الفصل الثاني
عاد هال إلى الشارع. كان ذلك هو وقت الغروب في المناطق المستوية؛ كانت قِمم الجبال مشوبة بضوء أرجواني، وكان الهواءُ منعشًا وباردًا مع بداية الخريف. رأى في الشوارع المظلمة تجمُّعًا من الرجال، وكان هناك صراخٌ، وأشخاصٌ يركضون نحو المكان، فأسرع متسائلًا «ماذا حدث؟» كان هناك ما يقرب من مائة رجل يصرخون، امتزجت أصواتُهم، فكانت أشبه بصوت أمواج البحر. استطاع أن يُفسِّر بعضَ الكلمات: «هيا! هيا! كفانا هذا! هيا!»
سألَ شخصًا على أطراف الحشد: «ماذا حدث؟»
وقد عرفه الرجلُ، فأطلقَ صرخة انتشرت بين الحشد: «جو سميث! إنه رجلنا! تعالَ هنا، جو! ألقِ خطابًا!»
راح هال يطرح الأسئلة، محاولًا استيضاح الموقف، ولكن حتى في تلك الأثناء انتشرت صيحاتٌ أخرى منادية اسمه. «لقد سئمنا منهم ومن قمعِهم لنا!» وصاح أحدُهم بصوتٍ أعلى: «أَخبِرنا! أَخبِرنا مجددًا! هيا!»
كان هناك رجلٌ يقف على درجات مبنًى عند إحدى النواصي. حدَّق هال في ذهولٍ؛ لقد كان تيم رافيرتي. من بين جميع الناس في العالَم … تيم، تيم المَرِح والبسيط، تيم ذو الوجه الضاحك والعينين الأيرلنديَّتَين الزرقاوين اللتين تشعَّان مرحًا! الآن شَعِث شعرُه الرملي اللون وشوَّه الغضبُ أساريره. صرخَ قائلًا: «إنه يعاني سكرات الموت! ذهبَ عنه صوتُه، ولم يستطع تحريك يده! كان عبدًا لهم على مدى إحدى عشرة سنة، وكاد أن يُقتَل في حادث كان خطأهم … أقسم إنَّ كل رجل في هذا الحشد يعلم أنه خطؤهم!»
صرخ الحشدُ فيما يشبه جوقة من الأصوات: «أمر مُؤكَّد! أنت على حقٍّ! قل كلَّ شيء!»
«يُعطونه خمسة وعشرين دولارًا ونفقات المستشفى … وكم ستكون نفقات المستشفى؟ سيخرجونه إلى الشارع مرة أخرى قبل أن يتمكَّن من النهوض على قدمَيه. أتعلم … لقد فعلوا ذلك مع بيت كولين!»
«بالطبع فعلوا ذلك.»
«ويأتي هؤلاء المحامون الملاعين إلى هناك … يُجبرونهم على التوقيع على أوراقٍ لا يعرفون ما فيها. وأنا الذي ربما في مقدوري أن أساعده لا أستطيع الاقتراب! بحق المسيح، هذا لا يُحتمَل! هل نحن عبيد أم كلاب لنتحمَّل أمورًا كهذه؟»
صاح أحد الأشخاص: «لن نتحمَّل أكثر من ذلك! سوف نذهب إلى هناك ونرى بأنفسنا!»
صاح آخرُ: «هيا! وليذهب حراسُهم المسلَّحون إلى الجحيم!»
شقَّ هال طريقَه وسط الحشد. وصاح: «تيم! كيف علمتَ بهذا؟»
«زميلٌ هناك رأى ذلك.»
«مَن؟»
«لا أستطيعُ إخبارك … سوف يطردونه، ولكنه شخص تعرفه تمامًا كما أعرفه. لقد جاء وأخبرني. إنهم لا يدفعون لأبي التعويض!»
صاح واكوب، عامِل منجم إنجليزي كان يقف بجوار هال: «يفعلون ذلك دائمًا! لذلك لن يسمحوا لنا بالدخول هناك.»
قال صوتٌ آخر: «لقد فعلوا الأمر نفسه مع والدي!» عرف هال أنه كان صوت آندي، الصبي اليوناني.
صاح تيم: «ويريدون بدءَ العمل في المنجم رقم ٢ في الصباح! مَن عساه ينزل إلى هناك مرة أخرى؟ ومع أليك ستون، ذلك الذي يلعن العُمَّال ويُنقذ البِغال!»
صاح واكوب: «لن نعود إلى مناجمهم حتى تصبح آمنة! ليرشُّوها … وإلا فسأعتزل ذلك العمل للأبد.»
صاح آخر: «وليعطونا مقابل أوزاننا! سيكون لدينا مراقِبٌ للأوزان، وسنحصل على مقابل ما نستخرجه من فحمٍ!»
وهكذا علَت الصيحة مرة أخرى: «جو سميث! ألقِ لنا خطابًا، جو! أعطِهم ما يستحقونه! أنت رجلنا!»
وقف هال عاجزًا، جَزِعًا. لقد حسبَ أنه انتصر في معركته … ولكن ها هي معركة أخرى! كان الرجال ينظرون إليه، ويُنادونه باعتباره أشجع الثوار. ولم يعرف إلا عددٌ قليل منهم شيئًا عن التغيير المفاجئ في وضعه.
وبينما كان لا يزال مترددًا، تجاوزته جبهة القتال؛ إذ قفز الإنجليزيُّ واكوب على الدَّرَج وبدأ في مخاطبة الحشد. لقد كان من الرجال ذوي البِنية المنحنية والمتقزِّمة، لكنه استطاع في هذه الأزمة أن يُظهِر قوة أنفاسه المفاجئة. استمع هال مندهشًا؛ فهذا الرجل الهادئ البليد المظهر كان آخِر مَن سيختاره لخوض القتال. كان توم أولسون قد قيَّمه، وقال إنه لا يريد أن يسمع شيئًا عنه، ومن ثَم استبعدوه من تفكيرهم. وها هو هنا يخطب بتحدٍّ رهيبٍ!
«إنهم مجموعة من اللصوص والقتلة! إنهم يسرقوننا في كل مكان نذهب إليه! من جهتي، لقد اكتفيتُ منهم! ماذا عنكم؟»
كان هناك هديرٌ قادمٌ من كل مَن وصله صوتُه. كانوا جميعًا قد اكتفوا منهم.
«حسنًا، إذن … سوف نقاتلهم!»
«هيا! هيا! سنحصلُ على حقوقنا!»
وصل جيف كوتون على عجلٍ، ومعه «بود» آدامز واثنان أو ثلاثة من المسلَّحين في عقبَيه. استدار الحشد نحوهم، وقبضَ الرجالُ في أطراف الحشد أياديهم، مُظهرين أسنانهم مثل الكلاب الغاضبة. احمرَّ وجه كوتون من الغضب، لكنه رأى أنه يواجه أمرًا جللًا؛ فاستدار وذهب للحصول على مزيدٍ من الدعم … وعلا هديرُ الجماهير فرحًا. كانوا قد بدءوا معركتهم بالفعل! وقد حققوا بالفعل نصرهم الأول!