الفصل الثامن عشر
نظر هال حوله، ورأى بعضَ ضيوف حفل هاريجان. كانت هناك فيفي كاس، تقف تحت مظلة مع بيرت أتكينز، وبوب كريستون مع ديكي إيفرسون. كان هذان الاثنان يرتديان مِعطفَين مضادَّين للمطر وقُبعتَين مقاوِمتَين للماء، ويتحدَّثان إلى كارترايت؛ كانا رجلَين طويلَي القامة أنيقَين، وقد ظهرا بجوار عُمَّال مناجم الفحم المتقزِّمين كأنهما مخلوقَان من عالَم آخر.
تقدَّما نحو هال عندما شاهداه. سألَ بوب، وقد انفرجت أساريرُ وجهه الوردي الحليق: «من أين حصلت على هذا الطفل؟»
قال هال وهو يقذف بجيري الصغير في الهواء وينزله من فوق كتفه: «لقد التقطتُه.»
قال بوب: «مرحبًا أيها الطفل!»
وجاءَ الجوابُ على الفور: «مرحبًا بك!» عرف جيري الصغير كيف يتحدَّث باللهجة الأمريكية؛ لقد كان مُؤهَّلًا أن يصبح أحدَ رجال المجتمع! قال وهو ينظر إلى أعلى باتجاه الرجل الغريب الطويل القامة، وكانت عيناه السوداوان مُتلألئتَين: «نزلَ أبي في ذلك المصعد.»
ردَّ الآخر: «أحقًّا؟ لماذا لم تذهب معه؟»
«سيُخرجهم أبي. إنه لا يخاف من أي شيء، أبي!»
«ما اسم أبيك؟»
«جيري الكبير.»
«أوه! وماذا ستصبح عندما تكبر؟»
«سأصبح مُفَجِّر ألغام.»
«في هذا المنجم؟»
«كلَّا بالتأكيد!»
«لِمَ لا؟»
بدا على جيري الصغير الغموض. وقال: «لا أقولُ كلَّ ما أعرفه.»
ضحكَ الشابان. هنا كان في إمكانهما معرفة الحياة! قال ديكي إيفرسون: «هل ستعود إلى بلدك القديم؟»
قال جيري الصغير: «لا يا سيدي! أنا أمريكي.»
«ربما ستُصبح رئيسًا يومًا ما.»
أجابَ الشاب الصغير: «ذلك ما يقوله أبي … رئيسًا لنقابة عُمَّال المناجم.»
ضحكَا مرة أخرى، ولكن روزا همهمت بتوتُّرٍ وأمسكت بكُمِّ الصبي. لم يكن هذا مما يُقال لغريبَين يبدو عليهما الغموض والثراء! قال هال لطمأنتها: «هذه والِدة جيري الصغير، السيدة مينيتي.»
قال الشابان وقد خلعَا قبعتَيهما وانحنَيا برشاقة، محدِّقَين إلى روزا التي بدت جميلة عندما احمرَّت وجنتاها: «يسعدنا لقاؤك يا سيدة مينيتي.» أُحرِجَت أكثر؛ فلم يكن قد انحنى لها من قبل في حياتها رجُلان مثلهما، وردَّت بخجلٍ.
كانا يُحيِّيَان جو سميث باعتباره صديقًا قديمًا، ويخاطبانه باسمٍ غريبٍ! أدارتْ عينَيها الإيطاليَّتَين السوداوَين نحو هال متسائِلة، وشعرَ هال بالإحراج يتسلَّل إليه. كان من غير المريح أن تُعرَف حقيقة أمره في نورث فالي تقريبًا كما كان في ويسترن سيتي!
تحدَّث الرجالُ عن أعمال الإنقاذ، وعما قاله كارترايت عن مدى التقدُّم المُحرَز فيها. كانت النيرانُ في أحد الممرات الرئيسية، وكانت تحرق الأخشاب، وتنتشر في البئر بسرعة بفِعل المروحة التي انعكسَ اتجاهُها. لم يكن الأمل كبيرًا في نجاح أعمال الإنقاذ في هذا الجزء من المنجم، لكنَّ الرجال ذوي الخوذات تمكَّنوا من اختراق الممرات المحترقة رغم الحرارة والدخان. كانوا يعرفون مدى سهولة انهيار السقف والجدران في تلك الأجزاء من المنجم، ولكنهم كانوا يعرفون أيضًا أن الرجال كانوا يعملون هنا قبل الانفجار. قال ديكي: «أُقِر أنهم رجال شجعان!»
كانت مجموعةٌ من النساء والأطفال محتشِدة للاستماع، وقد غلبَ قلقُهم الشديد لمعرفة الأخبار خجلَهم. كانوا يُذكِّرون المرءَ بالنساءِ في أوقات الحرب عندما كُنَّ يستمعن إلى هدير البنادق البعيدة وينتظرن وصول الجرحى. رأى هال بوب وديكي يرمُقان، بين الحين والآخر، تلك الحلقة من الوجوه المحتشدة حولهما؛ كانا يندمجان بعضَ الشيء مع أجواء المكان، وكان ذلك جزءًا مما يتمنَّاه.
سألَ: «هل سيأتي الآخرون؟»
قال بوب: «لا أعرفُ. أفترضُ أنهم يتناولون وجبة الإفطار. حانَ الوقتُ لنُغادر.»
أضافَ ديكي: «ألن تأتي معنا؟»
أجاب هال: «لا، شكرًا، لديَّ موعدٌ مع هذا الطفل هنا.» وصافح يد جيري الصغير بقوة. وقال: «لكن أخبِرا بعضًا من الزملاء الآخرين أن يأتوا. ستُثير هذه الأشياءُ اهتمامَهم.»
قال الاثنان وهما يغادران: «حسنًا.»