر من هذا الممر كان هناك باب مُتأرجِح قفز إليه هال. صاحَ سائقُ القطار فيه أن يتوقَّف، لكنه تجاهله. خلعَ عنه مِعطفَه وقُبعتَه، ثم دفعَ الباب فاتحًا إياه، ودخل إلى غرفة ساطعة الإضاءة … وفيها وجدَ ابنَ ملِك الفحم.