الفصل الخامس
انتهى خطابُ ماري فجأة. وتحركت مجموعةٌ من الرجال في الشارع، فأحدثوا فيه اضطرابًا. علت ضجته، وبدأ المزيد من الناس في التحرك في اتجاهها. استدارت ماري لتنظر إليهم، وفي الحال اندفعَ الحشدُ كله في الشارع.
كانت المشكلة في المستشفى. فأمام هذا المبنى كان هناك مدخلٌ مسقوف، حيث كان يقف كارترايت وأليك ستون مع مجموعة من كتَبة الشركة وموظفيها النظاميين، وقد رأى هال من بينهم بريدوفيتش، وجونسون، ومدير مكتب البريد، وسي آدامز. أسفل الدرج وقف تيم رافيرتي، مع حشدٍ من الرجال العازمين خلفه. كان يصرخ قائلًا: «نريد هؤلاء المحامين هناك بالخارج!»
وكان المشرف نفسه قد تولَّى أمرَ التحدُّث إليه. فقال: «لا يوجد محامون هنا يا رافيرتي.»
«نحن لا نثِق بك!» وأخذ الحشد يصرخ: «سنرى بأنفسنا!»
أعلن كارترايت: «لا يمكنكم دخول هذا المبنى.»
صاحَ تيم: «أنا ذاهبٌ لرؤية والدي! يحقُّ لي رؤية والدي، أليس كذلك؟»
«يمكنك رؤيته في الصباح. يمكنك أن تأخذه معك، إذا أردت. ليست لدينا رغبة في إبقائه. لكنه نائم الآن، ولا يمكنك إزعاج الآخرين.»
«لم تكن خائفًا من إزعاجهم بمحامِيكَ اللُّعَناء!» وارتفع هدير استحسان … عاليًا جدًّا، إلى درجة جعلت إنكار كارترايت لا يمكن سماعه.
«أقول لك إنه لم يكن هناك محامون بالقرب منه.»
صاحَ واكوب: «إنها كذبة! لقد كانوا بالداخل طوال اليوم، وأنت تعرف ذلك. نحن عازمون على إخراجهم.»
صاحَ آندي، الصبي اليوناني، وهو يشقُّ طريقَه إلى الأمام: «هيا يا تيم!» وصاح الآخرون: «هيا!» ومن ثَم شجَّعوا رافيرتي على صعود الدرج.
«أريدُ أن أرى والدي!» وعندما أمسكه كارترايت من كتفه، صرخَ قائلًا: «أقول لك دعني أذهب!»
كان من الواضح أن المشرف كان يبذل قصارى جهده كي لا يلجأ إلى العنف؛ إذ أمر أتباعه بالعودة في الوقت نفسه الذي كان يمسك فيه بالصبي. لكنَّ الدماء غلت في عروق تيم؛ فاندفع إلى الأمام، فما كان من المشرف، إلا أن قذف به إلى الخلف على الدرج، ضاربًا إياه أو محاولًا تفادي ضربته. ارتفعت ضجة غاضبة من حشدٍ؛ واندفعوا إلى الأمام، وفي الوقت نفسه سحب بعضُ الرجال في المدخل مسدساتهم.
كانت دلالة هذا الموقف واضحةً بما فيه الكفاية. في لحظة سيُصبح الحشد أعلى الدَّرج، وسيكون هناك إطلاق نار. وبمجرد حدوث ذلك، مَن عساه يُخمِّن النهاية؟ في مثل هذه الحالة للحشد الهائج المندفع، ربما لم يكن ليتوقف حتى يُحرق كلَّ مبنًى للشركة، ربما ليس حتى قبل أن يقتُل كلَّ ممثِّلٍ للشركة.
كان هال قد قرر البقاء في الخلفية، لكنه رأى أن البقاء في الخلفية في تلك اللحظة كان من شأنه أن يكون تصرُّفًا جبانًا، بل يكاد يكون جريمة. ومن ثَم، انطلق إلى الأمام، وارتفعت صرخته فوق الضجيج. «توقفوا يا رجال! توقفوا!»
ربما لم يكن هناك رجلٌ آخر في نورث فالي كان من الممكن أن يستمعوا إليه في تلك اللحظة. لكن هال كان يتمتع بثقتهم، لقد اكتسبَ الحق في أن يستمعوا إليه. ألم يُسجَن من أجلهم، ألم يَرَوه خلف القضبان؟ «جو سميث!» ترددت الصرخة من أحد أطراف الحشد المتحمس إلى آخر.
كان هال يشقُّ طريقه إلى الأمام، دافعًا الرجال جانبًا، متوسلًا إياهم، وآمرهم بالصمت. «تيم رافيرتي! انتظر!» وعندما تعرَّف تيم على صوته، امتثل للأمر.
بمجرد أن أصبح هال بعيدًا عن الصحافة، قفز إلى مدخل المستشفى، حيث لم يحاول كارترايت إيقافه.
صاح: «أيها الرجال! انتظروا لحظة! هذا ليس ما تريدونه! إنكم لا تريدون قتالًا!» توقَّف لحظة، لكنه كان يعلم أن مجرد الإنكار لم يكن ليمنعهم في تلك اللحظة. يجب أن يخبرهم بما هم في حاجة إليه تحديدًا. كان قد علم لتوِّه الكلمات المحددة التي تشجعهم، فأعلنها بأعلى صوته: «ما تريدونه هو الاتحاد! إضراب!»
جاء الرد عليه في صورة هدير من الحشد، كان الهدير الأعلى على الإطلاق. أجل، كان ذلك ما يريدونه! إضراب! وأرادوا جو سميث أن يُنظِّمه، أن يقوده. لقد كان قائدهم ذات مرة، ولقد طُرد من المعسكر من أجل ذلك. لم يعرف الرجال تحديدًا كيف عاد … لكنه كان هناك، المفضَّل لديهم. مرحى له! سوف يتبعونه إلى الجحيم ومنه!
ألم يكن الفتى الجسور! واقفًا هناك في مدخل المستشفى، تحت أنوف الرؤساء مباشرة، يُلقي عليهم خطابًا عن الاتحاد، ولا يجرؤ الرؤساء على مَسِّه! شعر الحشد ببهجة عارمة عندما أدركوا الموقف. صاح الرجال الناطقون بالإنجليزية مؤيدين كلامه، ومَن لم يستطيعوا الفهم، صاحوا لصياح الآخرين.
هم لا يريدون القتال … بالطبع لا! القتال لن يساعدهم! ما كان سيساعدهم هو أن يتَّحِدوا، وأن يقفوا كتلة واحدة من الرجال الأحرار. سيُشكِّلون لجنة نقابية قادرة على التحدث نيابة عنهم جميعًا، على أن تقول إنه لن يذهب أحد إلى العمل بعد الآن حتى تتحقق العدالة! سيضعون حدًّا لمسألة تسريح العُمال لمطالبتهم بحقوقهم، ولمسألة وضع الرجال على القائمة السوداء، ولطردهم من المنطقة لأنهم يفترضون أنهم يريدون ما منحتهم إياه قوانينُ الدولة!