وقال يمدح سيف الدولة وقد سأله المسير معه لما سار لنصرة أخيه ناصر الدولة، وذلك سنة
سبع
وثلاثين وثلاثمائة:
سِرْ، حَلَّ حَيْثُ تَحُلُّهُ النُّوَّارُ!
وَأَرَادَ فِيكَ مُرَادَكَ الْمِقْدَارُ
١
وَإِذَا ارْتَحَلْتَ فَشَيَّعَتْكَ سَلَامَةٌ
حَيْثُ اتَّجَهْتَ وَدِيمَةٌ مِدْرَارُ
٢
وَأَرَاكَ دَهْرُكَ مَا تُحَاوِلُ فِي الْعِدَى
حَتَّى كَأَنَّ صُرُوفَهُ أَنْصَارُ
٣
وَصَدَرْتَ أَغْنَمَ صَادِرٍ عَنْ مَوْرِدٍ
مَرْفُوعَةً لِقُدُومِكَ الْأَبْصَارُ
٤
أَنْتَ الَّذِي بَجِحَ الزَّمَانُ بِذِكْرِهِ
وَتَزَيَّنَتْ بِحَدِيثِهِ الْأَسْمَارُ
٥
وَإِذَا تَنَكَّرَ فَالْفَنَاءُ عِقَابُهُ
وَإِذَا عَفَا فَعَطَاؤُهُ الْأَعْمَارُ
٦
وَلَهُ وَإِنْ وَهَبَ الْمُلُوكُ مَوَاهِبٌ
دَرُّ الْمُلُوكِ لِدَرِّهَا أَغْبَارُ
٧
لِلهِ قَلْبُكَ مَا يَخَافُ مِنَ الرَّدَى!
وَيَخَافُ أَنْ يَدْنُو إِلَيْكَ الْعَارُ
٨
وَتَحِيدُ عَنْ طَبْعِ الْخَلَائِقِ كُلِّهِ
وَيِحِيدُ عَنْكَ الْجَحْفَلُ الْجَرَّارُ
٩
يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَى الْأَعِزَّةِ جَارُهُ
وَيَذِلُّ مِنْ سَطَوَاتِهِ الْجَبَّارُ
١٠
كُنْ حَيْثُ شِئْتَ فَمَا تَحُولُ تَنُوفَةٌ
دُونَ اللِّقَاءِ وَلَا يَشِطُّ مَزَارُ
١١
وَبِدُونِ مَا أَنَا مِنْ وِدَادِكَ مُضْمِرٌ
يُنْضَى الْمَطِيُّ وَيَقْرُبُ الْمُسْتَارُ
١٢
إِنَّ الَّذِي خَلَّفْتُ خَلْفِي ضَائِعٌ
مَا لِي عَلَى قَلَقِي إِلَيْهِ خِيَارُ
١٣
وَإِذَا صُحِبْتَ فَكُلُّ مَاءٍ مَشْرَبٌ
لَوْلَا الْعِيَالُ وَكُلُّ أَرْضٍ دَارُ
١٤
إِذْنُ الْأَمِيرِ بِأَنْ أَعُودَ إِلَيْهِمِ
صِلَةٌ تَسِيرُ بِشُكْرِهَا الْأَشْعَارُ
١٥
وخيره بين فرسين؛ دهماءَ وكُمَيت، فقال:
رِضَاكَ رِضَايَ الَّذِي أُوثِرُ
وَسِرُّكَ سِرِّي، فَمَا أُظْهِرُ؟!
٢٣
كَفَتْكَ الْمُرُوءَةُ مَا تَتَّقِي
وَآمَنَكَ الْوُدُّ مَا تَحْذَرُ
٢٤
وَسِرُّكُمُ فِي الْحَشَا مَيِّتٌ
إِذَا أُنْشِرَ السِّرُّ لَا يُنْشَرُ
٢٥
كَأَنِّي عَصَتْ مُقْلَتِي فِيكُمُ
وَكَاتَمَتِ الْقَلْبَ مَا تُبْصِرُ
٢٦
وَإِفْشَاءُ مَا أَنَا مُسْتَوْدَعٌ
مِنَ الْغَدْرِ، وَالْحُرُّ لَا يَغْدِرُ
٢٧
إِذَا مَا قَدَرْتُ عَلَى نَطْقَةٍ
فَإِنِّي عَلَى تَرْكِهَا أَقْدَرُ
٢٨
أُصَرِّفُ نَفْسِي كَمَا أَشْتَهِي
وَأَمْلِكُهَا وَالْقَنَا أَحْمَرُ
٢٩
دَوَالَيْكَ يَا سَيْفَهَا دَوْلَةً
وَأَمْرَكَ يَا خَيْرَ مَنْ يَأْمُرُ
٣٠
أَتَانِي رَسُولُكَ مُسْتَعْجِلًا
فَلَبَّاهُ شِعْرِي الَّذِي أَذْخَرُ
وَلَوْ كَانَ يَوْمَ وَغًى قَاتِمًا
لَلَبَّاهُ سَيْفِيَ وَالْأَشْقَرُ
٣١
فَلَا غَفَلَ الدَّهْرُ عَنْ أَهْلِهِ
فَإِنَّكَ عَيْنٌ بِهَا يَنْظُرُ
٣٢
أَرَى ذَلِكَ الْقُرْبَ صَارَ ازْوِرَارَا
وَصَارَ طَوِيلُ السَّلَامِ اخْتِصَارَا
٣٤
تَرَكْتَنِيَ الْيَوْمَ فِي خَجْلَةٍ
أَمُوتُ مِرَارًا وَأَحْيَا مِرَارَا
٣٥
أُسَارِقُكَ اللَّحْظَ مُسْتَحْيِيًا
وَأَزْجُرُ فِي الْخَيْلِ مُهْرِي سِرَارَا
٣٦
وَأَعْلَمُ أَنِّي إِذَا مَا اعْتَذَرْتُ
إِلَيْكَ أَرَادَ اعْتِذَارِي اعْتِذَارَا
٣٧
كَفَرْتُ مَكَارِمَكَ الْبَاهِرَا
تِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنِّي اخْتِيَارَا
٣٨
وَلَكِنْ حَمَى الشِّعْرَ إِلَّا الْقَلِيـ
ـلَ هَمٌّ حَمَى النَّوْمَ إِلَّا غِرَارَا
٣٩
وَمَا أَنَا أَسْقَمْتُ جِسْمِي بِهِ
وَمَا أَنَا أَضْرَمْتُ فِي الْقَلْبِ نَارَا
٤٠
فَلَا تُلْزِمَنِّي ذُنُوبَ الزَّمَانِ
إِلَيَّ أَسَاءَ وَإِيَّايَ ضَارَا
٤١
وَعِنْدِي لَكَ الشُّرُدُ السَّائِرَا
تُ لَا يَخْتَصِصْنَ مِنَ الْأَرْضِ دَارَا
٤٢
قَوَافٍ إِذَا سِرْنَ عَنْ مِقْوَلِي
وَثَبْنَ الْجِبَالَ وَخُضْنَ الْبِحَارَا
٤٣
وَلِي فِيكَ مَا لَمْ يَقُلْ قَائِلٌ
وَمَا لَمْ يَسْرِ قَمَرٌ حَيْثُ سَارَا
فَلَوْ خُلِقَ النَّاسُ مِنْ دَهْرِهِمْ
لَكَانُوا الظَّلَامَ وَكُنْتَ النَّهَارَا
٤٤
أَشَدُّهُمُ فِي النَّدَى هِزَّةً
وَأَبْعَدُهُمْ فِي عَدُوٍّ مُغَارَا
٤٥
سَمَا ِبَكَ هَمِّيَ فَوْقَ الْهُمُومِ
فَلَسْتُ أَعُدُّ يَسَارًا يَسَارَا
٤٦
وَمَنْ كُنْتَ بَحْرًا لَهُ يَا عَلِيـْ
ـيُ لَمْ يَقْبَلِ الدُّرَّ إِلَّا كِبَارَا
٤٧
وقال وقد جلس سيف الدولة لرسول ملك الروم ولم يصل إليه المتنبي لزحام الناس، فعاتبه
سيف
الدولة على تأخره وانقطاعه.
فقال المتنبي ارتجالًا، وذلك سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة:
وقال لما أوقع سيف الدولة ببني عقيل وقشير وبني العجلان وبني كلاب حين عاثوا في عمله
وخالفوا عليه، ويذكر إجفالهم من بين يديه وظفره بهم، وله خبر طويل:
طِوَالُ قَنًا تُطَاعِنُهَا قِصَارُ
وَقَطْرُكَ فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ
٦١
وَفِيكَ إِذَا جَنَى الْجَانِي أَنَاةٌ
تُظَنُّ كَرَامَةً وَهِيَ احْتِقَارُ
٦٢
وَأَخْذٌ لِلْحَوَاضِرِ وَالْبَوَادِي
بِضَبْطٍ لَمْ تُعَوَّدْهُ نِزَارُ
٦٣
تَشَمَّمُهُ شَمِيمَ الْوَحْشِ إِنْسًا
وَتُنْكِرُهُ فَيَعْرُوهَا نِفَارُ
٦٤
وَمَا انْقَادَتْ لِغَيْرِكَ فِي زَمَانٍ
فَتَدْرِي مَا الْمَقَادَةُ وَالصَّغَارُ
٦٥
فَقَرَّحَتِ الْمَقَاوِدُ ذِفْرَيَيْهَا
وَصَعَّرَ خَدَّهَا هَذَا الْعِذَارُ
٦٦
وَأَطْمَعَ عَامِرَ الْبُقْيَا عَلَيْهَا
وَنَزَّقَهَا احْتِمَالُكَ وَالْوَقَارُ
٦٧
وَغَيَّرَهَا التَّرَاسُلُ وَالتَّشَاكِي
وَأَعْجَبَهَا التَّلَبُّبُ وَالْمُغَارُ
٦٨
جِيَادٌ تَعْجِزُ الْأَرْسَانُ عَنْهَا
وَفُرْسَانٌ تَضِيقُ بِهَا الدِّيَارُ
٦٩
وَكَانَتْ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ رَدَاهَا
نُفُوسًا فِي رَدَاهَا تُسْتَشَاَرُ
٧٠
وَكُنْتَ السَّيْفَ قَائِمُهُ إِلَيْهِمْ
وَفِي الْأَعْدَاءِ حَدُّكَ وَالْغِرَارُ
فَأَمْسَتْ بِالْبَدِيَّةِ شَفْرَتَاهُ
وَأَمْسَى خَلْفَ قَائِمِهِ الْحِيَارُ
٧١
وَكَانَ بَنُو كِلَابٍ حَيْثُ كَعْبٌ
فَخَافُوا أَنْ يَصِيرُوا حَيْثُ صَارُوا
٧٢
تَلَقَّوْا عِزَّ مَوْلَاهُمْ بِذُلٍّ
وَسَارَ إِلَى بَنِي كَعْبٍ وَسَارُوا
٧٣
فَأَقْبَلَهَا الْمُرُوجَ مُسَوَّمَاتٍ
ضَوَامِرَ لَا هِزَالَ وَلَا شِيَارُ
٧٤
تُثِيرُ عَلَى سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرًّا
تَنَاكَرُ تحْتَهُ لَوْلَا الشِّعَارُ
٧٥
عَجَاجًا تَعْثُرُ الْعِقْبَانُ فِيهِ
كَأَنَّ الْجَوَّ وَعْثٌ أَوْ خَبَارُ
٧٦
وَظَلَّ الطَّعْنُ فِي الْخَيْلَيْنِ خَلْسًا
كَأَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَهُمَا اخْتِصَارُ
٧٧
فَلَزَّهُمُ الطِّرَادُ إِلَى قِتَالٍ
أَحَدُّ سِلَاحِهِمْ فِيهِ الْفِرَارُ
٧٨
مَضَوْا مُتَسَابِقِي الْأَعْضَاءِ فِيهِ
لِأَرْؤُسِهِمْ بِأَرْجُلِهِمْ عِثَارُ
٧٩
يَشُلُّهُمُ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهْدٍ
لِفَارِسِهِ عَلَى الْخَيْلِ الْخِيَارُ
٨٠
وَكُلِّ أَصَمَّ يَعْسِلُ جَانِبَاهُ
عَلَى الْكَعْبَيْنِ مِنْهُ دَمٌ مُمَارُ
٨١
يُغَادِرُ كُلَّ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ
وَلَبَّتُهُ لِثَعْلَبِهِ وَجَارُ
٨٢
إِذَا صَرَفَ النَّهَارُ الضَّوْءَ عَنْهُمْ
دَجَا لَيْلَانِ: لَيْلٌ وَالْغُبَارُ
وَإِنْ جُنْحُ الظَّلَامِ انْجَابَ عَنْهُمْ
أَضَاءَ الْمَشْرَفِيَّةُ وَالنَّهَارُ
٨٣
يُبَكِّي خَلْفَهُمْ دَثْرٌ بُكَاهُ
رُغَاءٌ أَوْ ثُؤَاجٌ أَوْ يُعَارُ
٨٤
غَطَا بِالْعِثْيَرِ الْبَيْدَاءَ حَتَّى
تَحَيَّرَتِ الْمَتَالِي وَالْعِشَارُ
٨٥
وَمَرُّوا بِالْجَبَاةِ يَضُمُّ فِيهَا
كِلَا الْجَيْشَيْنِ مِنْ نَقْعٍ إِزَارُ
٨٦
وَجَاءُوا الصَّحْصَحَانِ بِلَا سُرُوجٍ
وَقَدْ سَقَطَ الْعِمَامَةُ وَالْخِمَارُ
٨٧
وَأُرْهِقَتِ الْعَذَارَى مُرْدَفَاتٍ
وَأُوْطِئَتِ الْأُصَيْبِيَةُ الصِّغَارُ
٨٨
وَقَدْ نُزِحَ الْغُوَيْرُ فَلَا غُوَيْرٌ
وَنِهْيَا وَالْبُيَيْضَةُ وَالْجِفَارُ
٨٩
وَلَيْسَ بِغَيْرِ تَدْمُرَ مُسْتَغَاثٌ
وَتَدْمُرُ كَاسْمِهَا لَهُمُ دَمَارُ
٩٠
أَرَادُوا أَنْ يُدِيرُوا الرَّأْيَ فِيهَا
فَصَبَّحَهُمْ بِرَأْيٍ لَا يُدَارُ
٩١
وَجَيْشٍ كُلَّمَا حَارُوا بِأَرْضٍ
وَأَقْبَلَ أَقْبَلَتْ فِيهِ تَحَارُ
٩٢
يَحُفُّ أَغَرَّ لَا قَوَدٌ عَلَيْهِ
وَلَا دِيَةٌ تُسَاقُ وَلَا اعْتِذَارُ
٩٣
تُرِيقُ سُيُوفُهُ مُهَجَ الْأَعَادِي
وَكُلُّ دَمٍ أَرَاقَتْهُ جُبَارُ
٩٤
فَكَانُوا الْأُسْدَ لَيْسَ لَهَا مَصَالٌ
عَلَى طَيْرٍ وَلَيْسَ لَهَا مَطَارُ
٩٥
إِذَا فَاتُوا الرِّمَاحَ تَنَاوَلَتْهُمْ
بِأَرْمَاحٍ مِنَ الْعَطَشِ الْقِفَارُ
٩٦
يَرَوْنَ الْمَوْتَ قُدَّامًا وَخَلْفًا
فَيَخْتَارُونَ وَالْمَوْتُ اضْطِرَارُ
٩٧
إِذَا سَلَكَ السَّمَاوَةَ غَيْرُ هَادٍ
فَقَتْلَاهُمْ لِعَيْنَيْهِ مَنَارُ
٩٨
وَلَوْ لَمْ تُبْقِ لَمْ تَعِشِ الْبَقَايَا
وَفِي الْمَاضِي لِمَنْ بَقِيَ اعْتِبَارُ
٩٩
إِذَا لَمْ يُرْعِ سَيِّدُهُمْ عَلَيْهِمْ
فَمَنْ يُرْعِي عَلَيْهِمْ أَوْ يَغَارُ
١٠٠
تُفَرِّقُهُمْ وَإِيَّاهُ السَّجَايَا
وَيَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهُ النِّجَارُ
١٠١
وَمَالَ بِهَا عَلَى أَرَكٍ وَعُرْضٍ
وَأَهْلُ الرَّقَّتَيْنِ لَهَا مَزَارُ
١٠٢
وَأُجْفَلَ بِالْفُرَاتِ بَنُو نُمَيْرٍ
وَزَأْرُهُمُ الَّذِي زَأَرُوُا خُوَارُ
١٠٣
فَهُمْ حِزَقٌ عَلَى الْخَابُورِ صَرْعَى
بِهِمْ مِنْ شُرْبِ غَيْرِهِمِ خُمَارُ
١٠٤
فَلَمْ يَسْرَحْ لَهُمْ فِي الصُّبْحِ مَالٌ
وَلَمْ تُوقَدُ لَهُمْ بِاللَّيْلِ نَارُ
١٠٥
حِذَارَ فَتًى إِذَا لَمْ يَرْضَ عَنْهُمْ
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ لَهُمُ الْحِذَارُ
١٠٦
تَبِيتُ وُفُودُهُمْ تَسْرِي إِلَيْهِ
وَجَدْوَاهُ الَّتِي سَأَلُوا اغْتِفَارُ
١٠٧
فَخَلَّفَهُمْ بِرَدِّ الْبِيضِ عَنْهُمْ
وَهَامُهُمُ لَهُ مَعَهُمْ مُعَارُ
١٠٨
وَهُمْ مِمَّنْ أَذَمَّ لَهُمْ عَلَيْهِ
كَرِيمُ الْعِرْقِ وَالْحَسَبُ النُّضَارُ
١٠٩
فَأَصْبَحَ بِالْعَوَاصِمِ مُسْتَقِرًّا
وَلَيْسَ لِبَحْرِ نَائِلِهِ قَرَارُ
١١٠
وَأَضْحَى ذِكْرُهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ
تُدَارُ عَلَى الْغِنَاءِ بِهِ الْعُقَارُ
١١١
تَخِرُّ لَهُ الْقَبَائِلُ سَاجِدَاتٍ
وَتَحْمَدُهُ الْأَسِنَّةُ وَالشِّفَارُ
١١٢
كَأَنَّ شُعَاعَ عَيْنِ الشَّمْسِ فِيهِ
فَفِي أَبْصَارِنَا مِنْهُ انْكِسَارُ
١١٣
فَمَنْ طَلَبَ الطِّعَانَ فَذَا عَلِيٌّ
وَخَيْلُ اللهِ وَالْأَسَلُ الْحِرَارُ
١١٤
يَرَاهُ النَّاسُ حَيْثُ رَأَتْهُ كَعْبٌ
بِأَرْضٍ مَا لِنَازِلِهَا اسْتِتَارُ
يُوَسِّطُهُ الْمَفَاوِزُ كُلَّ يَوْمٍ
طِلَابُ الطَّالِبِينَ لَا الِانْتِظَارُ
١١٥
تَصَاهَلُ خَيْلُهُ مُتَجَاوِبَاتٍ
وَمَا مِنْ عَادَةِ الْخَيْلِ السِّرَارُ
١١٦
بَنُو كَعْبٍ وَمَا أَثَّرْتَ فِيهِمْ
يَدٌ لَمْ يُدْمِهَا إِلَّا السِّوَارُ
بِهَا مِنْ قَطْعِهِ أَلَمٌ وَنَقْصٌ
وَفِيهَا مِنْ جَلَالَتِهِ افْتِخَارُ
١١٧
لَهُمْ حَقٌّ بِشِرْكِكَ فِي نِزَارٍ
وَأَدْنَى الشِّرْكِ فِي أَصْلٍ جِوَارُ
١١٨
لَعَلَّ بَنِيهِمِ لِبَنِيكَ جُنْدٌ
فَأَوَّلُ قُرَّحِ الْخَيْلِ الْمِهَارُ
١١٩
وَأَنْتَ أَبَرُّ مَنْ لَوْ عُقَّ أَفْنَى
وَأَعْفَى مَنْ عُقُوبَتُهُ الْبَوَارُ
١٢٠
وَأَقْدَرُ مَنْ يُهَيِّجُهُ انْتِصَارٌ
وَأَحْلَمُ مَنْ يُحَلِّمُهُ اقْتِدَارُ
١٢١
وَمَا فِي سَطْوَةِ الْأَرْبَابِ عَيْبٌ
وَلَا فِي ذِلَّةِ الْعُبْدَانِ عَارُ
١٢٢
وقال ارتجالًا يهجو سوارًا الديلمي وقد نزلوا منزلًا أصابهم فيه مطر وريح:
وقال في صباه وهو بيت مفرد، وروى قوم أنهما بيتان وهما:
وقال في صباه في جعفر بن كيغلغ ولم ينشده إياها:
حَاشَى الرَّقِيبَ فَخَانَتْهُ ضَمَائِرُهُ
وَغَيَّضَ الدَّمْعَ فَانْهَلَّتْ بَوَادِرُهُ
١٢٩
وَكَاتِمُ الْحُبِّ يَوْمَ الْبَيْنِ مُنْهَتِكٌ
وَصَاحِبُ الدَّمْعِ لَا تَخْفَى سَرَائِرُهُ
١٣٠
لَوْلَا ظِبَاءُ عَدِيٍّ مَا شُغِفْتُ بِهِمْ
وَلَا بِرَبْرَبِهِمْ لَوْلَا جَآذِرُهُ
١٣١
مِنْ كُلِّ أَحْوَرَ فِي أَنْيَابِهِ شَنَبٌ
خَمْرٌ يُخَامِرُهَا مِسْكٌ تُخَامِرُهُ
١٣٢
نُعْجٌ مَحَاجِرُهُ دُعْجٌ نَوَاظِرُهُ
حُمْرٌ غَفَائِرُهُ سُودٌ غَدَائِرُهُ
١٣٣
أَعَارَنِي سُقْمَ عَيْنَيْهِ وحَمَلَّنِي
مِنَ الْهَوَى ثِقْلَ مَا تَحْوِي مَآزِرُهُ
١٣٤
يَا مَنْ تَحَكَّمَ فِي نَفْسِي فَعَذَّبَنِي
وَمَنْ فُؤَادِي عَلَى قَتْلِي يُضَافِرُهُ
١٣٥
بِعَوْدَةِ الدَّوْلَةِ الْغَرَّاءِ ثَانِيَةً
سَلَوْتُ عَنْكَ وَنَامَ اللَّيْلَ سَاهِرُهُ
١٣٦
مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ لَيْلِي لَا صَبَاحَ لَهُ
كَأَنَّ أَوَّلَ يَوْمِ الْحَشْرِ آخِرُهُ
١٣٧
غَابَ الْأَمِيرُ فَغَابَ الْخَيْرُ عَنْ بَلَدٍ
كَادَتْ لِفَقْدِ اسْمِهِ تَبْكِي مَنَابِرُهُ
١٣٨
قَدِ اشْتَكَتْ وَحْشَةَ الْأَحْيَاءِ أَرْبُعُهُ
وَخَبَّرَتْ عَنْ أَسَى الْمَوْتَى مَقَابِرُهُ
١٣٩
حَتَّى إِذَا عُقِدَتْ فِيهِ الْقِبَابُ لَهُ
أَهَلَّ لِلهِ بَادِيهِ وَحَاضِرُهُ
١٤٠
وَجَدَّدَتْ فَرَحًا لَا الْغَمُّ يَطْرُدُهُ
وَلَا الصَّبَابَةُ فِي قَلْبٍ تُجَاوِرُهُ
١٤١
إِذَا خَلَتْ مِنْكَ حِمْصٌ، لَا خَلَتْ أَبَدًا
فَلَا سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ بَاكِرُهُ
١٤٢
دَخَلْتَهَا وَشُعَاعُ الشَّمْسِ مُتَّقِدٌ
وَنُورُ وَجْهِكَ بَيْنَ الْخَلْقِ بَاهِرُهُ
١٤٣
فِي فَيْلَقٍ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ قَذَفْتَ بِهِ
صَرْفَ الزَّمَانِ لَمَا دَارَتْ دَوَائِرُهُ
١٤٤
تَمْضِي الْمَوَاكِبُ وَالْأَبْصَارُ شَاخِصَةٌ
مِنْهَا إِلَى الْمَلِكِ الْمَيْمُونِ طَائِرُهُ
١٤٥
قَدْ حِرْنَ فِي بَشَرٍ فِي تَاجِهِ قَمَرٌ
فِي دِرْعِهِ أَسَدٌ تَدْمَى أَظَافِرُهُ
١٤٦
حُلْوٍ خَلَائِقُهُ شُوسٍ حَقَائِقُهُ
تُحْصَى الْحَصَى قَبْلَ أَنْ تُحْصَى مَآثِرُهُ
١٤٧
تَضِيقُ عَنْ جَيْشِهِ الدُّنْيَا وَلَو رَحُبَتْ
كَصَدْرِهِ لَمْ تَبِنْ فِيهَا عَسَاكِرُهُ
١٤٨
إِذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ
مِنْ مَجْدِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ
١٤٩
تَحْمَى السُّيُوفُ عَلَى أَعْدَائِهِ مَعَهُ
كَأَنَّهُنَّ بَنُوهُ أَوْ عَشَائِرُهُ
١٥٠
إِذَا انْتَضَاهَا لِحَرْبٍ لَمْ تَدَعْ جَسَدًا
إِلَّا وَبَاطِنُهُ لِلْعَيْنِ ظَاهِرُهُ
١٥١
فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي يَدِهِ
وَقَدْ وَثِقْنَ بِأَنَّ اللهَ نَاصِرُهُ
١٥٢
تَرَكْنَ هَامَ بَنِي عَوْفٍ وَثَعْلَبَةٍ
عَلَى رُءُوسٍ بِلَا نَاسٍ مَغَافِرُهُ
١٥٣
فَخَاضَ بِالسَّيْفِ بَحْرَ الْمَوْتِ خَلْفَهُمُ
وَكَانَ مِنْهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ زَاخِرُهُ
١٥٤
حَتَّى انْتَهَى الْفَرَسُ الْجَارِي وَمَا وَقَعَتْ
فِي الْأَرْضِ مِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى حَوَافِرُهُ
١٥٥
كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ مِنْهُ أَسِنَّتُهُ
وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فِيهَا بَوَاتِرُهُ
١٥٦
وَحَائِنٍ لَعِبَتْ سُمْرُ الرِّمَاحِ بِهِ
فَالْعَيْشُ هَاجِرُهُ وَالنَّسْرُ زَائِرُهُ
١٥٧
مَنْ قَالَ: لَسْتَ بِخَيْرِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
فَجَهْلُهُ بِكَ عِنْدَ النَّاسِ عَاذِرُهُ
أَوْ شَكَّ أَنَّكَ فَرْدٌ فِي زَمَانِهِمِ
بِلَا نَظِيرٍ فَفِي رُوحِي أُخَاطِرُهُ
١٥٨
يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ
وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
١٥٩
وَمَنْ تَوَهَّمْتُ أَنَّ الْبَحْرَ رَاحَتُهُ
جُودًا وَأَنَّ عَطَايَاهُ جَوَاهِرُهُ
لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاِسرُهُ
وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ
١٦٠
وقال يمدح أبا أحمد عبيد الله بن يحيى البحتري المنبجي:
أَرِيقُكِ أَمْ مَاءُ الْغَمَامَةِ أَمْ خَمْرُ
بِفِيَّ بَرُودٌ وَهْوَ فِي كَبِدِي جَمْرُ؟
١٦١
أَذَا الْغُصْنُ أَمْ ذَا الدِّعْصُ أَمْ أَنْتِ فِتْنَةٌ؟
وَذَيَّا الَّذِي قَبَّلْتُهُ الْبَرْقُ أَمْ ثَغْرُ؟
١٦٢
رَأَتْ وَجْهَ مَنْ أَهْوَى بِلَيْلٍ عَوَاذِلِي
فَقُلْنَ: نَرَى شَمْسًا وَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ
١٦٣
رَأَيْنَ الَّتِي لِلسِّحْرِ فِي لَحَظَاتِهَا
سُيُوفٌ ظُبَاهَا مِنْ دَمِي أَبَدًا حُمْرُ
١٦٤
تَنَاهَى سُكُونُ الْحُسْنِ فِي حَرَكَاتِهَا
فَلَيْسَ لِرَاءٍ وَجْهَهَا لَمْ يَمُتْ عُذْرُ
١٦٥
إِلَيْكَ ابْنَ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ تَجَاوَزَتْ
بِيَ الْبِيدَ عِيسٌ لَحْمُهَا وَالدَّمُ الشِّعْرُ
١٦٦
نَضَحْتُ بِذِكْرَاكُمْ حَرَارَةَ قَلْبِهَا
فَسَارَتْ وَطُولُ الْأَرْضِ فِي عَيْنِهَا شِبْرُ
١٦٧
إِلَى لَيْثِ حَرْبٍ يُلْحِمُ اللَّيْثَ سَيْفُهُ
وَبَحْرِ نَدًى فِي مَوْجِهِ يَغْرَقُ الْبَحْرُ
١٦٨
وَإِنْ كَانَ يُبْقِي جُودُهُ مِنْ تَلِيدِهِ
شَبِيهًا بِمَا يُبْقِي مِنَ الْعَاشِقِ الْهَجْرُ
١٦٩
فَتًى كُلَّ يَوْمٍ تَحْتَوِي نَفْسَ مَالِهِ
رِمَاحُ الْمَعَالِي لَا الرُّدَيْنِيَّةُ السُّمْرُ
١٧٠
تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ السَّحَابِ وَبَيْنَهُ
فَنَائِلُهَا قَطْرٌ وَنَائِلُهُ غَمْرُ
١٧١
وَلَوْ تَنْزِلُ الدُّنْيَا عَلَى حُكْمِ كَفِّهِ
لَأَصْبَحَتِ الدُّنْيَا وَأَكْثَرُهَا نَزْرُ
١٧٢
أَرَاهُ صَغِيرًا قَدْرَهَا عُظْمُ قَدْرِهِ
فَمَا لِعَظِيمٍ قَدْرُهُ عِنْدَهُ قَدْرُ
١٧٣
مَتَى مَا يُشِرْ نَحْوَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهِ
تَخِرَّ لَهُ الشِّعْرَى وَيَنْخَسِفُ الْبَدْرُ
١٧٤
تَرَ الْقَمَرَ الْأَرْضِيَّ وَالْمَلِكَ الَّذِي
لَهُ الْمُلْكُ بَعْدَ اللهِ وَالْمَجْدُ وَالذِّكْرُ
١٧٥
كَثِيرُ سُهَادِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
يُؤَرِّقُهُ فِيمَا يُشَرِّفُهُ الْفِكْرُ
١٧٦
لَهُ مِنَنٌ تُفْنِي الثَّنَاءَ كَأَنَّمَا
بِهِ أَقْسَمَتْ أَنْ لَا يُؤَدَّى لَهَا شُكْرُ
١٧٧
أَبَا أَحْمَدٍ مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِهِ
وَمَا لِامْرِئٍ لَمْ يُمْسِ مِنْ بُحْتُرٍ فَخْرُ
١٧٨
هُمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهُمْ مِنْ مَكَارِمٍ
يُغَنِّي بِهِمْ حَضْرٌ وَيَحْدُو بِهِمْ سَفْرُ
١٧٩
بِمَنْ أَضْرِبُ الْأَمْثَالَ أَمْ مَنْ أَقِيسُهُ
إِلَيْكَ وَأَهْلُ الدَّهْرِ دُونَكَ وَالدَّهْرُ
١٨٠
إِنِّي لَأَعْلَمُ وَاللَّبِيبُ خَبِيرُ
أَنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ حَرَصْتَ غُرُورُ
١٨١
وَرَأَيْتُ كُلًّا مَا يُعَلِّلُ نَفْسَهُ
بِتَعِلَّةٍ وَإِلَى الْفَنَاءِ يَصِيرُ
١٨٢
أَمُجَاوِرَ الدِّيمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ
فِيهَا الضِّيَاءُ بِوَجْهِهِ وَالنُّورُ
١٨٣
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ قَبْلَ دَفْنِكَ فِي الثَّرَى
أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي التُّرَابِ تَغُورُ
١٨٤
مَا كُنْتُ آمُلُ قَبْلَ نَعْشِكَ أَنْ أَرَى
رَضْوَى عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ تَسِيرُ
١٨٥
خَرَجُوا بِهِ وَلِكُلِّ بَاكٍ خَلْفَهُ
صَعَقَاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكَّ الطُّورُ
١٨٦
وَالشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ مَرِيضَةٌ
وَالْأَرْضُ وَاجِفَةٌ تَكَادُ تَمُورُ
١٨٧
وَحَفِيفُ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكِ حَوْلَهُ
وَعُيُونُ أَهْلِ اللَّاذِقِيَّةِ صُورُ
١٨٨
حَتَّى أَتَوْا جَدَثًا كَأَنَّ ضَرِيحَهُ
فِي قَلْبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ
١٨٩
بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ الْبِلَى مِنْ مُلْكِهِ
مُغْفٍ وَإِثْمِدُ عَيْنِهِ الْكَافُورُ
١٩٠
فِيهِ الْفَصَاحَةُ وَالسَّمَاحَةُ وَالتُّقَى
وَالْبَأْسُ أَجْمَعُ وَالْحِجَا وَالْخِيرُ
١٩١
كَفَلَ الثَّنَاءُ لَهُ بِرَدِّ حَيَاتِهِ
لَمَّا انْطَوَى فَكَأَنَّهُ مَنْشُورُ
١٩٢
وَكَأَنَّمَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ
وَكَأَنَّ عَازَرَ شَخْصُهُ الْمَقْبُورُ
١٩٣
غَاضَتْ أَنَامِلُهُ وَهُنَّ بُحُورُ
وَخَبَتْ مَكَايِدُهُ وَهُنَّ سَعِيرُ
١٩٤
يُبْكَى عَلَيْهِ وَمَا اسْتَقَرَّ قَرَارُهُ
فِي اللَّحْدِ حَتَّى صَافَحَتْهُ الْحُورُ
١٩٥
صَبْرًا بَنِي إِسْحَاقَ عَنْهُ تَكَرُّمًا
إِنَّ الْعَظِيمَ عَلَى الْعَظِيمِ صَبُورُ
١٩٦
فَلِكُلِّ مَفْجُوعٍ سِوَاكُمْ مُشْبِهٌ
وَلِكُلِّ مَفْقُودٍ سِوَاهُ نَظِيرُ
١٩٧
أَيَّامَ قَائِمُ سَيْفِهِ فِي كَفِّهِ الْـ
ـيُمْنَى وَبَاعُ الْمَوْتِ عَنْهُ قَصِيرُ
١٩٨
وَلَطالَمَا انْهَمَلَتْ بِمَاءٍ أَحْمَرٍ
فِي شَفْرَتَيْهِ جَمَاجِمٌ وَنُحُورُ
١٩٩
فَأُعِيذُ إِخْوَتَهُ بِرَبِّ مُحَمَّدٍ
أَنْ يَحْزَنُوا وَمُحَمَّدٌ مَسْرُورُ
٢٠٠
أَوْ يَرْغَبُوا بِقُصُورِهِمْ عَنْ حُفْرَةٍ
حَيَّاهُ فِيهَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ
٢٠١
نَفَرٌ إِذَا غَابَتْ غُمُودُ سُيُوفِهِمْ
عَنْهَا فَآجَالُ الْعِبَادِ حُضُورُ
٢٠٢
وَإِذَا لَقُوا جَيْشًا تَيَقَّنَ أَنَّهُ
مِنْ بَطْنِ طَيْرِ تَنُوفَةٍ مَحْشُورُ
٢٠٣
لَمْ تُثْنَ فِي طَلَبٍ أَعِنَّةُ خَيَلِهِمْ
إِلَّا وَعُمْرُ طَرِيدِهَا مَبْتُورُ
٢٠٤
يَمَّمْتُ شَاسِعَ دَارِهِمْ عَنْ نِيَّةٍ
إِنَّ الْمُحِبَّ عَلَى الْبِعَادِ يَزُورُ
٢٠٥
وَقَنِعْتُ بِاللُّقْيَا وَأَوَّلِ نَظْرَةٍ
إِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَبِيبِ كَثِيرُ
٢٠٦
وسأله بنو عم الميت أن ينفي الشماتة عنهم، فقال ارتجالًا:
وقال ارتجالًا في أبي الحسين بن إبراهيم وقد دخل عليه وهو يشرب:
وقال ارتجالًا وقد دخل على بدر بن عمار يومًا فوجده خاليًا، وقد أمر الغلمان أن يحجبوا
الناس عنه ليخلو للشراب:
وقال وقد أخذ الشراب منه عند بدر وأراد الانصراف فلم يقدر على الكلام، فقال هذين البيتين
وهو لا يدري:
وقال يصف لعبة في صورة جارية؛ وذلك أنه كان لبدر بن عمار جليس أعور يعرف بابن كروس،
يحسد
أبا الطيب لما كان يشاهده من سرعة خاطره؛ لأنه لم يكن شيء يجري في المجلس إلا ارتجل فيه
شعرًا، فقال الأعور لبدر: أظنه يعمل هذا قبل حضوره ويعدِّه، فقال بدر: مثل هذا لا يجوز،
وأنا أمتحنه بشيء أحضره للوقت؛ فلما كمل المجلس ودارت الكئوس أخرج لعبة لها شعر في طولها،
تدور على لولب، وإحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان؛ فإذا وقفت حذاء إنسان شرب
فدارت؛
فقال ارتجالًا:
وقال في بدر أيضًا وقد وقفت هذه الجارية حذاءه:
وقال لبدر: ما حملك على إحضار اللعبة؟ فقال: أردت أن أنفي الظنة عن أدبك، فقال:
وأراد الارتحال عن علي بن أحمد الخراساني فقال:
وقال يصف مسيره في البوادي وما لقي في أسفاره ويذم الأعور بن كروس:
عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى مِنْ أُمُورِ
سَكَنَّ جَوَانِحِي بَدَلَ الْخُدُورِ
٢٣٣
وَمُبْتَسِمَاتِ هَيْجَاوَاتِ عَصْرٍ
عَنِ الْأَسْيَافِ لَيْسَ عَنِ الثُّغُورِ
٢٣٤
رَكِبْتُ مُشَمِّرًا قَدَمِي إِلَيْهَا
وَكُلَّ عَذَافِرٍ قَلِقِ الضُّفُورِ
٢٣٥
أَوَانًا فِي بُيُوتِ الْبَدْوِ رَحْلِي
وَآوِنَةً عَلَى قَتَدِ الْبَعِيرِ
٢٣٦
أُعَرِّضُ لِلرِّمَاحِ الصُّمِّ نَحْرِي
وَأَنْصِبُ حُرَّ وَجْهِي لِلْهَجِيرِ
٢٣٧
وَأَسْرِي فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وَحْدِي
كَأَنِّي مِنْهُ فِي قَمَرٍ مُنِيرِ
٢٣٨
فَقُلْ فِي حَاجَةٍ لَمْ أَقْضِ مِنْهَا
عَلَى شَغَفِي بِهَا شَرْوَى نَقِيرِ
٢٣٩
وَنَفْسٍ لَا تُجِيبُ إِلَى خَسِيسٍ
وَعَيْنٍ لَا تُدَارُ عَلَى نَظِيرِ
٢٤٠
وَكَفٍّ لَا تُنَازِعُ مَنْ أَتَانِي
يُنَازِعُنِي سِوَى شَرَفِي وَخِيرِي
٢٤١
وَقِلَّةِ نَاصِرٍ جُوزِيتَ عَنِّي
بِشَرٍّ مِنْكَ يَا شَرَّ الدُّهُورِ
٢٤٢
عَدُوِّي كُلُّ شَيْءٍ فِيكَ حَتَّى
لَخِلْتُ الْأُكْمَ مُوغَرَةَ الصُّدُورِ
٢٤٣
فَلَوْ أَنِّي حُسِدْتُ عَلَى نَفِيسٍ
لَجُدْتُ بِهِ لِذِي الْجَدِّ الْعَثُورِ
وَلَكِنِّي حُسِدْتُ عَلَى حَيَاتِي
وَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بِلَا سُرُورِ
٢٤٤
فَيَا ابْنَ كَرَوَّسٍ يَا نِصْفَ أَعْمَى
وَإِنْ تَفْخَرْ فَيَا نِصْفَ الْبَصِيرِ
٢٤٥
تُعَادِينَا لِأَنَّا غَيْرُ لُكْنٍ
وَتُبْغِضُنَا لِأَنَّا غَيْرُ عُورِ
٢٤٦
فَلَوْ كُنْتَ امْرَأً يُهْجَى هَجَوْنَا
وَلَكِنْ ضَاقَ فِتْرٌ عَنْ مَسِيرِ
٢٤٧
وقال يمدح أبا محمد الحسين بن عبد الله بن طغج:
وقال وقد كره الشرب وكثر البخور وارتفعت رائحة الند والأصوات بمجلسه:
وقال أبو محمد يومًا: إن أباه استخفى مرة، فعرفه رجل يهودي، فقال:
وسئل عما ارتجله فيه من الشعر، فأعاده؛ فعجبوا من حفظه إياه، فقال:
وقال عند منصرفه من مصر وقد وصل إلى البسيطة، فرأى بعض غلمانه ثورًا، فقال: هذه منارة
الجامع، ورأى آخر نعامة في البرية، فقال: هذه نخلة؛ فضحك أبو الطيب وقال:
وقال يمدح علي بن أحمد بن عامر الأنطاكي:
أُطَاعِنُ خَيْلًا مِنْ فَوَارِسِهَا الدَّهْرُ
وَحِيدًا وَمَا قَوْلِي كَذَا وَمَعِي الصَّبْرُ
٢٦١
وَأَشْجَعُ مِنِّي كُلَّ يَوْمٍ سَلَامَتِي
وَمَا ثَبَتَتْ إِلَّا وَفِي نَفْسِهَا أَمْرُ
٢٦٢
تَمَرَّسْتُ بِالْآفَاتِ حَتَّى تَرَكْتُهَا
تَقُولُ: أَمَاتَ الْمَوْتُ أَمْ ذُعِرَ الذُّعْرُ؟
٢٦٣
وَأَقْدَمْتُ إِقْدَامَ الْأَتِيِّ كَأَنَّ لِي
سِوَى مُهْجَتِي أَوْ كَانَ لِي عِنْدَهَا وِتْرُ
٢٦٤
ذَرِ النَّفْسَ تَأْخُذْ وُسْعَهَا قَبْلَ بَيْنِهَا
فَمُفْتَرِقٌ جَارَانِ دَارُهُمَا الْعُمْرُ
٢٦٥
وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَجْدَ زِقًّا وَقِينَةً
فَمَا الْمَجْدُ إِلَّا السَّيْفُ وَالْفَتْكَةُ الْبِكْرُ
٢٦٦
وَتَضْرِيبُ أَعْنَاقِ الْمُلُوكِ وَأَنْ تُرَى
لَكَ الْهَبَوَاتُ السُّودُ وَالْعَسْكَرُ الْمَجْرُ
٢٦٧
وَتَرْكُكَ فِي الدُّنْيَا دَوِيًّا كَأَنَّمَا
تَدَاوَلَ سَمْعَ الْمَرْءِ أَنْمُلُهُ الْعَشْرُ
٢٦٨
إِذَا الْفَضْلُ لَمْ يَرْفَعْكَ عَنْ شُكْرِ نَاقِصٍ
عَلَى هِبَةٍ فَالْفَضْلُ فِيمَنْ لَهُ الشُّكْرُ
٢٦٩
وَمَنْ يُنْفِقِ السَّاعَاتِ فِي جَمْعِ مَالِهِ
مَخَافَةَ فَقْرٍ فَالَّذِي فَعَلَ الْفَقْرُ
٢٧٠
عَلَيَّ لِأَهْلِ الْجَوْرِ كُلُّ طِمِرَّةٍ
عَلَيْهَا غُلَامٌ مِلْءُ حَيْزُومِهِ غِمْرُ
٢٧١
يُدِيرُ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ عَلَيْهِمِ
كُئُوسَ الْمَنَايَا حَيْثُ لَا تُشْتَهَى الْخَمْرُ
٢٧٢
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ جُبْتُ تَشْهَدُ أَنَّنِي الْـ
ـجِبَالُ وَبَحْرٍ شَاهِدٍ أَنَّنِي الْبَحْرُ!
٢٧٣
وَخَرْقٍ مَكَانُ الْعِيسِ مِنْهُ مَكَانُنَا
مِنَ الْعِيسِ فِيهِ وَاسِطُ الْكُورِ وَالظَّهْرُ
٢٧٤
يَخِدْنَ بِنَا فِي جَوْزِهِ وَكَأَنَّنَا
عَلَى كُرَةٍ أَوْ أَرْضُهُ مَعَنَا سَفْرُ
٢٧٥
وَيَوْمٍ وَصَلْنَاهُ بِلَيْلٍ كَأَنَّمَا
عَلَى أُفْقِهِ مِنْ بَرْقِهِ حُلَلٌ حُمْرُ
٢٧٦
وَلَيْلٍ وَصَلْنَاهُ بِيَوْمٍ كَأَنَّمَا
عَلَى مَتْنِهِ مِنْ دَجْنِهِ حُلَلٌ خُضْرُ
٢٧٧
وَغَيْثٍ ظَنَنَّا تَحْتَهُ أَنَّ عَامِرًا
عَلَا لَمْ يَمُتْ أَوْ فِي السَّحَابِ لَهُ قَبْرُ
٢٧٨
أَوِ ابْنَ ابْنِهِ الْبَاقِي عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدٍ
يَجُودُ بِهِ لَوْ لَمْ أَجُزْ وَيَدِي صِفْرُ
٢٧٩
وَإِنَّ سَحَابًا جَوْدُهُ مِثْلُ جُودِهِ
سَحَابٌ عَلَى كُلِّ السِّحَابِ لَهُ فَخْرُ
٢٨٠
فَتًى لَا يَضُمُّ الْقَلْبُ هِمَّاتِ قَلْبِهِ
وَلَوْ ضَمَّهَا قَلْبٌ لَمَا ضَمَّهُ صَدْرُ
٢٨١
وَلَا يَنْفَعُ الْإِمْكَانُ لَوْلَا سَخَاؤُهُ
وَهَلْ نَافِعٌ لَوْلَا الْأَكُفُّ الْقَنَا السُّمْرُ
٢٨٢
قِرَانٌ تَلَاقَى الصَّلْتُ فِيهِ وَعَامِرٌ
كَمَا يَتَلَاقَى الْهِنْدُوَانِيُّ وَالنَّصْرُ
٢٨٣
فَجَاءَا بِهِ صَلْتَ الْجَبِينِ مُعَظَّمًا
تَرَى النَّاسَ قُلًّا حَوْلَهُ وَهُمُ كُثْرُ
٢٨٤
مُفَدًّى بِآبَاءِ الرِّجَالِ سَمَيْذَعًا
هُوَ الْكَرَمُ الْمَدُّ الَّذِي مَا لَهُ جَزْرُ
٢٨٥
وَمَا زِلْتُ حَتَّى قَادَنِي الشَّوْقُ نَحْوَهُ
يُسَايِرُنِي فِي كُلِّ رَكْبٍ لَهُ ذِكْرُ
٢٨٦
وَأَسْتَكْبِرُ الْأَخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الْخَبَرَ الْخُبْرُ
٢٨٧
إِلَيْكَ طَعَنَّا فِي مَدَى كُلِّ صَفْصَفٍ
بِكُلِّ وَآةٍ كُلُّ مَا لَقِيَتْ نَحْرُ
٢٨٨
إِذَا وَرِمَتْ مِنْ لَسْعَةٍ مَرِحَتْ لَهَا
كَأَنَّ نَوَالًا صَرَّ فِي جِلْدِهَا النِّبْرُ
٢٨٩
فَجِئْنَاكَ دُونَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي النَّوَى
وَدُونَكَ فِي أَحْوَالِكَ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ
٢٩٠
كَأَنَّكَ بَرْدُ الْمَاءِ لَا عَيْشَ دُونَهُ
وَلَوْ كُنْتَ بَرْدَ الْمَاءِ لَمْ يَكُنِ الْعِشْرُ
٢٩١
دَعَانِي إِلَيْكَ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالْحِجَا
وَهَذا الْكَلَامُ النَّظْمُ وَالنَّائِلُ النَّثْرُ
٢٩٢
وَمَا قُلْتُ مِنْ شِعْرٍ تَكَادُ بُيُوتُهُ
إِذَا كُتِبَتْ يَبْيَضُّ مِنْ نُورِهَا الْحِبْرُ
٢٩٣
كَأَنَّ الْمَعَانِي فِي فَصَاحَةِ لَفْظِهَا
نُجُومُ الثُّرَيَّا أَوَ خَلَائِقُكَ الزُّهْرُ
٢٩٤
وَجَنَّبَنِي قُرْبَ السَّلَاطِينِ مَقْتُهَا
وَمَا يَقْتَضِينِي مِنْ جَمَاجِمِهَا النَّسْرُ
٢٩٥
وَإِنِّي رَأَيْتُ الضُّرَّ أَحْسَنَ مَنْظَرًا
وَأَهْوَنَ مِنْ مَرْأَى صَغِيرٍ بِهِ كِبْرُ
٢٩٦
لِسَانِي وَعَيْنِي وَالْفُؤَادُ وَهِمَّتِي
أَوَدُّ اللَّوَاتِي ذَا اسْمُهَا مِنْكَ وَالشَّطْرُ
٢٩٧
وَمَا أَنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ
وَلَكِنْ لِشِعْرِي فِيكَ مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ
٢٩٨
وَمَا ذَا الَّذِي فِيهِ مِنَ الْحُسْنِ رَوْنَقًا
وَلَكِنْ بَدَا فِي وَجْهِهِ نَحْوَكَ الْبِشْرُ
٢٩٩
وَإِنِّي — وَإِنْ نِلْتَ السَّمَاءَ — لَعَالِمٌ
بِأَنَّكَ مَا نِلْتَ الَّذِي يُوجِبُ الْقَدْرُ
٣٠٠
أَزَالَتْ بِكَ الْأَيَّامُ عَتْبِي كَأَنَّمَا
بَنُوهَا لَهَا ذَنْبٌ وَأَنْتَ لَهَا عُذْرُ
٣٠١
بَادٍ هَوَاكَ صَبَرْتَ أَمْ لَمْ تَصْبِرَا
وَبُكَاكَ إِنْ لَمْ يَجْرِ دَمْعُكَ أَوْ جَرَى
٣٠٣
كَمْ غَرَّ صَبْرُكَ وَابْتِسَامُكَ صَاحِبًا
لَمَّا رَآكَ وَفِي الْحَشَا مَا لَا يُرَى
٣٠٤
أَمَرَ الْفُؤَادُ لِسَانَهُ وَجُفُونَهُ
فَكَتَمْنَهُ وَكَفَى بِجِسْمِكَ مُخْبِرَا
٣٠٥
تَعِسَ الْمَهَارِي غَيْرَ مَهْرِيٍّ غَدَا
بِمُصَوَّرٍ لَبِسَ الْحَرِيرَ مُصَوَّرَا
٣٠٦
نَافَسْتُ فِيهِ صُورَةً فِي سِتْرِهِ
لَوْ كُنْتُهَا لَخَفِيتُ حَتَّى يَظْهَرَا
٣٠٧
لَا تَتْرَبِ الْأَيْدِي الْمُقِيمَةُ فَوْقَهُ
كِسْرَى مُقَامَ الْحَاجِبِينَ وَقَيْصَرَا
٣٠٨
يَقِيَانِ فِي أَحَدِ الْهَوَادِجِ مُقْلَةً
رَحَلَتْ فَكَانَ لَهَا فُؤَادِي مَحْجِرَا
٣٠٩
قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلِهِ
لَوْ كَانَ يَنْفَعُ حَائِنًا أَنْ يَحْذَرَا
٣١٠
وَلَوِ اسْتَطَعْتُ إِذِ اغْتَدَتْ رُوَّادُهُمْ
لَمَنَعْتُ كُلَّ سَحَابَةٍ أَنْ تَقْطُرَا
٣١١
فَإِذَا السَّحَابُ أَخُو غُرَابِ فِرَاقِهِمْ
جَعَلَ الصِّيَاحَ بِبَيْنِهِمْ أَنْ يُمْطِرَا
٣١٢
وَإِذَا الْحَمَائِلُ مَا يَخِدْنَ بِنَفْنَفٍ
إِلَّا شَقَقْنَ عَلَيْهِ ثَوْبًا أَخْضَرَا
٣١٣
يَحْمِلْنَ مِثْلَ الرَّوْضِ إِلَّا أَنَّهَا
أَسْبَى مَهَاةً لِلْقُلُوبِ وَجُؤْذُرَا
٣١٤
فَبِلَحْظِهَا نَكِرَتْ قَنَاتِي رَاحَتِي
ضَعْفًا وَأَنْكَرَ خَاتِمَايَ الْخِنْصِرَا
٣١٥
أَعْطَى الزَّمَانُ فَمَا قَبِلْتُ عَطَاءَهُ
وَأَرَادَ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَخَيَّرَا
٣١٦
أَرَجَانَ أَيَّتُهَا الْجِيَادُ فَإِنَّهُ
عَزْمِي الَّذِي يَذَرُ الْوَشِيجَ مُكَسَّرَا
٣١٧
لَوْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا اشْتَهَيْتِ فَعَالَهُ
مَا شَقَّ كَوْكَبُكِ الْعَجَاجَ الْأَكْدَرَا
٣١٨
أُمِّي أَبَا الْفَضْلِ الْمُبِرَّ أَلِيَّتِي
لَأُيَمِّمَنَّ أَجَلَّ بَحْرٍ جَوْهَرَا
٣١٩
أَفْتَى بِرُؤْيَتِهِ الْأَنَامُ وَحَاشَ لِي
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّرًا أَوْ مُقْصِرَا
٣٢٠
صُغْتُ السِّوَارَ لِأَيِّ كَفٍّ بَشَّرَتْ
بِابْنِ الْعَمِيدِ وَأَيِّ عَبْدٍ كَبَّرَا
٣٢١
إِنْ لَمْ تُغِثْنِي خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ
فَمَتَى أَقُودُ إِلَى الْأَعَادِي عَسْكَرَا؟
٣٢٢
بِأَبِي وَأُمِّي نَاطِقٌ فِي لَفْظِهِ
ثَمَنٌ تُبَاعُ بِهِ الْقُلُوبُ وَتُشْتَرَى
٣٢٣
مَنْ لَا تُرِيهِ الْحَرْبُ خَلْقًا مُقْبِلًا
فِيهَا وَلَا خَلْقٌ يَرَاهُ مُدْبِرَا
٣٢٤
خَنْثَى الْفُحُولَ مِنَ الْكُمَاةِ بِصَبْغِهِ
مَا يَلْبَسُونَ مِنَ الْحَدِيدِ مُعَصْفَرَا
٣٢٥
يَتَكَسَّبُ الْقَصَبُ الضَّعِيفُ بِكَفِّهِ
شَرَفًا عَلَى صُمِّ الرِّمَاحِ وَمَفْخَرَا
٣٢٦
وَيَبِينُ فِيمَا مَسَّ مِنْهُ بَنَانُهُ
تِيهُ الْمُدِلِّ فَلَوْ مَشَى لَتَبَخْتَرَا
٣٢٧
يَا مَنْ إِذَا وَرَدَ الْبِلَادَ كِتَابُهُ
قَبْلَ الْجُيُوشِ ثَنَى الْجُيُوشَ تَحَيُّرَا
٣٢٨
أَنْتَ الْوَحِيدُ إِذَا ارْتَكَبْتَ طَرِيقَةً
وَمَنِ الرَّدِيفُ وَقَدْ رَكِبْتَ غَضَنْفَرَا؟
٣٢٩
قَطَفَ الرِّجَالُ الْقَوْلَ وَقْتَ نَبَاتِهِ
وَقَطَفْتَ أَنْتَ الْقَوْلَ لَمَّا نَوَّرَا
٣٣٠
فَهُوَ الْمُشَيَّعُ بِالْمَسَامِعِ إِنْ مَضَى
وَهُوَ الْمُضَاعَفُ حُسْنُهُ إِنْ كُرِّرَا
٣٣١
وَإِذَا سَكَتَّ فَإِنَّ أَبْلَغَ خَاطِبٍ
قَلَمٌ لَكَ اتَّخَذَ الْأَصَابِعَ مِنْبَرَا
٣٣٢
وَرَسَائِلٌ قَطَعَ الْعُدَاةُ سِحَاءَهَا
فَرَأَوْا قَنًا وَأَسِنَّةً وَسَنَوَّرَا
٣٣٣
فَدَعَاكَ حُسَّدُكَ الرَّئِيسَ وَأَمْسَكُوا
وَدَعَاكَ خَالِقُكَ الرَّئِيسَ الْأَكْبَرَا
خَلَفَتْ صِفَاتُكَ فِي الْعُيُونِ كَلَامَهُ
كَالْخَطِّ يَمْلَأُ مِسْمَعَيْ مَنْ أَبْصَرَا
٣٣٤
أَرَأَيْتَ هِمَّةَ نَاقَتِي فِي نَاقَةٍ
نَقَلَتْ يَدًا سُرُحًا وَخُفًّا مُجْمَرَا
٣٣٥
تَرَكَتْ دُخَانَ الرَّمْثِ فِي أَوْطَانِهَا
طَلَبًا لِقَوْمٍ يُوقِدُونَ الْعَنْبَرَا
٣٣٦
وَتَكَرَّمَتْ رُكَبَاتُهَا عَنْ مَبْرَكٍ
تَقَعَانِ فِيهِ وَلَيْسَ مِسْكًا أَذْفَرَا
٣٣٧
فَأَتَتْكَ دَامِيَةَ الْأَظَلِّ كَأَنَمَّاَ
حُذِيَتْ قَوَائِمُهَا الْعَقِيقَ الْأَحْمَرَا
٣٣٨
بَدَرَتْ إِلَيْكَ يَدَ الزَّمَانِ كَأَنَّهَا
وَجَدَتْهُ مَشْغُولَ الْيَدَيْنِ مُفَكِّرَا
٣٣٩
مَنْ مُبْلِغُ الْأَعْرَابِ أَنِّي بَعْدَهَا
شَاهَدْتُ رَسْطَالِيسَ وَالْإِسْكَنْدَرَا
٣٤٠
وَمَلِلْتُ نَحْرَ عِشَارِهَا فَأَضَافَنِي
مَنْ يَنْحَرُ الْبِدَرَ النُّضَارَ لِمَنْ قَرَى
٣٤١
وَسَمِعْتُ بَطْلَيْمُوسَ دَارِسَ كُتْبِهِ
مُتَمَلِّكًا مُتَبَدِّيًا مُتَحَضِّرَا
٣٤٢
وَلَقِيتُ كُلَّ الْفَاضِلِينَ كَأَنَّمَا
رَدَّ الْإِلَه ُنفُوسَهُمْ وَالْأَعْصُرَا
٣٤٣
نُسِقُوا لَنَا نَسَقَ الْحِسَابِ مُقَدَّمًا
وَأَتَى فَذَلِكَ إِذْ أَتَيْتَ مُؤَخَّرَا
٣٤٤
يَا لَيْتَ بَاكِيَةً شَجَانِي دَمْعُهَا
نَظَرَتْ إِلَيْكَ كَمَا نَظَرْتُ فَتَعْذِرَا
٣٤٥
وَتَرَى الْفَضِيلَةَ لَا تَرُدُّ فَضِيلَةً
الشَّمْسَ تُشْرِقُ وَالسَّحَابَ كَنَهْوَرَا
٣٤٦
أَنَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَطْيَبُ مَنْزِلًا
وَأَسَرُّ رَاحِلَةً وَأَرْبَحُ مَتْجَرَا
٣٤٧
زُحَلٌ عَلَى أَنَّ الْكَوَاكِبَ قَوْمُهُ
لَوْ كَانَ مِنْكَ لَكَانَ أَكْرَمَ مَعْشَرَا
٣٤٨