رصاصة بجوار رأس «باسم»!
نظر الرجل إليه قائلًا: أرى أنك مندهش! هل هناك ما يدهشك؟!
ابتسم «رشيد» وقال: تذكرت شيئًا قديمًا، إنني أعتذر!
وفي جدية، قال الرجل: إنني «بوار»، السكرتير الخاص للسيد «جاكسون»، هل من خدمة أؤديها؟
قال «أحمد»: كنا نريد لقاء السيد «جاكسون».
بوار: إن السيد مريض تمامًا، فمنذ الحادثة التي وقعت وهو لا يستطيع لقاء أحد.
صمت قليلًا، ثم أضاف: يمكن أن أقوم بأي شيء تطلبونه.
أحمد: إننا نريد لقاءه شخصيًّا.
بوار: أعتذر، إنه لا يستطيع.
أحمد: هل أخبرته أننا من البوليس السِّري؟
بوار: أظنه لا يحتاج إلى ذلك الآن؛ فالشرطة تقوم بدورها!
أحمد: إننا نكمل عمل الشرطة، ومن الضروري أن نلقاه.
قال «بوار» بعصبية: أخبرتكم أنه لا يستطيع لقاء أحد!
وردَّ «أحمد» بإصرار وهدوء: أرجو أن تنقل إليه رغباتنا.
شعر «بوار» أنهم لن يتحركوا قبل أن يقابلوا السيد «جاكسون»؛ ولذلك فقد غيَّر من لهجته الحادة: استمع لي يا سيِّدي، إن السيِّد «جاكسون» متعب فعلًا، ولو كان يستطيع أن يقابل أحدًا ما كنتُ قد تأخرت، إلا أني أعرف سيِّدي تمامًا.
أحمد: ما زلت أتمنى أن تنقل إليه رغبتنا.
لم يجد «بوار» حلًّا آخر سوى أن ينصرف إلى الطابق العلوي … كان يصعد السلالم — وهو يرقبهم خفية — وكان يبدو عليه الغضب والتوتر، وعندما اختفى، قال «رشيد» بسرعة: أؤكد أنه أحد الرجلين اللذين ظهرا في الفيلم!
صمت الشياطين، وكلٌّ منهم يحاول أن يستعيد الشريط السينمائي الذي شاهدوه، وفي نفس الوقت كان «عثمان» يفكر في شيءٍ آخر.
أسرع «عثمان» إلى أحد الأبواب، وما كاد يقترب منه، حتى ظهر رجلٌ أسمر، يحمل أكوابًا من العصير، سأله «عثمان»: هل السيد مريض لدرجة أننا لا نستطيع أن نقابله؟!
ابتسم الرجل وقال: ليس إلى هذا الحد. ثم أضاف بعد برهة: يمكنكم مقابلته إذا سمح لكم السيد «بوار».
سأله «عثمان»: أين يرقد السيد «جاكسون»؟
الرجل: في الغرفة الخلفية، المطلة على النهر.
عثمان: في أي طابق؟
الرجل: الطابق الأرضي.
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»، وقال: ولكن السيد «بوار» صعد إلى الطابق العلوي!
ابتسم الرجل، وقال: إن السيد «بوار» رجلٌ غريب، وأعتقد أنه يريد أن يستحوذ على كل شيء يملكه السيد «جاكسون»؛ فهو بلا زوجة، ولا أولاد، أو حتى أقارب … إنني أعمل عنده من زمن، وسوف ينزل السيد «بوار» الآن ليقول لكم مثلًا: إنه نائم، أو إنه مريض جدًّا!
شكر «عثمان» الرجل، ثم التفت ليعود إلى الشياطين، إلا أنه توقَّف لحظة، ثم سأله: هل يمكن أن أتعرف إليك؟
ابتسم الرجل ابتسامة أظهرت أسنانه البيضاء كلَّها، وقال: اسمي «هوايت»، أعمل في خدمة السيد «جاكسون» منذ سنوات.
تقدَّم «هوايت» إلى الشياطين يقدِّم لهم العصير، في نفس الوقت، كان «عثمان» قد أسرع خارجًا من الباب إلى الحديقة.
ابتسم «هوايت» للشياطين، وقال هامسًا: يجب أن تقابلوه، إنه بصحةٍ جيدة، وإن كان مزاجه منحرفًا.
في نفس اللحظة كان «بوار» قد ظهر، وفي صوتٍ غاضب صاح: «هوايت»!
نظر له «هوايت»، وابتسم ابتسامةً رائعة، ثم انسحب مختفيًا في اتجاه المطبخ الذي خرج منه.
نزل «بوار» في بطء، وهو يقول: السيد يعتذر لكم، إنه مريض جدًّا، ويرجو أن تتصلوا به تليفونيًّا حتى يحدد لكم موعدًا.
كان قد وصل إلى الشياطين؛ فأخرج من جيبه كارتًا صغيرًا، وقدَّمه لهم قائلًا: هذه أرقام التليفونات، ويمكن أن تتحدثوا في أي وقت.
كان على الشياطين أن يكسبوا الوقت، حتى يعطوا فرصة ﻟ «عثمان» ليؤدي مهمَّته، وكانت أكواب العصير لا تزال أمامهم، فأخذوا يشربون في بطء، وسأل «أحمد»: هل كنت مصاحبًا للسيد «جاكسون» عندما ذهب إلى البنك؟
بوار: لا!
فهد: ألم تكن معه حراسة؟ خصوصًا وأن المبلغ كان كبيرًا!
بوار: كان حارسه ينتظره خارج المبنى في سيَّارته الخاصة.
باسم: هل كانت من عادة السيد «جاكسون» أن يسحب رصيده كله دفعةً واحدة؟
بوار: لم يحدث ذلك من قبلُ!
أحمد: ولماذا سحب رصيده كلَّه هذه المرة؟
بوار: لقد كانت أمامه صفقة تحقق له ربحًا يربو على المليون دولار دفعة واحدة … بالاشتراكً مع شخصيةٍ عربية.
جرت عينا «بوار» بين الشياطين، ثم قال: لقد كان بينكم شابٌّ أسمر! أين هو الآن؟
ابتسم «أحمد»، وقال: إنه في الحديقة، فهو يهوى الزهور، ولا يكاد يراها، حتى يفقد السيطرة على نفسه.
نظر إليهم «بوار» في غضب، ثم صاح: «هوايت»!
ظهر «هوايت» بسرعة في نفس الوقت الذي كان يتجه فيه إلى الباب، وهو يقول: اتبعني!
فكَّر الشياطين بسرعة، أن هذه يمكن أن تكون بداية لصدام لا يريدونه الآن، لكن ما كاد «بوار» يصل إلى الباب، حتى كان «عثمان» يدخل مبتسمًا، وقد حمل في يده مجموعة من الزهور، فنظر له «بوار»، ثم قال في لهجة حاول أن تكون هادئةً: ما كان ينبغي أن تفعل ذلك!
ابتسم «عثمان» قائلًا: لقد …
ولم يكمل كلامه، فقد نظر إلى الشياطين لحظة، ثم قال: تفضلوا، إن السيد «جاكسون» في انتظارنا!
صاح «بوار»: من الذي قال ذلك؟!
ضحك «عثمان» وهو يقول: العصافير التي أخبرتني يا سيدي … ويبدو أن العصافير عندكم أكثر صدقًا!
كان الشياطين قد تحركوا والتفوا حول «بوار» الذي لم ينطق بكلمة، بينما كان «هوايت» يقف مبتسمًا، وإن كانت نظرات «بوار» إليه قد جعلت الابتسامة تختفي بسرعة.
تقدم الشياطين خلف «عثمان»، الذي تقدمهم في الطريق إلى حيث يرقد «جاكسون»، بينما ظل «بوار» في مكانه لا يتحرك.
كانت الحجرة التي يرقد فيها «جاكسون» تقع خلف الفيلا مباشرة … كانت حجرةً وحيدة، وكأنها بيت للزهور، ولفت ذلك نظر الشياطين، إلا أن أحدًا منهم لم يعلق بكلمة، وعندما اقتربوا منها، ضغط «عثمان» الجرس، جاء صوت «جاكسون» من الداخل: ادخل!
دخل «عثمان» أولًا، ثم دخل الشياطين الواحد بعد الآخر، كانت الحجرة جميلة حقًّا، وكان «جاكسون» يرقد ممدَّدًا على كنبة استوديو طويلة … لقد كانت الحجرة شقةً كاملة، فهي تصلح كمكتب، وصالون، وحجرة نوم أيضًا، وفي أحد جوانبها كان يبدو بابٌ صغير، يؤدي إلى مكان، استنتج الشياطين أنه ربما كان مطبخًا صغيرًا ملحقًا بالحجرة.
رحَّب «جاكسون» بهم، ودعاهم للجلوس، ثم جاء صوته الهادئ قائلًا: يسرني أن تهتموا بمشكلتي كل هذا الاهتمام، إنني تحت أمركم.
دار الحوار بين الشياطين و«جاكسون» فترة، لكن فجأة كان «بوار» يقف على الباب المفتوح، فنظر الشياطين إليه، في نفس اللحظة التي كان يبتسم فيها ابتسامةً صفراء، وهو ينظر إليهم.
سأله «جاكسون»: هل هناك شيء يا «بوار»؟
قال «بوار» في هدوء: أستأذن السيد في أن أتغيب نصف ساعة.
جاكسون: هل هناك شيء؟
بوار: إن السيد مشغول مع السادة، ولقد تذكرت شيئًا خاصًّا بي، كان يجب أن أنتهي منه.
صمت «جاكسون» قليلًا ثم قال: أرجو ألا تتأخر.
هزَّ «بوار» رأسه، ثم انسحب بسرعة، وعندما اختفى بدأ الحوار مرةً أخرى.
لقد كان «جاكسون» رجلًا طيِّبًا فعلًا، حتى إنه أخذ يقصُّ على الشياطين قصة حياته كلها، وكأنهم أصدقاء قدماء له، وكان الوقت يمر بسرعة، حتى إن المساء كان يظهر لونه من خلال الباب، وحتى إن «أحمد» استغل لحظة صمت وقال: لقد أتعبنا السيد «جاكسون»، فهل يأذن لنا بالانصراف؟
قال «جاكسون» بسرعة: إنني سعيد بوجودكم، وأرجو أن تسمحوا لي بدعوتكم للعشاء.
نظر الشياطين إلى بعضهم، ولم ينطق أحد منهم، فضغط «جاكسون» زرًّا بجواره، ولم تمر لحظة، حتى ظهر «هوايت»، فقال «جاكسون»: سوف يتناول الأصدقاء عشاءهم معي في الحديقة، وسوف يكون ذلك في خلال نصف ساعة.
انحنى «هوايت» مبتسمًا، وعندما استدار لينصرف، قال «جاكسون»: «هوايت»، ألم يعد السيد «بوار»؟!
هوايت: لم يعد بعدُ يا سيدي!
لم يكد «هوايت» ينتهي من جملته، حتى كان «بوار» يقف بالباب قائلًا: ها أنا ذا يا سيدي!
هزَّ «جاكسون» رأسه، ولم يردَّ، بينما انسحب «هوايت»، وظل «بوار» واقفًا مكانه.
ظل «جاكسون» صامتًا فترة، غير أنه قال في النهاية: لا أظن أنني في حاجة إليكَ الليلة يا سيد «بوار»، سوف أقضي وقتًا مع الأصدقاء، ثم أنام.
ألقى «بوار» تحية المساء، ثم انصرف، وظل الصمت معلَّقًا في سماء الحجرة التي كانت تسبح في ضوءٍ هادئ، بعد أن هبط الليل … حتى قال «جاكسون» ليقطع الصمت، وهو يهبُّ واقفًا: أعتقد أننا نستطيع أن نخرج إلى الحديقة الآن، إنها تبدو رائعة في بداية الليل.
وقف الشياطين بينما وقف «جاكسون» أمام عدة أزرار، وقال: هذه أزرار أضواء الحديقة!
ضغط عدة أزرار، ثم أشار بيده يدعو الشياطين إلى الخروج، كانت الحديقة تبدو رائعة، وقد ازدانت بالزهور من كل الأنواع.
وقفوا مشدوهين أمام جمال المنظر، حتى إن «جاكسون» قال مبتسمًا: إنني أقضي المساء دائمًا هنا، إنها عزائي الوحيد.
قضى الشياطين وقتًا في التجول في أنحاء الحديقة حتى ظهر «هوايت»، وهو ينحني أمام «جاكسون» قائلًا: العشاء جاهز يا سيدي.
هزَّ «جاكسون» رأسه، ثم أخذ طريقه إلى حيث العشاء، كانت هناك خميلةٌ جميلة، تضم مائدةً مستديرة، وقد انتظمت الأطباق فوقها في شكلٍ بديع، قال «جاكسون» مشيرًا بيده: إن النهر يمر من هنا، وسوف تشاهدونه في النهار، إن الليل يغطيه الآن.
جلس الشياطين، ثم بدأ الأكل، غير أن شيئًا لفت نظر «أحمد» الذي كان يجلس في مقابل النهر، لقد ظهر رأسٌ أسود، ثم اختفت، وظلت عينا «أحمد» مركَّزة في نفس الاتجاه، حتى إن ذلك لفت نظر «جاكسون»، فسأل: هل هناك شيء؟!
قال «أحمد»: بسرعة: لا … فإن جمال المكان قد أخذني لحظة!
ابتسم «جاكسون»، ثم انهمك في الأكل، وكانوا جميعا يأكلون، بينما كان «جاكسون» يقطع الصمت بكلمات عن الحديقة مرة، أو عن حياته مرةً أخرى، وعندما انتهى العشاء، دعاهم إلى الانتقال إلى مكان الشاي.
كان «أحمد» قد لفت نظر الشياطين بلغة الأعين عما رآه، ولذلك، فقد اتفقوا أن ينصرفوا فورًا، فقال «أحمد» مبتسمًا: هل تسمح يا سيدي لنا بالانصراف الآن، إننا سوف نعود مرةً أخرى عندما تسمح الظروف، وأرجو أن يكون ذلك في الغد، لقد استمتعنا جدًّا بذلك الوقت الذي قضيناه معك.
قال «جاكسون»: أعتقد أنني أخَّرتُكم كثيرًا، لكنكم خففتم عني ما أنا فيه، سوف أظل دائمًا في انتظاركم، وأرجو أن تكون هذه الليلة بداية صداقةٍ دائمة بيننا.
شكر الشياطين «جاكسون»، ثم أخذوا طريقهم إلى الخارج، وعندما أصبحوا بجوار الباب، اختفى «عثمان» في الحديقة، بعد أن أخبر الشياطين، وتقدم الأربعة إلى الخارج.
قطعوا الطريق بعيدًا عن الباب، لكن فجأة دوَّى طلقٌ ناريٌّ مرَّ بجوار رأس «باسم»! فانبطح الشياطين على الأرض، وقال «رشيد» باسمًا: شكرًا لهم، لقد اختصروا الطريق.