الفصل الحادي عشر
لكن أسارير إدوارد لم تنفرج بابتسامة واحدة؛ بل كانت كل حواسه مستغرَقة في المهمة التي هو بصددها، وهي إخراج أخيه من هذا المأزق، الشديد الخطورة والإهانة. فقد جاء هال إلى بلدة يملكها أصدقاء عملٍ لإدوارد، وشرع في التدخل في شئونهم، وإثارة عُمَّالهم، وتعريض ممتلكاتهم للخطر. لم يكن لدى إدوارد أي شكٍّ في كون نورث فالي بأكملها ملكًا للشركة العامَّة للوقود … ليس فقط المناجم والمنازل، بل والأشخاص الذين كانوا يعيشون فيها، ومن ثَم عندما حاول هال تقديم وجهة نظر مغايرة لم يكن من أخيه إلا أن صبَّ عليه جامَّ غضبه من عبارات وصيحات ساخطة. هل كانت ستوجد أي بلدة في نورث فالي لولا رأس مال الشركة العامَّة للوقود وجهودها؟ إذا كانت الشروط التي عرضَتها الشركة العامة للوقود على أهالي نورث فالي لا تروق لهم، فقد كان أمامهم حلٌّ بسيطٌ وواضحٌ … وهو الذهاب إلى مكان آخر للعمل. لكنهم بقُوا، لقد أخرجوا الفحم للشركة العامة للوقود، وتقاضَوا أجورًا من الشركة …
قال هال: «حسنًا، لقد توقَّفوا عن تقاضيها الآن.»
أجاب إدوارد بأن هذا الشأن يخصُّهم. ولكن ليتوقفوا لأن هذا اختيارهم … وليس لأن محرضين من خارج المعسكر دفعوهم إلى فعل ذلك. ومهما تكن الظروف، فلنحرص على ألا ندع المحرضين ينضم إليهم عضو من عائلة وارنر!
وصف الأخ الأكبر حال العجوز بيتر هاريجان في طريق عودته من الشرق، وكيف سيمتلَّكه غضبٌ لا يُوصف، والعاصفة التي سيثيرها في عالَم الأعمال في ويسترن سيتي. تبًّا، الأمر لا يمكن تصوُّره، فلم يُسمَع بشيء كهذا من قبل! «ويتزامن ذلك بالضبط مع افتتاح منجم جديد … في وقتٍ نحتاج فيه إلى كل دولار من الائتمان الذي يمكننا الحصول عليه!»
سأل هال: «ألسنا أقوياء بما يكفي لمواجهة بيتر هاريجان؟»
كان الجواب: «لدينا الكثير من الأشخاص الآخرين الذين علينا مجابهتهم والتصدي لهم. يجب ألا نَحيد عن طريقنا لنصنع عداوات لأنفسنا.»
لم يكن إدوارد يتحدث باعتباره الأخ الأكبر فحسب، بل بصفته أيضًا الشخص المسئول عن إدارة الشئون المالية للعائلة. عندما تدهورت صحة الأب نتيجة إفراطه في العمل، وتحوَّل — في ساعة رهيبة — من شخصٍ قوي يقود الأمور إلى شخصٍ ضعيفٍ أشبه بالطفل المثير للشفقة، كان هال سعيدًا بوجود شخص عَمَلي في العائلة؛ فقد كان على أتم الاستعداد لرؤية أخيه وهو يحمل هذه الأعباء، بينما يذهب هو إلى كليته لتسلية نفسه بالأغاني الساخرة. لم يكن لدى هال أي مسئوليات، ولم يطلب أحدٌ منه شيئًا … باستثناء ألَّا يُعطِّل عجلات الصناعة التي يديرها شقيقه. «أنت تعيش على صناعة الفحم! كل دولار تُنفقه يأتي منها …»
صاح هال: «أعلم ذلك! أعلم ذلك! ذلك ما يُعذبني! حقيقة أنني أعيش على فضل هؤلاء العبيد المأجورين …»
صاح إدوارد: «كُف عن ذلك! ليس ذلك ما أعنيه!»
«أعلم، ولكنه ما أعنيه. من الآن فصاعدًا، أنوي التعرف إلى الأشخاص الذين يعملون لديَّ، والدراية بالمعاملة التي يتلقَّونها. لم أعُد أخاك الصغير لتُضللني بالعبارات المبتذَلة.»
«تعلم يا هال أن مناجمنا مناجم نِقابية …»
«نعم، ولكن ماذا يعني ذلك؟ كيف نُديرها؟ هل نعطي الرجال المقابل الصحيح لأوزانهم؟»
«بالطبع! لديهم مراقبو الأوزان الخاصُّون بهم.»
«ولكن عندئذٍ، كيف يمكننا منافسة أصحاب المناجم الأخرى في المقاطعة، الذين يدفعون ثلاثة آلاف جنيه للطن؟»
«إننا ندير الأمر … بترشيد النفقات.»
«أي نفقات؟ لا أرى أن بيتر هاريجان ينفق أي شيء هنا!» توقف هال انتظارًا لإجابة، ولكنه لم يتلقَّ ردًّا. «هل نشتري مراقبي الأوزان؟ هل نَرشو رؤساء العُمال؟»
علت مسحة من حُمرة وجهَ إدوارد. وقال: «ما الداعي من هذا الموقف العدائي يا هال؟ أنت تعرف أنني لا أتورط في تلك الممارسات الوضيعة.»
«لا أقصد أن أكون عدائيًّا يا إدوارد، ولكن يجب أن تعلم أنه في إمكان الكثير من رجال الأعمال أن يقولوا إنهم لا يتورطون في تلك الممارسات الوضيعة؛ لأن لديهم آخرين يقومون بها نيابة عنهم. ماذا عن النواحي السياسية، على سبيل المثال؟ هل ندير شركاتنا من خلال تعيين موظفينا ورؤسائنا في الفروع المحلية؟
لم يُجِب إدوارد، وأصرَّ هال قائلًا: «أريد أن أعرف هذه الأمور! لن أكون أعمى بعد الآن!»
«حسنًا يا هال … يمكنك معرفة أي شيء تُريده؛ ولكن بالله عليك ليس الآن! إذا كنتَ تريد أن أُعاملك معاملة الرجال، فتصرَّف بعقلية الرجال! ها هو العجوز بيتر يعود إلى ويسترن سيتي مساء غدٍ! ألا تدري أنه سيُطاردني مثل الثور الهائج؟ ألا تدري أنني لو أخبرته بمجيئي هنا ومحاولة أخذك بعيدًا … وعجزي عن فعل شيء يُذكر … ألا تدري أنه سيطارد أبانا؟»
لقد جرَّب إدوارد كلَّ الحجج، وكانت هذه هي الحجة الوحيدة التي أفلحت. صاح هال: «يجب أن تُبقيَه بعيدًا عن أبي!»
ردَّ الآخر سريعًا: «أتقول لي ذلك! وأنت تعرف العجوز بيتر جيدًا! ألا تعلم أنه سيصل إليه، ولو اضطر إلى تحطيم باب المنزل؟ سوف يصبُّ جامَّ غضبه على ذلك العجوز المسكين! لقد حذرتُك من ذلك بوضوحٍ؛ وتعلم أن إبعاد أبي عن الانفعال مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه. لا أدري ماذا عساه أن يفعل، ربما يغضب منك، وربما يدافع عنك. إنه كبيرٌ في السن وضعيف، لقد فقد سيطرته على الأمور. على أي حالٍ، لن يسمح لبيتر بالإساءة إليك … ما لم يسقط ميتًا وسط الشجار! أيمكنك أن تواجِه ضميرك بهذا الأمر، بالإضافة إلى المشكلات التي تسبَّب فيها أصدقاؤك العُمال؟»