وقال وقد أذن المؤذن، فوضع سيف الدولة الكأس من يده، فقال أبو الطيب ارتجالًا:
وقال يمدح عبيد الله بن خلكان الطرابلسي:
أَظَبْيَةَ الْوَحْشِ لَوْلَا ظَبْيَةُ الْأَنْسِ
لَمَا غَدَوْتُ بِجَدٍّ فِي الْهَوَى تَعِسِ
٣
وَلَا سَقَيْتُ الثَّرَى وَالْمُزْنُ مُخْلِفَةٌ
دَمْعًا يُنَشِّفُهُ مِنْ لَوْعَةٍ نَفَسِي
٤
وَلَا وَقَفْتُ بِجِسْمٍ مُسْيَ ثَالِثَةٍ
ذِي أَرْسُمٍ دُرُسٍ فِي الْأَرْسُمِ الدُّرُسِ
٥
صَرِيعَ مُقْلَتِهَا سَآَّلَ دِمْنَتِهَا
قَتِيلَ تَكْسِيرِ ذَاكِ الْجَفْنِ وَاللَّعَسِ
٦
خَرِيدَةٌ لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ مَا طَلَعَتْ
وَلَوْ رَآهَا قَضِيبُ الْبَانِ لَمْ يَمِسِ
٧
مَا ضَاقَ قَبْلَكِ خَلْخَالٌ عَلَى رَشَأٍ
وَلَا سَمِعْتُ بِدِيبَاجٍ عَلَى كَنَسِ
٨
إِنْ تَرْمِنِي نَكَبَاتُ الدَّهْرِ عَنْ كَثَبٍ
تَرْمِ امْرَأً غَيْرَ رِعْدِيدٍ وَلَا نَكِسِ
٩
يَفْدِي بَنِيكَ عُبَيْدَ اللهِ حَاسِدُهُمْ
بِجَبْهَةِ الْعَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الْفَرَسِ
١٠
أَبَا الْغَطَارِفَةِ الْحَامِينَ جَارَهُمُ
وَتَارِكِي اللَّيْثِ كَلْبًا غَيْرَ مُفْتَرِسِ
١١
مِنْ كُلِّ أَبْيَضَ وَضَّاحٍ عِمَامَتُهُ
كَأَنَّمَا اشْتَمَلَتْ نُورًا عَلَى قَبَسِ
١٢
دَانٍ بَعِيدٍ مُحِبٍّ مُبْغِضٍ بَهِجٍ
أَغَرَّ حُلْوٍ مُمِرٍّ لَيِّنٍ شَرِسِ
١٣
نَدٍ أَبِيٍّ غَرٍ وَافٍ أَخِي ثِقَةٍ
جَعْدٍ سَرِيٍّ نَهٍ نَدْبٍ رَضٍ نَدُسِ
١٤
لَوْ كَانَ فَيْضُ يَدَيْهِ مَاءَ غَادِيَةٍ
عَزَّ الْقَطَا فِي الْفَيَافِي مَوْضِعُ الْيَبَسِ
١٥
أَكَارِمٌ حَسَدَ الْأَرْضَ السَّمَاءُ بِهِمْ
وَقَصَّرَتْ كُلُّ مِصْرٍ عَنْ طَرَابُلْسِ
١٦
أَيُّ الْمُلُوكِ — وَهُمْ قَصْدِي — أُحَاذِرُهُ؟!
وَأَيُّ قِرْنٍ وَهُمْ سَيْفِي وَهُمْ تُرُسِي؟!
١٧
وسأله صديق له يعرف بأبي ضبيس الشراب معه فامتنع وقال ارتجالًا:
أَلَذُّ مِنَ الْمُدَامِ الْخَنْدَرِيسِ
وَأَحْلَى مِنْ مُعَاطَاةِ الْكُئُوسِ
مُعَاطَاةُ الصَّفَائِحِ وَالْعَوَالِي
وَإِقْحَامِي خَمِيسًا فِي خَمِيسِ
١٨
فَمَوْتِيَ فِي الْوَغَى أَرَبِي لِأَنِّي
رَأَيْتُ الْعَيْشَ فِي أَرَبِ النُّفُوسِ
١٩
وَلَوْ سُقِّيتُهَا بِيَدَيْ نَدِيمٍ
أُسَرُّ بِهِ لَكَانَ أَبَا ضَبِيسِ
٢٠
هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا
مِمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسَا
٢١
وَجَعَلْتِ حَظِّي مِنْكِ حَظِّي فِي الْكَرَى
وَتَرَكْتِنِي لِلْفَرْقَدَيْنِ جَلِيسَا
٢٢
قَطَّعْتِ ذَيَّاكِ الْخُمَارَ بِسَكْرَةٍ
وَأَدَرْتِ مِنْ خَمْرِ الْفِرَاقِ كُئُوسَا
٢٣
إِنْ كُنْتِ ظَاعِنَةً فَإِنَّ مَدَامِعِي
تَكْفِي مَزَادَكُمُ وَتَرْوِي الْعِيسَا
٢٤
حَاشَا لِمِثْلِكِ أَنْ تَكُونَ بَخِيلَةً
وَلِمِثْلِ وَجْهِكِ أَنْ يَكُونَ عَبُوسَا
وَلِمِثْلِ وَصْلِكِ أَنْ يَكُونَ مُمَنَّعًا
وَلِمِثْلِ نَيْلِكِ أَنْ يَكُونَ خَسِيسَا
٢٥
خَوْدٌ جَنَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَوَاذِلِي
حَرْبًا وَغَادَرَتِ الْفُؤَادَ وَطِيسَا
٢٦
بَيْضَاءُ يَمْنَعُهَا تَكَلَّمَ دَلُّهَا
تِيهًا وَيَمْنَعُهَا الْحَيَاءُ تَمِيسَا
٢٧
لَمَّا وَجَدْتُ دَوَاءَ دَائِي عِنْدَهَا
هَانَتْ عَلَيَّ صِفَاتُ جَالِينُوسَا
٢٨
أَبْقَى زُرَيْقٌ لِلثُّغُورِ مُحَمَّدًا
أَبْقَى نَفِيسٌ لِلنَّفِيسِ نَفِيسًا
٢٩
إِنْ حَلَّ فَارَقَتِ الْخَزَائِنُ مَالَهُ
أَوْ سَارَ فَارَقَتِ الْجُسُومُ الرُّوسَا
٣٠
مَلِكٌ إِذَا عَادَيْتَ نَفْسَكَ عَادِهِ
وَرَضِيتَ أَوْحَشَ مَا كَرِهْتَ أَنِيسَا
٣١
الْخَائِضَ الْغَمَرَاتِ غَيْرَ مُدَافَعٍ
وَالشَّمَّرِيَّ الْمِطْعَنَ الدِّعِّيسَا
٣٢
كَشَّفْتُ جَمْهَرَة الْعِبَادِ فَلَمْ أَجِدْ
إِلَّا مَسُودًا جَنْبَهُ مَرْءُوسَا
٣٣
بَشَرٌ تَصَوَّرَ غَايَةً فِي آيَةٍ
تَنْفِي الظُّنُونَ وَتُفْسِدُ التَّقْيِيسَا
٣٤
وَبِهِ يُضَنُّ عَلَى الْبَرِيَّةِ لَا بِهَا
وَعَلَيْهِ مِنْهَا لَا عَلَيْهَا يُوسَى
٣٥
لَوْ كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَعْمَلَ رَأْيَهُ
لَمَّا أَتَى الظُّلُمَاتِ صِرْنَ شُمُوسَا
٣٦
أَوْ كَانَ صَادَفَ رَأْسَ عَازَرَ سَيْفُهُ
فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ لَأَعْيَا عِيسَى
٣٧
أَوْ كَانَ لُجُّ الْبَحْرِ مِثْلَ يَمِينِهِ
مَا انْشَقَّ حَتَّى جَازَ فِيهِ مُوسَى
أَوْ كَانَ لِلنِّيرَانِ ضَوْءُ جَبِينِهِ
عُبِدَتْ فَصَارَ الْعالَمُونَ مَجُوسَا
لَمَّا سَمِعْتُ بِهِ سَمِعْتُ بِوَاحِدٍ
وَرَأْيُتُه فَرَأَيْتُ مِنْهُ خَمِيسَا
٣٨
وَلَحَظْتُ أُنْمُلَهُ فَسِلْنَ مَوَاهِبًا
وَلَمَسْتُ مُنْصُلَهُ فَسَالَ نُفُوسَا
٣٩
يَا مَنْ نَلُوذُ مِنَ الزَّمَانِ بِظِلِّهِ
أَبَدًا وَنَطْرُدُ بِاسْمِهِ إِبْلِيسَا
٤٠
صَدَقَ الْمُخَبِّرُ عَنْكَ دُونَكَ وَصْفُهُ
مَنْ بِالْعِرَاقِ يَرَاكَ فِي طَرْسُوسَا
٤١
بَلَدٌ أَقَمْتَ بِهِ وَذِكْرُكَ سَائِرٌ
يَشْنَا الْمَقِيلَ وَيَكْرَهُ التَّعْرِيسَا
٤٢
فَإِذَا طَلَبْتَ فَرِيسَةً فَارَقْتَهُ
وَإِذَا خَدَرْتَ تَخِذْتَهُ عِرِّيسَا
٤٣
إِنِّي نَثَرْتُ عَلَيْكَ دُرًّا فَانْتَقِدْ
كَثُرَ الْمُدَلِّسُ فَاحْذَرِ التَّدْلِيسَا
٤٤
حَجَّبْتُهَا عَنْ أَهْلِ إِنْطَاكِيَّةٍ
وَجَلَوْتُهَا لَكَ فَاجْتَلَيْتَ عَرُوسَا
٤٥
خَيْرُ الطُّيُورِ عَلَى الْقُصُورِ وَشَرُّهَا
يَأْوِي الْخَرَابَ وَيَسْكُنُ النَّاوُوسَا
٤٦
لَوْ جَادَتِ الدُّنْيَا فَدَتْكَ بِأَهْلِهَا
أَوْ جَاهَدَتْ كُتِبَتْ عَلَيْكَ حَبِيسَا
٤٧
ودس عليه كافور من يستعلم ما في نفسه، ويقول له: قد طال قيامك عند هذا الرجل،
فقال:
أَنْوَكُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ عِرْسِهِ
مَنْ حَكَّمَ الْعَبْدَ عَلَى نَفْسِهِ
٥٠
وَإِنَّمَا يُظْهِرُ تَحْكِيمُهُ
تَحَكُّمَ الْإِفْسَادِ فِي حِسِّهِ
٥١
مَا مَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي وَعْدِهِ
كَمَنْ يَرَى أَنَّكَ فِي حَبْسِهِ
٥٢
الْعَبْدُ لَا تَفْضُلُ أَخْلَاقُهُ
عَنْ فَرْجِهِ الْمُنْتِنِ أَوْ ضِرْسِهِ
٥٣
لَا يُنْجِزُ الْمِيعَادَ فِي يَوْمِهِ
وَلَا يَعِي مَا قَالَ فِي أَمْسِهِ
٥٤
وَإِنَّمَا تَحْتَالُ فِي جَذْبِهِ
كَأَنَّكَ الْمَلَّاحُ فِي قَلْسِهِ
٥٥
فَلَا تُرَجِّ الْخَيْرَ عِنْدَ امْرِئٍ
مَرَّتْ يَدُ النَّخَّاسِ فِي رَأْسِهِ
٥٦
وَإِنْ عَرَاكَ الشَّكُّ فِي نَفْسِهِ
بِحَالِهِ فَانْظُرْ إِلَى جِنْسِهِ
٥٧
فَقَلَّمَا يَلْؤُمُ فِي ثَوْبِهِ
إِلَّا الَّذِي يَلْؤُمُ فِي غِرْسِهِ
٥٨
مَنْ وَجَدَ الْمَذْهَبَ عَنْ قَدْرِهِ
لَمْ يَجِدِ الْمَذْهَبَ عَنْ قَنْسِهِ
٥٩
وأحضر أبو الفضل بن العميد مجمرة محشوة بالنرجس والآس حتى خفيت نارها والدخان يخرج
من
خلال ذلك؛ فقال مرتجلًا: