وفجأة، انفتح الباب!
كانت المنطقة التي يسكن فيها «جاكسون» تكاد تكون منعزلة، ولذلك فإن الشياطين لم يروا إنسانًا، وظلُّوا منبطحين على الأرض فترة دون أن يفكر أحدهم في الرد على الطلق الناري.
همس «أحمد»: فلنزحف بعيدًا عن المكان.
زحف الأربعة مبتعدين، حتى أصبحوا في مكان يسمح لهم بالقيام، وقام «أحمد» أوَّلًا، وكانت هناك شجرةٌ ضخمة أعطته فرصة لأن يختبئ خلفها، وتبعه الآخرون، ثم وقفوا لحظة، ينتظرون صدور أي صوتٍ حتى يحددوا مكان من يطلق النار، لكن فجأة سمعوا صوت البومة، وعرفوا أنه من «عثمان»، فاتجهوا ناحية مصدر نعيق البومة، وكانت هناك أعشابٌ عالية، قد بدأت تظهر أمامهم برغم الظلام الكثيف.
همس «رشيد»: يبدو أننا قرب حافة النهر.
عاد الصفير مرةً أخرى، لكن أحدًا لم يرد، إن ردهم سوف يكشف مكانهم، وتحركوا في حذر بين الأعشاب، لكن تحركهم لم يستمر، ففجأة كان خنجر يبرق في الظلام وهو يأخذ طريقه إلى صدر «فهد»، إلا أن «أحمد» الذي رآه وهو يطير في الهواء، دفع «فهد» دفعةً قوية، جعلته يهوي على الأرض، ومرَّ الخنجر في الهواء، حتى سمع صوته وهو يصطدم بالحشائش.
قال «أحمد» بسرعة: إنهم أقرب مما نتصور!
أخذوا يتحركون في حذر حتى لا يصدر أحدهم صوتًا، لكن فجأة كانت ضربةٌ مفاجئة تأخذ طريقها إلى وجه «باسم»، حتى إنه تعثر في مشيته، وظهر الرجال، وقد كانوا ثلاثة، ثم بدأت المعركة.
كانت الحركة صعبة وسط الحشائش العالية، غير أن الشياطين استغلوا ذلك، ثم أمسك «أحمد» بأحدهم، ولوى ذراعه في قوة جعلت الرجل يصرخ، ودار الرجل مع ذراعه، حتى أصبح وجهه مقابلًا ﻟ «أحمد»، ومرةً أخرى ضربه «أحمد» بيده ضربة جعلته لم يعد يرى شيئًا، فتركه «أحمد»، فترنح الرجل بين الحشائش، في نفس الوقت كان «باسم» قد أمسك واحدًا منهم، ثم ضربه ضربةً قوية، جعلته ممدَّدًا على الأرض.
أما «رشيد»، فقد ضرب الثالث ضربةً قوية، ثم عاجله بأخرى خطافية، فعاد إلى الوراء ليتلقفه «باسم» الذي ضربه فوقع.
قال «أحمد» بسرعة: إن انقطاع صوت «عثمان» يعني أن هناك مشكلةً ما!
أسرع الشياطين حيث حددوا مكان «عثمان» من قبلُ، غير أنهم اصطدموا بمشكلة، وهي ذلك السور المرتفع لحديقة «جاكسون»، فمشوا مسرعين مع السور، لكن فجأة كان السور ينزل، حتى قال «رشيد»: إنه ينزل تبعًا لانحدار النهر.
تراجعوا قليلًا، وأخرج «فهد» حبلًا طويلًا ينتهي بخطاف، ثم رماه رميةً قوية إلى أعلى، وجذبه، كان الخطاف قد اشتبك في نهاية السور، فأسرع «فهد» بالصعود، وعندما أصبح عند نهاية السور دوَّى طلقٌ ناري، جعله ينبطح، ثم في قفزةٍ رائعة كان يأخذ طريقه إلى الأرض داخل الحديقة، أطلق صفيرًا متقطِّعًا، فردَّ «عثمان» عليه، بينما كان بقية الشياطين يصعدون الواحد بعد الآخر، غير أن الطلقات النارية لم تتوقف، فأخرج «فهد» مسدسه، وبدأ يتعامل مع مصدر الطلقات …
كان الضوء شاحبًا داخل الحديقة، ولم يكن يلمع سوى ضوء الطلقات التي كانت تحدد المكان الذي تخرج منه، لكن الطلقات لم تستمر طويلًا، وشمل المكانَ صمتٌ ثقيل.
رفع «أحمد» قامته يحدد مكان الفيللا، كان هناك ضوءٌ بعيد، فعرف أنها تقع في الطرف الآخر من الحديقة، وأنصت الشياطين لأي صوت، فكانت هناك أصوات أقدام تقترب فوق الحشائش، وتحفَّز الشياطين، إلا أن «رشيد» قال: إنه «عثمان».
لم تمضِ لحظات، حتى كان «عثمان» بينهم، وقال: لقد انسحبوا، ويبدو أن هناك شيئًا مخبَّأً في الحديقة.
استمر الصمت، لم يكن أمام الشياطين إلا أن ينسحبوا.
قال «أحمد»: أعتقد أنهم خارج السور الآن، يجب أن نخرج حتى نعطيهم فرصة للعودة … وصمت قليلًا، ثم قال: ربما لا يعودون الليلة.
تحرَّك الشياطين في اتجاه باب الحديقة الذي كانت تلمع أضواؤه من بعيد وسط ظلمة الليل الثقيلة، ومرَّ الوقت واكتشفوا أنهم مشوا كثيرًا قبل أن يصلوا إلى الباب الحديدي الضخم الذي كان مغلقًا، وبجواره كان يقف حارس يمشي بين جانبي الباب، قال «رشيد»: في الغالب هذا الرجل من أعوان «بوار»، ويجب ألا يرانا.
كانت أشجار الجزورينا العالية ترتفع بجوار السور، فهمس «أحمد»: إن الأشجار يمكن أن تكون طريقنا إلى الخارج، ونستطيع أن نكشف المكان خارج الحديقة.
في لمح البصر كان الشياطين يتسلقون الأشجار، حتى أصبحوا عند نهاية السور، وأخذوا يتأملون المكان حولهم … لم يكن هناك شيء، وعندما أوشكوا على النزول صاح «فهد»: انتظروا! هناك سيارة تقف في الظلام، إنها في اتجاه اليمين.
نظر الشياطين في نفس الاتجاه، كانت تلمع أضواءٌ صغيرةٌ حمراء.
قال عثمان: إنه ضوء السجائر، لا بد أنهم يدخنون في انتظارنا.
ظل الشياطين في أماكنهم لدقائق، ثم قرروا النزول، وفي هدوء، ثبَّت «فهد» خطَّاف الحبل في السور، ثم انزلق فوقه إلى الخارج، وفي هدوء أيضًا، انزلق الشياطين الواحد بعد الآخر، حتى أصبحوا جميعًا خارج الحديقة، ثم مشوا مبتعدين عن مكان السيارة التي حدَّد مكانَها ضوءُ السجائر … غير أنهم فجأة سمعوا صوت محرك سيارة أخذ يقترب، ولم يكن هناك مكان يمكن أن يختبئوا فيه، كانوا مكشوفين تمامًا.
قال «أحمد»: يجب أن نجري، ربما ظهر ما يمكن أن نستفيد منه.
انطلقوا في سرعة، بينما كان صوت محرك السيارة يقترب، ولم يكن قد ظهر شيء أمامهم، إلا أن «فهد» قال: إن الجانب الآخر عبارة عن حقولٍ مزروعة، هيا إليها.
أسرعوا إلى الجانب الآخر، وعندما أصبحوا في منتصف الشارع، لمعت كشافات سيارة، فأصبحوا تحت أضوائها تمامًا، وجاء صوت كلاكس ينبههم، فأسرع «باسم» يقول: إنها ليست سيارتهم، وإلا ما أصدروا هذا الصوت.
توقفوا على جانب الطريق، وإن كانت أيديهم قد أصبحت بجوار مسدساتهم، واقتربت السيارة ثم توقفت، وكانت تركبها فتاةٌ شقراء، نظرت إليهم قائلة: هل هناك شيء؟
اقترب منها «أحمد» قائلًا: نريد الوصول إلى المدينة، هل هذا ممكن؟
صمتت الفتاة لحظة، كانت كافية لتبرق أضواء سيارةٍ أخرى من بعيد، ولم ينتظر الشياطين رد الفتاة، فقد فتحوا الأبواب، وقفزوا داخل السيارة، وقال «رشید»: أسرعي!
لم تتحرك الفتاة، فجذبها «عثمان»، ثم قفز إلى عجلة القيادة، وانطلق في نفس الوقت الذي كانت فيه السيارة الأخرى تقترب مسرعة.
نظرت الفتاة إليهم، كانت تبدو فزعة، فقال لها «أحمد» مبتسمًا: معذرة، إننا في مأزق.
لم يكد «أحمد» ينهي جملته حتى دوت طلقات الرصاص حول السيارة.
كان «عثمان» ينطلق بطريقة متعرجة حتى لا يعطي طلقات الرصاص فرصة لإصابة السيارة، وكان استمرار الطلقات دافعا لأن تقول الفتاة: هناك طريقٌ جانبي على اليمين، يؤدي إلى بيت أحد أصدقائي.
ظهر الطريق الذي حددته الفتاة، تحت ضوء كشافات السيارة، فانحنى عثمان، ودخل الطريق بسرعة، وتحت ضوء السيارة لمح «فهد» مبنًى صغيرًا قريبًا من الطريق، فقال بسرعة: يمكن أن ننزل هنا.
قبل أن يوقف «عثمان» السيارة، كان الشياطين قد قفزوا منها، في نفس الوقت الذي قال «أحمد» فيه للفتاة: من فضلك، استمري أنت بنفس السرعة.
جرى الشياطين بسرعة في اتجاه المبنى حتى اختفوا خلفه، بينما كانت الفتاة قد انطلقت، ومرت خمس دقائق ثم ظهرت السيارة الأخرى، وكان سائقها مجنونًا، لقد كانت تنطلق بسرعةٍ رهيبة، وتجاوزت السيارة المكان وظل الشياطين يرقبونها … كانت تقترب من السيارة الأخرى حتى أوقفتها.
قال «رشيد»: إننا لا نستطيع مغادرة المكان، من المؤكد أن السيارة سوف تعود.
خمس دقائق فقط، ثم عادت السيارة الأخرى، وعندما اقتربت من المكان توقفت، وفهم الشياطين أن الفتاة قد أرشدتهم إليهم، فتحفزوا وجاء صوت يقول: هل تظن أنهم هنا؟
رد آخر: لقد قالت الفتاة إنهم نزلوا عند بداية الطريق.
عرف الشياطين أن الفتاة قد ضللتهم … وقال واحد: علينا أن نسرع، إن المسافة طويلة، ولن يستطيعوا قطعها مشيًا.
علا صوت محرك السيارة، ثم انطلقت بنفس السرعة المجنونة، وظلوا يرقبونها حتى اختفت تمامًا، غير أن الذي لفت أسماعهم، صوت محرك سيارةٍ أخرى، وعندما التفتوا إلى مصدر الصوت، كان آتيًا من نفس المكان الذي ذهبت إليه الفتاة، ظلوا ينتظرون، ثم لمعت أضواءٌ خافتة تتحرك، كان واضحًا أن الفتاة تفكر بشكلٍ جيِّد.
ظل الصوت يقترب، حتى ظهرت سيارة الفتاة، ثم بعد قليل توقفت، ونادت بصوت هادئ: هيا أسرعوا!
خرجوا بسرعة، ولم تكن هي نفس السيارة، غير أنهم أسرعوا إليها، فرأوا الفتاة تقودها، عندما ركبوا قالت: لقد أبدلت السيارة حتى لا يشكُّوا في الأمر.
تركت مكان القيادة ﻟ «عثمان» الذي انطلق بها حتى خرجوا إلى الطريق الرئيسي، ولم يكن يبدو شيء غير عاديٍّ في الطريق، إلا أنه بعد مسافةٍ ما، ظهرت سيارة تقف على جانب الطريق.
قال «أحمد»: إنهم مازالوا ينتظرون، إننا لا نريد الاصطدام بهم الآن، وأقترح أن نختبئ وأن تقود هي السيارة.
ترك عثمان، عجلة القيادة للفتاة، ونزلوا جميعًا في مقاعدهم، وهم يخفون رءوسهم حتى لا يظهروا.
ومرت الفتاة بجوار السيارة الواقفة التي تحرَّكت بعد قليل.
قالت الفتاة: إنهم يتبعوننا.
رد «أحمد»: لا يهم، يجب أن نصل إلى المدينة.
ظلت الفتاة في انطلاقها، حتى ظهرت أضواء مدينة «هوستن»، فقالت: لقد اقتربنا.
لم ينطق أحد منهم حتى دخلوا المدينة، وكانت السيارة الأخرى لا تزال تتبعهم، فقالت الفتاة: سوف أدخل أحد الشوارع الجانبية، وعليكم بالنزول سريعًا.
عندما توقفت الفتاة في شارعٍ جانبي، أسرع الشياطين بالنزول، فانطلقت الفتاة، ووقفوا قليلًا، إلا أن السيارة الأخرى لم تظهر … قرأ «فهد» رقم الشارع الذي يقفون فيه، فعرف أنهم قريبون من المقر السري.
أخذوا طريقهم إلى المقر، وهم يتحدثون أحاديثَ عادية، ولم يطُلْ بهم الطريق، فقد دخلوا من الباب الخارجي، ولم يكادوا يخطون بضع خطوات، حتى مر خنجر بجوار أذن «أحمد» حتى إنه أُخِذَ للحظة، فالتفت وراءه، غير أن أحدًا لم يظهر … كان الخنجر الذي طاشت ضربته، قد استقر في الباب الخشبي للمقر، وتوقف الشياطين قليلًا، ثم استمرُّوا … لقد عرفوا أن أحدًا يتبعهم، وأنهم نفس الرجال، فدخلوا بسرعة، وفي المقر عقدوا اجتماعًا سريعًا، بدأه «عثمان»، بقوله: إن «بوار» يخفي شيئًا في الحديقة، وأظن أنه كان سيقوم بنقله الليلة.
أحمد: وكيف عرفت؟
عثمان: لقد رأيت بعض الرجال في الحديقة الليلة.
أحمد: هل كان بينهم «بوار»؟
عثمان: لم أستطع تحديد ملامحهم جميعًا بشكل جيد.
رشيد: إنني أعتقد أن «بوار» شريك في السرقة بشكل أو بآخر.
فهد: نعم، إنني أعتقد أكثر أن الملايين الثلاثة في حديقة «جاكسون»، إنه المكان الوحيد الذي لا يفكر البوليس في البحث عنه.
دق جرس الباب، فقطع حديثهم، ونظروا إلى بعضهم …
قام «باسم» ليفتح الباب، لكنه لم يقف أمامه، لقد وقف خلفه، ولقد كان تقديره جيدًا؛ فقد مرق خنجر في فراغ الباب إلى الداخل، في نفس اللحظة التي دفع فيها شخص من الخارج باب المقر، الذي انفتح حتى آخره، وفي لحظة كان خمسة رجال قد أصبحوا داخل المقر.
كانت هذه فرصةً طيبة، فلم يكد الرجال يظهرون، حتى كان «أحمد» يطير في الهواء ليضربهم جميعًا بكلتا قدمَيه ضربةً جعلتهم يصطدمون بالباب، ثم يسقطون في الداخل … إلا أن أحدهم كان أسرع في الحركة، فقد ضرب «رشید» ضربةً قوية في نفس الوقت الذي قفز آخر في اتجاه «فهد»، وهو يوجه إليه ضربةً سريعة بخنجر في يده، تفاداها «فهد»، ثم ضربه ضربةً جعلته يتهاوى، فعاجله بضربة جعلته يترنَّح، بينما كان «باسم» و«عثمان» قد اشتبكا مع آخرين في قتالٍ عنيف، لكن المعركة لم تستمر، فقد ضرب «أحمد» واحدًا منهم ضربةً قوية جعلته يندفع في اتجاه الباب، وقبل أن يصطدم به ضُرِبَ قفلُ الباب، فانفتح على مصراعيه … وكانت المفاجأة …