الفصل الخامس
المشهد الأول
دن لذريق وشيمان
شيمان
:
أأنت يا لذريق، وفي رائعة النهار، أنَّى لك هذه الجرأة؟ اذهب أو
تُفقدني شرفي. انصرف عني، أبتهل إليك مستعطفة.
دن لذريق
:
أنا ذاهب إلى الموت يا سيدتي، وقد جئتك في هذا المكان لأودِّعك
آخر وداع قبل أن أتلقى الضربة القاضية. وإن هواك لأثبت في فؤادي من أن أرى
الردى، ولا أجعله لك فدى.
شيمان
:
أتمضي إلى الموت؟
دن لذريق
:
سأبادر إلى تلك الهنيهة الهنيئة، أقدِّم فيها حياتي لشفاء
أحقادك.
شيمان
:
تمضي إلى الموت! أترى في دن سنش من شدة البأس ما يحدث ذعرًا في
قلب لا يقهر؟ ماذا أوهنك إلى هذا الحدِّ أو ماذا قوَّاه إلى هذا الحد؟
ألذريق يذهب للنزال فيتوهم أنه قتيل ولما يُقْتَل؟
أذاك الذي لم يخشَ المغاربة، ولم تأخذه الرهبة من أبي يمضي للقاء دن سنش فييأس قبل مظنة اليأس؟
وعلى هذا فقد تكون حالة ينخلع فيها قلبك.
ألذريق يذهب للنزال فيتوهم أنه قتيل ولما يُقْتَل؟
أذاك الذي لم يخشَ المغاربة، ولم تأخذه الرهبة من أبي يمضي للقاء دن سنش فييأس قبل مظنة اليأس؟
وعلى هذا فقد تكون حالة ينخلع فيها قلبك.
دن لذريق
:
أبادر إلى العذاب لا إلى القتال، وصِدْق هوايَ لك قد أزال ولا
ريب من نفسي أدنى رغبة في بقائي حين تطلبين مماتي. قلبي هو هو، ولكنني لا ساعد
لي أحفظ به ما لا ترضين عنه. في الليلة البارحة أوشكت أن ألحَقَ بالفارين لو
كانت المناوأة في شأن لي، فأما وقد كنت أذود عن ملكي وشعبه وبلادي فقد خشيت أن
أخونهم بسوء الدفاع عن نفسي، وفي قلبي من الكرم ما لا يبغّض الحياة عليه إلى حد
أن يخرج منها وقد اقترف غدرًا.
أما الآن والمسألة لا تعدو مصلحتي بانفرادي، فأنت تتقاضين موتي، وأنا أمتثل لقضائك، وقد تقاضاك الحنق إلى إيثار يد غيرك — إذ لم أكن خليقًا أن أموت بيدك — فلن أصد عني ضربات ذلك الخصم إذ هو أحق ما أراه برعايتي لأنه يقاتل في سبيلك، وأجذل ما أكون لعلمي أن ضرباته آتية منك، وأن سلاحه يشهر في سبيل شرفك. وسأكشف له صدري لا يقيه مجنّ. وسأعبد في يده يدَكَ التي تُودي بحياتي.
أما الآن والمسألة لا تعدو مصلحتي بانفرادي، فأنت تتقاضين موتي، وأنا أمتثل لقضائك، وقد تقاضاك الحنق إلى إيثار يد غيرك — إذ لم أكن خليقًا أن أموت بيدك — فلن أصد عني ضربات ذلك الخصم إذ هو أحق ما أراه برعايتي لأنه يقاتل في سبيلك، وأجذل ما أكون لعلمي أن ضرباته آتية منك، وأن سلاحه يشهر في سبيل شرفك. وسأكشف له صدري لا يقيه مجنّ. وسأعبد في يده يدَكَ التي تُودي بحياتي.
شيمان
:
إذا كان واجبي الأليم، وقد أثار بي غضبًا مشروعًا وحداني على
هذه الخصومة، قد حكم هذا الحكم القاسي على حُبِّكَ لي، فحال دون ذَوْدِك عن
نفسك من هجوم المطالب بحقي، فلا تنسَ في هذه الضلالة التي غشَّت على بصرك أن
الخطب لا يقتصر على حياتك بل يتناول مجدك. وإن حسن سمعتك بالغًا ما بلغ في
أيامك لن يدفع قول الناس إذا قُتِلْتَ إنك غُلِبْتَ، ولا جرم أن شرفك أحب إليك
مني، إذ إنه غمس يديك في دم أبي، وجعلك على هيامك بي تؤثره على قربي، وما زلت —
كما أرى — لا تحسب لهذا الشرف أدنى حساب، فتأبى أن تُحسن البلاء في القتال،
وترضى أن يُنال منك، فأي تباين في الخُلق يوهي عزّة نفسك، وعَلامَ تخليتَ؟ أو
علام تحلّيتَ بها قبلًا. عجبًا! ألست أسدًا إلّا عليَّ؟ فإذا خلا النزال من
إساءة إليَّ فارقتك البسالة.
أيهون عليك والدي وأنت غالبه، فتَسْتَسهِل بعده أن يغلبك أحد. امضِ غير مصرٍّ على الموت، ودعني أتعقبك. وإن لم تكن راغبًا في البقاء فلا يفُتْكَ النَّضْحُ عن شرفك.
أيهون عليك والدي وأنت غالبه، فتَسْتَسهِل بعده أن يغلبك أحد. امضِ غير مصرٍّ على الموت، ودعني أتعقبك. وإن لم تكن راغبًا في البقاء فلا يفُتْكَ النَّضْحُ عن شرفك.
دن لذريق
:
بعد مقتل الكنت واندحار المغاربة أيتطلع مجدي إلى المزيد؟ لي أن
أهمل الدفاع عن نفسي بعد أن شهدت مواقفي بكفايتي لكل عظيمة، ومضائي في كل مهمة،
وبأنه ما من شيء تحت السماء يعزّ عليَّ أكثر من شرفي.
لا، لا، والأمر على غير ما تتوهمين، يقضي لذريق في هذا النزال موفور الكرامة، لا يجرؤ أحد على اتهامه في شجاعته، ولن يُعدَّ مغلوبًا، ولن يُعْرَفَ له غالبٌ. وإنما سيقول القائلون: «كان يعبد شيمان، فلم يرضَ بالعيش وهي عليه حانقة، فاستسلم مختارًا لأمر التصاريف، وقد أبت هذه على معشوقته إلا أن تبغي هلاكه، أرادت رأسه فأوحى إليه قلبه النبيل أنه إذا ضنَّ به عليها أذنب إليها، فلإنقاذ شرفه أضاع غرامه. وللأخذ بثأر مُتيّمته وهب عمره، لم يكترث للأمل يخامر نفسه المشغولة بها، وآثر شرفه على شيمان وشيمان على حياته.» وهكذا ستعلمين أن منيَّتي في هذا الثِّقاف١ لا تشوب مجدي بشائبة بل تزيده سطوعًا، ولي شرف آخر يعقب موتي الطوعي، وهو أنه لم يكن في وسع آخر سواي ليرضيك.
لا، لا، والأمر على غير ما تتوهمين، يقضي لذريق في هذا النزال موفور الكرامة، لا يجرؤ أحد على اتهامه في شجاعته، ولن يُعدَّ مغلوبًا، ولن يُعْرَفَ له غالبٌ. وإنما سيقول القائلون: «كان يعبد شيمان، فلم يرضَ بالعيش وهي عليه حانقة، فاستسلم مختارًا لأمر التصاريف، وقد أبت هذه على معشوقته إلا أن تبغي هلاكه، أرادت رأسه فأوحى إليه قلبه النبيل أنه إذا ضنَّ به عليها أذنب إليها، فلإنقاذ شرفه أضاع غرامه. وللأخذ بثأر مُتيّمته وهب عمره، لم يكترث للأمل يخامر نفسه المشغولة بها، وآثر شرفه على شيمان وشيمان على حياته.» وهكذا ستعلمين أن منيَّتي في هذا الثِّقاف١ لا تشوب مجدي بشائبة بل تزيده سطوعًا، ولي شرف آخر يعقب موتي الطوعي، وهو أنه لم يكن في وسع آخر سواي ليرضيك.
شيمان
:
أما وليس لحياتك ولا لشرفك نهي عليك، ولا أمر في الاستبسال،
فإذا كنت قد هويتك يا حبيبي لذريق، فاجعل عوضي عن هذا الحبّ أن تذود عن نفسك
لتنقذني من دن سنش، قاتل لتحرِّرني من رقِّ من لا أحب. أأزيدك على ما قلت:
اذهب، ونازل، وفز لتغلبني على واجبي، وتكرهني على الصمت، وإذا كنت تشعر بأن
قلبك ما زال مشغوفًا بي فاخرج ظافرًا من نزال جزاؤه شيمان، أستودعك الله. هذه
التي بدرت مني يندى لها جبيني.
دن لذريق
:
أيَّ عدو لا أكبح اليوم جماحه!
تعالوا يا أهل نافار والمغرب وقشتالة وفرسان إسبانيا وصناديدها أجمعين، تألبوا إلبًا٢ واحدًا، واجمعوا جيشًا عرمرمًا لتقاتلوا ساعدًا مسلحًا بمثل ما سلح به ساعدي. ضموا أشتات قواكم في وجه أمل عذب كأملي، فما والله تكفون بأسركم لتنالوا منه منالًا.
تعالوا يا أهل نافار والمغرب وقشتالة وفرسان إسبانيا وصناديدها أجمعين، تألبوا إلبًا٢ واحدًا، واجمعوا جيشًا عرمرمًا لتقاتلوا ساعدًا مسلحًا بمثل ما سلح به ساعدي. ضموا أشتات قواكم في وجه أمل عذب كأملي، فما والله تكفون بأسركم لتنالوا منه منالًا.
المشهد الثاني
بنت الملك
بنت الملك
:
أأظل مصغية إليك يا حرصي على محتدي، وأنت تعد عليَّ الحب ذنبًا؟
أأستمع لك يا غرامًا يهيج بسلطانه الموموق٣ أماني نفسي، ويستعديها على ذلك المستبد العاتي. مسكينة أيتها
الأميرة، أي الداعيين يجب أن تجيبي؟
لذريق، إن إقدامك يجعلك أهلًا لي، ولكنك على بسالتك لست بسليل مليك، يا للدهر الغشوم يفرق بين مجدي وصبابتي. أكان في الظن أن غرامي برجل لا كِفْل له في الرجال يسوم مهجتي أشجانًا كهذه الأشجان.
واربَّاه! كم من زفرة يجب أن يتهيأ قلبي لتصعيدها إذا فاتني بعد هذا العذاب المديد سلوٌ٤ يخمد لوعتي، أو قرب يبرِّد غلّتي، ولكنني أفرطت في احترازي ويأبى ضميري أن يضع موضع الزراية فتى بلغ ذلك المبلغ من الكفاية.
نعم، إن نسَبي يخص بي الملوك دون سواهم، غير أنني يا لذريق أعيش هانئة تحت ولايتك، وهل بعد انتصارك على ملكين يفوتك أن تصبح رب تاج. أَوَليس اسم السيد الذي لُقبتَ به — وإنه لعظيم — دالًّا بلا مراء على من يليق أن تبسط سلطانك عليه، هو أهل لي ولكنه لشيمان. وهبته لها هبة عاد عليَّ ضيرها، على إن قتله أباها لم يُثر بينهما من البغضاء إلا النزر اليسير، بحيث إن واجب الأخذ بالثأر يتعقبه آسفًا فلا ننتظرن ثمرة وإن قلّت من جريمته ومن شغلي به، إذ إن القضاء لم يرق لي، وأعلى كلمة الغرام على الرغبة في الانتقام.
لذريق، إن إقدامك يجعلك أهلًا لي، ولكنك على بسالتك لست بسليل مليك، يا للدهر الغشوم يفرق بين مجدي وصبابتي. أكان في الظن أن غرامي برجل لا كِفْل له في الرجال يسوم مهجتي أشجانًا كهذه الأشجان.
واربَّاه! كم من زفرة يجب أن يتهيأ قلبي لتصعيدها إذا فاتني بعد هذا العذاب المديد سلوٌ٤ يخمد لوعتي، أو قرب يبرِّد غلّتي، ولكنني أفرطت في احترازي ويأبى ضميري أن يضع موضع الزراية فتى بلغ ذلك المبلغ من الكفاية.
نعم، إن نسَبي يخص بي الملوك دون سواهم، غير أنني يا لذريق أعيش هانئة تحت ولايتك، وهل بعد انتصارك على ملكين يفوتك أن تصبح رب تاج. أَوَليس اسم السيد الذي لُقبتَ به — وإنه لعظيم — دالًّا بلا مراء على من يليق أن تبسط سلطانك عليه، هو أهل لي ولكنه لشيمان. وهبته لها هبة عاد عليَّ ضيرها، على إن قتله أباها لم يُثر بينهما من البغضاء إلا النزر اليسير، بحيث إن واجب الأخذ بالثأر يتعقبه آسفًا فلا ننتظرن ثمرة وإن قلّت من جريمته ومن شغلي به، إذ إن القضاء لم يرق لي، وأعلى كلمة الغرام على الرغبة في الانتقام.
المشهد الثالث
بنت الملك وليونورة
بنت الملك
:
علامَ جئت يا ليونورة؟
ليونورة
:
جئت لأهنئك يا مولاتي بعود الصفاء إلى نفسك.
بنت الملك
:
ومن أين يأتي الصفاء في هذا الكدر الشديد؟
ليونورة
:
إذا كان الهوى يحيا بحياة الأمل، ويموت بموته، فقد بطل سحر
لذريق وبرئ قلبك من رقاه، فذلك النزال الذي حثته إليه شيمان على أن يقتل فيه،
أو يغدو بعلًا لها قد أودى بأملك، ولكنه شفى نفسك.
بنت الملك
:
آه، دون ذلك مدى قُذُفٌ.٥
ليونورة
:
أبَقِيَ لكِ فيه مطمع؟
بنت الملك
:
بل أي مطمع تحظرينه عليَّ وفي وسعي أن أكيد كيدي لخيبة الأمل
الذي تعلَّل به في ذلك النزال، وما أكثر الحيل التي يوحيها الغرام إلى عقول
العشاق الذين كابدوا تباريحه.
ليونورة
:
ما الذي تستطيعينه، وقد عجز مقتل أبيها عن إيقاد جذوة الشقاق
بين قلبيهما، وشيمان تبدي في سيرتها اليوم، غير متورعة، أن البغضاء ليست السبب
في خصومتها، فقد فازت بإباحة القتال، ورضيت من أجل عاشقها بأن تكون زوجًا لأول
من يُقدّم لها. لم تلجأ إلى سواعد مدربة قوية أصلبتها المعارك الشهيرة
المتعددة، واجتزأت بدن سنش دون سواه لأنه سينتضي السلاح لأول مرة، استحبت منه
أنه عادم الخبرة لم تسبق له شهرة بالجلاد، فأوردته بلا حذر ورد الأريب٦ في عقباه. وذاك عمل ليس مرماه بسرّ، فهي إنما آثرت هذا النزال
ليقوم معه عذرها في مخالفة ما يجب، هيأت به للذريق نصرًا ميسورا حتى إذا أحرزه
تظاهرت بالانضواء لأمر القضاء.
بنت الملك
:
لمحت هذا، سوى أن قلبي ينافس شيمان في عبادة ذلك الظافر، فأي
شطر ترين أن أولِّي وجهي، وأنا العاشقة المنكودة؟
ليونورة
:
تذكري، جهدك، بنتُ من أنت. إذا وعد الله لك ملِكًا أفتشغلين
قلبك بمن دونه مقامًا؟
بنت الملك
:
قد تغير مرمى غرامي، فما شغفي بلذريق من حيث لا يعدو الرجل
النبيل، كلا ويعيذه حبي أن أسميه بهذا الاسم، أن أهوى إلا صاحب الملاحم
المرفوعة الذكر في الأنباء، الشجاع الملقب بالسيد، الذي أصبح من أتباعه ملكان.
على أنني سأتغلب على نفسي، لا خشية الملام، بل صونًا لغرامي من شبهة تعلق به.
فلو أنهم اصطنعوني، وزانوا لي مفرقه بالتاج لأبيت أن آخذ اليد التي أعطيت وإذا
كان محتومًا له الفوز في عقبى ذلك النزال فلنمضِ ولنهبه مرة أخرى
لشيمان.
أما أنت التي رأيت مواقع السهام من قلبي، فتعالي واشهدي كيف أتم ما بدأت.
أما أنت التي رأيت مواقع السهام من قلبي، فتعالي واشهدي كيف أتم ما بدأت.
المشهد الرابع
شيمان والفيرة
شيمان
:
الفيرة، ما أشد ألمي، وما أجدرني بالرثاء، لا أعرف ما أرجو
ويلوح لي كل ما أخشى. تبدر مني الأماني، فما أجسر أن أتمناها وما أبتغي من شيء
إلا والندم العاجل لزامه.
دفعت متناظرين في حبي إلى امتشاق الحسام، وأيهما أفلح أجرى سخين دمعي، ومهما يكن من ترقب ذات الغيب فإني بين خطبين: أبي ولم يُنْتَقم له، أو عشيقي وقد قتل.
دفعت متناظرين في حبي إلى امتشاق الحسام، وأيهما أفلح أجرى سخين دمعي، ومهما يكن من ترقب ذات الغيب فإني بين خطبين: أبي ولم يُنْتَقم له، أو عشيقي وقد قتل.
الفيرة
:
بل أجد أن إحدى العاقبتين ستخفف من برحائك،٧ فإما لذريق تفوزين بقربه، وإما ثأرك تدركينه. ومهما يكن من تصرفات
الدهر في أمرك، فهو إما يؤيد مجدك أو يهبُ لك حليلًا.
شيمان
:
وا عجبًا! أذلك الذي أمقته أم ذلك الذي أطالبه بوتري؟٨ أقاتل لذريق أم قاتل أبي؟ أحدهما يجعل لي قرينًا وأتلقاه مخضَّبًا
بأكرم دم عليَّ. تثور نفسي من كلا الجانبين وما أخاف الموت كما أخاف عقبى هذه
الخصومة.
يا انتقامي ويا حبي، إليكما عني، فقد قذفتما في روعي بلبالًا لا تعادله لذة تُستفاد منكما.
وأنت أيها المحرك القدير لما أشكو من تصاريف المقادير أختم هذا البراز، لا تعلو فيه كلمة ند على ند ولا يكون فيه غالب ولا مغلوب.
يا انتقامي ويا حبي، إليكما عني، فقد قذفتما في روعي بلبالًا لا تعادله لذة تُستفاد منكما.
وأنت أيها المحرك القدير لما أشكو من تصاريف المقادير أختم هذا البراز، لا تعلو فيه كلمة ند على ند ولا يكون فيه غالب ولا مغلوب.
الفيرة
:
لو استجيب دعاؤك لعدت أشد بؤسًا، ولقيت من جراء هذا النزال
عذابًا جديدًا. لخير لك من أن تظلي بعده مهضومة الحق مهتاجة بما يساورك من
عوامل الحقد، مطالبة من غير هوادة بموت من تحبين، لخير لك يا سيدتي أن يعود
لذريق وافر العزة بما أوتيه من البأس متوج الرأس فتنزلي كظيمة الغيظ على حكم
النزال، ويكرهك الملك على إدراك ما تشتهين.
شيمان
:
أجدَّكِ! إذا فاز فهل تظنين أنني أستسلم! لواجبي أسمى وخسارتي
أعظم من أن يتقيدا بحكم السيف أو بأمر الملك. يقدر لذريق على قهر دن سنش بلا
عناء، ولكنه لا يقدر على المساس بمجد شيمان، ولست أبالي وعد الملك له، فإن صدق
عزيمتي في الذود عن شرفي يجد له ألف عدو.
الفيرة
:
احذري أن يحاسبك الله على هذه الكبرياء، فيأذن أن ينتقم لك دن
سنش. يا عجبًا! أتظلين ترغبين عن السعادة، وتأبين أن يتسنى لك الامتثال مع
سلامة الشرف، ماذا يريد هذا الواجب، وإلى أين ينتهي أمله! أبموْتِ عشيقك يبعث
أبوك حيًّا؟ أقليل عليك أن تصابي برزء واحد؟ وهل تلتمسين غبنًا فوق غبن، وحزنًا
فوق حزن. إنك مع مجاراتك لطبعك على ما يشاء من التبدل والتحول، لا تكونين جديرة
بالعاشق الذي يبتغونه لك قرينًا، وقد نرى من سخط القدر — إذا استجاب لك — آية
تذهب بلذريق، وتدع لك دن سنش بعلًا.
شيمان
:
حسبي يا الفيرة ما أكابد من نوازع النفس، فلا تضاعفيها بهذا
التنبؤ الوبيل. أبغي لو استطعت أن أخلص منهما كليهما، وإلا فان آخر دعائي أن
يظفر لذريق في هذا النزال، لا لأن فرط الهيام يجنح بي إلى جانبه، ولكن خشية من
مآلي إلى دن سنش. ومن هذه الخشية تتولد أمنيتي. وا شقوتاه! ماذا أرى؟ الفيرة،
قُضي الأمر.
المشهد الخامس
دن سنش وشيمان والفيرة
دن سنش
:
بكرهي ألقي على قدميك هذا السيف.
شيمان
:
ويلاه! السيف المخضب بدم لذريق؟
أيها الغادر أتجرؤ أن تظهر أمام عيني بعد أن حرمتني أحبَّ شيء لديّ. أمط نقابك يا غرامي فما عليك اليوم من بأس. رضي أبي وحسبك تكتمًا. ضربة واحدة أمنت شرفي، وأيأست نفسي، وأطلقت صبابتي من سجن صدري.
أيها الغادر أتجرؤ أن تظهر أمام عيني بعد أن حرمتني أحبَّ شيء لديّ. أمط نقابك يا غرامي فما عليك اليوم من بأس. رضي أبي وحسبك تكتمًا. ضربة واحدة أمنت شرفي، وأيأست نفسي، وأطلقت صبابتي من سجن صدري.
دن سنش
:
هدئي جأشك.
شيمان
:
أتخاطبني بعد؟ أيها القاتل البغيض لبطلٍ أعبده، اذهب فقد أخذته
غيلة، ومثل ذلك المغوار الصنديد ما كان ليقتل بيد مبارز من طرازك. لا تُنط بي
أملًا ما، ولا شكر على خدمتك، فلئن زعمت أنك انتقمت لي لقد أزلت حياتي.
دن سنش
:
ما أغرب هذه الفورة التي تُصمِّها عن سماع …
شيمان
:
أتبغي أن أسمع منك كلمات الفخر والتباهي، وأن أصبر على ما
تذكره، في قحة وخيلاء، من وصف صرعته وجريمتي وشجاعتك.
المشهد السادس
دن فرنان ودن دياج ودن أرياس ودن سنش ودن النس وشيمان
والفيرة
شيمان
:
مولاي، برح الآن الخفاء بعد طول المجادلة، ولات حين كتمان. كنت
أهوى وتعلم سريرتي. غير أنني صممت على إباحة ذلك الرأس العزيز، للأخذ بثأر أبي،
وقد رأيت بعينيك يا صاحب الجلالة كيف أذللت غرامي لواجبي، فالآن مات لذريق
وموته حوَّلني من عدوّة شديدة إلى عاشقة مدلهة، كان هذا الانتقام دينًا عليَّ
لِبرِّي بوالدي، وهذه العبرات اليوم دين عليَّ لهواي. قضى عليَّ دن سنش
بتولِّيه الذود عني، أفأكون الجزاء لذلك الساعد الذي أودى بي؟
فيا مولاي، إذا كان للشفقة أثر في نفس ملك، فرحماك، وانقض ذلك العهد الذي أبرمته بكرهي، وقدْه مني مكافأة على قتله عديل روحي أن أتخلي له عن كل مالي. فليخلني ونفسي أعتزل الدنيا في دير مقدس، وأبكي إلى آخر نسمة من حياتي أبي وحبيبي.
فيا مولاي، إذا كان للشفقة أثر في نفس ملك، فرحماك، وانقض ذلك العهد الذي أبرمته بكرهي، وقدْه مني مكافأة على قتله عديل روحي أن أتخلي له عن كل مالي. فليخلني ونفسي أعتزل الدنيا في دير مقدس، وأبكي إلى آخر نسمة من حياتي أبي وحبيبي.
دن دياج
:
إنها لمحبة يا مولاي، ولا تَرَ جُناحًا عليها أن تعترف بغرامها
المحلل.
دن فرنان
:
شيمان، عودي إلى نفسك. لم يمت صاحبك، وإنما غُلب دن سنش، ولم
يصدقك النبأ.
دن سنش
:
مولاي، إنما خدعتها سورة نفسها، فقد جئت من الميدان عقبى
النزال، وكان ذلك البطل الكريم الذي يتَّم فؤادها قد قال لي عندما أَسقط السيف
من يدي: «لا تخشَ نكيرًا سأدع النصر لا لك ولا عليك، ذلك خير من أن أريق دمًا
عُرِّض في سبيل شيمان، وبما أن واجبي يدعوني إلى المثول لدى الملك فاذهب إليها
وأخبرها بما جرى، وألقِ على قدميها حسام الظافر.» فبادرت إليها يا مولاي، ولكن
رؤية السيف أطارت لبَّها. ظنتني أنا الفائز إذ رأتني عائدًا، وفاض غضبها بما
كشف عن سريرتها، فتكلمت، وقد ثارت ثائرتها ووهى جَلَدُها، ولم تمكني من الإفضاء
بكلمة إليها. على أنني وإن كنت غُلبت، أراني مغتبطًا، ومع ما يملأ جوانحي من
الهيام بها، ومع ما بُؤتُ به، وقد خسرتها، من فشل لا يدرك مداه، لست أقلى فشلي
في جلاد كان من مغبته هذا الفوز الباهر لذلك الهوى الطاهر.
دن فرنان
:
يا بنيتي لا ينبغي أن تخجلي من مثل هذا الوفاء في الحب ولا أن
تعمدي لإنكاره وإن دعاك إليه الخفر. مجدك مصون وشرفك سليم. وأبوك راضٍ يكفيه
منك أنك للأخذ بثأره، عرَّضتِ لذريق غير مرَّة للهلكة. فقد رأيت كيف يتصرف الله
بغير ما ننوي، وقد فعلت كل شيء لأبيك، فافعلي شيئًا لنفسك. لا تعصي ما أتقدم به
إليك وتقبلي مني زوجًا تحبينه ذلك الحب.
المشهد السابع
دن فرنان ودن دياج ودن أرياس ودن لذريق ودن النس ودن سنش وبنت
الملك وشيمان وليونورة والفيرة
بنت الملك
:
كفكفي دموعك يا شيمان وتلقي بلا حزن هذا الغالب الكريم من يد
أميرتك.
دن لذريق
:
لا يسؤْكَ يا مولاي أن أجثو أمام قدميها في حضرتك إطاعة لغرامي.
لست يا سيدتي، بموقفي منك الآن مطالبًا بجزائي، بل أنا آتٍ مرة أخرى لأقدم لك
رأسي غير متذرع لديك بحكم المليك، ولا بشرع النزال، فإذا كان كل ما عُمل أقل
مما يجب لوالد، فقولي بماذا أستطيع إرضاءك؟ أتريدين أن أصارع ألفًا بعد ألف من
الشجعان، وأن أتبسط في فتوحي إلى أقاصي الدنيا، وأن أقتحم بمفردي معسكرًا،
وأهزم جيشًا، وأن أبز ببعد شهرتي أبطال السير؟ فإن كان ذنبي يُغْسَل بتلك
الفعال اضطلعت بكل أمر جسيم وأتيت بكل عجب عجاب. أما إذا كان ذلك الشرف السنيِّ
غلةً لا تُبرّد إلا بوفاتي، فلا تسلِّحي عليّ بَعْدُ يدَ إِنسيِّ. بل هذا رأسي
على قدميك فانتقمي بيديك. ويداك وحدهما حقيقتان بقهر من لا يقهر. خذي من الثأر
بما لا يستطيعه سواك، وعندئذ ليكفك عقابًا لي أن يضحوَ ظلِّي، فإن أَبعدْ فلا
تزيديني بالسلو بعدًا، وإذا ما أتاح لك موتي صيانة لمجدك فاجعلي جزائي
الاحتفاظَ بذكراي، وقولي أحيانًا في أسف عليَّ: لولا هواه لَما جاد
بحياته.
شيمان
:
انهض يا لذريق. إنني لأقرَّ يا مولاي أن ما قلته أثبت من أن
أستطيع له نقضًا. هيهات أن أقدر على مقت لذريق وفيه تلك الفضائل. ومتى أمر
الملك وجب الامتثال. بيد أنه مهما يكن الأمر الذي تسومونني، فهل بوسعكم أن
تشهدوا مثل هذا الزواج؟ وإذا ألزمتموني من الإذعان ما يأباه واجبي أفيُمضى بذلك
العدل كل العدل. أن أصبح لذريق حاجة للدولة فهل تعين علي أن أكون الجزاء لما
يفعله في سبيلكم، وأن أُعرض نفسي لتأنيب سرمدي على تخضيبي معصمي بدم
والدي.
دن فرنان
:
كثيرًا ما جرى أن الزمان هوَّن ما كان صعبًا، وأحلَّ ما عُدَّ
حرامًا. قد كسبك لذريق ويجب أن تكوني له. ولكنني على ما ثبت من حقه لا أقف منك
موقف غير المكترث، لما يوجبه سناء مقامك، ولا أتعجل في منحه ثمرة انتصاره، فإذا
أرجئ القران فلا مخالفة، والحكم لزواج لم يقيَّد بميقات، فلك مهلة سنة تكفكفين
فيها عبراتك، وأنت يا لذريق عليك في هذه المدة أن تحمل السلاح. دحرت المغاربة
على شواطئنا، وعكست عليهم مراميهم وأبطلت مساعيهم، فاذهب الآن إليهم في نفس
بلادهم وشنَّ عليهم الغارات مؤمَّرًا على جيش، موكَّلًا بإنزال الثبور في
أعدائي، ففي اسم السيد كفاية بإلقاء الرعب في قلوبهم، وقد دعوك مولى فربما
أرادوك ملكًا. ولكن الزم الوفاء لشيمان أثناء صولاتك٩ العظيمة. ثم عد، أعادك الله غانمًا، أولى بها مما كنت، أعلِ ذكرك
وضاعف شأنك بحسن بلائك حتى يصبح من الفخر لها يومئذ أن تقترن بك.
دن لذريق
:
من أجل الظفر بشيمان والقيام بخدمتك أيُّ أمر، وإن جل، لا يتعذر
عليَّ إنفاذه، ومهما يشق علي بُعدها عن عيني فحسبي يا مولاي أن أمسي على أمل من
رضاها.
دن فرنان
:
نط أملك بشجاعتك، وكِلْهُ إلى وعدي، فأما ومكانك أعز مكان في
قلب شيمان، فخير حلّ لعقدة الشرف التي حالت بينكما، أن تدع الزمان يفعل فعله،
وأن تعتمد على شجاعتك وعلى مليكك.
١
الثقاف: الخصام.
٢
إلبًا: القوم تجمعهم عداوة واحد.
٣
موموق: محبوب.
٤
سلو: نسيان.
٥
القذف: البعيد.
٦
الأريب: الماهر.
٧
برحاء: الشدة والأذى.
٨
وتري: ثأري.
٩
صولاتك: معاركك الحربية.