المغامرة تنتهي في الفجر!
أنصت الشياطين لتلك الحركة التي ظهرت بين الأعشاب، كانت حركةً حذرة.
فجأة ظهر شبحان أتيا من خلف الفيللا، أخذ الشبحان يقتربان، كانا يمشيان في هدوء، وكأنهما يقومان بجولة، أضاء أحدهما بطارية، كشفت عن بعض الحشائش أمامهما، واستمرَّا لبضع دقائق، لم يكن الصوت يصل كاملًا إلى الشياطين.
ظل الشبحان يقتربان من ضفة النهر، بينما ظلت البطارية مضاءة، واختفيا خلف بعض النباتات، قريبًا من ذلك المكان الذي صدرت منه الحركة الحذرة.
قال «فهد»: يبدو أنهما حارسا الحديقة.
قال «أحمد»: نعم، لكنَّ هناك شيئًا ما … داخل أعشاب النهر، يبدو أنهم ينتظرون شيئًا ما!
بدأ صوت الحارسَين يظهر، فقال أحدهما: إنها ضربةٌ صعبة تلك التي تلقاها السيد «جاكسون»!
ردَّ الآخر: إنها لن تقضي عليه، صحيح أن المبلغ المفقود كان كبيرًا، إلا أن السيد يملك الكثير، كما أنه شريك مع هذا العربي في الصفقة.
الأول: هل تظن أن السيد «بوار» بعيدٌ عن تلك العملية؟!
الثاني: بالطبع، السيد «بوار» أمين جدًّا مع سیدي، ولا أظن أنه يلجأ إلى مثل هذا العمل!
الأول: إنه وحده الذي كان يعرف أن السيد «جاكسون» سوف يسحب أموالًا من البنك!
الثاني: الله وحده يعلم الحقيقة!
صمت الحارسان، وصمت معهما كل شيء، حتى تلك الحركة التي ظهرت من قبلُ، لم تحدث مرةً أخرى.
قال «رشید»: أظن أننا يجب أن نفعل شيئًا … والآن أفضل من أي وقتٍ آخر.
أحمد: معك حق، يجب أن نتصرف بسرعة، إن الوقت الآن في صالحنا فعلًا!
فجأة، أُضيئَت حجرة في الدور العلوي، ثم فتحت النافذة وظهر السيد «جاكسون»، فوقف قليلًا، ثم صاح: «بدوان» هل أنت مستيقظ؟
ردَّ أحد الحارسين: نعم يا سيدي، إنني هنا في الحديقة.
جاكسون: هل أنت وحدك؟
بدوان: لا يا سيدي، إن معي «جاك».
مرت لحظة صمت، ثم قال «جاكسون»: إنني آتٍ إليكما، إن النوم أصبح عُملةً صعبة بالنسبة لي.
أغلق «جاكسون» النافذة، فاختفى، وظهر شبح الحارسين يأخذان طريقهما إلى الفيللا، وما إن ابتعدا قليلًا، حتى جاء صوتٌ هامس من مكان قريب، يبدو أننا سوف ننتظر طويلًا، أو أننا سنُضطرُّ الى ارتكاب جريمة.
وبلغة الأيدي تحدث الشياطين: لقد تأكدت المسألة، وأن المبلغ موجود هنا، وعلينا أن تنتظر نحن أيضًا.
أُضِيئَت بعض أنوار الحديقة، ثم ظهر «جاكسون»، وخلفه كان يسير «هوايت»، وأخذ الجميع مكانهم قريبًا من النهر.
قال «جاكسون»: إن البرودة بدأت تزحف مع توغل الليل، ويبدو أنني لن أستطيع أن أسهر معكم كثيرًا، بالرغم من أنني لا أستطيع النوم!
قال «بدوان»: يستطيع سيدي أن يجلس في المكتب، حيث نكون قريبين منه!
«جاكسون»: فكرةٌ طيبة!
اتجهوا إلى حجرة المكتب التي تقع في الحديقة؛ حيث كان الشياطين مع «جاكسون» في بداية الليل، وعندما دخل «جاكسون»، تحرك اللنش الصغير، مقتربًا من الشاطئ، ثم قفز عدد من الرجال في خفة، وأخذوا طريقهم إلى شجرة ورد، وتوقفوا.
كان الشياطين يراقبون ما يحدث، وهم ينتظرون اللحظة المناسبة، وانحنى الرجال، حتى لم يعد يظهر منهم شيء.
قال «باسم»: لقد بدءوا.
مرَّت ربع ساعة، ثم ظهرت قامة الرجال، وبدءوا الحركة، وكان واضحًا أنهم يحملون حقيبتَين، وفي لمح البصر، كان الشياطين يقفزون إلى الشاطئ، ويتحركون بسرعة في اتجاه الرجال، وكانت المواجهة.
توقف الرجال ينظرون مشدوهين إلى الشياطين! إلا أن الشياطين لم يتوقفوا، فقد طار «رشيد» في الهواء وأصبح بين الرجال، وهو يصيح صيحةً مدوية، جعلتهم يفقدون القدرة على التصرف … في نفسِ اللحظة ضرب أقرب الرجال إليه، إلا أن آخر كان يحمل إحدى الحقيبتَين، فضربه بها فوق ظهره، وقبل أن يفكر الرجل في ضربه مرةً أخرى، كان «باسم» قد ضربه، وبينما هو يطير في الهواء، ترنح الرجل، إلا أنه ألقى بالحقيبة في اتجاه اللنش، وهناك كان رجل يتلقفها.
صاح «أحمد»: اللنش!
كانت الحقيبة الأخرى قد طارت في الهواء إلى اللنش الصغير أيضًا، وفي لمح البصر، كان اللنش الصغير يطير فوق سطح الماء مبتعدًا عن المكان.
انقسم الشياطين الى قسمين: «رشيد» و«باسم» و«فهد» على الشاطئ، و«أحمد» و«عثمان» في اللنش الذي أعده عميل رقم «صفر».
كان «جاكسون» والحارسان قد اقتربوا بسرعة بعد أن سمعوا الأصوات، في نفس الوقت الذي كانت تدور فيه المعركة كانت الأضواء قليلة، حتى إن «جاكسون» صاح: «هوايت»، أضئ الحديقة!
ولم يكد ينتهي من جملته، حتى كانت الحديقة تسبح في الضوء، ورأى الجميع معركةً رائعة، كان «فهد» يمسك بذراع أحدهم، ثم يدور به دورةً كاملة، وينام على الأرض، ثم يضربه بقدميه ضربةً دائرية، جعلته يطير في الهواء.
في نفس اللحظة، كان «باسم» قد تراجع إثر ضربةٍ قوية من أحدهم، لكنه بسرعة استردَّ توازنه، ثم اندفع كالسهم ليضربه ضربةً جعلته يصرخ من الألم.
اشترك الحارسان مع الشياطين في معركة الحديقة، في نفس اللحظة، كانت هناك مطاردة بين لنش اللصوص ولنش الشياطين، وكان اللنش الصغير قد اقترب من الشاطئ، وخلفه لنش الشياطين، وعلى الشاطئ كانت تمتد غابةٌ كثيفة، وفكر فيها «أحمد» بسرعة، إنها يمكن أن تبتلع اللصوص والملايين.
فعندما وصل اللنش إلى الشاطئ، قفز اللصوص ثم أسرعوا إلى الغابة، وفي نفس الوقت، كان لنش الشياطين لم يصل بعدُ، كان الظلام كثيفًا، فأضاء «أحمد» كشَّافًا قويًّا في مقدمة اللنش، فكشف أمامه حركة اللصوص على الشاطئ.
أخرج «عثمان» مسدسه، ثم صوب طلقة أصابت إحدى الحقائب، فوقعت من يد حاملها، ووصل لنش الشياطين، فأسرع «أحمد» و«عثمان» بعد أن ثبتا اللنش بواسطة الحبال، وتُرِكَ الكشافُ مضاءً، وكان الشياطين قد اختفوا.
همس «عثمان»: هل أُطلِقُ قنبلة إضاءة؟!
ردَّ «أحمد»: ليس الآن!
تقدما في حذرٍ، لم يكن هناك صوتٌ، لكن فجأة كان أحدهم ينزل كالصاعقة فوق «عثمان» الذي وقع به على الأرض، بينما كان آخر قد ضرب «أحمد» ضربةً قوية، جعلته يقع من المفاجأة، إلا أنه استعاد توازنه بسرعة، لكن أحدًا من الرجال لم يظهر.
أخرج قنبلة إضاءة، ثم قذف بها إلى أعلى، فانفجرت القنبلة، ورأى «أحمد» أربعة من اللصوص، وقد انكمشوا مختفين، إلَّا أن الضوء جعلهم يؤخذون لحظة من المفاجأة بعدها! أخرج أحدهم مسدسه، إلَّا أن «عثمان» كان أسرع منه في إطلاق الرصاص، فأصاب يده، وسقط على الأرض، لم يتحرك اللصوص من مكانهم؛ كانوا مأخوذين، بينما كانت قنبلة الإضاءة تأخذ طريقها إلى الأرض في بطءٍ شديدٍ.
صاح أحدهم: ماذا تريدان؟
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: لنا نصيب في المبلغ!
صمت الرجل قليلًا، ثم قال: كم تريدان؟!
ردَّ «أحمد»: نريد نصفه.
الرجل: هذا كثيرٌ، سوف نعطيكما ربع مليون، هل توافقان؟
فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: نصف!
مرت دقيقة وقال الرجل بعدها: إذن ألقيا مسدساتكما.
ردَّ «أحمد» على الفور: وأنتم أيضًا وسوف أعدُّ ثلاثة، ثم نلقى مسدساتنا جميعًا!
بدأ «أحمد» العد: واحد، اثنان، ثلاثة، وألقوا جميعًا مسدساتهم.
قال الرجل: تقدَّما.
فكر «أحمد» لحظة، ثم بدأ يتقدم هو و«عثمان» … كانا يتقدمان في ثقة حتى يطمئن اللصوص، وعندما أصبحوا جميعًا في مواجهةٍ واحدة، ولا يفصل بينهم سوی مترين فقط، قال الرجل: سوف ألقي لكما بالمبلغ.
فتح الرجل إحدى الحقيبتَين، ثم أخذ يلقي ﻟ «أحمد» برزم الأوراق المالية، إلا أن طلقة دوت في الصمت، كان مصدرها الرجل الذي أصابه «عثمان»، والذي كان لا يزال ممدَّدًا على الأرض، وفي لحظة كان «عثمان» ملقًى على الأرض متفاديًا الطلقة.
وقال «أحمد»: ليس هذا اتفاقنا!
نظر الرجل إلى حامل المسدس وصرخ فيه: قف!
وقف الرجل، ولا يزال مسدسه في يده، فصرخ فيه مرةً أخرى: ألقِ المسدس.
ألقى الرجل مسدسه، وفي نفس اللحظة كان «عثمان» يقفز كثعبان، طار في الهواء، ثم ضرب رجلَين فاصطدما بالآخرَين، وترنح الجميع، فكانت هذه فرصة لوضع النهاية.
طار «أحمد» في الهواء، وبضربةٍ مزدوجة، كان اثنان يدوران، ثم اصطدما بالشجرة، بينما كان «عثمان» قد حصل على مسدس الرجل، ووقف يقول: لا داعي لأي حركة!
كان الرجال ممددين على الأرض، وفي جهد قام ثلاثة منهم، بينما كانت الحقيبة المفتوحة قد بعثرت محتوياتها فوق الحشائش.
لفت نظر «أحمد» بقع من الضوء تتحرك بين الأشجار، بينما استسلم الرجال، وتقدم «عثمان» من الرجل الراقد على الأرض في حذر، كان منكمشا على نفسه، وهزَّه «عثمان» بطرف حذائه، فانقلب إلى الاتجاه الآخر إلا أنه في لحظةٍ سريعة كان يلتف بجسمه ليضرب «عثمان» في ساقيه، غير أن «عثمان» كان حذرًا تمامًا فقفز في الهواء، وكانت هذه فرصة أمام الآخرين.
ولكن «أحمد» كان يفكر جيدًا فيما سوف يقدمون عليه، وما إن تحركوا حتى كانت الحقيبة المغلقة تطير في الهواء، مصطدمة بأحدهم، بعد أن رفعها «أحمد» بسرعة بطرف قدمه، إلى يده ثم قذفها في اتجاه الرجل، أما الآخران، فقد أسرعا بالهرب!
أخرج «أحمد» حبلًا من جيبه، وأخذ يوثق الرجل الراقد على الأرض، وهو يقول: اتركهما يهربان؛ إن «بوار» يمكن أن يأتي بهما.
كان «عثمان» قد تمسك بالآخر، واقترب منه «أحمد» بينما كان نداء يتردد في الغابة، مصاحبًا بقع الضوء، لقد كان نداء الشياطين … عرف «أحمد» أنه «فهد»، وظل في مكانه هو «وعثمان» بعد أن ردد نفس النداء.
وعندما ظهر «فهد» و«باسم» و«رشيد»، كان الرجال جميعا مقبوضًا عليهم، ورجال الشرطة يسوقونهم أمامهم … وبين الرجال لمح «أحمدُ» «بوارَ» يسير منكَّس الرأس.
ركب الجميع اللنش إلى حيث الفيللا، حيث كان «جاكسون» يقف في انتظار الجميع. وعندما وصلوا كانت ابتسامةٌ عريضة تملأ وجه «جاكسون» الذي اقترب من «أحمد» قائلًا: إنني لا أدري ماذا يمكن أن أقول!
رد «أحمد» مبتسمًا: لقد أخطأ السيد «بوار» عندما ظهر في الفيلم، لقد كان يقف في خلفية المنظر، هو وآخر!
ردَّ ضابط الشرطة: لقد اكتشفنا أن رجال العصابة، قد انضموا مؤخرًا لمجموعة الفيلم، واشتغلوا كعمال، بإرشاد من «بوار» الذي يعرف كل شيء عن السيد «جاكسون»!
دعاهم «جاكسون» لتناول الشاي الساخن، فقد كانت برودة الجو قد بدأت تزداد، بينما كان رجال الشرطة يسوقون أفراد العصابة إلى خارج الفيللا، وفوق المكتب كانت الملايين مرصوصة، وكأنها تعلن عن نفسها.
عندما انتهى الشاي، استأذن الشياطين، وبرغم أن «جاكسون» قد حاول استضافتهم الليلة، إلا أن «أحمد» قال: سوف تكون لنا زيارةٌ خاصة؛ فلدينا غدًا … مهمة أخرى!
ركب الشياطين سيارتهم وانطلقوا، بينما كانت أضواء الفجر تأخذ طريقها إلى الوجود.
ابتسم «عثمان» وقال: إننا دائمًا على موعد، مع بداية يومٍ جديد!
وما إن انتهى من جملته، حتى كانت هناك رسالة تلقَّاها «أحمد»، لقد كانت من رقم «صفر» تقول: نعم، أنتم دائمًا على موعد، إن اجتماعنا غدًا … عند الفجر … فهناك دائمًا مهمةٌ عاجلة!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وضحكوا، لقد انتهوا من مغامرة ليبدءوا مغامرةً أخرى.