أين يخبِّئون الملايين!
ظهر في الباب «بوار» يحمل مدفعًا رشاشًا مصوبًا في اتجاه الشياطين، الذين كانوا متفرقين في كل مكان، ظل «بوار» يشمل المكان بنظراتٍ نارية، ثم قال في هدوء: انضموا ناحيتي، واتركوا الغرباء، فإنني سوف أصفي الآن حسابي معهم.
انسحب أفراد العصابة، يجرُّون أقدامهم في اتجاه «بوار»، وحانت الفرصة الأولى، عندما كان أحد الرجال يتقدم وقد غطى جسمُه جسمَ «بوار» تقريبًا، فاستغل «أحمد» الفرصة … إن «بوار» يمكن أن يقتل صاحبه إذا أطلق أية طلقة. فقفز «أحمد» خلف الرجل، ودفعه دفعة قوية في اتجاه «بوار» الذي تفادى اندفاع الرجل، إلا أن حركة التفادي كانت كافية ليقفز «فهد» قفزةً سريعة ضاربًا «بوار» في ذراعه، حتى إن الرشاش اهتز فطاشت الرصاصات … في نفس الوقت كان «باسم» قد طار في الهواء، وضرب «بوار» ضربةً أخرى قوية، جعلته يدور حول نفسه، فتلقاه «رشيد»، وجذب الرشاش فجأة، فأصبح بين يديه.
رفع «رشيد» الرشاش، وقال: قفوا جميعًا!
توقف الجميع، وأكمل «رشید»: ارفعوا أيديكم، واتجهوا إلى الحائط، وقال «أحمد»: هذه فرصةٌ طيبة لإبلاغ الشرطة.
إلا أن جرس التليفون دق، فنظر الشياطين إلى بعضهم، وتقدم «فهد» فتحدث في التليفون، وما إن سمع الصوت حتى نظر إلى «أحمد» وتحدث إليه بلغة الشياطين … تقدم «أحمد»، وأمسك بسماعة التليفون، ثم تحدث، لكن الحديث لم يستمر طويلًا، حتى قال «أحمد»: إننا في انتظارك يا سيدي!
وضع السماعة ثم تحدث إلى «بوار»: إن السيد «جاكسون»، في الطريق إلينا، إنه يريد أن يلقاك.
مرت الدقائق بسرعة، ثم فجأة دق جرس الباب، فتقدم «فهد»، وفتح الباب، لكن أحدًا لم يظهر، نظر «فهد» إلى «أحمد» الذي قال: تقدم لترى من بالخارج.
عندما خطى «فهد» أول خطوة إلى الخارج، امتدت يد فجذبته جذبةً قوية، اختفى على أثرها، وجعلت «رشید» يندفع هو الآخر برشاشه، وكان خطأً استغله بقية أفراد العصابة … لقد استداروا، وبدأت معركة الالتحام، إن «بوار»، هذا الرجل الهادئ، تحول إلى أسطورة، فقد طار في الهواء ليضرب «أحمد» ضربةً مزدوجة، إلا أن «أحمد» استطاع أن يتفاداها، ويحوِّلها ضده، حتى إن «بوار» دار حول نفسه، لكن دورته لم تكن هي النهاية … لقد ضرب «باسم» وهو يقول: سوف أريكم ألعاب الحزام الأسود.
كان واضحًا من تحركاته أنه يجيد فنون الكاراتيه، إلا أن ذلك لم يجعل الشياطين يفقدون السيطرة، لقد عرفوا فقط أنهم أمام خصمٍ قوي، ودارت المعركة العنيفة، غير أن الرجال كانوا يتناقصون، ولم يكن يظهر بجلاء سوی «بوار» الذي ابتدع خطةً ذكية، لقد ترك نفسه ﻟ «أحمد» الذي دار به دورتين، ثم تركه ليصطدم بالحائط، إلا أن «بوار» كان ذكيًّا؛ لقد أخذ اتجاه باب إحدى الحجرات، وعندما وصل في اندفاعه إلى الباب فتحه واختفى داخل الحجرة … والأكثر أنه أغلق الباب بالمفتاح، غير أن «أحمد» كان قد فكر بسرعة؛ فجری من الباب إلى الساحة الخارجية، وهناك وجد «فهد» و«رشيد» في معركةٍ أخرى، جعلته يؤجل حصاره ﻟ «بوار».
كان هناك رجال ثلاثة، وكان اثنان منهم يمسكان ﺑ «رشيد» بعد أن انتزع أحدهما الرشاش.
وكان يبدو أن «رشيد» قد شعر بالتعب، فطار «أحمد» على مستوًى منخفض بكل جسمه، ثم ضرب الرجلين، فتراجعا بسرعة، وأوقعا معهما «رشيد» إلا أن «فهد» الذي كان قد انتهى من الرجل الثالث، تلقى أحدهما بضربةٍ قوية جعلته يصرخ من الألم.
أسرع «أحمد» إلى النافذة التي قدر أن «بوار» قد خرج منها، وهذا ما حدث، لقد اختفى «بوار» ولم يتوقف «أحمد»، ثم عاد مسرعًا، كان بقية الرجال قد اختفوا، ولم يبقَ سوى الشياطين.
مرت لحظة صمت قبل أن يقول «باسم»: أعتقد أنهم سيعودون.
عثمان: أظن أنهم سوف يذهبون إلى «جاكسون» حيث الحديقة، إنني أعتقد أن المبلغ مخبأ هناك.
فهد: إن «جاكسون» في الطريق إلينا بعد أن تحدث في التليفون.
لم يكن «أحمد» قد اشترك في الحديث، لقد كان يستمع فقط، لكنه فجأة، نظر إليهم، وكأنه يفكر في شيء، لقد لمعت في ذهنه فكرة، هي أن المحادثة التليفونية لم تكن من «جاكسون»، لقد تحدث آخر، وادعى أنه «جاكسون»، وربما يكون ذلك، حتى يظل الشياطين في مقرهم.
نظر «فهد» إلى «أحمد»، ثم قال: إنك تفكر في شيء.
أحمد: نعم.
نقل إليهم ما فكر فيه … وما إن انتهى منه حتى صاح «عثمان»: إنني لا أشك لحظة في أن ما تقوله صحيح، خصوصًا مع اختفاء «بوار»!
قال «رشيد» بسرعة: إذن من الضروري أن نكون هناك الآن.
أسرع «أحمد» إلى التليفون، ثم ضرب الرقم الشفري، فجاءه صوت عميل رقم «صفر».
قال «أحمد»: نريد سيارة على وجه السرعة.
جاء صوت العميل: عندما تضع السماعة سوف تكون السيارة قد تحركت إليكم، وسوف تقف على بعد عشرة أمتار من المقر، إنها تحمل رقم ٩٧، وسوف تكون جاهزة ومعدة بكل لوازم المطاردة والتعمية.
شكره «أحمد»، ثم نقل ما حدث إلى الشياطين الذين تحركوا بسرعة، وبعد بضع دقائق، كانوا يأخذون طريقهم إلى خارج المقر، وعندما وقفوا على الرصيف نظروا في الاتجاهين، وكانت هناك سيارة استطاعوا أن يقرءوا رقمها، وبسرعة كانوا يقفزون داخلها، وينطلقون إلى فيللا «جاكسون».
كانت الحركة قد هدأت في مدينة «هوستن»؛ ولذلك فقد انطلقت السيارة بسرعةٍ كبيرة حتى أصبحوا خارج المدينة، لم يكن أحد منهم يتحدث.
غير أن «فهدًا» قطع الصمت قائلًا: إنهم سوف يستخدمون النهر.
لم يردَّ أحد منهم بسرعة، إلا أن أحمد رفع سماعة اللاسلكي الموجود داخل السيارة، ثم تحدث إلى عميل رقم «صفر»، الذي أخبره أن هناك لنشًا يقف على بعد نصف كيلو من فيللا «جاكسون»، وأنه سوف يوجهه إلكترونيًّا، بحيث يقف بالقرب من الفيللا، ثم أعطاه الموجة التي يستطيع بها أن يستدعي اللنش وقتما يريد.
وضع «أحمد» السماعة، ونقل للشياطين مضمون الحوار الذي دار مع العميل … كان الطريق خاليًا، والليل مظلمًا تمامًا، ولذلك، فإن «باسم» رفع سرعة السيارة إلى أقصى سرعة.
إلا أنه فجأة خرجت سيارة من أحد جانبي الطريق، واعترضت سيارة الشياطين، حتى إن «باسم» اضطر أن ينحرف يسارًا بعيدًا عن السيارة، إلا أن السيارة الأخرى كانت قد انطلقت في أعقاب سيارة الشياطين مرةً أخرى، وكأن الأرض قد انشقت عن سيارةٍ ثانية، خرجت من أحد جانبي الطريق. وبدأت المطاردة بين سيارة الشياطين، والسيارتَين الأخريَين.
قال «أحمد» ﻟ «باسم»: أعطني مكانك.
تبادل «أحمد» و«باسم» مكانيهما، وكانت السيارتان الأخريان، واحدةٌ حمراء، والأخرى سوداء … وقد اندفعت السيارة الحمراء حتى اقتربت من سيارة الشياطين، ثم تجاوزتها حتى أصبحت متجاورة معها تمامًا، ثم حاولت أن تصطدم بها، إلا أن «أحمد»، خفض السرعة فجأة، فانحرفت السيارة الحمراء حتى أصبحت أمام «أحمد»، الذي ضغط أحد أزرار السيارة فخرجت قذيفة استقرت في منتصف السيارة تمامًا، حتى إنه لم تمضِ دقيقة حتى كانت السيارة مشتعلة بكاملها، إلا أن رجالها، قد استطاعوا أن يقفزوا منها.
ضغط «أحمد» زرًّا آخر، فانطلق دخانٌ كثيف. أخفى سيارة الشياطين التي كانت منطلقة بأقصى سرعة، ومنع السيارة السوداء من أن تجد أية فرصة لتلحق بهم، غير أن «فهدًا» قال: يجب أن نتخلص من السيارة الأخرى، إنها في النهاية سوف تعطلنا.
ضغط «فهد» زرًّا جانبيًّا، فانفتح مؤخر السيارة، وظهر من خلالها السيارة السوداء، وسحب «فهد» بندقية من جانب السيارة، ثم أحكم الهدف، وأطلق طلقة استقرت في محرك السيارة، فاشتعلت فيها النيران، وشاهدها «فهد»، وهي تنقلب أكثر من مرة، ثم تستقر في أحد الحقول الممتدة على جانبَي الطريق.
استمر الشياطين في طريقهم، ومن بعيد ظهرت أضواءٌ خافتةٌ متناثرة، وكأنها وضعت بلا حساب، قال «باسم»: إننا نقترب من الفيللا!
«رشيد»: أقترح أن نستخدم النهر بدلًا من سور الحديقة.
استخدم أحمد الموجة اللاسلكية التي عرفها من عميل رقم «صفر»، وعندما اقتربوا من الشاطئ بجوار سور الفيللا، كان اللنش قد وقف أمامهم تمامًا.
دخل «أحمد» بالسيارة بين الأعشاب العالية حتى اختفت، فنزلوا سريعًا إلى النهر، وكان الطريق وعرًا، إلا أنهم برشاقة، استطاعوا أن يصلوا إلى اللنش، الذي كان صوت محركه يأتيهم هادئا ناعمًا، جلس «رشيد» إلى عجلة القيادة، وانطلق في اتجاه الفيللا، كان الهدوء يسيطر على كل شيء، حتى إن الشياطين لم يروا أحدًا في الحديقة، فجأة، أضيئت أنوار الطابق الثاني في الفيللا، وكانت الأضواء تصدر عن حجرةٍ ما تطل على النهر.
قال «فهد»: هل هي حجرة «جاكسون»؟
رشيد: أقترح أن ينزل اثنان إليها!
باسم: يستطيع «أحمد» أن يتصل ﺑ «جاكسون» تليفونيًّا، ربما كان هناك شيء!
ظل «أحمد» صامتًا يفكر، إلا أن تفكيره لم يستمر، فقد ظهرت بين الأعشاب التي نبتت على ضفة النهر حركةٌ ما.