قافية الميم
وقال يمدح سيف الدولة، وهي أول ما أنشده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عند نزوله أنطاكية
من
ظفره بحصن بَرْزُوَيْهِ، وكان جالسًا تحت فازة من الديباج
١ عليها صورة ملك الروم وصور وحش وحيوان:
وَفَاؤُكُمَا كَالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهْ
بِأَنْ تُسْعِدَا وَالدَّمْعُ أَشْفَاهُ سَاجِمُهْ
٢
وَمَا أَنَا إلَّا عَاشِقٌ كُلُّ عَاشِقٍ
أَعَقُّ خَلِيلَيْهِ الصَّفِيَّيْنِ لَائِمُهْ
٣
وَقدْ يَتَزَيَّا بِالْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ
ويَستَصْحِبُ الْإِنْسَانُ مَنْ لَا يُلَائِمُهْ
٤
بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتِمُهْ
٥
كَئِيبًا تَوَقَّانِي الْعَوَاذِلُ فِي الْهَوَى
كَمَا يَتَوَقَّى رَيِّضَ الْخَيْلِ حَازِمُهْ
٦
قِفِي تَغْرَمِ الْأُولَى مِنَ اللَّحْظِ مُهْجَتِي
بِثَانِيَةٍ وَالْمُتْلِفُ الشَّيْءَ غَارِمُهْ
٧
سَقَاكِ وَحَيَّانَا بِكِ اللهُ إِنَّمَا
عَلَى الْعِيسِ نَوْرٌ وَالْخُدُورُ كَمَائِمُهْ
٨
وَمَا حَاجَةُ الْأَظْعَانِ حَوْلَكِ فِي الدُّجَى
إلَى قَمَرٍ مَا وَاجِدٌ لَكِ عَادِمُهْ؟
٩
إذَا ظَفِرَتْ مِنْكِ الْعُيُونُ بِنَظْرَةٍ
أَثَابَ بِهَا مُعْيِي الْمَطِيِّ وَرَازِمُهْ
١٠
حَبِيبٌ كَأَنَّ الْحُسْنَ كَانَ يُحِبُّهُ
فآثَرَهُ أَوْ جَارَ فِي الْحُسْنِ قَاسِمُهْ
١١
تَحُولُ رِمَاحُ الْخَطِّ دُونَ سِبَائِهِ
وتُسْبَى لَهُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ كَرَائِمُهْ
١٢
وَيُضْحِي غُبَارُ الْخَيْلِ أَدْنَى سُتُورِهِ
وَآخِرُهَا نَشْرُ الْكِبَاءِ الْمُلَازِمُهْ
١٣
وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ
وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهْ
١٤
فَلَا يَتَّهِمْنِي الْكَاشِحُونَ فَإنَّنِي
رَعَيْتُ الرَّدَى حَتَّى حَلَتْ لِي عَلَاقِمُهْ
١٥
مُشِبُّ الَّذِي يَبْكِي الشَّبَابَ مُشِيبُهُ
فكَيْفَ تَوَقِّيهِ وَبَانِيهِ هَادِمُهْ؟
١٦
وَتَكْمِلَةُ الْعَيْشِ الصِّبَا وَعَقِيبُهُ
وَغَائِبُ لَوْنِ الْعَارِضَيْنِ وَقَادِمُهْ
١٧
وما خَضَبَ النَّاسُ الْبَيَاضَ لِأَنَّهُ
قَبِيحٌ وَلكِنْ أَحْسَنُ الشَّعْرِ فَاحِمُهْ
١٨
وَأَحْسَنُ مِنْ مَاءِ الشَّبِيبَةِ كُلِّهِ
حيَا بَارِقٍ فِي فَازَةٍ أَنَا شَائِمُهْ
١٩
عَلَيْهَا رِياضٌ لَمْ تَحُكْهَا سَحَابَةٌ
وَأَغْصَانُ دَوْحٍ لَمْ تَغَنَّ حَمَائِمُهْ
٢٠
وَفَوْقَ حَوَاشِي كُلِّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ
مِنَ الدُّرِّ سِمْطٌ لَمْ يُثَقِّبْهُ نَاظِمُهْ
٢١
تَرَى حَيَوَانَ البَرِّ مُصْطَلِحًا بِهَا
يُحَارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ وَيُسَالِمُهْ
٢٢
إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ مَاجَ كَأنَّهُ
تَجُولُ مَذَاكِيهِ وَتَدْأَى ضَرَاغِمُهْ
٢٣
وَفِي صُورَةِ الرُّومِيِّ ذِي التَّاجِ ذِلَّةٌ
لِأَبْلَجَ لا تِيجَانَ إِلَّا عَمَائِمُهْ
٢٤
تُقَبِّلُ أَفْوَاهُ الْمُلُوكِ بِسَاطَهُ
ويَكْبُرُ عَنْهَا كُمُّهُ وَبَرَاجِمُهْ
٢٥
قِيَامًا لِمَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كَيُّهُ
وَمَنْ بَيْنَ أُذْنَيْ كُلِّ قَرْمٍ مَوَاسِمُهْ
٢٦
قَبَائِعُهَا تَحْتَ الْمَرَافِقِ هَيْبَةً
وأنْفَذُ مِمَّا فِي الْجُفُونِ عَزَائِمُهْ
٢٧
لَهُ عَسْكَرَا خَيْلٍ وَطَيْرٍ إذَا رَمَى
بِهَا عَسْكَرًا لَمْ يَبْقَ إلَّا جَمَاجِمُهْ
٢٨
أَجِلَّتُها مِنْ كُلِّ طَاغٍ ثِيَابُهُ
وَمَوْطِئُهَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ مَلَاغِمُهْ
٢٩
فَقَدْ مَلَّ ضَوْءُ الصُّبْحِ مِمَّا تُغِيرُهُ
وَمَلَّ سَوَادُ اللَّيْلِ مِمَّا تُزَاحِمُهْ
٣٠
وَمَلَّ الْقَنَا مِمَّا تَدُقُّ صُدُورَهُ
وَمَلَّ حَدِيدُ الْهِنْدِ مِمَّا تُلَاطِمُهْ
٣١
سَحَابٌ مِن الْعِقْبَانِ يَزْحَفُ تَحْتَهَا
سَحَابٌ إِذَا اسْتَسْقَتْ سَقَتْهَا صَوَارِمُهْ
٣٢
سَلَكْتُ صُرُوفَ الدَّهْرِ حَتَّى لَقِيتُهُ
عَلَى ظَهْرِ عَزْمٍ مُؤْيَدَاتٍ قَوَائِمُهْ
٣٣
مَهَالِكَ لَمْ تَصْحَبْ بِهَا الذِّئْبَ نَفْسُهُ
وَلَا حَمَلَتْ فِيهَا الْغُرَابَ قَوَادِمُهْ
٣٤
فَأَبْصَرْتُ بَدْرًا لا يَرَى الْبَدْرُ مِثْلَهُ
وَخَاطَبْتُ بَحْرًا لَا يَرَى الْعِبْرَ عَائِمُهْ
٣٥
غَضِبْتُ لَهُ لَمَّا رَأيْتُ صِفَاتِهِ
بِلَا وَاصِفٍ وَالشِّعْرُ تَهْذِي طَمَاطِمُهْ
٣٦
وَكُنْتُ إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا بَعِيدَةً
سَرَيْتُ وَكُنْتُ السِّرَّ وَاللَّيْلُ كَاتِمُهْ
٣٧
لَقَدْ سَلَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْمَجْدُ مُعْلِمًا
فَلَا الْمَجْدُ مُخْفِيهِ وَلَا الضَّرْبُ ثَالِمُهْ
٣٨
عَلَى عاتِقِ الْمَلْكِ الْأَغَرِّ نِجَادُهُ
وَفِي يَدِ جَبَّارِ السَّمَوَاتِ قَائِمُهْ
٣٩
تُحَارِبُهُ الْأَعْدَاءُ وَهْيَ عَبِيدُهُ
وتَدَّخِرُ الْأَمْوَالَ وَهْيَ غَنَائِمُهْ
٤٠
وَيَسْتَكْبِرُونَ الدَّهْرَ وَالدَّهْرُ دُونَهُ
وَيَسْتَعْظِمُونَ الْمَوْتَ والْمَوْتُ خَادِمُهْ
٤١
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّى عَلِيًّا لَمُنْصِفٌ
وَإِنَّ الَّذِي سَمَّاهُ سَيْفًا لَظَالِمُهْ
وَمَا كُلُّ سَيْفٍ يَقْطَعُ الْهَامَ حَدُّهُ
وتَقْطَعُ لَزْبَاتِ الزَّمَانِ مَكَارِمُهْ
٤٢
وقال يمدحه، وقد عزم على الرحيل عن أنطاكية:
أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهَذَا الْهُمَامُ؟
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَا وَأَنتَ الْغَمَامُ
٤٣
نَحْنُ مَنْ ضَايَقَ الزَّمَانُ لَهُ فِيـ
ـكَ وَخَانَتْهُ قُرْبَكَ الْأيَّامُ
٤٤
في سَبِيلِ الْعُلَا قِتَالُكَ وَالسِّلـْ
ـمُ وَهذَا المُقَامُ وَالإجْذَامُ
٤٥
لَيْتَ أَنَّا إِذَا ارْتَحَلْتَ لَكَ الْخَيـْ
ـلُ وَأَنَّا إذَا نَزَلْتَ الْخِيَامُ
٤٦
كُلَّ يَوْمٍ لَكَ احْتِمَالٌ جَدِيدُ
وَمَسِيرٌ لِلْمَجْدِ فِيهِ مُقَامُ
٤٧
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ
٤٨
وَكَذَا تَطْلُعُ الْبُدُورُ عَلَيْنَا
وَكَذَا تَقْلَقُ الْبُحُورُ الْعِظَامُ
٤٩
وَلَنَا عَادَةُ الْجَمِيلِ مِنَ الصَّبـْ
ـرِ لَوَ انَّا سِوَى نَوَاكَ نُسَامُ
٥٠
كُلُّ عَيْشٍ مَا لَمْ تُطِبْهُ حِمَامٌ
كُلُّ شَمْسٍ مَا لَمْ تَكُنْهَا ظَلَامُ
٥١
أَزِلِ الْوَحْشَةَ الَّتِي عِنْدَنَا يَا
مَنْ بِهِ يَأْنَسُ الْخَمِيسُ اللُّهَامُ
٥٢
وَالَّذِي يَشْهَدُ الْوَغَى سَاكِنَ الْقَلـْ
ـبِ كَأَنَّ الْقِتَالَ فِيهَا ذِمَامُ
٥٣
وَالَّذِي يَضْرِبُ الْكَتَائِبَ حَتَّى
تَتَلَاقَى الْفِهَاقُ والْأَقْدَامُ
٥٤
وَإذَا حَلَّ سَاعَةً بِمَكَانٍ
فَأَذَاهُ عَلَى الزَّمَانِ حَرَامُ
٥٥
وَالَّذِي تُنْبِتُ الْبِلَادُ سُرُورٌ
وَالَّذِي تَمْطُرُ السَّحَابُ مُدَامُ
٥٦
كُلَّما قِيلَ: قَدْ تَنَاهَى أَرَانَا
كَرَمًا مَا اهْتَدَتْ إلَيْهِ الْكِرَامُ
٥٧
وَكِفَاحًا تَكِعُّ عَنْهُ الْأَعَادِي
وَارْتِيَاحًا يَحَارُ فِيهِ الْأَنَامُ
٥٨
إِنَّمَا هَيْبَةُ المُؤَمَّلِ سَيْفِ الدَّ
وْلَةِ الْمَلْكِ في الْقُلوبِ حُسَامُ
٥٩
فَكَثِيرٌ مِنَ الشُّجَاعِ التَّوَقِّي
وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَلِيغِ السَّلَامُ
٦٠
وقال يمدحه أيضًا:
أنَا مِنكَ بَيْنَ فَضَائِلٍ وَمَكَارِمِ
وَمِنِ ارْتِيَاحِكَ فِي غَمَامٍ دَائِمِ
٦١
وَمِنِ احْتِقَارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ
فِيمَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنَيْ حَالِمِ
٦٢
إنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يُسَمِّكَ سَيْفَهَا
حَتَّى بَلَاكَ فَكُنْتَ عَيْنَ الصَّارِمِ
٦٣
فَإِذَا تَتَوَّجَ كُنْتَ دُرَّةَ تَاجِهِ
وَإِذَا تَخَتَّمَ كُنْتَ فَصَّ الْخَاتِمِ
٦٤
وَإِذَا انْتَضَاكَ عَلَى الْعِدَى فِي مَعْرَكٍ
هَلَكُوا وَضَاقَتْ كَفُّهُ بِالْقَائِمِ
٦٥
أَبْدَى سَخَاؤُكَ عَجْزَ كُلِّ مُشَمِّرٍ
فِي وَصْفِهِ وَأَضَاقَ ذَرْعَ الْكَاتِمِ
٦٦
وقال يمدحه، وكان سيف الدولة قد أمر غلمانه أن يلبسوا، وقصد ميَّافارقين في خمسة آلاف
من
الجند وألفين من غلمانه، ليزور قبر والدته، وذلك سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة:
إِذَا كَانَ مَدْحٌ فَالنَّسِيبُ الْمُقَدَّمُ
أَكُلُّ فَصِيحٍ قَالَ شِعْرًا مُتَيَّمُ
٦٧
لَحُبُّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ أَوْلَى فَإنَّهُ
بِهِ يُبْدَأُ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ وَيُخْتَمُ
٦٨
أَطَعْتُ الْغَوَانِي قَبْلَ مَطْمَحِ نَاظِرِي
إِلَى مَنْظَرٍ يَصْغُرْنَ عَنْهُ وَيَعْظُمُ
٦٩
تَعَرَّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الدَّهْرَ كُلَّهُ
يُطَبِّقُ فِي أَوْصَالِهِ وَيُصَمِّمُ
٧٠
فَجَازَ لَهُ حَتَّى عَلَى الشَّمْسِ حُكْمُهُ
وَبَانَ لَهُ حَتَّى عَلَى الْبَدْرِ مَيْسَمُ
٧١
كَأَنَّ الْعِدَا في أَرْضِهِمْ خُلَفَاؤُهُ
فَإنْ شَاءَ حَازُوهَا وَإنْ شَاءَ سَلَّمُوا
٧٢
وَلَا كُتْبَ إلَّا الْمَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ
وَلَا رُسُلٌ إِلَّا الْخَمِيسُ الْعَرَمْرَمُ
٧٣
فَلَمْ يَخْلُ مِنْ نَصْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ يَدٌ
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ شُكْرٍ لَهُ مَنْ لَهُ فَمُ
٧٤
وَلَمْ يَخْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ
وَلَمْ يَخْلُ دِينَارٌ وَلَمْ يَخْلُ دِرْهَمُ
٧٥
ضَرُوبٌ وَمَا بَيْنَ الْحُسَامَيْنِ ضَيِّقٌ
بَصِيرٌ وَمَا بَيْنَ الشُّجَاعَيْنِ مُظْلِمُ
٧٦
تُبَارِي نُجُومَ الْقَذْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنَّ وَرْدٌ وَأدْهَمُ
٧٧
يَطَأْنَ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا حَمَلْنَهُ
وَمِنْ قِصَدِ الْمرَّانِ مَا لَا يُقَوَّمُ
٧٨
فَهُنَّ مَعَ السِّيدَانِ فِي الْبَرِّ عُسَّلٌ
وَهُنَّ مَعَ النِّينَانِ فِي الْمَاءِ عُوَّمُ
٧٩
وَهُنَّ مَعَ الْغِزْلَانِ فِي الْوَادِ كُمَّنٌ
وَهُنَّ مَعَ الْعِقْبَانِ فِي النِّيقِ حُوَّمُ
٨٠
إِذَا جَلَبَ النَّاسُ الْوَشِيجَ فَإِنَّهُ
بِهِنَّ وَفي لَبَّاتِهِنَّ يُحَطَّمُ
٨١
بِغُرَّتِهِ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ والْحِجَا
وَبَذْلِ اللُّهَا وَالْحَمْدِ وَالْمَجْدِ مُعْلَمُ
٨٢
يُقِرُّ لَهُ بِالْفَضْلِ مَنْ لَا يَوَدُّهُ
وَيَقْضِي لَهُ بِالسَّعْدِ مَنْ لَا يُنَجِّمُ
٨٣
أَجَارَ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى ظَنَنْتُهُ
تُطَالِبُهُ بِالرَّدِّ عَادٌ وَجُرْهُمُ
٨٤
ضَلَالًا لِهَذِي الرِّيحِ! مَاذَا تُرِيدُهُ؟
وَهَدْيًا لِهَذَا السَّيْلِ! مَاذَا يُؤَمِّمُ؟
٨٥
أَلَمْ يَسْأَلِ الْوَبْلُ الَّذِي رَامَ ثَنْيَنَا
فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الْحَدِيدُ الْمُثَلَّمُ
٨٦
وَلَمَّا تَلَقَّاكَ السَّحَابُ بِصَوْبِهِ
تَلَقَّاهُ أعْلَى مِنْهُ كَعْبًا وَأكْرَمُ
٨٧
فَبَاشَرَ وَجْهًا طَالَمَا بَاشَرَ الْقَنَا
وَبَلَّ ثِيَابًا طَالَمَا بَلَّهَا الدَّمُ
٨٨
تَلَاكَ وَبَعْضُ الْغَيْثِ يَتْبَعُ بَعْضَهُ
مِنَ الشَّأْمِ يَتْلُو الْحَاذِقَ الْمُتَعَلِّمُ
٨٩
فَزَارَ الَّتِي زَارَتْ بِكَ الْخَيْلُ قَبْرَهَا
وَجَشَّمَهُ الشَّوْقُ الَّذِي تَتَجَشَّمُ
٩٠
وَلَمَّا عَرَضْتَ الْجَيْشَ كَانَ بَهَاؤُهُ
عَلَى الْفَارِسِ الْمُرْخِي الذُّؤَابَةَ مِنْهُمُ
٩١
حَوَالَيْهِ بَحْرٌ لِلتَّجَافِيفِ مَائِجٌ
يَسِيرُ بِهِ طَرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ أَيْهَمُ
٩٢
تَسَاوَتْ بِهِ الْأَقْطَارُ حَتَّى كَأَنَّهُ
يُجَمِّعُ أَشْتَاتَ الْجِبَالِ وَيَنْظِمُ
٩٣
وَكُلُّ فَتًى لِلْحَرْبِ فَوْقَ جَبِينِهِ
مِنَ الضَّرْبِ سَطْرٌ بِالْأَسِنَّةِ مُعْجَمُ
٩٤
يَمُدُّ يَدَيْهِ فِي الْمُفَاضَةِ ضَيْغَمٌ
وَعَيْنَيْهِ مِنْ تَحْتِ التِّرِيكَةِ أَرْقَمُ
٩٥
كَأَجْنَاسِهَا رَايَاتُهَا وَشِعَارُهَا
وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسِّلَاحُ الْمُسَمَّمُ
٩٦
وَأَدَّبَهَا طُولُ الْقِتَالِ فَطَرْفُهُ
يُشِيرُ إلَيْهَا مِنْ بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
٩٧
تُجَاوِبُهُ فِعْلًا وَمَا تَعْرِفُ الْوَحَى
وَيُسْمِعُها لَحْظًا وَمَا يَتَكَلَّمُ
٩٨
تَجَانَفُ عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ كَأَنَّهَا
تَرِقُّ لِمَيَّافَارِقِينَ وَتَرْحَمُ
٩٩
وَلَوْ زَحَمَتْهَا بِالْمَنَاكِبِ زَحْمَةً
دَرَتْ أَيُّ سُورَيْهَا الضَّعِيفُ الْمُهَدَّمُ؟
١٠٠
عَلَى كُلِّ طَاوٍ تَحْتَ طَاوٍ كَأَنَّهُ
مِنَ الدَّمِ يُسْقَى أَوْ مِنَ اللَّحْمِ يُطْعَمُ
١٠١
لَهَا فِي الْوَغَى زِيُّ الْفَوَارِسِ فَوْقَهَا
فكُلُّ حِصَانٍ دَارِعٌ مُتَلَثِّمُ
١٠٢
وَمَا ذَاكَ بُخْلًا بِالنُّفُوسِ عَلَى الْقَنَا
وَلَكِنَّ صَدْمَ الشَّرِّ بِالشَّرِّ أَحْزَمُ
١٠٣
أتَحْسِبُ بِيضُ الْهِنْدِ أَصْلَكَ أَصلَهَا
وَأنَّكَ مِنْهَا؟ سَاءَ مَا تَتَوَهَّمُ
١٠٤
إِذَا نَحْنُ سَمَّيْنَاكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا
مِنَ التِّيهِ فِي أَغْمَادِهَا تَتَبَسَّمُ
١٠٥
وَلَمْ نَرَ مَلْكًا قَطُّ يُدْعَى بِدُونِهِ
فيَرْضَى وَلَكِنْ يَجْهَلُونَ وَتَحْلُمُ
١٠٦
أَخَذْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
مِنَ الْعَيْشِ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَحْرِمُ
١٠٧
فَلَا مَوْتَ إلَّا مِنْ سِنَانِكَ يُتَّقَى
وَلَا رِزْقَ إلَّا مِنْ يَمِينِكَ يُقْسَمُ
١٠٨
وقال يعاتب سيف الدولة — وأنشدها في محفل من العرب — وكان سيف الدولة إذا تأخر عنه
مدحُه
شق عليه وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعرض له في مجلسه بما لا يحب، وأكثر عليه
مرة
بعد مرة، فقال يعاتبه:
وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ
١٠٩
مَا لِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الْأُمَمُ
١١٠
إِنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
فَلَيْتَ أَنَّا بِقَدْرِ الْحُبِّ نَقْتَسِمُ
١١١
قَدْ زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الْهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقَدْ نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسُّيُوفُ دَمُ
١١٢
فَكَانَ أَحْسَنَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
وَكَانَ أَحْسَنَ مَا فِي الْأَحْسَنِ الشِّيَمُ
١١٣
فَوْتُ الْعَدُوِّ الَّذِي يَمَّمْتَهُ ظَفَرٌ
فِي طَيِّهِ أَسَفٌ فِي طَيِّهِ نِعَمُ
١١٤
قَدْ نَابَ عَنْكَ شَدِيدُ الْخَوْفِ وَاصْطَنَعَتْ
لَكَ الْمَهَابَةُ مَا لَا تَصْنَعُ الْبُهَمُ
١١٥
أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئًا لَيْسَ يَلْزَمُهَا
أَنْ لَا يُوَارِيَهُمْ أَرْضٌ وَلَا عَلَمُ
١١٦
أَكُلَّمَا رُمْتَ جَيْشًا فانْثَنَى هَرَبًا
تَصَرَّفَتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الْهِمَمُ؟!
١١٧
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَارٌ إِذَا انْهَزَمُوا
١١٨
أَمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْوًا سِوَى ظَفَرٍ
تَصَافَحَتْ فِيهِ بِيضُ الْهِنْدِ وَاللَّمَمُ
١١٩
يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلَّا فِي مُعَامَلَتِي
فِيكَ الْخِصَامُ وَأَنْتَ الْخَصْمُ وَالْحَكَمُ
١٢٠
أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكَ صَادِقَةً
أَنْ تَحْسِبَ الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ
١٢١
وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ وَالظُّلَمُ
١٢٢
أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ
١٢٣
أَنَامُ مِلْءَ جُفُونِي عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الْخَلْقُ جَرَّاهَا وَيَخْتَصِمُ
١٢٤
وَجَاهِلٍ مَدَّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكِي
حَتى أَتَتْهُ يَدٌ فَرَّاسَةٌ وَفَمُ
١٢٥
إِذَا نَظَرْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بَارِزَةً
فَلَا تَظُنُّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ مُبْتَسِمُ
١٢٦
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتِي مِنْ هَمِّ صَاحِبِهَا
أَدْرَكْتُهَا بِجَوَادٍ ظَهْرُهُ حَرَمُ
١٢٧
رِجْلَاهُ فِي الرَّكْضِ رِجْلٌ وَالْيَدَانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُرِيدُ الْكَفُّ وَالقَدَمُ
١٢٨
وَمُرْهَفٍ سِرْتُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بِهِ
حَتَّى ضَرَبْتُ وَمَوْجُ الْمَوْتِ يَلْتَطِمُ
١٢٩
فَالْخَيْلُ وَاللَّيْلُ وَالْبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالْقِرْطَاسُ وَالْقَلَمُ
١٣٠
صَحِبْتُ فِي الفَلَوَاتِ الْوَحْشَ مُنفَرِدًا
حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي الْقُورُ وَالْأَكَمُ
١٣١
يَا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنَا أَنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجْدَانُنَا كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَكُمْ عَدَمُ
١٣٢
مَا كَانَ أَخْلَقَنَا مِنْكُمْ بِتَكْرِمَةٍ
لَوْ أَنَّ أَمْرَكُمُ مِنْ أَمْرِنَا أَمَمُ!
١٣٣
إِنْ كَانَ سَرَّكُمُ مَا قَالَ حَاسِدُنَا
فَمَا لِجُرْحٍ إِذَا أَرْضَاكُمُ أَلَمُ
١٣٤
وَبَيْنَنَا — لَوْ رَعَيْتُمْ ذَاكَ — مَعْرِفَةٌ
إِنَّ الْمَعَارِفَ فِي أَهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
١٣٥
كَمْ تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْبًا فيُعْجِزُكمْ!
وَيَكْرَهُ اللهُ مَا تَأْتُونَ وَالكَرَمُ
١٣٦
مَا أَبْعَدَ الْعَيْبَ وَالنُّقْصَانَ عَنْ شَرَفِي!
أَنَا الثُّرَيَّا وَذَانِ الشَّيْبُ وَالْهَرَمُ
١٣٧
لَيْتَ الْغَمَامَ الَّذِي عِنْدِي صَوَاعِقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ!
١٣٨
أَرَى النَّوَى تَقتَضِيني كلَّ مَرْحَلَة
لَا تَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَخَّادَةُ الرُّسُمُ
١٣٩
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيْرًا عَنْ مَيامِنِنَا
لَيَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعْتُهُمْ نَدَمُ
١٤٠
إذَا تَرَحَّلْتَ عَنْ قَوْمٍ وَقَدْ قَدَرُوا
أَنْ لَا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلُونَ هُمُ
١٤١
شَرُّ الْبِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ
وَشَرُّ مَا يَكسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ
١٤٢
وَشَرُّ مَا قَنَصَتْهُ رَاحَتِي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزَاةِ سَوَاءٌ فِيهِ والرَّخَمُ
١٤٣
بِأَيِّ لَفْظٍ تَقُولُ الشِّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِنْدَكَ لَا عُرْبٌ وَلَا عَجَمُ؟
١٤٤
هَذَا عِتَابُكَ إلَّا أَنَّهُ مِقَةٌ
قَدْ ضُمِّنَ الدُّرَّ إلَّا أَنَّهُ كَلِمُ
١٤٥
وقال وقد عوفي سيف الدولة مما كان به:
الْمَجْدُ عُوفِيَ إِذْ عُوفِيتَ وَالْكَرَمُ
وَزَالَ عَنْكَ إِلَى أَعْدَائِكَ الْألَمُ
١٤٦
صَحَّتْ بِصِحَّتِكَ الْغَارَاتُ وَابْتَهَجَتْ
بِهَا الْمَكَارِمُ وَانْهَلَّتْ بِهَا الدِّيَمُ
١٤٧
وَرَاجَعَ الشَّمْسَ نُورٌ كَانَ فَارَقَهَا
كَأَنَّمَا فَقْدُهُ فِي جِسْمِهَا سَقَمُ
١٤٨
وَلَاحَ بَرْقُكَ لِي مِنْ عَارِضَيْ مَلِكٍ
مَا يَسْقُطُ الْغَيْثُ إِلَّا حَيْثُ يَبْتَسِمُ
١٤٩
يُسْمَى الْحُسَامَ ولَيْسَتْ مِنْ مُشَابَهَةٍ
وَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الْمَخْدُومُ وَالْخَدَمُ؟
١٥٠
تَفَرَّدَ الْعُرْبُ فِي الدُّنْيَا بِمَحْتِدِهِ
وَشَارَكَ الْعُرْبَ فِي إِحْسَانِهِ الْعَجَمُ
١٥١
وَأَخْلَصَ اللهُ لِلْإِسْلَامِ نُصْرَتَهُ
وَإنْ تَقَلَّبَ فِي آلَائِهِ الْأُمَمُ
١٥٢
وَمَا أَخُصُّكَ فِي بُرْءٍ بتَهْنِئَةٍ
إِذَا سَلِمْتَ فكُلُّ النَّاسِ قَدْ سَلِمُوا
١٥٣
وأنفذ شاعر إلى سيف الدولة أبياتًا فيها يشكو الفقر، ويذكر أنه رآها في المنام، فقال
أبو
الطيب:
١٥٤
قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ فِي الْأَحْلَامِ
وَأَنَلْنَاكَ بَدْرَةً فِي الْمَنَامِ
١٥٥
وَانْتَبَهْنَا كَمَا انْتَبَهْتَ بِلَا شَيْ
ءٍ وَكَانَ النَّوَالُ قَدْرَ الْكَلَامِ
١٥٦
كُنْتَ فِيمَا كَتَبْتَهُ نَائِمَ الْعَيـْ
ـنِ فَهَلْ كُنْتَ نَائِمَ الْأَقْلَامِ؟
١٥٧
أَيُّهَا الْمُشْتَكِي إِذَا رَقَدَ الْإِعـْ
ـدَامَ لَا رَقْدَةٌ مَعَ الْإِعْدَامِ
١٥٨
افْتَحِ الْجَفْنَ وَاتْرُكِ الْقَوْلَ فِي النَّوْ
مِ وَمَيِّزْ خِطَابَ سَيْفِ الْأَنَامِ
١٥٩
الَّذِي لَيْسَ عَنْهُ مُغْنٍ وَلَا مِنـْ
ـهُ بَدِيلٌ وَلَا لِمَا رَامَ حَامِي
١٦٠
كُلُّ آبَائِهِ كِرَامُ بَنِي الدُّنـْ
ـيَا وَلكنَّهُ كَرِيمُ الْكِرَامِ
١٦١
وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة:
١٦٢
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
١٦٣
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
١٦٤
يُكَلِّفُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْجَيْشَ هَمَّهُ
وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْهُ الْجُيُوشُ الْخَضَارِم
١٦٥
وَيَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ مَا عِنْدَ نَفْسِهِ
وَذَلِكَ مَا لَا تَدَّعِيهِ الضَّرَاغِمُ
١٦٦
يُفدِّي أَتَمُّ الطَّيْرِ عُمْرًا سِلَاحَهُ
نُسُورُ الْمَلَا أَحْدَاثُهَا وَالْقَشَاعِمُ
١٦٧
وَمَا ضَرَّهَا خَلْقٌ بِغَيْرِ مَخَالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أَسْيَافُهُ وَالْقَوَائِمُ
١٦٨
هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْرَاءُ تَعْرِفُ لَوْنَهَا
وَتَعْلَمُ أَيُّ السَّاقِيَيْنِ الْغَمَائِمُ؟
١٦٩
سَقَتْهَا الْغَمَامُ الْغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا سَقَتْهَا الْجَمَاجِمُ
١٧٠
بَنَاهَا فَأَعْلَى وَالْقَنَا تَقْرَعُ الْقَنَا
وَمَوْجُ الْمَنَايَا حَوْلَهَا مُتَلَاطِمُ
١٧١
وَكَانَ بِهَا مِثْلُ الْجُنُونِ فَأَصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ الْقَتْلَى عَلَيْهَا تَمَائِمُ
١٧٢
طَرِيدَةُ دَهْرٍ سَاقَهَا فَرَدَدْتَهَا
عَلَى الدِّينِ بِالْخَطِّيِّ وَالدَّهْرُ رَاغِمُ
١٧٣
تُفِيتُ اللَّيَالِي كُلَّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنَّ لِمَا يَأْخُذْنَ مِنْكَ غَوَارِمُ
١٧٤
إِذَا كَانَ مَا تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضَارِعًا
مَضَى قَبْلَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهِ الْجَوَازِمُ
١٧٥
وَكَيْفَ تُرَجِّي الرُّومُ وَالرُّوسُ هَدْمَهَا
وَذَا الطَّعْنُ آسَاسٌ لَهَا وَدَعَائِمُ؟!
١٧٦
وَقَدْ حَاكَمُوهَا وَالْمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَمَا مَاتَ مَظْلُومٌ وَلَا عَاشَ ظَالِمُ
١٧٧
أَتَوْكَ يَجُرُّونَ الْحَدِيدَ كَأنَّهُمْ
سَرَوْا بِجِيَادٍ مَا لَهُنَّ قَوَائِمُ
١٧٨
إِذَا بَرَقُوا لَمْ تُعْرَفِ الْبِيضُ مِنْهُمُ
ثِيَابُهُمُ مِنْ مِثْلِها وَالْعَمَائِمُ
١٧٩
خَمِيسٌ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَالْغَرْبِ زَحْفُهُ
وَفِي أُذُنِ الْجَوْزَاءِ مِنْهُ زَمَازِمُ
١٨٠
تَجَمَّعَ فِيهِ كُلُّ لِسْنٍ وَأُمَّةٍ
فَمَا تُفْهِمُ الْحُدَّاثَ إلَّا التَّرَاجِمُ
١٨١
فَلِلَّهِ وَقْتٌ ذَوَّبَ الْغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَارِمٌ أَوْ ضُبَارِمُ
١٨٢
تَقَطَّعَ مَا لَا يَقْطَعُ الدِّرْعَ وَالْقَنَا
وَفَرَّ مِنَ الْأَبْطَالِ مَنْ لَا يُصَادِمُ
١٨٣
وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ
كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهْوَ نَائِمُ
١٨٤
تَمُرُّ بِكَ الْأبْطَالُ كَلْمَى هَزِيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ
١٨٥
تَجَاوَزْتَ مِقْدَارَ الشَّجَاعَةِ وَالنُّهَى
إِلَى قَوْلِ قَوْمٍ: أَنْتَ بِالْغَيْبِ عَالِمُ
١٨٦
ضَمَمْتَ جَنَاحَيْهِمْ عَلَى الْقَلْبِ ضَمَّةً
تَمُوتُ الْخَوَافِي تَحْتَهَا وَالْقَوَادِمُ
١٨٧
بِضَرْبٍ أَتَى الْهَامَاتِ وَالنَّصْرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إِلَى اللَّبَاتِ وَالنَّصْرُ قَادِمُ
١٨٨
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيَّاتِ حَتَّى طَرَحْتَهَا
وَحَتَّى كَأنَّ السَّيْفَ لِلرُّمْحِ شَاتِمُ
١٨٩
وَمَنْ طَلَبَ الْفَتْحَ الْجَلِيلَ فَإِنَّمَا
مَفَاتِيحُهُ الْبِيضُ الْخِفَافُ الصَّوَارِمُ
١٩٠
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الْأُحَيْدِبِ كُلِّهِ
كَمَا نُثِرَتْ فَوْقَ الْعَرُوسِ الدَّرَاهِمُ
١٩١
تَدُوسُ بِكَ الْخَيلُ الْوُكُورَ عَلَى الذُّرَا
وَقَدْ كَثُرَتْ حَوْلَ الْوُكُورِ الْمَطَاعِمُ
١٩٢
تَظُنُّ فِرَاخُ الْفُتْخِ أنَّكَ زُرْتَهَا
بِأُمَّاتِهَا وَهْيَ الْعِتَاقُ الصَّلَادِمُ
١٩٣
إِذَا زَلِفَتْ مَشَّيْتَهَا بِبُطُونِهَا
كَمَا تَتَمَشَّى فِي الصَّعِيدِ الْأَرَاقِمُ
١٩٤
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ ذَا الدُّمُسْتُقُ مُقْدِمٌ
قَفَاهُ عَلَى الْإقْدَامِ لِلْوَجْهِ لَائِمُ
١٩٥
أَيُنْكِرُ رِيحَ اللَّيْثِ حَتَّى يَذُوقَهُ
وَقَدْ عَرَفَتْ رِيْحَ اللُّيُوثِ الْبَهَائِمُ؟!
١٩٦
وَقَدْ فَجَعَتْهُ بِابْنِهِ وَابْنِ صِهْرِهِ
وَبِالصِّهْرِ حَمْلَاتُ الْأَمِيرِ الْغَوَاشِمُ
١٩٧
مَضَى يَشْكُرُ الْأَصْحَابَ فِي فَوْتِهِ الظُّبَا
بِما شَغَلَتْهَا هَامُهُمْ وَالْمَعَاصِمُ
١٩٨
وَيَفْهَمُ صَوْتَ الْمَشْرَفِيَّةِ فِيهِمِ
عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَ السُّيُوفِ أَعَاجِمُ
١٩٩
يُسَرُّ بِمَا أَعْطَاكَ لَا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنَّ مَغْنُومًا نَجَا مِنْكَ غَانِمُ
٢٠٠
وَلَسْتَ مَلِيكًا هَازِمًا لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنَّكَ التَّوْحِيدُ لِلشِّرْكِ هَازِمُ
٢٠١
تَشَرَّفُ عَدْنَانٌ بِهِ لَا رَبِيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدُّنْيَا بِهِ لَا الْعَوَاصِمُ
٢٠٢
لَكَ الْحَمْدُ فِي الدُّرِّ الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ
فَإِنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ
٢٠٣
وَإِنِّي لَتَعْدُو بِي عَطَايَاكَ فِي الْوَغَى
فَلَا أَنَا مَذْمُومٌ وَلَا أَنْتَ نَادِمُ
٢٠٤
عَلَى كُلِّ طَيَّارٍ إِلَيْهَا بِرِجْلِهِ
إِذَا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الْغَمَاغِمُ
٢٠٥
أَلَا أَيُّهَا السَّيْفُ الَّذِي لَيْسَ مُغْمَدًا
وَلَا فِيهِ مُرْتَابٌ وَلَا مِنْهُ عَاصِمُ
٢٠٦
هَنِيئًا لِضَرْبِ الْهَامِ وَالْمَجْدِ وَالْعُلَا
وَرَاجِيكَ وَالْإِسْلَامِ أَنَّكَ سَالِمُ
٢٠٧
وَلِمْ لَا يَقِي الرَّحْمَنُ حَدَّيْكَ مَا وَقَى
وَتَفْلِيقُهُ هَامَ الْعِدَا بِكَ دَائِمُ؟!
٢٠٨
وقال: وقد ورد فرسان الثغور ومعهم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، وأنشده إياها بحضرتهم
وقت
دخولهم لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة:
أَرَاعَ كَذَا كُلَّ المُلُوكِ هُمَامُ
وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ؟!
٢٠٩
وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَصْبَحَ جَالِسًا
وَأيَّامُهَا فِيمَا يُرِيدُ قِيَامُ؟!
٢١٠
إِذَا زَارَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الرُّومَ غَازِيًا
كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ
٢١١
فَتًى تَتْبَعُ الْأَزْمَانُ فِي النَّاسِ خَطْوَهُ
لكُلِّ زَمَانٍ فِي يَدَيْهِ زِمَامُ
٢١٢
تَنَامُ لَدَيْكَ الرُّسْلُ أَمْنًا وَغِبْطَةً
وَأَجْفَانُ رَبِّ الرُّسْلِ لَيْسَ تَنَامُ
٢١٣
حِذَارًا لِمُعْرَوِرِي الْجِيَادِ فُجَاءَةً
إِلَى الطَّعْنِ قُبْلًا مَا لَهُنَّ لِجَامُ
٢١٤
تُعَطَّفُ فِيهِ وَالْأَعِنَّةُ شَعْرُهَا
وَتُضْرَبُ فِيهِ وَالسِّيَاطُ كَلَامُ
٢١٥
وَمَا تَنْفَعُ الْخَيْلُ الْكِرَامُ وَلَا الْقَنَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَ الْكِرَامِ كِرَامُ
٢١٦
إِلَى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمَّا أَتَوْا لَهُ
كَأنَّهُمُ فِيمَا وَهَبْتَ مَلَامُ؟!
٢١٧
وَإنْ كُنْتَ لَا تُعْطِي الذِّمَامَ طَوَاعَةً
فَعَوْذُ الْأَعَادِي بِالْكَرِيمِ ذِمَامُ
٢١٨
وَإِنَّ نُفُوسًا أَمَّمَتْكَ مَنِيعَةٌ
وَإنَّ دِمَاءً أَمَّلَتْكَ حَرَامُ
٢١٩
إذا خَافَ مَلْكٌ مِنْ مَلِيكٍ أَجَرْتَهُ
وَسَيْفَكَ خَافُوا وَالْجِوَارَ تُسَامُ
٢٢٠
لَهُمْ عَنْكَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ تَفَرُّقٌ
وَحَوْلَكَ بِالْكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ
٢٢١
تَغُرُّ حَلَاوَاتُ النُّفُوسِ قُلُوبَهَا
فَتَخْتَارُ بَعْضَ الْعَيْشِ وَهْوَ حِمَامُ
٢٢٢
وَشَرُّ الْحِمَامَيْنِ الزُّؤَامَيْنِ عِيشَةٌ
يَذِلُّ الَّذِي يَخْتَارُهَا وَيُضَامُ
٢٢٣
فَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَمْ يَكُنْ بِشَفَاعَةٍ
وَلَكِنَّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ
٢٢٤
وَمَنٌّ لِفُرْسَانِ الثُّغُورِ عَلَيْهِمِ
بِتَبْلِيغِهِمْ مَا لَا يَكَادُ يُرَامُ
٢٢٥
كَتَائِبُ جَاءُوا خَاضِعِينَ فَأَقْدَمُوا
وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا خَاضِعِينَ لَخَامُوا
٢٢٦
وَعَزَّتْ قَدِيمًا في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ
وَعَزُّوا وَعَامَتْ فِي نَدَاكَ وَعَامُوا
٢٢٧
عَلَى وَجْهِكَ الْمَيْمُونِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
صَلَاةٌ تَوَالَى مِنْهُمُ وَسَلَامُ
٢٢٨
وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إِمَامَهُمْ
وَأَنْتَ لِأَهْلِ الْمَكْرُمَاتِ إِمَامُ
٢٢٩
وَرُبَّ جَوَابٍ عَنْ كِتَابٍ بَعَثْتَهُ
وَعُنْوَانُهُ لِلنَّاظِرِينَ قَتَامُ
٢٣٠
تَضِيقُ بِهِ الْبَيْدَاءُ مِنْ قَبْلِ نَشْرِهِ
وَمَا فُضَّ بِالْبَيْدَاءِ عَنهُ خِتَامُ
٢٣١
حُرُوفُ هِجَاءِ النَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةٌ
جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذَابِلٌ وَحُسَامُ
٢٣٢
أَذَا الْحَرْبِ قَدْ أتْعَبْتَهَا فَالْهُ سَاعَةً
لِيُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزَامُ
٢٣٣
وَإِنْ طَالَ أَعْمَارُ الرِّمَاحِ بِهُدْنَةٍ
فَإِنَّ الَّذِي يَعْمَرْنَ عِنْدَكَ عَامُ
٢٣٤
وَمَا زِلْتَ تُفْنِي السُّمْرَ وَهْيَ كَثِيرَةٌ
وَتُفْنِي بِهِنَّ الْجَيْشَ وَهْوَ لُهَامُ
٢٣٥
مَتَى عَاوَدَ الْجَالُونَ عَاوَدْتَ أَرْضَهُمْ
وَفِيهَا رِقَابٌ لِلسُّيُوفِ وَهَامُ
٢٣٦
وَرَبَّوْا لَكَ الْأوْلَادَ حَتَّى تُصِيبَهَا
وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبَّ غُلَامُ
٢٣٧
جَرَى مَعَكَ الْجَارُونَ حَتَّى إذا انْتَهَوْا
إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى جَرَيْتَ وَقَامُوا
٢٣٨
فَلَيْسَ لِشَمْسٍ مُذْ أَنَرْتَ إنَارَةٌ
وَلَيْسَ لِبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ
٢٣٩
وقال يمدحه ويودعه، وقد خرج إلى إقطاع قطعه إياه بناحية معرة النعمان:
أَيَا رَامِيًا يُصْمِي فُؤَادَ مَرَامِهِ
تُرَبِّي عِدَاهُ رِيشَهَا لِسِهَامِهِ
٢٤٠
أَسِيرُ إِلَى إِقْطَاعِهِ فِي ثِيَابِهِ
عَلَى طِرْفِهِ، مِنْ دَارِهِ، بِحُسَامِهِ
٢٤١
وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ الْبِيضِ وَالْقَنَا
وَرُومِ الْعِبِدَّى هَاطِلَاتُ غَمَامِهِ
٢٤٢
فَتًى يَهَبُ الْإِقْلِيمَ بِالمَالِ وَالْقُرَى
وَمَنْ فِيهِ مِنْ فُرْسَانِهِ وَكِرَامِهِ
٢٤٣
وَيَجْعَلُ مَا خُوِّلْتُهُ مِنْ نَوَالهِ
جَزَاءً لِمَا خُوِّلْتُهُ مِنْ كَلامِهِ
٢٤٤
فَلَا زَالَتِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي سَمَائِهِ
مُطَالِعَةَ الشَّمْسِ الَّتِي فِي لِثَامِهِ
٢٤٥
وَلَا زَالَ تَجْتَازُ الْبُدُورُ بِوَجْهِهِ
تَعَجَّبُ مِنْ نُقْصَانِهَا وَتَمَامِهِ
٢٤٦
وأنشد سيفُ الدولة متمثلًا بقول النابغة:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
بِهِنَّ فلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
٢٤٧
فقال أبو الطيب مرتجلًا:
رَأَيْتُكَ تُوسِعُ الشُّعَرَاءَ نَيْلًا
حَدِيثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالْقَدِيمَا
٢٤٨
فَتُعْطِي مَنْ بَقَى مَالًا جَسِيمًا
وَتُعْطِي مَنْ مَضَى شَرَفًا عَظِيمَا
٢٤٩
سَمِعْتُكَ مُنْشِدًا بَيْتَيْ زِيَادٍ
نَشِيدًا مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا
٢٥٠
فَمَا أَنْكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ
غَبَطْتُ بِذَاكَ أَعْظُمَهُ الرَّمِيمَا
٢٥١
وقال يمدحه، ويذكر إيقاعه بعمرو بن حابس وبني ضبة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم
ينشده
إياها:
ذِكَرُ الصِّبَا وَمَرَاتِعِ الْآرَامِ
جَلَبَتْ حِمَامِي قَبْلَ وَقْتِ حِمَامِي
٢٥٢
دِمَنٌ تَكَاثَرَتِ الْهُمُومُ عَليَّ فِي
عَرَصَاتِها كَتَكَاثُرِ اللُّوَّامِ
٢٥٣
فَكَأنَّ كُلَّ سَحَابَةٍ وَكَفَتْ بِهَا
تَبْكِي بِعَيْنِيْ عُرْوَةَ بْنِ حِزَامِ
٢٥٤
وَلَطَالَمَا أَفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا
فِيهَا وَأَفْنَتْ بِالْعِتَابِ كَلَامِي
٢٥٥
قَدْ كُنْتَ تَهْزَأُ بالْفِرَاقِ مَجَانَةً
وَتَجُرُّ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وَعُرَامِ
٢٥٦
لَيْسَ الْقِبَابُ عَلَى الرِّكَابِ وَإِنَّمَا
هُنَّ الْحَيَاةُ تَرَحَّلَتْ بِسَلَامِ
٢٥٧
لَيْتَ الَّذِي خَلَقَ النَّوَى جَعَلَ الْحَصَى
لِخِفَافِهِنَّ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي!
٢٥٨
مُتَلَاحِظَيْنِ نَسُحُّ مَاءَ شُئُونِنَا
حَذَرًا مِنَ الرُّقَبَاءِ فِي الْأَكْمَامِ
٢٥٩
أَرْوَاحُنَا انْهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعْدَهَا
مِنْ بَعْدِ مَا قَطَرَتْ عَلَى الْأَقْدَامِ
٢٦٠
لَوْ كُنَّ يَوْمَ جَرَيْنَ كُنَّ كَصَبْرِنَا
عِنْدَ الرَّحِيلِ لَكُنَّ غَيْرَ سِجَامِ
٢٦١
لَمْ يَتْرُكُوا لِي صَاحِبًا إلَّا الْأَسَى
وَذَمِيلَ دِعْبِلَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ
٢٦٢
وَتَعَذُّرُ الْأَحْرَارِ صَيَّرَ ظَهْرَهَا
إلَّا إلَيْكَ عَلَيَّ فَرْجَ حَرَامِ
٢٦٣
أَنْتَ الْغَرِيبَةُ فِي زَمَانٍ أَهْلُهُ
وُلِدَتْ مَكَارِمُهُمْ لِغَيْرِ تَمَامِ
٢٦٤
أَكْثَرْتَ مِنْ بَذْلِ النَّوَالِ وَلَمْ تَزَلْ
عَلَمًا عَلَى الْإِفْضَالِ وَالْإِنْعَامِ
٢٦٥
صَغَّرْتَ كُلَّ كَبِيرَةٍ وَكَبُرَتْ عَنْ
لَكَأنَّهُ وَعَدَدْتَ سِنَّ غُلَامِ
٢٦٦
وَرَفَلْتَ فِي حُلَلِ الثَّنَاءِ وَإِنمَا
عَدَمُ الثَّنَاءِ نِهَايَةُ الْإِعْدَامِ
٢٦٧
عَيْبٌ عَلَيْكَ تُرَى بِسَيْفٍ فِي الْوَغَى
مَا يَصْنَعُ الصَّمْصَامُ بالصَّمْصَامِ
٢٦٨
إِنْ كَانَ مِثْلُكَ كَانَ أوْ هُوَ كَائِنٌ
فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الْإسْلَامِ
٢٦٩
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أَيَّامُهُ
حَتَّى افْتَخَرْنَ بِهِ عَلَى الْأَيَّامِ
٢٧٠
وَتَخَالُهُ سَلَبَ الْوَرَى أَحْلَامَهُم
مِنْ حِلْمِهِ فَهُمُ بِلَا أَحْلَامِ
٢٧١
وَإذَا امْتَحَنْتَ تَكَشَّفَتْ عَزَمَاتُهُ
عَنْ أَوْحَدِيِّ النَّقْضِ وَالْإِبْرَامِ
٢٧٢
وَإِذَا سَأَلْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ
لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا قَضَاءَ ذِمَامِ
٢٧٣
مَهْلًا ألَا لِلَّهِ مَا صَنَعَ الْقَنَا
فِي عَمْرِو حَابِ وَضَبَّةَ الْأَغْتَامِ!
٢٧٤
لَمَّا تَحَكَّمَتِ الْأَسِنَّةُ فِيهِمِ
جَارَتْ وَهُنَّ يَجُرْنَ فِي الْأَحْكَامِ
٢٧٥
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ الْبُيُوتِ كَأَنَّمَا
غَضِبَتْ رُءوسُهُمُو عَلَى الْأَجْسَامِ
٢٧٦
أَحْجَارُ نَاسٍ فَوْقَ أَرْضٍ مِنْ دَمٍ
وَنُجُومُ بَيْضٍ فِي سَمَاءِ قَتَامِ
٢٧٧
وَذِرَاعُ كُلِّ أَبِي فُلَانٍ كُنْيَةً
حَالَتْ فَصَاحِبُهَا أَبُو الْأَيْتَامِ
٢٧٨
عَهْدِي بِمَعْرَكَةِ الْأَمِيرِ وَخَيْلُهُ
فِي النَّقْعِ مُحْجِمَةٌ عَنِ الْإِحْجَامِ
٢٧٩
يَا سَيْفَ دَوْلَةِ هَاشِمٍ مَنْ رَامَ أَنْ
يَلْقَى مَنَالَكَ رَامَ غَيْرَ مَرَامِ
٢٨٠
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ
وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ
٢٨١
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ
وَأرَاكَ وَجْهَ شَقِيقِكَ الْقَمْقَامِ
٢٨٢
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفْسِهِ
فِي رَوْقِ أَرْعَنَ كَالْغِطَمِّ لُهَامِ
٢٨٣
قَوْمٌ تَفَرَّسَتِ الْمَنَايَا فِيكُمُ
فَرَأتْ لَكُمْ فِي الْحَرْبِ صَبْرَ كِرَامِ
٢٨٤
تَاللهِ مَا عَلِمَ امْرُؤٌ لَوْلَاكُمُ
كَيْفَ السَّخَاءُ وَكَيْفَ ضَرْبُ الْهَامِ
٢٨٥
وقال، وقد تُحدِّث بحضرة سيف الدولة أن البطريق أقسم عند ملكه أنه يعارض سيف الدولة
في
الدرب، وسأله أن ينجده ببطارقته وعدده وعُدده، ففعل، فخاب ظنه. أنشده إياها سنة خمس وأربعين
وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده بحلب:
عُقْبَى الْيَمِينِ عَلَى عُقْبَى الْوَغَى نَدَمُ
مَاذَا يَزِيدُكَ فِي إقْدَامِكَ الْقَسَمُ؟
٢٨٦
وَفي الْيَمِينِ عَلَى مَا أَنْتَ وَاعِدُهُ
مَا دَلَّ أنَّكَ في المِيعَادِ مُتَّهَمُ
٢٨٧
آلَى الْفَتَى ابْنُ شُمُشْقِيقٍ فَأَحْنَثَهُ
فَتًى مِنَ الضَّرْبِ تُنْسَى عِنْدَهُ الْكَلِمُ
٢٨٨
وَفَاعِلٌ مَا اشْتَهَى يُغْنِيهِ عَنْ حَلِفٍ
عَلَى الْفِعَالِ حُضُورُ الْفِعْلِ وَالْكَرَمُ
٢٨٩
كلُّ السُّيُوفِ إذا طَالَ الضِّرَابُ بِهَا
يَمَسُّهَا غَيْرَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ السَّأَمُ
٢٩٠
لَوْ كَلَّتِ الْخَيْلُ حَتَّى لا تَحَمَّلُهُ
تَحَمَّلَتْهُ إلى أَعْدَائِهِ الهِمَمُ
٢٩١
أَيْنَ الْبَطَارِيقُ وَالْحَلْفُ الَّذِي حَلَفُوا
بِمَفْرَقِ الْمَلْكِ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمُوا؟
٢٩٢
وَلَّى صَوَارِمَهُ إِكْذَابَ قَوْلِهِمِ
فَهُنَّ أَلْسِنَةٌ أَفْوَاهُهَا الْقِمَمُ
٢٩٣
نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ فِي جَمَاجِمِهِمْ
عَنْهُ بِمَا جَهِلُوا مِنْهُ وَمَا عَلِمُوا
٢٩٤
الرَّاجِعُ الْخَيْلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً
مِنْ كُلِّ مِثْلِ وَبَارٍ أَهْلُهَا إِرَمُ
٢٩٥
كَتَلِّ بِطْرِيقٍ المَغْرُورِ سَاكِنُهَا
بِأَنَّ دَارَكَ قِنَّسْرِينُ وَالْأَجَمُ
٢٩٦
وَظَنِّهِمْ أَنَّكَ المِصْبَاحُ في حَلَبٍ
إِذَا قَصَدْتَ سِوَاهَا عَادَهَا الظُّلَمُ
٢٩٧
وَالشَّمْسَ يَعْنُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ جَهِلُوا
وَالْمَوْتَ يَدْعُونَ إِلَّا أَنَّهُمْ وَهَمُوا
٢٩٨
فَلَمْ تُتِمَّ سَرُوجٌ فَتْحَ نَاظِرِهَا
إِلَّا وَجَيْشُكَ فِي جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ
٢٩٩
وَالنَّقْعُ يَأْخُذُ حَرَّانًا وَبَقْعَتَهَا
وَالشَّمْسُ تَسْفِرُ أَحْيَانًا وَتَلْتَثِمُ
٣٠٠
سُحْبٌ تَمُرُّ بِحِصْنِ الرَّانِ مُمْسِكَةً
وَمَا بِهَا الْبُخْلُ لَوْلَا أَنَّهَا نِقَمُ
٣٠١
جَيْشٌ كَأَنَّكَ فِي أَرْضٍ تُطَاوِلُهُ
فَالْأَرْضُ لَا أَمَمٌ وَالْجَيْشُ لَا أَمَمُ
٣٠٢
إِذَا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَمٌ
وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ
٣٠٣
وَشُزَّبٌ أَحْمَتِ الشِّعْرَى شَكَائِمَهَا
وَوَسَّمَتْهَا عَلَى آنَافِهَا الْحَكَمُ
٣٠٤
حَتَّى وَرَدْنَ بِسِمْنَيْنٍ بُحَيْرَتُهَا
تَنِشُّ بِالْمَاءِ فِي أَشْدَاقِهَا اللُّجُمُ
٣٠٥
وَأَصْبَحَتْ بِقُرَى هِنْزِيطَ جَائِلَةً
تَرْعَى الظُّبَا فِي خَصِيبٍ نَبْتُهُ اللِّمَمُ
٣٠٦
فَمَا تَرَكْنَ بِهَا خُلْدًا لَهُ بَصَرٌ
تَحْتَ التُّرَابِ وَلَا بَازًا لَهُ قَدَمُ
٣٠٧
وَلَا هِزَبْرًا لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَدٌ
وَلَا مَهَاةً لَهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ
٣٠٨
تَرْمِي عَلَى شَفَرَاتِ الْبَاتِرَاتِ بِهِمْ
مَكَامِنُ الْأَرْضِ وَالْغِيطَانُ وَالْأَكَمُ
٣٠٩
وَجَاوَزُوا أَرْسَنَاسًا مُعْصِمِينَ بهِ
وَكَيْفَ يَعْصِمُهُمْ مَا لَيْسَ يَنْعَصِمُ؟!
٣١٠
وَمَا يَصُدُّكَ عَنْ بَحْرٍ لَهُمْ سَعَةٌ
وَمَا يَرُدُّكَ عَنْ طَوْدٍ لَهُمْ شَمَمُ
٣١١
ضَرَبْتَهُ بِصُدُورِ الْخَيْلِ حَامِلَةً
قَوْمًا إذا تَلِفُوا قُدْمًا فَقَدْ سَلِمُوا
٣١٢
تَجَفَّلُ المَوْجُ عَنْ لَبَّاتِ خَيْلِهِمِ
كمَا تَجَفَّلُ تَحْتَ الْغَارَةِ النَّعَمُ
٣١٣
عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فِيهِ وَفِي بَلَدٍ
سُكَّانُهُ رِمَمٌ مَسْكُونُهَا حُمَمُ
٣١٤
وَفِي أَكُفِّهِمِ النَّارُ التي عُبِدَتْ
قَبْلَ الْمَجُوسِ إلَى ذَا الْيَوْمِ تَضْطَرِمُ
٣١٥
هِنْدِيَّةٌ إنْ تُصَغِّرْ مَعْشَرًا صَغُرُوا
بِحَدِّهَا أوْ تُعَظِّمْ مَعْشَرًا عَظَمُوا
٣١٦
قَاسَمْتَهَا تَلَّ بِطْرِيقٍ فَكَانَ لَهَا
أَبْطَالُهَا وَلَكَ الْأَطْفَالُ وَالْحُرَمُ
٣١٧
تَلْقَى بِهِمْ زَبَدَ التَّيَّارِ مُقْرَبَةٌ
عَلَى جَحَافِلِهَا مِنْ نَضْحِهِ رَثَمُ
٣١٨
دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكَّابُ أَبْطُنِهَا
مَكْدُودَةٌ بِقَوْمٍ لَا بِهَا الْأَلَمُ
٣١٩
مِنَ الْجِيَادِ الَّتِي كِدْتَ الْعَدُوَّ بهَا
وَمَا لَهَا خِلَقٌ منْهَا وَلَا شِيَمُ
٣٢٠
نِتَاجُ رَأْيِكَ في وَقْتٍ عَلَى عَجَلٍ
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ
٣٢١
وَقَدْ تَمَنَّوْا غَدَاةَ الدَّرْبِ فِي لَجَبٍ
أَنْ يُبْصِرُوكَ فَلَمَّا أَبْصَرُوكَ عَمُوا
٣٢٢
صَدَمْتَهُمْ بِخَمِيسٍ أَنْتَ غُرَّتُهُ
وَسَمْهَرِيَّتُه في وَجْهه غَمَمُ
٣٢٣
فَكَانَ أَثْبَتَ مَا فِيهِمْ جُسُومُهُمُ
يَسْقُطْنَ حَوْلَكَ وَالْأَرْوَاحُ تَنْهَزِمُ
٣٢٤
وَالْأَعْوَجِيَّةُ مِلْءَ الطُّرْقِ خَلفَهُمْ
وَالْمَشْرَفِيَّةُ مِلْءَ الْيَوْمِ فَوْقَهُمْ
٣٢٥
إِذَا تَوَافَقَتِ الضَّرْبَاتُ صَاعِدَةً
تَوَافَقَتْ قُلَلٌ فِي الْجَوِّ تَصْطَدِمُ
٣٢٦
وَأسْلَمَ ابْنُ شُمُشْقِيقٍ أَلِيَّتَهُ
أَلَّا انْثَنَى فَهْوَ يَنْأَى وَهْيَ تَبْتَسِمُ
٣٢٧
لَا يَأْمُلُ النَّفَسَ الْأَقْصَى لِمُهْجَتِهِ
فَيَسْرِقُ النَّفَسَ الْأَدْنَى وَيَغْتَنِمُ
٣٢٨
تَرُدُّ عَنْهُ قَنَا الْفُرْسَانِ سَابِغَةٌ
صَوْبُ الْأَسِنَّةِ فِي أَثْنَائِهَا دِيَمُ
٣٢٩
تَخُطُّ فِيهَا الْعَوَالِي لَيْسَ تَنْفُذُهَا
كَأَنَّ كُلَّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ
٣٣٠
فَلَا سَقَى الْغَيْثُ مَا وَارَاهُ مِنْ شَجَرٍ
لَوْ زَلَّ عَنْهُ لَوَارَتْ شَخْصَهُ الرَّخَمُ
٣٣١
أَلْهَى الْمَمَالِكَ عَنْ فَخْرٍ قَفَلْتَ بِهِ
شُرْبُ الْمُدَامَةِ وَالْأَوْتَارُ وَالنَّغَمُ
٣٣٢
مُقَلَّدًا فَوْقَ شُكْرِ اللهِ ذَا شُطَبٍ
لا تُسْتَدَامُ بِأَمْضَى مِنْهُمَا النِّعَمُ
٣٣٣
أَلْقَتْ إِلَيْكَ دِمَاءُ الرُّومِ طَاعَتَهَا
فَلَوْ دَعَوْتَ بِلَا ضَرْبٍ أَجَابَ دَمُ
٣٣٤
يُسَابِقُ القَتْلُ فِيهِمْ كُلَّ حَادِثَةٍ
فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلَا هَرَمُ
٣٣٥
نَفَتْ رُقَادَ عَلِيٍّ عَنْ مَحَاجِرِهِ
نَفْسٌ يُفَرِّجُ نَفْسًا غَيْرَهَا الْحُلُمُ
٣٣٦
الْقَائِمُ الْمَلِكُ الْهَادِي الَّذِي شَهِدَتْ
قِيَامَهُ وَهُدَاهُ الْعُرْبُ وَالْعَجَمُ
٣٣٧
ابْنُ الْمُعَفِّرِ فِي نَجْدٍ فَوَارِسَهَا
بِسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفَانُ وَالْحَرَمُ
٣٣٨
لَا تَطْلُبَنَّ كَرِيمًا بَعْدَ رُؤيَتِهِ
إنَّ الْكِرَامَ بِأَسْخَاهُمْ يَدًا خُتِمُوا
٣٣٩
وَلَا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شَاعِرِهِ
قَدْ أُفْسِدَ الْقَوْلُ حَتَّى أُحْمِدَ الصَّمَمُ
٣٤٠
وقال يمدح إنسانًا، وأراد أن يستكشفه عن مذهبه، وهي من قوله في صباه:
كُفِّي أَرَانِي وَيْكِ لَوْمَكِ أَلْوَمَا
هَمٌّ أَقَامَ عَلَى فُؤَادٍ أَنْجَمَا
٣٤١
وَخَيَالُ جِسْمٍ لَمْ يُخَلِّ لَهُ الْهَوَى
لَحْمًا فَيُنْحِلَهُ السَّقَامُ وَلَا دَمَا
٣٤٢
وَخُفُوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأَيْتِ لَهِيبَهُ
يَا جَنَّتِي لَظَنَنْتِ فِيه جَهَنَّمَا
٣٤٣
وَإِذَا سَحَابَةُ صَدِّ حِبٍّ أَبْرَقَتْ
تَرَكَتْ حَلَاوَةَ كُلِّ حُبٍّ عَلْقَمَا
٣٤٤
يَا وَجْهَ دَاهِيَةَ الَّذِي لَوْلَاكَ مَا
أَكَلَ الضَّنَى جَسَدِي وَرَضَّ الْأَعْظُمَا
٣٤٥
إِنْ كَانَ أَغْنَاهَا السُّلُوُّ فَإِنَّنِي
أَصْبَحْتُ مِنْ كَبِدِي وَمِنْهَا مُعْدِمَا
٣٤٦
غُصْنٌ عَلَى نَقَوَيْ فَلَاةٍ نَابِتٌ
شَمْسُ النَّهَارِ تُقِلُّ لَيْلًا مُظْلِمَا
٣٤٧
لَمْ تُجْمَعِ الْأَضْدَادُ فِي مُتَشَابِهٍ
إِلَّا لِتَجْعَلَنِي لِغُرْمِيَ مَغْنَمَا
٣٤٨
كَصِفَاتِ أَوْحَدِنَا أَبِي الْفَضْلِ الَّتي
بَهَرَتْ فَأَنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأَفْحَمَا
٣٤٩
يُعْطِيكَ مُبْتَدِرًا فَإِنْ أَعْجَلْتَهُ
أَعْطَاكَ مُعْتَذِرًا كَمَنْ قَدْ أَجْرَمَا
٣٥٠
وَيَرَى التَّعَظُّمَ أَنْ يُرَى مُتَوَاضِعًا
وَيَرَى التَّوَاضُعَ أَنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا
٣٥١
نَصَرَ الْفَعَالَ عَلَى الْمِطَالِ كَأَنَّمَا
خَالَ السُّؤَالَ عَلَى النَّوَالِ مُحَرَّمَا
٣٥٢
يَا أَيُّهَا المَلَكُ الْمُصَفَّى جَوْهَرًا
مِنْ ذَاتِ ذِي الْمَلَكُوتِ أَسْمَى مَنْ سَمَا
٣٥٣
نُورٌ تَظَاهَرَ فِيكَ لَاهُوتِيَّةً
فتَكَادُ تَعْلَمُ عِلْمَ مَا لَنْ يُعْلَمَا
٣٥٤
وَيُهِمُّ فِيكَ إِذَا نَطَقْتَ فَصَاحَةً
مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْكَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
٣٥٥
أَنَا مُبْصِرٌ وَأَظُنُّ أَنِّيَ نَائِمٌ
مَنْ كَانَ يَحْلُمُ بِالْإِلَهِ فَأَحْلُمَا؟!
٣٥٦
كَبُرَ الْعِيَانُ عَلَيَّ حَتَّى إِنَّهُ
صَارَ الْيَقِينُ مِنَ الْعِيَانِ تَوَهُّمَا
٣٥٧
يَا مَنْ لِجُودِ يَدَيْهِ فِي أَمْوالِهِ
نِقَمٌ تَعُودُ عَلَى الْيَتَامَى أَنْعُمَا
٣٥٨
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: مَا ذَا عَاقِلًا
وَيَقُولَ بَيْتُ المَالِ: مَا ذَا مُسْلِمَا
٣٥٩
إِذْكَارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إِذْكَارِي لَهُ
إِذْ لَا تُرِيدُ لِمَا أُرِيدُ مُتَرْجِمَا
٣٦٠
وقال في صباه:
إِلَى أَيِّ حِينٍ أَنْتَ فِي زِيِّ مُحْرِمِ؟
وَحَتَّى مَتَى في شِقْوَةٍ وَإِلَى كَمِ؟
٣٦١
وَإِلَّا تَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
تَمُتْ وَتُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ
٣٦٢
فَثِبْ وَاثِقًا بِاللهِ وِثْبَةَ مَاجِدٍ
يَرَى الْمَوْتَ في الْهَيْجَا جَنَى النَّحْلِ في الْفَمِ
٣٦٣
وقال في صباه:
ضَيْفٌ أَلَمَّ بِرَأْسِي غَيْرَ مُحْتَشِمِ
والسَّيْفُ أَحْسَنُ فِعْلًا مِنْهُ بِاللِّمَمِ
٣٦٤
إِبْعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لا بَيَاضَ لَهُ
لَأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ
٣٦٥
بِحُبِّ قَاتِلَتِي وَالشَّيْبِ تَغْذِيَتِي
هَوَايَ طِفْلًا وَشَيْبِي بَالِغَ الْحُلُمِ
٣٦٦
فَمَا أَمُرُّ بِرَسْمٍ لَا أُسَائِلُهُ
وَلَا بِذَاتِ خِمَارٍ لا تُرِيقُ دَمِي
٣٦٧
تَنَفَّسَتْ عَنْ وَفَاءٍ غَيْرِ مُنصَدِعٍ
يَوْمَ الرَّحِيلِ وشَعْبٍ غَيْرِ مُلْتَئِمِ
٣٦٨
قَبَّلْتُهَا وَدُمُوعِي مَزْجُ أَدْمُعِهَا
وَقَبَّلَتْنِي عَلَى خَوْفٍ فَمًا لِفَمِ
٣٦٩
فَذُقْتُ مَاءَ حَيَاةٍ مِنْ مُقَبَّلِهَا
لَوْ صَابَ تُرْبًا لَأَحْيَا سَالِفَ الْأُمَمِ
٣٧٠
تَرْنُو إِلَيَّ بِعَيْنِ الظَّبْي مُجْهِشَةً
وتَمْسَحُ الطَّلَّ فَوْقَ الْوَرْدِ بِالْعَنَمِ
٣٧١
رُوَيْدَ حُكْمَكِ فِينَا غَيْرَ مُنْصِفَةٍ
بِالنَّاسِ كُلِّهِمِ أَفْدِيكِ مِنْ حَكَمِ
٣٧٢
أَبْدَيْتِ مِثْلَ الَّذِي أَبْدَيْتُ مِنْ جَزَعٍ
وَلَمْ تُجِنِّي الَّذِي أَجْنَنْتُ مِنْ أَلَمْ
٣٧٣
إِذَنْ لَبَزَّكِ ثَوْبَ الْحُسْنِ أَصْغَرُهُ
وَصِرْتِ مِثْلِيَ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ سَقَمِ
٣٧٤
لَيْسَ التَّعَلُّلُ بِالْآمَالِ مِنْ أَرَبِي
وَلَا الْقَنَاعَةُ بِالْإِقْلَالِ مِنْ شِيَمِي
٣٧٥
وَلَا أَظُنُّ بَنَاتِ الدَّهْرِ تَتْرُكُنِي
حَتَّى تَسُدَّ عَلَيْهَا طُرْقَهَا هِمَمِي
٣٧٦
لُمِ اللَّيَالِي الَّتِي أَخْنَتْ عَلَى جِدَتِي
بِرِقَّةِ الْحَالِ وَاعْذُرْنِي وَلَا تَلُمِ
٣٧٧
أَرَى أُنَاسًا وَمَحْصُولِي عَلَى غَنَمٍ
وَذِكْرَ جُودٍ وَمَحْصُولِي عَلَى الْكَلِمِ
٣٧٨
وَرَبُّ مَالٍ فَقِيرًا مِنْ مُرُوَّتِهِ
لَمْ يُثْرِ مِنْهَا كَمَا أَثْرَى مِنَ الْعَدَمِ
٣٧٩
سَيَصْحَبُ النَّصْلُ مِنِّي مِثْلَ مَضْرِبِهِ
وَيَنْجَلِي خَبَرِي عَنْ صِمَّةِ الصَّمَمِ
٣٨٠
لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتَّى لَاتَ مُصْطَبَرٍ
فَالْآنَ أُقْحِمُ حَتَّى لَاتَ مُقْتَحَمِ
٣٨١
لَأَتْرُكَنَّ وُجُوهَ الْخَيْلِ سَاهِمَةً
وَالْحَرْبُ أَقْوَمُ مِنْ سَاقٍ عَلَى قَدَمِ
٣٨٢
وَالطَّعْنُ يُحْرِقُهَا وَالزَّجْرُ يُقلِقُهَا
حَتَّى كَأَنَّ بِهَا ضَرْبًا مِنَ اللَّمَمِ
٣٨٣
قَدْ كَلَّمَتْهَا الْعَوَالِي فَهْيَ كَالِحَةٌ
كَأَنَّمَا الصَّابُ مَعْصُوبٌ عَلَى اللُّجُمِ
٣٨٤
بِكُلِّ مُنْصَلِتٍ مَا زَالَ مُنْتَظِرِي
حَتَّى أَدَلْتُ لَهُ مِنْ دَوْلَةِ الْخَدَمِ
٣٨٥
شَيْخٍ يَرَى الصَّلَواتِ الْخَمْسَ نَافِلَةً
وَيَسْتَحِلُّ دَمَ الْحُجَّاجِ في الْحَرَمِ
٣٨٦
وَكُلَّمَا نُطِحَتْ تَحْتَ الْعَجَاجِ بِهِ
أُسْدُ الْكَتَائِبِ رَامَتْهُ وَلَمْ يَرِمِ
٣٨٧
تُنْسِي الْبِلَادَ بُرُوقَ الْجَوِّ بَارِقَتِي
وَتَكْتَفِي بِالدَّمِ الْجَارِي عَنِ الدِّيَمِ
٣٨٨
رِدِي حِيَاضَ الرَّدَى يَا نفْسِ وَاتَّرِكِي
حِيَاضَ خَوْفِ الرَّدَى لِلشَّاءِ والنَّعَمِ
٣٨٩
إِنْ لَمْ أَذَرْكِ عَلَى الْأَرْمَاحِ سَائِلَةً
فَلَا دُعِيتُ ابْنَ أُمِّ الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ
٣٩٠
أَيَمْلِكُ الْمُلْكَ وَالْأَسْيَافُ ظَامِئَةٌ
وَالطَّيْرُ جَائِعَةٌ لَحْمٌ عَلَى وَضَمِ؟!
٣٩١
مَنْ لَوْ رَآنِيَ مَاءً مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ
وَلَوْ مَثَلْتُ لَهُ فِي النَّوْمِ لَمْ يَنَمِ
٣٩٢
مِيعَادُ كُلِّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ غَدًا
وَمَنْ عَصَى مِنْ مُلُوكِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ
٣٩٣
فَإِنْ أَجَابُوا فَمَا قَصْدِي بِهَا لَهُمُ
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَمَا أَرْضَى لَهَا بِهِمِ
٣٩٤
وعذله أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي، على ما كان قد شاهده من تهوره
فقال:
٣٩٥
أَبَا عَبْدِ الْإِلَهِ مُعَاذُ إِنِّي
خَفِيٌّ عَنْكَ فِي الْهَيْجَا مَقَامِي
٣٩٦
ذَكَرْتَ جَسِيمَ مَا طَلَبِي وَأَنَّا
نُخَاطِرُ فِيهِ بِالْمُهَجِ الْجِسَامِ
٣٩٧
أَمِثْلِي تَأْخُذُ النَّكَبَاتُ مِنْهُ
وَيَجْزَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْحِمَامِ
٣٩٨
وَلَوْ بَرَزَ الزَّمَانُ إِلَيَّ شَخْصًا
لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقِهِ حُسَامِي
٣٩٩
وَمَا بَلَغَتْ مَشِيئَتَهَا اللَّيَالِي
وَلَا سَارَتْ وَفِي يَدِهَا زِمَامِي
٤٠٠
إِذَا امْتَلَأَتْ عُيُونُ الْخَيْلِ مِنِّي
فَوَيْلٌ فِي التَّيَقُّظِ وَالْمَنَامِ!
٤٠١
وقال له بعض بني كلاب: أَشْرَبُ هذه الكأس سرورًا بك، فقال:
إِذَا مَا شَرِبْتَ الْخَمْرَ صِرْفًا مُهَنَّأً
شَرِبْنَا الَّذِي مِنْ مِثْلِهِ شَرِبَ الْكَرْمُ
٤٠٢
أَلَا حَبَّذَا قَوْمٌ نَدَامَاهُمُ الْقَنَا
يُسَقُّونَهَا رِيًّا وَسَاقِيهِمُ الْعَزْمُ
٤٠٣
وقال وقد مد له إنسان يده بكأس وحلف بالطلاق ليشربنها:
وَأَخٍ لَنَا بَعَثَ الطَّلَاقَ أَلِيَّةً
لَأُعَلِّلَنَّ بِهذِهِ الْخُرْطُومِ
٤٠٤
فَجَعَلْتُ رَدِّي عِرْسَهُ كَفَّارَةً
عَنْ شُرْبِهَا وَشَرِبْتُ غَيْرَ أَثِيمِ
٤٠٥
وقال يمدح الحسين بن إسحق التنوخي:
مَلَامِي النَّوَى في ظُلْمِهَا غَايَةُ الظُّلْمِ
لَعَلَّ بِهَا مِثْلَ الَّذِي بِي مِنَ السُّقْمِ
٤٠٦
فَلَوْ لَمْ تَغَرْ لَمْ تَزْوِ عَنِّي لِقَاءَكُمْ
وَلَوْ لَمْ تُرِدْكُمْ لَمْ تَكُنْ فِيكُمُ خَصْمِي
٤٠٧
أَمُنْعِمَةٌ بِالْعَوْدَةِ الظَّبْيَةُ الَّتِي
بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَانَ نَائِلَهَا الْوَسْمِي
٤٠٨
تَرَشَّفْتُ فَاهَا سُحْرَةً فَكَأَنَّنِي
تَرَشَّفْتُ حَرَّ الْوَجْدِ مِنْ بَارِدِ الظَّلْمِ
٤٠٩
فَتَاةٌ تَسَاوَى عِقْدُهَا وَكَلَامُهَا
وَمَبْسِمُهَا الدُّرِّيُّ فِي الْحُسْنِ وَالنَّظْمِ
٤١٠
وَنَكْهَتُهَا وَالْمَنْدَلِيُّ وَقَرْقَفٌ
مُعَتَّقَةٌ صَهْبَاءُ في الرِّيحِ وَالطَّعْمِ
٤١١
جَفَتْنِي كَأَنِّي لَسْتُ أَنْطَقَ قَوْمِهَا
وَأَطْعَنَهُمْ وَالشُّهْبُ في صُورَةِ الدُّهْمِ
٤١٢
يُحَاذِرُنِي حَتْفِي كَأَنِّيَ حَتْفُهُ
وَتَنْكُزُنِي الْأَفْعَى فَيَقْتُلُهَا سُمِّي
٤١٣
طِوَالُ الرُّدَيْنِيَّاتِ يَقْصِفُهَا دَمِي
وَبِيضُ السُّرَيْجِيَّاتِ يَقْطَعُهَا لَحْمِي
٤١٤
بَرَتْنِي السُّرَى بَرْيَ الْمُدَى فَرَدَدْنَنِي
أَخَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْ نَفَسِي جِرْمِي
٤١٥
وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقَاءِ جَوٍّ لِأَنَّني
إِذَا نَظَرَتْ عَيْنَايَ سَاوَاهُمَا عِلْمِي
٤١٦
كَأَنِّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتِي بهَا
كَأَنِّي بَنَى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمِي
٤١٧
لِأَلْقَى ابْنَ إسْحَاقَ الَّذِي دَقَّ فَهْمُهُ
فَأَبْدَعَ حَتَّى جَلَّ عَنْ دِقَّةِ الْفَهْمِ
٤١٨
وَأَسْمَعَ مِنْ أَلْفَاظِهِ اللُّغَةَ الَّتِي
يَلَذُّ بِهَا سَمْعِي وَلَوْ ضُمِّنَتْ شَتْمِي
٤١٩
يَمِينُ بَنِي قَحْطَانَ رَأْسُ قُضَاعَةٍ
وَعِرْنِينُهَا بَدْرُ النُّجُومِ بَنِي فَهْمِ
٤٢٠
إِذَا بَيَّتَ الْأَعْدَاءَ كَانَ اسْتِمَاعُهُمْ
صَرِيرَ الْعَوَالِي قَبْلَ قَعْقَعَةِ اللُّجْمِ
٤٢١
مُذِلُّ الْأَعِزَّاءِ الْمُعِزُّ وَإِنْ يَئِنْ
بِهِ يُتْمُهُمْ فَالْمُوتِمُ الْجَابِرُ الْيُتْمِ
٤٢٢
وَإنْ تُمْسِ دَاءً في الْقُلُوبِ قَنَاتُهُ
فَمُمْسِكُهَا مِنْهُ الشِّفَاءُ مِنَ الْعُدْمِ
٤٢٣
مُقَلَّدُ طَاغِي الشَّفْرَتَيْنِ مُحَكَّمٍ
عَلَى الْهَامِ إِلَّا أَنَّهُ جَائِرُ الْحُكْمِ
٤٢٤
تَحَرَّجَ عَنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ كَأَنَّهُ
يَرَى قَتْلَ نَفْسٍ تَرْكَ رَأْسٍ عَلَى جِسْمِ
٤٢٥
وَجَدْنَا ابْنَ إِسْحَاقَ الْحُسَيْنِ كَجَدِّهِ
عَلَى كَثْرَةِ الْقَتْلَى بَرِيئًا مِنَ الْإِثْمِ
٤٢٦
مَعَ الْحَزْمِ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ
لِأَلْحَقَهُ تَضَيِيعُهُ الْحَزْمَ بالْحَزْمِ
٤٢٧
وَفي الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ تَأَخُّرًا
لَأَخَّرَهُ الطبْعُ الْكَرِيمُ إِلَى القُدْمِ
٤٢٨
لَهُ رَحْمَةٌ تُحْيي الْعِظَامَ وَغَضْبَةٌ
بِهَا فَضْلَةٌ لِلْجُرْمِ عَنْ صَاحِبِ الْجُرْمِ
٤٢٩
وَرِقَّةُ وَجْهٍ لَوْ خَتَمْتَ بِنَظْرَةٍ
عَلَى وَجْنَتَيْهِ مَا انْمَحَى أَثَرُ الْخَتْمِ
٤٣٠
أَذَاقَ الْغَوَانِي حُسْنُهُ مَا أَذَقْنَنِي
وَعَفَّ فَجَازَاهُنَّ عَنِّي عَلَى الصُّرْمِ
٤٣١
فِدًى مَنْ عَلَى الْغَبْرَاءِ أَوَّلُهُمْ أَنَا
لِهَذَا الْأَبِيِّ الْمَاجِدِ الْجَائِدِ الْقَرْمِ
٤٣٢
لَقَدْ حَالَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْأَمْنِ سَيْفُهُ
فَمَا الظَّنُّ بَعْدَ الْجِنِّ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ
٤٣٣
وَأَرْهَبَ حَتَّى لَوْ تَأَمَّلَ دِرْعَهُ
جَرَتْ جَزَعًا مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا فَحْمِ
٤٣٤
وَجَادَ فَلَوْلَا جُودُهُ غَيْرَ شَارِبٍ
لَقُلْنَا: كَرِيمٌ هَيَّجَتْهُ ابْنَةُ الْكَرْمِ
٤٣٥
أَطَعْنَاكَ طَوْعَ الدَّهْرِ يَا ابْنَ ابْنِ يُوسُفٍ
لِشَهْوَتِنا، وَالْحَاسِدُو لَكَ بِالرُّغْمِ
٤٣٦
وَثِقْنَا بِأَنْ تُعْطِي فَلَوْ لَمْ تَجُدْ لَنَا
لَخِلْنَاكَ قَدْ أَعْطَيْتَ مِنْ قُوَّةِ الْوَهْمِ
٤٣٧
دُعِيتُ بِتَقْرِيظِيكَ فِي كلِّ مَجْلِسٍ
وَظَنَّ الَّذِي يَدْعُو ثَنَائِي عَلَيْكَ اسْمِي
٤٣٨
وَأَطْمَعْتَنِي فِي نَيْلِ مَا لَا أَنَالُهُ
بِمَا نِلْتُ حَتَّى صِرْتُ أَطْمَعُ فِي النَّجْمِ
٤٣٩
إِذَا مَا ضَرَبْتَ الْقِرْنَ ثُمَّ أَجَزْتَنِي
فَكِلْ ذَهَبًا لِي مَرَّةً مِنْهُ بِالْكَلْمِ
٤٤٠
أَبَتْ لَكَ ذَمِّي نَخْوَةٌ يَمَنِيَّةٌ
وَنَفْسٌ بهَا فِي مَأزِقٍ أَبَدًا تَرْمِي
٤٤١
فَكَمْ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ ذَا الشَّخْصُ نَفْسَهُ
لَكَانَ قَرَاهُ مَكْمَنَ الْعَسْكَرِ الدَّهْمِ!
٤٤٢
وَقَائِلَةٍ — وَالْأَرْضَ أَعْنِي تَعَجُّبًا:
عَلَيَّ امْرُؤٌ يَمْشِي بِوَقْرِي مِنَ الْحِلْمِ!
٤٤٣
عَظُمْتَ فَلَمَّا لَمْ تُكَلَّمْ مَهَابَةً
تَوَاضَعْتَ وَهْوَ الْعُظْمُ عُظْمًا عَنِ الْعُظْم
٤٤٤
وقال يمدح علي بن إبراهيم التنوخي:
أَحَقُّ عَافٍ بِدَمْعِكَ الْهِمَمُ
أَحْدَثُ شَيْءٍ عَهْدًا بِهَا الْقِدَمُ
٤٤٥
وَإِنَّمَا النَّاسُ بِالْمُلُوكِ وَمَا
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُهَا عَجَمُ
٤٤٦
لَا أَدَبٌ عِنْدَهُمْ وَلَا حَسَبٌ
وَلَا عُهُودٌ لَهُمْ وَلَا ذِمَمُ
٤٤٧
بِكُلِّ أَرْضٍ وَطِئْتُهَا أُمَمٌ
تُرْعَى بِعَبْدٍ كَأَنَّها غَنَمُ
٤٤٨
يَسْتَخْشِنُ الْخَزَّ حِينَ يَلْمُسُهُ
وَكَانَ يُبْرَى بِظُفْرِهِ الْقَلَمُ
٤٤٩
إِنِّي وَإِنْ لُمْتُ حَاسِدِيَّ فَما
أُنْكِرُ أنِّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ
٤٥٠
وَكَيْفَ لَا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ
لَهُ عَلَى كُلِّ هَامَةٍ قَدَمُ؟!
٤٥١
يَهَابُهُ أَبْسَأُ الرِّجَالِ بِهِ
وَتَتَّقِي حَدَّ سَيْفِهِ الْبُهَمُ
٤٥٢
كَفَانِيَ الذَّمَّ أَنَّنِي رَجُلٌ
أَكْرَمُ مَالٍ مَلَكْتُهُ الْكَرَمُ
٤٥٣
يَجْنِي الْغِنَى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا
مَا لَيْسَ يَجْنِي عَلَيْهِمِ الْعَدَمُ
٤٥٤
هُمُ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَسْنَ لَهُمْ
وَالْعَارُ يَبْقَى والْجُرْحُ يَلْتَئِمُ
٤٥٥
مَنْ طَلَبَ الْمَجْدَ فَلْيَكُنْ كَعَلِيـْ
ـيٍ يَهَبُ الْأَلْفَ وَهْوَ يَبْتَسِمُ
٤٥٦
وَيَطْعَنُ الْخَيْلَ كُلَّ نَافِذَةٍ
لَيْسَ لَهَا مِنْ وَحَائِهَا أَلَمُ
٤٥٧
وَيَعْرِفُ الْأَمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ
فَمَا لَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ نَدَمُ
٤٥٨
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ والسَّلَاهِبُ وَالـْ
ـبِيضُ لَهُ وَالْعَبِيدُ وَالْحَشَمُ
٤٥٩
وَالسَّطَوَاتُ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا
تَكَادُ مِنْهَا الْجِبَالُ تَنْفَصِمُ
٤٦٠
يُرْعِيكَ سَمْعًا فِيهِ اسْتِمَاعٌ إِلَى الدْ
دَاعِي وَفِيهِ عَنِ الْخَنَا صَمَمُ
٤٦١
يُرِيكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرَائِبَهُ
فِي مَجْدِهِ كَيْفَ تُخْلَقُ النَّسَمُ
٤٦٢
مِلْتُ إِلَى مَنْ يَكَادُ بَيْنَكُمَا
إِنْ كُنْتُمَا السَّائِلَيْنِ يَنْقَسِمُ
٤٦٣
مِنْ بَعْدِ مَا صِيغَ مِنْ مَوَاهِبِهِ
لِمَنْ أُحِبُّ الشُّنُوفُ وَالْخَدَمُ
٤٦٤
مَا بَذَلَتْ مَا بِهِ يَجُودُ يَدٌ
وَلَا تَهَدَّى لِمَا يَقُولُ فَمُ
٤٦٥
بَنُو الْعَفَرْنَى مَحَطَّةَ الْأَسَدِ الـْ
أُسْدُ وَلكِنْ رِمَاحُهَا الْأَجَمُ
٤٦٦
قَوْمٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ عِنْدَهُمُ
طَعْنُ نُحُورِ الكُمَاةِ لَا الْحُلُمُ
٤٦٧
كَأَنَّمَا يُولَدُ النَّدَى مَعَهُمْ
لَا صِغَرٌ عَاذِرٌ وَلَا هَرِمُ
٤٦٨
إِذَا تَوَلَّوْا عَدَاوَةً كَشَفُوا
وَإِنْ تَوَلَّوْا صَنِيعَةً كَتَمُوا
٤٦٩
تَظُنُّ مِنْ فَقْدِكَ اعْتِدَادَهُمُ
أَنَّهُمْ أَنْعَمُوا وَمَا عَلِمُوا
٤٧٠
إِنْ بَرَقُوا فَالْحُتُوفُ حَاضِرَةٌ
أَوْ نَطَقُوا فَالصَّوَابُ وَالْحِكَمُ
٤٧١
أَوْ حَلَفُوا بِالْغَمُوسِ وَاجْتَهَدُوا
فَقَوْلُهُمْ: «خَابَ سَائِلِي» الْقَسَمُ
٤٧٢
أَوْ رَكِبُوا الْخَيْلَ غَيْرَ مُسْرَجَةٍ
فَإِنَّ أَفْخَاذَهُمْ لَهَا حُزُمُ
٤٧٣
أَوْ شَهِدُوا الْحَرْبَ لَاقِحًا أَخَذُوا
مِنْ مُهَجِ الدَارِعِينَ مَا احْتَكَمُوا
٤٧٤
تُشْرِقُ أَعْرَاضُهُمْ وَأَوْجُهُهُمْ
كَأَنَّهَا فِي نُفُوسِهِمْ شِيَمُ
٤٧٥
لَوْلَاكَ لَمْ أَتْرُكِ الْبُحَيْرَةَ وَالـْ
ـغَوْرُ دَفِيءٌ وَمَاؤُهَا شَبِمُ
٤٧٦
وَالْمَوْجُ مِثْلُ الفُحُولِ مُزْبِدَةً
تَهْدِرُ فِيهَا وَمَا بِهَا قَطَمُ
٤٧٧
وَالطَّيْرُ فَوْقَ الْحَبَابِ تَحْسَبُهَا
فُرْسَانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ
٤٧٨
كَأَنَّهَا وَالرِّيَاحُ تَضْرِبُهَا
جَيْشَا وَغًى هَازِمٌ وَمُنْهَزِمُ
٤٧٩
كَأَنَّهَا فِي نَهَارِهَا قَمَرٌ
حَفَّ بِهِ مِنْ جِنَانِهَا ظُلَمُ
٤٨٠
نَاعِمَةُ الْجِسْمِ لَا عِظَامَ لَهَا
لَهَا بَنَاتٌ وَمَا لَهَا رَخِمَ
٤٨١
يُبْقَرُ عَنْهُنَّ بَطْنُهَا أَبَدًا
وَمَا تَشَكَّى وَلَا يَسِيلُ دَمُ
٤٨٢
تَغَنَّتِ الطَّيْرُ فِي جَوَانِبِهَا
وَجَادَتِ الْأَرْضُ حَوْلَهَا الدِّيَمُ
٤٨٣
فَهْيَ كَمَاوِيَّةٍ مُطَوَّقَةٍ
جُرِّدَ عَنْهَا غِشَاؤُهَا الْأَدَمُ
٤٨٤
يَشِينُهَا جَرْيُهَا عَلَى بَلَدٍ
تَشِينُهُ الْأَدْعِيَاءُ وَالْقَزَمُ
٤٨٥
أَبَا الْحُسَيْنِ اسْتَمِعْ فَمَدْحُكُمُ
في الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَلَام مُنْتَظِمُ
٤٨٦
وَقَدْ تَوَالَى الْعِهَادُ مِنْهُ لَكُمْ
وَجَادَتِ الْمَطْرَةُ الَّتِي تَسِمُ
٤٨٧
أُعِيذُكُمْ مِنْ صُرُوفِ دَهْرِكُمُ
فَإِنَّهُ في الْكِرَامِ مُتَّهَمُ
٤٨٨
وقال يمدح المغيث بن العجلي:
فُؤَادٌ مَا تُسَلِّيهِ الْمُدَامُ
وَعُمْرٌ مِثْلُ مَا تَهَبُ اللِّئَامُ
٤٨٩
وَدَهْرٌ نَاسُهُ نَاسٌ صِغَارٌ
وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ جُثَثٌ ضِخَامُ
٤٩٠
وَمَا أَنَا مِنْهُمُ بالْعَيْشِ فِيهِمْ
وَلكِنْ مَعْدِنُ الذَّهَبِ الرَّغَامُ
٤٩١
أَرَانِبُ غَيْرَ أَنَّهُمُ مُلُوكٌ
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ
٤٩٢
بِأَجْسَامٍ يَحَرُّ الْقَتْلُ فِيهَا
وَمَا أَقْرَانُهَا إِلَّا الطَّعَامُ
٤٩٣
وَخَيْلٍ مَا يَخِرُّ لَهَا طَعِينٌ
كَأَنَّ قَنَا فَوَارِسِهَا ثُمَامُ
٤٩٤
خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ: خِلِّي
وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ والْكَلَامُ
٤٩٥
وَلَوْ حِيزَ الْحِفَاظُ بِغَيْرِ عَقْلٍ
تَجَنَّبَ عُنْقَ صَيقَلِهِ الْحُسَامُ
٤٩٦
وَشِبْهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ
وَأَشْبَهُنَا بِدُنْيَانَا الطَّغَامُ
٤٩٧
وَلَوْ لَمْ يَعْلُ إِلَّا ذُو مَحَلٍّ
تَعَالَى الْجَيْشُ وَانْحَطَّ القَتَامُ
٤٩٨
وَلَوْ لَمْ يَرْعَ إِلَّا مُسْتَحِقٌّ
لِرُتْبَتِهِ أَسَامَهُمُ الْمُسَامُ
٤٩٩
وَمَنْ خَبَرَ الْغَوَانِي فَالْغَوَانِي
ضِيَاءٌ فِي بَوَاطِنِهِ ظَلَامُ
٥٠٠
إِذَا كَانَ الشَّبَابُ السُّكْرَ وَالشَّيـْ
ـبُ هَمًّا فَالْحَيَاةُ هِيَ الْحِمَامُ
٥٠١
وَمَا كُلٌّ بِمَعْذُورٍ بِبُخْلٍ
وَلَا كُلٌّ عَلَى بُخْلٍ يُلَامُ
٥٠٢
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ جِيرَانِي وَمِثْلِي
لِمِثْلِي عِنْدَ مِثْلِهِمِ مُقَامُ
٥٠٣
بِأَرْضٍ مَا اشْتَهَيْتَ رَأَيْتَ فِيهَا
فلَيْسَ يَفُوتُهَا إِلَّا الْكِرَامُ
٥٠٤
فَهَلَّا كَانَ نَقْصُ الْأَهْلِ فِيهَا
وَكَانَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا التَّمَامُ؟
٥٠٥
بِهَا الْجَبَلَانِ مِنْ صَخْرٍ وَفَخْرٍ
أَنَافَا: ذَا الْمُغِيثُ وَذَا اللَّكَامُ
٥٠٦
وَلَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ وَلَكِنْ
يَمُرُّ بِهَا كَمَا مَرَّ الغَمَامُ
٥٠٧
سَقَى اللهُ ابْنَ مُنْجِبَةٍ سَقَانِي
بِدَرٍّ مَا لِرَاضِعِهِ فِطَامُ
٥٠٨
وَمَنْ إِحْدَى فَوَائِدِهِ العَطَايَا
وَمَنْ إِحْدَى عَطَايَاهُ الدَّوَامُ
٥٠٩
وَقَدْ خَفِيَ الزَّمَانُ بِهِ عَلَينَا
كَسِلْكِ الدُّرِّ يُخْفِيهِ النِّظَامُ
٥١٠
تَلَذُّ لَهُ الْمُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي
وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الْغَرَامُ
٥١١
تَعَلَّقَهَا هَوَى قَيْسٍ لِلَيْلَى
وَوَاصَلَهَا فَلَيْسَ بِهِ سَقَامُ
٥١٢
يَرُوعُ رَكَانَةً وَيَذُوبُ ظَرْفًا
فَمَا نَدْرِى أشَيْخٌ أمْ غُلَامُ؟
٥١٣
وَتَمْلِكُهُ الْمَسَائِلُ فِي نَدَاهُ
وَأَمَّا فِي الْجِدَالِ فَلَا يُرَامُ
٥١٤
وَقَبْضُ نَوَالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ
وَقَبْضُ نَوَالِ بَعْضِ الْقَوْمِ ذَامُ
٥١٥
أَقَامَتْ فِي الرِّقَابِ لَهُ أَيَادٍ
هِيَ الْأَطْوَاقُ وَالنَّاسُ الْحَمَامُ
٥١٦
إِذَا عُدَّ الْكِرَامُ فَتِلْكَ عِجْلٌ
كَمَا الأنْوَاءُ حِينَ تُعَدُّ عَامُ
٥١٧
تَقِي جَبَهَاتُهُمْ مَا فِي ذَرَاهُمْ
إِذَا بِشِفَارِهَا حَمِيَ اللِّطَامُ
٥١٨
وَلَو يَمَّمْتَهُمْ فِي الْحَشْرِ تجْدُو
لَأَعْطَوْكَ الَّذِي صَلَّوْا وَصَامُوا
٥١٩
فَإِنْ حَلُمُوا فَإِنَّ الْخَيْلَ فِيهِمْ
خِفَافٌ وَالرِّمَاحُ بِهَا عُرَامُ
٥٢٠
وَعِنْدَهُمُ الْجِفَانُ مُكَلَّلَاتٍ
وَشَزْرُ الطَّعْنِ وَالضَّرْبُ التُّؤَامُ
٥٢١
نُصَرِّعُهُمْ بِأَعْيُنِنَا حَيَاءً
وَتَنْبُو عَنْ وُجُوهِهِمُ السِّهَامُ
٥٢٢
قَبِيلٌ يَحْمِلُونَ مِنَ الْمَعَالِي
كَمَا حَمَلَتْ مِنَ الْجَسَدِ الْعِظَامُ
٥٢٣
قَبِيلٌ أَنْتَ أَنْتَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
وَجَدُّكَ بِشْرٌ الْمَلِكُ الْهُمَامُ
٥٢٤
لِمَنْ مَالٌ تُمَزِّقُهُ الْعَطَايَا
وَيَشْرَكُ فِي رَغَائِبِهِ الْأَنَامُ؟!
وَلَا نَدْعُوكَ صَاحِبَهُ فَتَرْضَى
لِأَنَّ بِصُحْبَةٍ يَجِبُ الذِّمَامُ
٥٢٥
تُحَايِدُهُ كَأَنَّكَ سَامِرِيٌّ
تُصَافِحُهُ يَدٌ فِيهَا جُذَامُ
٥٢٦
إِذَا مَا الْعَالِمُونَ عَرَوْكَ قَالُوا:
أَفِدْنَا أَيُّهَا الْحِبْرُ الْإِمَامُ
٥٢٧
إِذَا مَا الْمُعْلِمُونَ رَأَوْكَ قَالُوا:
بِهَذَا يُعْلَمُ الْجَيْشُ اللُّهَامُ
٥٢٨
لَقَدْ حَسُنَتْ بِكَ الْأَوْقَاتُ حَتَّى
كَأَنَّكَ فِي فَمِ الدَّهْرِ ابْتِسَامُ
٥٢٩
وَأُعْطِيتَ الَّذِي لَمْ يُعْطَ خَلْقٌ
عَلَيْكَ صَلَاةُ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ
وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي وهو يومئذٍ يتولى الفداء بين العرب والروم:
نَرَى عِظَمًا بِالْبَيْنِ وَالصَّدُّ أَعْظَمُ
وَنَتَّهِمُ الْوَاشِينَ وَالدَّمْعُ مِنْهُمُ
٥٣٠
وَمَنْ لُبُّهُ مَعْ غَيْرِهِ كَيْفَ حَالهُ؟!
وَمَنْ سِرُّهُ فِي جَفْنِهِ كيْفَ يَكْتَمُ؟!
٥٣١
وَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَالنَّوَى وَرَقِيبُنَا
غَفُولَانِ عَنَّا ظِلْتُ أَبْكِي وَتَبْسِمُ
٥٣٢
فَلَمْ أَرَ بَدْرًا ضَاحِكًا قَبْلَ وَجْهِهَا
وَلَمْ تَرَ قَبْلِي مَيِّتًا يَتَكَلَّمُ
ظَلُومٌ كَمَتْنَيْهَا لِصَبٍّ كَخَصْرِهَا
ضَعِيفِ الْقُوَى مِنْ فِعْلِهَا يَتَظَلَّمُ
٥٣٣
بفَرْعٍ يُعِيدُ اللّيْلَ والصُّبْحُ نَيِّرٌ
وَوَجْهٍ يُعِيدُ الصُّبْحَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ
٥٣٤
فَلَوْ كَانَ قَلْبِي دَارَها كَانَ خَالِيًا
وَلَكِنَّ جَيْشَ الشَّوْقِ فِيهِ عَرَمْرَمُ
٥٣٥
أَثَافٍ بِهَا مَا بِالْفُؤَادِ مِنَ الصَّلَى
وَرَسْمٌ كَجِسْمِي ناحِلٌ مُتَهَدِّمُ
٥٣٦
بَلَلْتُ بِهَا رُدْنَيَّ والْغَيْمُ مُسْعِدِي
وَعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وَفِي عَبْرَتِي دَمُ
٥٣٧
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا انْهَلَّ فِي الْخَدِّ مِنْ دَمِي
لَمَا كَانَ مُحْمَرًّا يَسِيلُ فَأَسْقَمُ
٥٣٨
بِنَفْسِي الْخَيَالُ الزَّائِرِي بَعْدَ هَجْعَةٍ
وَقوْلَتُهُ لِي: بَعْدَنَا الْغُمْضَ تَطْعَمُ؟!
٥٣٩
سَلَامٌ فَلَوْلَا الْخَوْفُ وَالْبُخْلُ عِنْدَهُ
لَقُلْتُ: أَبُو حَفْصٍ عَلَيْنَا الْمُسَلِّمُ
٥٤٠
مُحِبُّ النَّدَى الصَّابِي إلَى بَذْلِ مَالِهِ
صُبُوًّا كَمَا يَصْبُو الْمُحِبُّ الْمُتَيَّمُ
٥٤١
وَأُقْسِمُ لَوْلَا أَنَّ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ
لَهُ ضَيْغَمًا قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ ضَيْغَمُ
٥٤٢
أَنَنْقُصُهُ مِنْ حَظِّهِ وَهْوَ زَائِدٌ
وَنَبْخَسُهُ وَالْبَخْسُ شَيْءٌ مُحَرَّمُ؟!
٥٤٣
يَجِلُّ عَنِ التَّشْبِيهِ لَا الْكَفُّ لُجَّةٌ
وَلَا هُوَ ضِرْغَامٌ وَلَا الرَّأْيُ مِخْذَمُ
٥٤٤
وَلَا جُرْحُهُ يُؤسَى وَلَا غَوْرُهُ يُرَى
وَلَا حَدُّهُ يَنْبُو وَلَا يَتَثَلَّمُ
٥٤٥
وَلَا يُبْرَمُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ حَالِلٌ
وَلَا يُحْلَلُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ مُبْرِمُ
٥٤٦
وَلَا يَرْمَحُ الْأَذْيَالَ مِنْ جَبَرِيَّةٍ
وَلَا يَخْدُمُ الدُّنْيَا وَإِيَّاهُ تَخْدُمُ
٥٤٧
وَلَا يَشْتَهِي يَبْقَى وَتَفْنَى هِبَاتُهُ
وَلَا تَسْلَمُ الْأَعْدَاءُ مِنْهُ وَيَسْلَمُ
٥٤٨
أَلَذُّ مِنَ الصَّهْبَاءِ بِالْمَاءِ ذِكْرُهُ
وَأَحْسَنُ مِنْ يُسْرٍ تَلَقَّاهُ مُعْدِمُ
٥٤٩
وَأَغْرَبُ مِنْ عَنْقَاءَ فِي الطَّيْرِ شَكْلُهُ
وَأَعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ مِنْهُ يُحْرَمُ
٥٥٠
وَأَكْثَرُ مِنْ بَعْدِ الْأَيَادِي أَيَادِيًا
مِنْ الْقَطْرِ بَعْدَ الْقَطْرِ وَالْوَبْلُ مُثْجِمُ
٥٥١
سَنِيُّ الْعَطَايَا لَوْ رَأَى نَوْمَ عَيْنهِ
مِنَ اللُّؤْمِ آلَى أَنَّهُ لَا يُهَوِّمُ
٥٥٢
وَلَوْ قَالَ: هَاتُوا دِرْهَمًا لَمْ أَجُدْ بِهِ
عَلَى سَائِلٍ أَعْيَا عَلَى النَّاسِ درْهَمُ
٥٥٣
ولَوْ ضَرَّ مَرْءًا قَبْلَهُ مَا يَسُرُّهُ
لَأَثَّرَ فِيهِ بَأْسُهُ وَالتَّكَرُّمُ
٥٥٤
يُرَوِّي بِكَالْفِرْصَادِ فِي كُلِّ غَارَةٍ
يَتَامَى مِنَ الْأَغْمَادِ تُنْضَى فَتُوتِمُ
٥٥٥
إِلَى الْيَوْمِ مَا حَطَّ الْفِدَاءُ سُرُوجَهُ
مُذُ الْغَزْوُ سَارٍ مُسْرَجُ الْخَيْلِ مُلْجَمُ
٥٥٦
يَشُقُّ بِلَادَ الرُّومِ وَالنَّقْعُ أَبْلَقٌ
بِأَسْيَافِهِ وَالْجَوُّ بِالنَّقْعِ أَدْهَمُ
٥٥٧
إِلَى المَلِكِ الطَّاغِي فَكَمْ مِنْ كَتِيبَةٍ
تُسَايِرُ مِنْهُ حَتْفَهَا وَهْيَ تَعْلَمُ!
٥٥٨
وَمِنْ عَاتِقٍ نَصْرَانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ
أُسِيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَرِيبٍ ستُلْطَمُ!
٥٥٩
صُفُوفًا لِلَيْثٍ فِي لُيُوثٍ حُصُونُها
مُتُونُ المَذَاكِي وَالْوَشِيجُ الْمُقَوَّمُ
٥٦٠
تَغِيبُ الْمَنَايَا عَنْهُمُ وَهْوَ غَائِبٌ
وتَقْدَمُ في سَاحَاتِهِمْ حِينَ يَقْدَمُ
٥٦١
أَجِدَّكَ مَا تَنْفَكُّ عَانٍ تَفُكُّهُ
عُمَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَمَالٌ تُقَسِّمُ
٥٦٢
مُكَافِيكَ مَنْ أَوْلَيْتَ دِينَ رَسُولِهِ
يَدًا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهَا الْيَدُ وَالْفَمُ
٥٦٣
عَلَى مَهَلٍ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِرَاحِمٍ
لِنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فَإِنَّكَ تُرْحَمُ
٥٦٤
مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وَشَانِيكَ مُفْحَمُ
وَمِثْلُكَ مَفْقُودٌ وَنَيْلُكَ خِضْرِمُ
٥٦٥
وَزَارَكَ بِي دُونَ الْمُلُوكِ تَحَرُّجِي
إِذَا عَنَّ بَحْرٌ لَمْ يَجُزْ لِي التَّيَمُّمُ
٥٦٦
فَعِشْ لَوْ فَدَى المَمْلُوكُ رَبًّا بِنَفْسِهِ
مِنَ المَوْتِ لَمْ تُفْقَدْ وَفِي الْأَرْضِ مُسْلِمُ
٥٦٧
واجتاز بمكان يعرف بالفراديس من أرض قِنَّسْرِين فسمع زئير الأسد، فقال:
أَجَارُكِ يَا أُسْدَ الْفَرَادِيسِ مُكْرَمُ
فتَسْكُنَ نَفْسِي أَمْ مُهَانٌ فَمُسْلَمُ؟
٥٦٨
وَرَائِي وَقُدَّامِي عُدَاةٌ كَثِيرَةٌ
أُحَاذِرُ مِنْ لِصٍّ وَمِنْكِ وَمِنْهُمُ
٥٦٩
فَهَلْ لَكِ فِي حِلْفِي عَلَى مَا أُرِيدُهُ؟
فَإِنِّي بِأَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ أَعْلَمُ
٥٧٠
إِذَنْ لَأَتَاكِ الخَيْرُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
وَأَثْرَيْتِ مِمَّا تَغْنَمِينَ وَأَغْنَمُ
٥٧١
وقال في لعبة كانت تدور فسقطت عند بدر بن عمار:
مَا نَقَلَتْ فِي مَشِيئَةٍ قَدَمَا
وَلَا اشْتَكَتْ مِنْ دُوَارِهَا أَلَمَا
٥٧٢
لَمْ أَرَ شَخْصًا مِنْ قَبْلِ رُؤْيَتِهَا
يَفْعَلُ أَفْعَالَهَا وَمَا عَزَمَا
فَلَا تَلُمْهَا عَلَى تَوَاقُعِهَا
أَطْرَبَهَا أَنْ رَأَتْكَ مُبْتَسِمَا
٥٧٣
وخرج أبو الطيب إلى جبل حرس، فنزل بأبي الحسين علي بن أحد المري الخراساني، وكان بينهما
مودة بطبرية، فقال يمدحه:
لَا افْتِخَارٌ إِلَّا لِمَنْ لَا يُضَامُ
مُدْرِكٍ أَوْ مُحَارِبٍ لَا يَنَامُ
٥٧٤
لَيْسَ عَزْمًا مَا مَرَّضَ المَرْءُ فِيهِ
لَيْسَ هَمًّا مَا عَاقَ عَنْهُ الظَّلَامُ
٥٧٥
وَاحْتِمَالُ الْأَذَى وَرُؤْيَةُ جَانِيـ
ـهِ غِذَاءٌ تَضْوَى بِهِ الْأَجْسَامُ
٥٧٦
ذَلَّ مَنْ يَغْبِطُ الذَّلِيلَ بِعَيْشٍ
رُبَّ عَيْشٍ أَخَفُّ مِنْهُ الْحِمَامُ
٥٧٧
كُلُّ حِلْمٍ أَتَى بِغَيْرِ اقْتِدَارٍ
حُجَّةٌ لَاجِئٌ إِلَيْهَا اللِّئَامُ
٥٧٨
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ
٥٧٩
ضَاقَ ذَرْعًا بِأَنْ أَضِيقَ بِهِ ذَرْ
عًا زَمَانِي وَاسْتَكْرَمَتْنِي الْكِرَامُ
٥٨٠
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيْ قَدْرِ نَفْسِي
وَاقِفًا تَحْتَ أَخْمَصَيَّ الْأَنَامُ
٥٨١
أَقَرَارًا أَلَذُّ فَوْقَ شَرَارٍ
وَمَرَامًا أَبْغِي وَظُلْمِي يُرَامُ؟!
دُونَ أَنْ يَشْرَقَ الْحِجَازُ وَنَجْدٌ
وَالْعِرْاقَانِ بِالْقَنَا وَالشَّآمُ
شَرَقَ الْجَوِّ بِالْغُبَارِ إِذَا سَا
رَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْقَمْقَامُ
٥٨٢
الْأَدِيبُ الْمُهَذَّبُ الْأَصْيَدُ الضَّرْ
بُ الذَّكِيُّ الْجَعْدُ السَّرِيُّ الْهُمَامُ
٥٨٣
وَالَّذِي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أُسَارَا
هُ وَمِنْ حَاسِدِي يَدَيْهِ الْغَمَامُ
٥٨٤
يَتَدَاوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بِالْإِقـْ
ـلَالِ جُودًا كَأَنَّ مَالًا سَقَامُ
٥٨٥
حَسَنٌ فِي عُيُونِ أَعْدَائِهِ أَقـْ
ـبَحُ مِنْ ضَيْفِهِ رَأَتْهُ السَّوَامُ
٥٨٦
لَوْ حَمَى سَيِّدًا مِنَ الْمَوْتِ حَامٍ
لَحَمَاكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ
٥٨٧
وَعَوَارٍ لَوَامِعٌ دِينُهَا الْحِلـْ
ـلُ وَلَكِنَّ زِيَّهَا الْإِحْرَامُ
٥٨٨
كُتِبَتْ فِي صَحَائِفِ الْمَجْدِ: بِسْمٌ
ثُمَّ قَيْسٌ وَبَعْدَ قَيْسِ السَّلَامُ
٥٨٩
إِنَّمَا مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ
لَجَمَرَاتٌ لَا تَشْتَهِيهَا النَّعَامُ
٥٩٠
لَيْلُهَا صُبْحُهَا مِنَ النَّارِ وَالْإِصـْ
ـبَاحُ لَيْلٌ مِنَ الدُّخَانِ تِمَامُ
٥٩١
هِمَمٌ بَلَّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِهَا الْأَوْهَامُ
وَنُفُوسٌ إِذَا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ
نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الْإِقْدَامُ
٥٩٢
وَقُلُوبٌ مُوَطَّنَاتٌ عَلَى الرَّوْ
عِ كَأَنَّ اقْتِحَامَهَا اسْتِسْلَامُ
٥٩٣
قَائِدُو كُلِّ شَطْبَةٍ وَحِصَانٍ
قَدْ بَراهَا الْإِسْرَاجُ وَالْإِلْجَامُ
٥٩٤
يَتَعَثَّرْنَ بِالرُّءُوسِ كَمَا مَرْ
رَ بِتَاءَاتِ نُطْقِهِ التَّمْتَامُ
٥٩٥
طَالَ غِشْيَانُكَ الكَرَائِهَ حَتَّى
قَالَ فِيكَ الَّذِي أَقُولُ الْحُسَامُ
٥٩٦
وَكَفَتْكَ الصَّفَائِحُ النَّاسَ حَتَّى
قَدْ كَفَتْكَ الصَّفَائِحَ الْأَقْلَامُ
٥٩٧
وَكَفَتْكَ التَّجَارِبُ الْفِكْرَ حَتَّى
قَدْ كَفَاكَ التَّجَارِبَ الْإِلْهَامُ
٥٩٨
فَارِسٌ يَشْتَرِي بِرَازَكَ لِلْفَخـْ
ـرِ بِقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لَا يُلَامُ
٥٩٩
نَائِلٌ مِنْكَ نَظْرَةً سَاقَهُ الْفَقـْ
ـرُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ إِنْعَامُ
٦٠٠
خَيْرُ أَعْضَائِنَا الرُّءُوسُ وَلَكِنْ
فَضَلَتْهَا بِقَصْدِكَ الْأَقْدَامُ
٦٠١
قَدْ لَعَمْرِي أَقْصَرْتُ عَنْكَ وَلِلْوَفـْ
ـدِ ازْدِحَامٌ وَلِلْعَطَايَا ازْدِحَامُ
٦٠٢
خِفْتُ إِنْ صِرْتُ فِي يَمِينِكَ أَنْ تَأْ
خُذَنِي في هِبَاتِكَ الْأَقْوَامُ
٦٠٣
وَمِنَ الرُّشْدِ لَمْ أَزُرْكَ عَلَى الْقُرْ
بِ، عَلَى الْبُعْدِ يُعْرَفُ الْإِلْمَامُ
٦٠٤
وَمِنَ الْخَيْرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عَنِّي
أَسْرَعُ السُّحْبِ فِي الْمَسِيرِ الْجَهَامُ
٦٠٥
قُلْ فَكَمْ مِنْ جَوَاهِرٍ بِنِظَامٍ
وُدُّهَا أَنَّهَا بِفِيكَ كَلَامُ!
٦٠٦
هَابَكَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَلَوْ تَنـْ
ـهَاهُمَا لَمْ تَجُزْ بِكَ الْأَيَّامُ
٦٠٧
حَسْبُكَ اللهُ مَا تَضِلُّ عَنِ الْحَقـْ
ـقِ وَمَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ أَثَامُ
٦٠٨
لِمَ لَا تَحْذَرُ الْعَوَاقِبَ فِي غَيـْ
ـرِ الدَّنَايَا أَمَا عَلَيْكَ حَرَامُ؟!
٦٠٩
كَمْ حَبِيبٍ لَا عُذْرَ فِي اللَّوْمِ فِيهِ
لَكَ فِيهِ مِنَ التُّقَى لُوَّامُ!
٦١٠
رَفَعَتْ قَدْرَكَ النَّزَاهَةُ عَنْهُ
وَثَنَتْ قَلْبَكَ المَسَاعِي الْجِسَامُ
٦١١
إِنَّ بَعْضًا مِنَ الْقَرِيضِ هُذَاءٌ
لَيْسَ شَيْئًا وَبَعْضَهُ أَحْكَامُ
٦١٢
مِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبَرَاعَةُ والفَضـْ
ـلُ ومِنْهُ مَا يَجْلُبُ الْبِرْسَامُ
٦١٣
وورد على أبي الطيب كتاب من جدته لأمه تشكو شوقها إليه وطول غيبته عنها، فتوجه نحو
العراق، ولم يمكنه وصول الكوفة على حالته تلك، فانحدر إلى بغداد، وكانت جدته قد يئست
منه،
فكتب إليها كتابًا يسألها المسيرَ إليه، فقبَّلت كتابه، وحُمَّت لوقتها سرورًا به، وغلب
الفرح على قبلها فقتلها، فقال يرثيها:
أَلَا لَا أُرِي الْأَحْدَاثَ حَمْدًا وَلَا ذَمًّا
فَمَا بَطْشُها جَهْلًا وَلَا كَفُّهَا حِلْمَا
٦١٤
إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ الفَتَى مَرْجِعُ الْفَتَى
يَعُودُ كَمَا أُبْدِي وَيُكْرِي كَمَا أَرْمَى
٦١٥
لَكِ اللهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا
قَتِيلَةِ شَوْقٍ غَيْرِ مُلْحِقِهَا وَصْمَا
٦١٦
أَحِنُّ إِلَى الْكَأْسِ الَّتِي شَرِبَتْ بِهَا
وَأَهْوَى لِمَثْوَاهَا التُّرَابَ وَمَا ضَمَّا
٦١٧
بَكَيْتُ عَلَيْهَا خِيفَةً فِي حَيَاتِهَا
وَذَاقَ كِلَانَا ثُكْلَ صَاحِبِهِ قِدْمَا
٦١٨
وَلَوْ قَتَلَ الْهَجْرُ الْمُحِبِّينَ كُلَّهُمْ
مَضَى بَلَدٌ بَاقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرْمَا
٦١٩
عَرَفْتُ اللَّيَالِي قَبْلَ مَا صَنَعَتْ بِنَا
فَلَمَّا دَهَتْنِي لَمْ تَزِدْنِي بِهَا عِلْمَا
٦٢٠
مَنَافِعُهَا مَا ضَرَّ فِي نَفْعِ غَيْرِهَا
تَغَذَّى وَتَرْوَى أَنْ تَجُوعَ وَأَنْ تَظْمَا
٦٢١
أَتَاهَا كِتَابِي بَعْدَ يَأْسٍ وَتَرْحَةٍ
فَمَاتَتْ سُرُورًا بي فَمُتُّ بِهَا غَمَّا
٦٢٢
حَرَامٌ عَلَى قَلْبِي السُّرُورُ فَإِنَّنِي
أَعُدُّ الَّذِي مَاتَتْ بِهِ بَعْدَهَا سُمَّا
٦٢٣
تَعَجَّبُ مِنْ خَطِّي وَلَفْظِي كَأَنَّهَا
تَرَى بِحُرُوفِ السَّطْرِ أَغْرِبَةً عُصْمَا
٦٢٤
وَتَلْثَمُهُ حَتَّى أَصَارَ مِدَادُهُ
مَحَاجِرَ عَيْنَيْهَا وَأَنْيَابَهَا سُحْمَا
٦٢٥
رَقَا دَمْعُهَا الْجَارِي وَجَفَّتْ جُفُونُهَا
وَفَارَقَ حُبِّي قَلْبَهَا بَعْدَ مَا أَدْمَى
٦٢٦
وَلَمْ يُسْلِهَا إِلَّا المَنَايَا وَإِنَّمَا
أَشَدُّ مِنَ السُّقْمِ الَّذِي أَذْهَبَ السُّقْمَا
٦٢٧
طَلَبْتُ لَهَا حَظًّا فَفَاتَتْ وَفَاتَنِي
وَقَدْ رَضِيَتْ بِي لَوْ رَضِيتُ بِهَا قِسْمَا
٦٢٨
فَأَصْبَحْتُ أَسْتَسْقِي الْغَمَامَ لِقَبْرِهَا
وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَسْقِي الْوَغَى وَالْقَنَا الصُّمَّا
٦٢٩
وَكُنْتُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَسْتَعْظِمُ النَّوَى
فَقَدْ صَارَتِ الصُّغْرَى الَّتي كَانَتِ الْعُظْمَى
٦٣٠
هَبِينِي أَخَذْتُ الثَّأْرَ فِيكِ مِنَ الْعِدَا
فَكَيْفَ بِأَخْذِ الثَّأْرِ فِيكِ مِنَ الْحُمَّى؟!
٦٣١
وَمَا انْسَدَّتِ الدُّنْيَا عَلَيَّ لِضِيقِهَا
وَلَكِنَّ طَرْفًا لَا أَرَاكِ بِهِ أَعْمَى
٦٣٢
فَوَا أَسَفَا أنْ لَا أُكِبَّ مُقَبِّلًا
لِرَأْسِكِ وَالصَّدْرِ اللَّذَيْ مُلِئَا حَزْمَا
٦٣٣
وَأَنْ لَا أُلَاقِي رُوحَكِ الطَّيِّبَ الَّذِي
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسْكِ كَانَ لَهُ جِسْمَا
٦٣٤
وَلَوْ لَمْ تَكُونِي بِنْتَ أَكْرَمِ وَالِدٍ
لَكَانَ أَبَاكِ الضَّخْمَ كَوْنُكِ لِي أُمَّا
٦٣٥
لَئِنْ لَذَّ يَوْمُ الشَّامِتِينَ بِيَوْمِهَا
فَقَدْ وَلَدَتْ مِنِّي لِأَنْفِهِمِ رَغْمَا
٦٣٦
تَغَرَّبَ لَا مُسْتَعْظِمًا غَيْرَ نَفْسِهِ
وَلَا قَابِلًا إِلَّا لِخَالِقِهِ حُكْمَا
٦٣٧
وَلَا سَالِكًا إِلَّا فُؤَادَ عَجَاجَةٍ
وَلَا وَاجِدًا إِلَّا لِمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
٦٣٨
يَقُولُونَ لِي: مَا أَنْتَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ؟
وَمَا تَبْتَغِي؟ مَا أَبْتَغِي جَلَّ أَنْ يُسْمَى
٦٣٩
كَأَنَّ بَنِيهِمْ عَالِمُونَ بِأَنَّنِي
جَلُوبٌ إِلَيْهِمْ مِنْ مَعَادِنِهِ الْيُتْمَا
٦٤٠
وَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ فِي يَدِي
بِأَصْعَبَ مِنْ أَنْ أَجْمَعَ الْجَدَّ وَالْفَهْمَا
٦٤١
وَلَكِنَّنِي مُسْتَنْصِرٌ بِذُبَابِهِ
وَمُرْتَكِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ بِهِ الْغَشْمَا
٦٤٢
وَجَاعِلُهُ يَوْمَ اللِّقَاءِ تَحِيَّتِي
وَإِلَّا فَلَسْتُ السَّيِّدَ الْبَطَلَ القَرْمَا
٦٤٣
إِذَا فَلَّ عَزْمِي عَنْ مَدًى خَوْفُ بُعْدِهِ
فَأَبْعَدُ شَيْءٍ مُمْكِنٌ لَمْ يَجِدْ عَزْمَا
٦٤٤
وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ كَأَنَّ نُفُوسَنَا
بِهَا أَنَفٌ أَنْ تَسْكُنَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَا
٦٤٥
كَذَا أَنَا يَا دُنْيَا إِذَا شِئْتِ فَاذْهَبِي
وَيَا نَفْسُ زِيدِي فِي كَرَائِهِهَا قُدْمَا
٦٤٦
فَلَا عَبَرَتْ بِي سَاعَةٌ لَا تُعِزُّنِي
وَلَا صَحِبَتْني مُهْجَةٌ تَقْبَلُ الظُّلْمَا
٦٤٧
وقال يمدح الأمير أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بالرملة، وكان أبو محمد قد كثرت
مراسلته إلى أبي الطيب من الرملة، فسار إليه، فلما دخل الرملة أكرمه أبو محمد فمدحه بهذه
القصيدة:
أَنَا لَائِمي إِنْ كُنْتُ وَقْتَ اللَّوَائِمِ
عَلِمْتُ بِمَا بِي بَيْنَ تِلكَ الْمَعَالِمِ
٦٤٨
وَلَكِنَّنِي مِمَّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ
كَسَالٍ وَقَلْبِي بَائِحٌ مِثْلُ كَاتِمِ
٦٤٩
وَقَفْنَا كَأَنَّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا
تَمَكَّنَ مِنْ أَذْوَادِنَا فِي الْقَوَائِمِ
٦٥٠
وَدُسْنَا بِأَخْفَافِ الْمَطِيِّ تُرَابَهَا
فَلَا زِلْتُ أَسْتَشْفِي بِلَثْمِ الْمَنَاسِمِ
٦٥١
دِيَارُ اللَّوَاتِي دَارُهُنَّ عَزِيزَةٌ
بِطُولِ الْقَنَا يُحْفَظْنَ لَا بِالتَّمَائِمِ
٦٥٢
حِسَانُ التَّثَنِّي يَنْقُشُ الْوَشْيُ مِثْلَهُ
إِذَا مِسْنَ فِي أَجْسَامِهِنَّ النَّوَاعِمِ
٦٥٣
وَيَبْسِمْنَ عَنْ دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مِثْلَهُ
كَأَنَّ التَّرَاقِي وُشِّحَتْ بِالْمَبَاسِمِ
٦٥٤
فَمَا لِي وَلِلدُّنْيَا طِلَابِي نُجُومُهَا
وَمَسْعَايَ مِنْهَا فِي شُدُوقِ الْأَرَاقِمِ؟!
٦٥٥
مِنَ الْحِلْمِ أنْ تَسْتَعْمِلَ الْجَهْلَ دُونَهُ
إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الْحِلْمِ طُرْقُ الْمَظَالِمِ
٦٥٦
وَأَنْ تَرِدَ الْمَاءَ الَّذِي شَطْرُهُ دَمٌ
فَتُسْقَى إِذَا لَمْ يُسْقَ مَنْ لَمْ يُزَاحِمِ
٦٥٧
وَمَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ مَعْرِفَتِي بِهَا
وَبِالنَّاسِ رَوَّى رُمْحَهُ غَيْرَ رَاحِمِ
فَلَيْسَ بِمَرْحُومٍ إِذَا ظَفِرُوا بِهِ
وَلَا فِي الرَّدَى الْجَارِي عَلَيْهِم بِآثِمِ
٦٥٨
إِذَا صُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَصَالًا لِصَائِلٍ
وَإِنْ قُلْتُ لَمْ أَتْرُكْ مَقَالًا لِعَالِمِ
٦٥٩
وَإِلَّا فَخَانَتْنِي الْقَوَافِي وَعَاقَنِي
عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ ضُعْفُ الْعَزَائِمِ
٦٦٠
عَنِ الْمُقْتَنِي بَذْلَ التَّلَادِ تِلَادَهُ
وَمُجْتَنِبِ الْبُخْلِ اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ
٦٦١
تَمَنَّى أَعَادِيهِ مَحَلَّ عُفَاتِهِ
وَتَحْسُدُ كَفَّيْهِ ثِقَالُ الْغَمَائِمِ
٦٦٢
وَلَا يَتَلَقَّى الْحَرْبَ إِلَّا بِمُهْجَةٍ
مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ لِلْعَظَائِمِ
٦٦٣
وَذِي لَجَبٍ لَا ذُو الْجَنَاحِ أَمَامَهُ
بِنَاجٍ وَلَا الْوَحْشُ الْمُثَارُ بِسَالمِ
٦٦٤
تَمُرُّ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهْيَ ضَعِيفَةٌ
تُطَالِعُهُ مِنْ بَيْنِ رِيشِ الْقَشَاعِمِ
٦٦٥
إِذَا ضَوْءُهَا لَاقَى مِنَ الطَّيْرِ فُرْجَةً
تَدَوَّرَ فَوْقَ البَيْضِ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ
٦٦٦
وَيَخْفَى عَلَيْكَ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ فَوْقَهُ
مِنَ اللَّمْعِ فِي حَافَاتِهِ وَالْهَمَاهِمِ
٦٦٧
أَرَى دُونَ مَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَبَرْقَةٍ
ضِرَابًا يُمَشِّي الْخَيْلَ فَوْقَ الْجَمَاجِمِ
٦٦٨
وَطَعْنَ غَطَارِيفٍ كَأَنَّ أَكُفَّهُمْ
عَرَفْنَ الرُّدَيْنِيَّاتِ قَبْلَ الْمَعَاصِمِ
٦٦٩
حَمَتْهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
سُيُوفُ بَنِي طُغْجِ بْنِ جُفِّ الْقَمَاقِمِ
٦٧٠
هُمُ الْمُحْسِنُونَ الْكَرَّ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى
وَأَحْسَنُ مِنْهُ كَرُّهُمْ فِي الْمَكَارِمِ
٦٧١
وَهُمْ يُحْسِنُونَ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ
وَيَحْتَمِلُونَ الْغُرْمَ عَنْ كُلِّ غَارِمِ
٦٧٢
حَيِيُّونَ إِلَّا أَنَّهُمْ فِي نِزَالِهِمْ
أَقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفَارِ الصَّوَارِمِ
٦٧٣
وَلَوْلَا احْتِقَارُ الْأُسْدِ شَبَّهْتُهَا بِهِمْ
وَلكِنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الْبَهَائِمِ
٦٧٤
سَرَى النَّوْمُ عَنِّي فِي سُرَايَ إِلَى الَّذِي
صَنَائِعُهُ تَسْرِي إِلَى كُلِّ نَائِمِ
٦٧٥
إِلَى مُطْلِقِ الْأَسْرَى وَمُخْتَرِمِ الْعِدَا
وَمُشْكِي ذَوِي الشَّكْوَى وَرَغْمِ الْمُرَاغِمِ
٦٧٦
كَرِيمٌ نَفَضْتُ النَّاسَ لَمَّا بَلَغْتُهُ
كَأَنَّهُمْ مَا جَفَّ مِنْ زَادِ قَادِمِ
٦٧٧
وَكَادَ سُرُورِي لَا يَفِي بِنَدَامَتِي
عَلَى تَرْكِهِ فِي عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ
٦٧٨
وَفَارَقْتُ شَرَّ الْأَرْضِ أَهْلًا وَتُرْبَةً
بِهَا عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيْرُ هَاشِمِ
٦٧٩
بَلَى اللهُ حُسَّادَ الْأَمِيرِ بِحِلْمِهِ
وَأَجْلَسَهُ مِنْهُمْ مَكَانَ الْعَمَائِمِ
٦٨٠
فَإِنَّ لَهُمْ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ رَاحَةً
وَإِنَّ لَهُمْ فِي الْعَيْشِ حَزَّ الْغَلَاصِمِ
٦٨١
كَأَنَّكَ مَا جَاوَدْتَ مَنْ بَانَ جُودُهُ
عَلَيْكَ وَلَا قَاتَلْتَ مَنْ لَمْ تُقَاوِمِ
٦٨٢
وأقسم عليه أبو محمد أن يشرب فأخذ الكأس، وقال ارتجالًا:
حُيِّيتَ مِنْ قَسَمٍ وَأَفْدِي الْمُقْسِمَا
أَمْسى الْأَنَامُ لَهُ مُجِلًّا مُعْظِمَا
٦٨٣
وَإِذَا طَلبْتُ رِضَا الْأَمِيرِ بِشُرْبِهَا
وَأَخَذْتُهَا فَلَقَدْ تَرَكْتُ الْأَحْرَمَا
٦٨٤
وحدث أبو محمد عن مسيرهم في الليل لكبس بادية وأن المطر أصابهم، فقال:
غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لَكَ الْإِقْدَامُ
فَلِمَنْ ذَا الْحَدِيثُ وَالْإعْلَامُ؟!
قَدْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّكَ مَنْ لَمْ
يَمْنَعِ اللَّيْلُ هَمَّهُ وَالْغَمَامُ
٦٨٥
وقال، وقد كبست أَنطاكيَة فقتل مهره الطخْرور والْحِجْرُ أمه:
إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ
٦٨٦
فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ صَغِيرٍ
كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
٦٨٧
ستَبْكِي شَجْوَهَا فَرَسِي وَمُهْرِي
صَفَائِحُ دَمْعُهَا مَاءُ الْجُسُومِ
٦٨٨
قَرَبْنَ النَّارَ ثُمَّ نَشَانَ فِيهَا
كَمَا نشأ الْعَذَارَى فِي النَّعِيمِ
٦٨٩
وَفَارَقْنَ الصَّيَاقِلَ مُخْلَصَاتٍ
وَأَيْدِيهَا كَثِيرَاتُ الْكُلُومِ
٦٩٠
يَرَى الْجُبَنَاءُ أَنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ
وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئِيمِ
٦٩١
وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي
وَلَا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ
٦٩٢
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
وآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ!
٦٩٣
وَلكِنْ تَاخُذُ الآذانُ مِنْهُ
عَلَى قَدْرِ الْقَرَائِحِ وَالْعُلُومِ
٦٩٤
وسار أبو الطيب من الرملة يريد أنطاكية في سنة ست وثلاثين، فنزل بطرابلس وبها إسحاق
بن
إبراهيم الأعور بن كيغلغ. وكان جاهلًا، وكان يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه
وبين
أبي الطيب عداوة قديمة، فقالوا له: أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك؟! وجعلوا يغرونه، فراسله
أن
يمدحه، فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدًا إلى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ
عليه الطريق وضبطها. ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يومًا، فهجاه
أبو
الطيب، وأملاها على من يثق به. فلما ذاب الثلج خرج كأنه يسير فرسه وسار إلى دمشق، فأتبعه
ابن كيغلغ خيلًا ورجلًا، فأعجزهم وظهرت القصيدة، وهي:
لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ
٦٩٥
يَا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الْفَوَارِسِ فِي الْوَغَى
لَأَخُوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنْكِ وَأَرْحَمُ
يَرْنُو إِلَيْكِ مَعَ الْعَفَافِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ الْمَجُوسَ تُصِيبُ فِيمَا تَحْكُمُ
٦٩٦
رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَيَاضِ بِعَارضِي
وَلَوَ انَّهَا الْأُولَى لَرَاعَ الْأَسْحَمُ
٦٩٧
لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا
فَالشَّيْبُ مِنْ قَبْلِ الْأَوَانِ تَلَثُّمُ
٦٩٨
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْحَادِثَاتِ فَلَا أَرَى
يَقَقًا يُمِيتُ وَلَا سَوَادًا يَعْصِمُ
٦٩٩
وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً
وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ
٧٠٠
ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ
وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
٧٠١
وَالنَّاسُ قَدْ نَبَذُوا الْحِفَاظَ فَمُطْلَقٌ
يَنْسَى الَّذِي يُولَى وَعَافٍ يَنْدَمُ
٧٠٢
لَا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ
٧٠٣
لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
٧٠٤
يُؤْذِي الْقَلِيلُ مِنَ اللِّئَامِ بِطَبْعِهِ
مَنْ لَا يَقِلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلْؤُمُ
٧٠٥
الظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ
ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ
٧٠٦
يَحْمِي ابْنَ كَيْغَلَغَ الطَّرِيقَ وَعِرْسُهُ
مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ
٧٠٧
أَقِمِ المَسَالِحَ فَوْقَ شُقْرِ سُكَيْنَةٍ
إِنَّ المَنِيَّ بِحَلْقَتَيْهَا خِضرِمُ
٧٠٨
وَارْفُقْ بِنَفْسِكَ إِنَّ خَلْقَكَ نَاقِصٌ
وَاسْتُرْ أَبَاكَ فَإِنَّ أَصْلَكَ مُظْلِمُ
٧٠٩
وَغِنَاكٌ مَسْأَلَةٌ وَطَيْشُكَ نَفْخَةٌ
وَرِضَاكَ فَيْشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرْهَمُ
٧١٠
وَاحْذَرْ مُنَاوَاةَ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا
تَقْوَى عَلَى كَمَرِ الْعَبِيدِ وَتُقْدِمُ
٧١١
وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لَا يَرْعَوِي
عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ مَنْ لَا يَفْهَمُ
٧١٢
يَمْشِي بِأَرْبَعَةٍ عَلَى أَعْقَابِهِ
تَحْتَ الْعُلُوجِ وَمِنْ وَرَاءٍ يُلْجَمُ
٧١٣
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرُّ كَأَنَّهَا
مَطْرُوفَةٌ أَوْ فُتَّ فِيهَا حِصْرِمُ
٧١٤
وَإِذَا أَشَارَ مُحَدِّثًا فَكَأَنَّهُ
قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أَوْ عَجُوزٌ تَلْطِمُ
٧١٥
يَقْلِي مُفَارَقَةَ الْأَكُفِّ قَذَالُهُ
حَتَّى يَكَادَ عَلَى يَدٍ يَتَعَمَّمُ
٧١٦
وَتَرَاهُ أَصْغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقًا
وَيَكُونُ أَكْذَبَ مَا يَكُونُ وَيُقْسِمُ
٧١٧
وَالذُّلُّ يُظْهِرُ فِي الذَّلِيلِ مَوَدَّةً
وَأَوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدُّ الْأَرْقَمُ
٧١٨
وَمِنَ الْعَدَاوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ وَيُؤْلِمُ
٧١٩
أَرْسَلْتَ تَسْأَلُنِي الْمَدِيحَ سَفَاهَةً
صَفْرَاءُ أَضْيَقُ مِنْكَ مَاذَا أَزْعُمُ؟!
٧٢٠
أَتُرَى الْقِيَادَة فِي سِوَاكَ تَكَسُّبًا
يَا ابْنَ الْأُعَيِّرِ وَهْيَ فِيكَ تَكَرُّمُ
٧٢١
فَلَشَدَّ مَا جَاوَزْتَ قَدْرَكَ صَاعِدًا
وَلَشَدَّ مَا قَرُبَتْ عَلَيْكَ الْأَنْجُمُ
٧٢٢
وَأَرَغْتَ مَا لِأَبِي الْعَشَائِرِ خَالِصًا
إِنَّ الثَّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ
٧٢٣
وَلِمَنْ أَقَمْتَ عَلَى الْهَوَانِ بِبَابِهِ
تَدْنُو فَيُوجَأُ أَخْدَعَاكَ وَتُنْهَمُ
٧٢٤
وَلِمَنْ يُهِينُ الْمَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
وَلِمَنْ يَجُرُّ الْجَيْشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ
٧٢٥
وَلِمَنْ إِذَا الْتَقَتِ الْكُمَاةُ بِمَأَزِقٍ
فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَمِيُّ المُعْلِمُ
٧٢٦
وَلَرُبَّمَا أَطَرَ القَنَاةَ بِفَارِسٍ
وَثَنَى فَقَوَّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ
٧٢٧
وَالْوَجْهُ أَزْهَرُ وَالْفُؤَادُ مُشَيَّعٌ
وَالرُّمْحُ أَسْمَرُ وَالْحُسَامُ مُصَمِّمُ
٧٢٨
أَفْعَالُ مَنْ تَلِدُ الْكِرَامُ كَرِيمَةٌ
وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الْأَعَاجِمُ أَعْجَمُ
٧٢٩
واجتاز ببعلبك فخلع عليه علي بن عسكر، وسأله أن يقيم عنده، وكان يريد السفر إلى
أَنطاكيَة، فقال يستأذنه:
رَوِينَا يَا ابْنَ عَسْكَرٍ الْهُمَامَا
وَلَمْ يَتْرُكْ نَدَاكَ بِنَا هُيَامَا
٧٣٠
وَصَارَ أَحَبُّ مَا تُهْدِي إلَيْنَا
لِغَيْرِ قِلًى وَدَاعَكَ وَالسَّلَامَا
٧٣١
وَلَمْ نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ الْمَوَالِي
وَلَمْ نَذْمُمْ أَيَادِيَكَ الْجِسَامَا
٧٣٢
وَلَكِنَّ الْغُيُوثَ إِذَا تَوَالَتْ
بِأَرْضِ مُسَافِرٍ كَرِهَ الْمُقَامَا
٧٣٣
وكان مع أبي العشائر ليلًا على الشراب، فكلما أراد النهوض وهب له شيئًا، حتى وهب له
ثيابًا وجارية ومهرًا فقال:
أَعَنْ إِذْنِي تَهُبُّ الرِّيحُ رَهْوًا
وَيَسْرِي كُلَّمَا شِئْتُ الْغَمَامُ؟!
٧٣٤
وَلَكِنَّ الْغَمَامَ لَهُ طِبَاعٌ
تَبَجُّسُهُ بِهَا وَكَذَا الْكِرَامُ
٧٣٥
وقال يمدح كافورًا، وقد أهدى إليه مهرًا أدهم في شهر ربيع الآخر سنة ٣٤٧ﻫ:
فِرَاقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيْرُ مُذَمَّمِ
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمَّمْتُ خَيْرُ مُيَمَّمِ
٧٣٦
وَمَا مَنْزِلُ اللَّذَّاتِ عِنْدِي بِمَنْزِلٍ
إِذَا لَمْ أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
٧٣٧
سَجِيَّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُلِيحَةً
مِنَ الضَّيْمِ مَرْمِيًّا بِهَا كُلُّ مَخْرِمِ
٧٣٨
رَحَلْتُ فَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ شَادِنٍ
عَلَيَّ وَكَمْ بَاكٍ بِأَجْفَانِ ضَيْغَمِ!
٧٣٩
وَمَا رَبَّةُ القُرْطِ الْمَلِيحِ مَكَانُهُ
بِأَجْزَعَ مِنْ رَبِّ الْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ
٧٤٠
فَلَوْ كَانَ مَا بِي مِنْ حَبِيبٍ مُقَنَّعٍ
عَذَرْتُ وَلَكِنْ مِنْ حَبِيبٍ مُعَمَّمِ
٧٤١
رَمَى وَاتَّقَى رَمْيِي وَمِنْ دُونِ مَا اتَّقَى
هَوًى كَاسِرٌ كَفِّي وَقَوْسِي وَأَسْهُمي
٧٤٢
إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ
وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
٧٤٣
وَعَادَى مُحِبِّيهِ بِقَوْلِ عُدَاتِهِ
وَأَصْبَحَ فِي لَيْلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ
٧٤٤
أُصَادِقُ نَفْسَ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ جِسْمِهِ
وَأَعْرِفُهَا فِي فِعْلِهِ وَالتَّكَلُّمِ
٧٤٥
وَأَحْلُمُ عَنْ خِلِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ
مَتَى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلَى الْجَهْلِ يَنْدَمِ
٧٤٦
وَإِنْ بَذَلَ الْإِنْسَانُ لِي جُودَ عَابِسٍ
جَزَيْتُ بِجُودِ التَّارِكِ المُتَبَسِّمِ
٧٤٧
وَأَهْوَى مِنَ الْفِتْيَانِ كُلَّ سَمَيْذَعٍ
نَجِيبٍ كَصَدْرِ السَّمْهَرِيِّ الْمُقَوَّمِ
٧٤٨
خَطَتْ تَحْتَهُ الْعِيسُ الْفَلَاةَ وَخَالَطَتْ
بِهِ الْخَيْلُ كَبَّاتِ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
٧٤٩
وَلَا عِفَّةٌ فِي سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ
وَلَكِنَّهَا فِي الْكَفِّ وَالْفَرْجِ وَالْفَمِ
٧٥٠
وَمَا كُلُّ هَاوٍ لِلْجَمِيلِ بِفَاعِلٍ
وَلَا كُلُّ فَعَّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
٧٥١
فِدًى لِأَبِي الْمِسْكِ الْكِرَامُ فَإِنَّهَا
سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدِينَ بِأدْهَمِ
٧٥٢
أَغَرَّ بِمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
إِلَى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
٧٥٣
إِذَا مَنَعَتْ مِنْكَ السِّيَاسَةُ نَفْسَهَا
فَقِفْ وَقْفَةً قُدَّامَهُ تَتَعَلَّمِ
٧٥٤
يَضِيقُ عَلَى مَنْ رَاءَهُ الْعُذْرُ أَنْ يُرَى
ضَعِيفَ الْمَسَاعِي أَوْ قَلِيلَ التَّكَرُّمِ
٧٥٥
وَمَنْ مِثْلُ كَافُورٍ إِذَا الْخَيْلُ أَحْجَمَتْ
وَكَانَ قَلِيلًا مَنْ يَقُولُ لَهَا: اقْدُمِي
٧٥٦
شَدِيدُ ثَبَاتِ الطِّرْفِ وَالنَّقْعُ وَاصِلٌ
إِلَى لَهَوَاتِ الْفَارِسِ المُتَلَثِّمِ
٧٥٧
أَبَا الْمِسْكِ أَرْجُو مِنْكَ نَصْرًا عَلَى الْعِدَا
وآمُلُ عِزًّا يَخْضِبُ الْبِيضَ بِالدَّمِ
٧٥٨
وَيَوْمًا يَغِيظُ الْحاسِدِينَ وَحَالَةً
أُقِيمُ الشَّقَا فِيهَا مَقَامَ التَّنَعُّمِ
٧٥٩
وَلَمْ أَرْجُ إِلَّا أَهْلَ ذَاكَ وَمَنْ يُرِدْ
مَوَاطِرَ مِنْ غَيْرِ السَّحَائِبِ يَظْلِمِ
٧٦٠
فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي مِصْرَ مَا سِرْتُ نَحْوَهَا
بِقَلْبِ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ الْمُتَيَّمِ
٧٦١
وَلَا نَبَحَتْ خَيْلِي كلَابُ قَبَائِلٍ
كَأَنَّ بِهَا فِي اللَّيلِ حَمْلَاتِ دَيْلَمِ
٧٦٢
وَلَا اتَّبَعَتْ آثَارَنَا عَيْنُ قَائِفٍ
فَلَمْ تَرَ إِلَّا حَافِرًا فَوْقَ مَنْسِمِ
٧٦٣
وَسَمْنَا بِهَا الْبَيْدَاءَ حَتَّى تَغَمَّرَتْ
مِنَ النِّيلِ وَاسْتَذْرَتْ بِظِلِّ الْمُقَطَّمِ
٧٦٤
وَأَبْلَخَ يَعْصِي بِاخْتِصَاصِي مُشِيرَهُ
عَصَيْتُ بِقَصْدِيهِ مُشِيرِي وَلُوَّمِي
٧٦٥
فَسَاقَ إِلَيَّ الْعُرْفَ غَيْرَ مُكَدَّرٍ
وَسُقْتُ إِلَيْهِ الشُّكْرَ غَيْرَ مُجَمْجَمِ
٧٦٦
قَدِ اخْتَرْتُكَ الْأَمْلَاكَ فاخْتَرْ لَهُمْ بِنَا
حَدِيثًا وَقَدْ حَكَّمْتُ رَأْيَكَ فَاحْكُمِ
٧٦٧
فَأَحْسَنُ وَجْهٍ فِي الْوَرَى وَجْهُ مُحْسِنٍ
وَأَيْمَنُ كَفٍّ فِيهِمِ كَفُّ مُنْعِمِ
٧٦٨
وَأَشرَفُهُمْ مَنْ كَانَ أَشْرَفَ هِمَّةً
وَأَكْبَرَ إِقْدَامًا عَلَى كُلِّ مُعْظَمِ
٧٦٩
لِمَنْ تَطْلُبُ الدُّنْيَا إِذَا لَمْ تُرِدْ بِهَا
سُرُورَ مُحِبٍّ أَوْ إِسَاءَةَ مُجْرِمِ؟!
٧٧٠
وَقَدْ وَصَلَ الْمُهْرُ الَّذِي فَوْقَ فَخْذِهِ
مِنِ اسْمِكَ مَا فِي كُلِّ عُنْقٍ وَمِعْصَمِ
٧٧١
لَكَ الْحَيَوَانُ الرَّاكِبُ الْخَيْلَ كُلُّهُ
وَإِنْ كَانَ بِالنِّيرَانِ غَيْرَ مُوَسَّمِ
٧٧٢
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي كَمْ حَيَاتِي قَسَمْتُهَا
وَصَيَّرْتُ ثُلْثَيْهَا انْتِظَارَكَ فَاعْلَمِ
٧٧٣
وَلَكِنَّ مَا يَمْضِي مِنَ الْعُمْرِ فَائِتٌ
فَجُدْ لِي بِخَطِّ الْبَادِرِ الْمُتَغَنِّمِ
٧٧٤
رَضِيتُ بِمَا تَرْضَى بِهِ لِي مَحَبَّةً
وَقُدْتُ إِلَيْكَ النَّفْسَ قَوْدَ الْمُسَلِّمِ
٧٧٥
وَمِثْلُكَ مَنْ كَانَ الْوَسِيطَ فُؤَادُهُ
فَكَلَّمَهُ عَنِّي وَلَمْ أَتَكَلَّمِ
٧٧٦
وقال يذكر حُمَّى كانت تغشاه بمصر ويعرض بالرحيل عن مصر، وذلك في ذي الحجة سنة ثمانٍ
وأربعين وثلاثمائة:
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلَامِ
وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلام
٧٧٧
ذَرَانِي وَالْفَلَاةَ بِلَا دَلِيلٍ
وَوَجْهِي وَالْهَجِيرَ بِلَا لِثَامِ
٧٧٨
فَإِنِّي أَسْتَرِيحُ بِذِي وَهَذَا
وَأَتْعَبُ بِالْإِنَاخَةِ وَالمُقَامِ
٧٧٩
عُيُونُ رَوَاحِلِي إِنْ حِرْتُ عَيْنِي
وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغَامِي
٧٨٠
فَقَدْ أَرِدُ المِيَاهَ بِغَيْرِ هَادٍ
سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ
٧٨١
يُذِمُّ لِمُهْجَتِي رَبِّي وَسَيْفِي
إِذَا احْتَاجَ الوَحِيدُ إِلَى الذِّمَامِ
٧٨٢
وَلَا أُمْسِي لِأَهْلِ الْبُخْلِ ضَيْفًا
وَلَيْسَ قِرًى سِوَى مُخِّ النَّعَامِ
٧٨٣
فَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا
جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بابْتِسَامِ
٧٨٤
وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ
لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الْأَنَامِ
٧٨٥
يُحِبُّ الْعَاقِلُونَ عَلَى التَّصَافِي
وَحُبُّ الْجَاهِلِينَ عَلَى الْوَسَامِ
٧٨٦
وَآنَفُ مِنْ أَخِي لِأَبِي وَأُمِّي
إِذَا مَا لَمْ أَجِدْهُ مِنَ الكِرَامِ
٧٨٧
أَرَى الْأَجْدَادَ تَغْلِبُهَا كَثِيرًا
عَلَى الْأَوْلَادِ أَخْلَاقُ اللِّئَامِ
٧٨٨
وَلَسْتُ بِقَانِعٍ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ
بِأَنْ أُعْزَى إِلَى جَدٍّ هُمَامِ
٧٨٩
عَجِبْتُ لِمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنْبُو نَبْوَةَ الْقَضِمِ الكَهَامِ
٧٩٠
وَمَنْ يَجِدُ الطَّرِيقَ إِلَى الْمَعَالِي
فَلَا يَذَرُ الْمَطِيَّ بِلَا سَنَامِ
٧٩١
وَلَمْ أرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا
كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
٧٩٢
أَقَمْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ فَلَا وَرَائِي
تَخُبُّ بِيَ الْمَطِيُّ وَلَا أَمَامِي
٧٩٣
وَمَلَّنِيَ الْفِرَاشُ وَكَانَ جَنْبِي
يَمَلُّ لِقَاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ
٧٩٤
قَلِيلٌ عَائِدِي سَقِمٌ فُؤَادِي
كَثِيرٌ حَاسِدِي صَعْبٌ مَرَامِي
٧٩٥
عَلِيلُ الْجِسْمِ مُمْتَنِعُ الْقِيَامِ
شَدِيدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدَامِ
٧٩٦
وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِهَا حَيَاءً
فَلَيْسَ تَزُورُ إِلَّا فِي الظَّلِامِ
٧٩٧
بَذَلْتُ لَهَا الْمَطَارِفَ وَالْحَشَايَا
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ فِي عِظَامِي
٧٩٨
يَضِيقُ الْجِلْدُ عَنْ نَفَسِي وَعَنْهَا
فَتُوسِعُهُ بِأَنْوَاعِ السِّقَامِ
٧٩٩
إِذَا مَا فَارَقَتْنِي غَسَّلَتْنِي
كَأَنَّا عَاكِفَانِ عَلَى حَرَامِ
٨٠٠
كَأَنَّ الصُّبْحَ يَطْرُدُهَا فتَجْرِي
مَدَامِعُهَا بِأَرْبَعَةٍ سِجَامِ
٨٠١
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ
مُرَاقَبَةَ الْمَشُوقِ الْمُسْتَهَامِ
٨٠٢
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصِّدْقُ شَرٌّ
إِذَا أَلْقَاكَ فِي الْكُرَبِ الْعِظَامِ
٨٠٣
أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ
فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحَامِ؟!
٨٠٤
جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ
مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلَا السِّهَامِ
٨٠٥
أَلَا يَا لَيْتَ شِعْرَ يَدِي أتُمْسِي
تَصَرَّفُ فِي عِنَانٍ أوْ زِمَامِ؟
٨٠٦
وَهَلْ أَرْمِي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ
مُحَلَّاةِ الْمَقَاوِدِ باللُّغَامِ؟
٨٠٧
فَرُبَّتَمَا شَفَيْتُ غَلِيلَ صَدْري
بِسَيْرٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ حُسَامِ
٨٠٨
وَضَاقَتْ خُطَّةٌ فَخَلَصْتُ مِنْهَا
خَلَاصَ الْخَمْرِ مِنْ نَسْجِ الْفِدَامِ
٨٠٩
وَفَارَقْتُ الْحَبِيبَ بِلَا وَدَاعٍ
وَوَدَّعْتُ الْبِلَادَ بِلَا سَلَامِ
٨١٠
يَقُولُ لِيَ الطَّبِيبُ: أَكَلْتَ شَيْئًا
وَدَاؤُكَ فِي شَرَابِكَ وَالطَّعَامِ
وَمَا فِي طِبِّهِ أَنِّي جَوَادٌ
أَضَرَّ بِجِسْمِهِ طُولُ الجِمَامِ
٨١١
تَعَوَّدَ أَنْ يُغَبِّرَ فِي السَّرَايَا
وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ فِي قَتَامِ
٨١٢
فَأُمْسِكَ لَا يُطَالُ لَهُ فيَرْعَى
وَلَا هُوَ فِي العَلِيقِ وَلَا اللِّجَامِ
٨١٣
فَإِنْ أَمْرَضْ فَمَا مَرِضَ اصْطِبَارِي
وَإِنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعْتِزَامِي
٨١٤
وَإِنْ أَسْلَمْ فَمَا أَبْقَى وَلَكِنْ
سَلِمْتُ مِنَ الْحِمَامِ إِلَى الْحِمَامِ
٨١٥
تَمَتَّعْ مِنْ سُهَادٍ أَوْ رُقَادٍ
وَلَا تَأْمُلْ كَرًى تَحْتَ الرِّجَامِ
٨١٦
فَإِنَّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى
سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِكَ وَالْمَنَامِ
٨١٧
وقال يهجو كافورًا:
مِنْ أَيَّةِ الطُّرْقِ يَأْتِي نَحْوَكَ الْكَرَمُ
أَيْنَ الْمَحَاجِمُ يَا كَافُورُ وَالْجَلَمُ؟
٨١٨
جَازَ الْأُلَى مَلَكَتْ كَفَّاكَ قَدْرَهُمُ
فَعُرِّفُوا بِكَ أَنَّ الْكَلْبَ فَوْقَهُمْ
٨١٩
لَا شَيْءَ أَقْبَحُ مِنْ فَحْلٍ لَهُ ذَكَرٌ
تَقُودُه أَمَةٌ لَيْسَتْ لَهَا رَحِمُ
٨٢٠
سَادَاتُ كُلِّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسَادَةُ الْمُسْلِمِينَ الْأَعْبُدُ الْقَزَمُ
٨٢١
أَغَايَةُ الدِّينِ أَنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ
يَا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهْلِهَا الْأُمَمُ
٨٢٢
أَلَا فَتًى يُورِدُ الْهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيْمَا تَزُولَ شُكُوكُ النَّاسِ وَالتُّهَمُ
٨٢٣
فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يُؤْذِي القُلُوبَ بِهَا
مَنْ دِينُهُ الدَّهْرُ وَالتَّعْطِيلُ وَالْقِدَمُ
٨٢٤
مَا أَقْدَرَ اللهَ أَنْ يُخْزِي خَلِيقَتَهُ
وَلَا يُصَدِّقَ قَوْمًا فِي الَّذِي زَعَمُوا
٨٢٥
وقال يهجوه أيضًا:
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كَرِيمُ
تَزُولُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ الْهُمُومُ؟
٨٢٦
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَكَانٌ
يُسَرُّ بِأَهْلِهِ الْجَارُ الْمُقيمُ؟
٨٢٧
تَشَابَهَتِ الْبَهَائِمُ وَالْعِبِدَّى
عَلَيْنَا وَالْمَوَالِي وَالصَّمِيمُ
٨٢٨
وَمَا أَدْرِي أَذَا دَاءٌ حَدِيثٌ
أَصَابَ النَّاسَ أمْ دَاءٌ قَدِيمُ؟
٨٢٩
حَصَلْتُ بِأَرْضِ مِصْرَ عَلَى عَبِيدٍ
كَأَنَّ الحُرَّ بَيْنَهُمُ يَتِيمُ
٨٣٠
كَأَنَّ الْأَسْوَدَ اللَّابِيَّ فِيهِمْ
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ
٨٣١
أُخِذْتُ بِمَدْحِهِ فَرَأَيْتُ لَهْوًا
مَقَالِي لِلْأُحَيْمِقِ يَا حَلِيمُ
٨٣٢
وَلَمَّا أَنْ هَجَوْتُ رَأَيْتُ عِيًّا
مَقَالِي لِابْنِ آوَى يَا لَئِيمُ
٨٣٣
فَهَلْ مِنْ عَاذِرٍ فِي ذَا وَفِي ذَا
فَمَدْفُوعٌ إلَى السَّقَمِ السَّقِيمُ؟
٨٣٤
إِذَا أَتَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ لَئِيمٍ
وَلَمْ أَلُمِ الْمُسِيءَ فَمَنْ أَلُومُ؟!
٨٣٥
ودخل عليه صديق له بالكوفة وبيده تفاحة ندٍّ عليها اسم فاتك، وكانت مما أهداه له،
فاستحسنها الرجل، فقال المتنبي:
يُذَكِّرُنِي فَاتِكًا حِلْمُهُ
وَشَيْءٌ مِنَ النَّدِّ فِيهِ اسْمُهُ
٨٣٦
وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنَّنِي
يُجَدِّدُ لِي رِيحَهُ شَمُّهُ
٨٣٧
وَأَيَّ فَتًى سَلَبَتْنِي الْمَنُونُ
وَلَمْ تَدْرِ مَا وَلَدَتْ أُمُّهُ!
٨٣٨
وَلَا مَا تَضُمُّ إِلَى صَدْرِهَا
وَلَوْ عَلِمَتْ هَالَهَا ضَمُّهُ
٨٣٩
بِمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَا لَهُ
وَلَكِنَّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ
٨٤٠
فَأَجْوَدُ مِنْ جُودِهِمْ بُخْلُهُ
وَأَحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ
٨٤١
وَأَشْرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ
وَأَنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ
٨٤٢
وَإِنَّ مَنِيَّتَهُ عِنْدَهُ
لَكَالْخَمْرِ سُقِّيَهُ كَرْمُهُ
٨٤٣
فَذَاكَ الَّذِي عَبَّهُ مَاؤُهُ
وَذَاكَ الَّذِي ذَاقَهُ طَعْمُهُ
٨٤٤
وَمَنْ ضَاقَتِ الْأَرْضُ عَنْ نَفسِهِ
حَرًى أَنْ يَضِيقَ بِهَا جِسْمُهُ
٨٤٥
وقال يذكر مسيره من مصر ويرثي فاتكًا، وأنشأها يوم الثلاثاء لتسعٍ خلون من شعبان سنة
٣٥٢:
حَتَّامَ نَحْنُ نُسَارِي النَّجْمَ فِي الظُّلَمِ؟!
وَمَا سُرَاهُ عَلَى خُفٍّ وَلَا قَدَمِ
٨٤٦
وَلَا يُحِسُّ بِأَجْفَانٍ يُحِسُّ بِهَا
فَقْدَ الرُّقَادِ غَرِيبٌ بَاتَ لَمْ يَنَمِ
٨٤٧
تُسَوِّدُ الشَّمْسُ مِنَّا بِيضَ أَوْجُهِنَا
وَلَا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذْرِ وَاللِّمَمِ
٨٤٨
وَكَانَ حَالُهُمَا فِي الْحُكْمِ وَاحِدَةً
لَوِ احْتَكَمْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حِكَمِ
٨٤٩
وَنَتْرُكُ الْمَاءَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ سَفَرٍ
مَا سَارَ في الْغَيْمِ مِنْهُ سَارَ فِي الْأَدَمِ
٨٥٠
لَا أُبْغِضُ العِيسَ لَكِنِّي وَقَيْتُ بِهَا
قَلْبِي مِنَ الْحُزْنِ أَوْ جِسْمِي مِنَ السَّقَمِ
٨٥١
طَرَدْتُ مِنْ مِصْرَ أَيْدِيهَا بِأَرْجُلِهَا
حَتَّى مَرَقْنَ بِنَا مِنْ جَوْشَ وَالْعَلَمِ
٨٥٢
تَبْرِي لَهُنَّ نَعَامُ الدَّوِّ مُسْرَجَةً
تُعَارِضُ الْجُدُلَ المُرْخَاةَ بِاللُّجُمِ
٨٥٣
فِي غِلْمَةٍ أَخْطَرُوا أَرْوَاحَهُم وَرَضُوا
بِمَا لَقِينَ رِضَا الْأَيْسَارِ بِالزَّلَمِ
٨٥٤
تَبْدُو لَنَا كُلَّمَا أَلْقَوْا عَمَائِمَهُمْ
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُودًا بِلَا لُثُمِ
٨٥٥
بِيضُ الْعَوَارِضِ طَعَّانُونَ مَنْ لَحِقُوا
مِنَ الْفَوَارِسِ شَلَّالُونَ لِلنَّعَمِ
٨٥٦
قَدْ بَلَّغُوا بِقَنَاهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِ
وَلَيْسَ يَبلُغُ مَا فِيهِمْ مِنَ الْهِمَمِ
٨٥٧
فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا أَنَّ أَنْفُسَهُمْ
مِنْ طِيبِهِنَّ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
٨٥٨
نَاشُوا الرِّمَاحَ وَكَانَتْ غَيْرَ نَاطِقَةٍ
فَعَلَّمُوهَا صِيَاحَ الطَّيرِ فِي الْبُهَمِ
٨٥٩
تَخْدِي الرِّكَابُ بِنَا بِيضًا مَشَافِرُهَا
خُضْرًا فَرَاسِنُهَا فِي الرُّغْلِ وَالْيَنَمِ
٨٦٠
مَكْعُومَةً بِسِيَاطِ الْقَوْمِ نَضْرِبُهَا
عَنْ مَنْبِتِ الْعُشْبِ نَبْغِي مَنْبِتَ الْكَرَمِ
٨٦١
وَأَيْنَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعْدِ مَنْبِتِهِ
أَبِي شُجَاعٍ قَرِيعِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ؟!
٨٦٢
لَا فَاتِكٌ آخَرٌ فِي مِصْرَ نَقْصِدُهُ
وَلَا لَهُ خَلَفٌ فِي النَّاسِ كُلِّهِمِ
٨٦٣
مَنْ لَا تُشَابِهُهُ الْأَحْيَاءُ فِي شِيَمٍ
أَمْسَى تُشَابِهُهُ الْأَمْوَاتُ فِي الرِّمَمِ
٨٦٤
عَدِمْتُهُ وَكَأَنِّي سِرْتُ أَطْلُبُهُ
فَمَا تَزِيدُنِيَ الدُّنْيَا عَلَى الْعَدَمِ
٨٦٥
مَا زِلْتُ أُضْحِكُ إِبْلِي كُلَّمَا نَظَرَتْ
إِلَى مَنِ اختَضَبَتْ أَخْفَافُهَا بِدَمِ
٨٦٦
أُسِيرُهَا بَيْنَ أَصْنَامٍ أُشَاهِدُهَا
وَلَا أُشَاهِدُ فِيهَا عِفَّةَ الصَّنَمِ
٨٦٧
حَتَّى رَجَعْتُ وَأَقْلَامِي قَوَائِلُ لِي
أَلْمَجْدُ لِلسَّيْفِ لَيْسَ الْمَجْدُ لِلْقَلَمِ
٨٦٨
اكْتُبْ بِنَا أَبَدًا بَعْدَ الْكِتَابِ بِهِ
فَإِنَّمَا نَحْنُ لِلْأَسْيَافِ كَالْخَدَمِ
٨٦٩
أَسْمَعْتِنِي وَدَوَائِي مَا أَشَرْتِ بِهِ
فَإِنْ غَفَلْتُ فَدَائِي قِلَّةُ الْفَهَمِ
٨٧٠
مَنِ اقْتَضَى بِسِوَى الْهِنْدِيِّ حَاجَتَهُ
أَجَابَ كُلَّ سُؤَالٍ عَنْ هَلٍ بِلَمِ
٨٧١
تَوَهَّمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْعَجْزَ قَرَّبَنَا
وَفِي التَّقَرُّبِ مَا يَدْعُو إِلَى التُّهَمِ
٨٧٢
وَلَمْ تَزَلْ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ قَاطِعَةً
بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَوْ كَانُوا ذَوِي رَحِمِ
٨٧٣
فَلَا زِيَارَةَ إِلَّا أَنْ تَزُورَهُمُ
أَيْدٍ نَشَأْنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الْخُذُمِ
٨٧٤
مِنْ كُلِّ قَاضِيَةٍ بِالْمَوْتِ شَفْرَتُهُ
مَا بَيْنَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ
٨٧٥
صُنَّا قَوَائِمَهَا عَنْهُمْ فَمَا وَقَعَتْ
مَوَاقِعَ اللُّؤْمِ فِي الْأَيْدِي وَلَا الكَزَمِ
٨٧٦
هَوِّنْ عَلَى بَصَرٍ مَا شَقَّ مَنْظَرُهُ
فَإِنَّمَا يَقَظَاتُ الْعَيْنِ كَالْحُلُمِ
٨٧٧
وَلَا تَشَكَّ إِلَى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
شَكْوَى الْجَرِيحِ إِلَى الْغِرْبَانِ وَالرَّخَمِ
٨٧٨
وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ لِلنَّاسِ تَسْتُرُهُ
وَلَا يَغُرَّكَ مِنْهُمْ ثَغْرُ مُبْتَسِمِ
٨٧٩
غَاضَ الْوَفَاءُ فَمَا تَلْقَاهُ فِي عِدَةٍ
وَأَعْوَزَ الصِّدْقُ فِي الْإِخْبَارِ وَالْقَسَمِ
٨٨٠
سُبْحَانَ خَالِقِ نَفْسِي كَيْفَ لذَّتُهَا
فِيمَا النُّفُوسُ تَرَاهُ غَايَةَ الْأَلَمِ؟!
٨٨١
الدَّهْرُ يَعْجَبُ مِنْ حَمْلِي نَوَائِبَهُ
وَصَبْرِ جِسْمِي عَلَى أَحْدَاثِهِ الْحُطُمِ
٨٨٢
وَقْتٌ يَضِيعُ وَعُمْرٌ لَيْتَ مُدَّتَهُ
فِي غَيْرِ أُمَّتِهِ مِنْ سَالِفِ الْأُمَمِ
٨٨٣
أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ
فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ
٨٨٤
وقال يمدح عضد الدولة، وقد نثر عليهم الورد، وهم قيام بين يديه حتى غرقوا فيه:
قَدْ صَدَقَ الْوَرْدُ فِي الَّذِي زَعَمَا
أَنَّكَ صَيَّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا
٨٨٥
كَأَنَّمَا مَائِجُ الْهَوَاءِ بِهِ
بَحْرٌ حَوَى مِثْلَ مَائِهِ عَنَمَا
٨٨٦
نَاثِرُهُ نَاثِرُ السُّيُوفِ دَمًا
وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا
٨٨٧
وَالْخَيْلَ قَدْ فَصَّلَ الضِّياعَ بِهَا
وَالنِّعَمَ السَّابِغَاتِ وَالنِّقَمَا
٨٨٨
فَلْيُرِنَا الْوَرْدُ إِنْ شَكَا يَدَهُ
أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ جُودِهِ سَلِمَا
٨٨٩
وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ خَيْرَ مَا نَثَرَتْ
وَإِنَّمَا عَوَّذَتْ بِكَ الْكَرَمَا
٨٩٠
خَوْفًا مِنَ الْعَيْنِ أَنْ يُصَابَ بِهَا
أَصَابَ عَيْنًا بِهَا يُصَابُ عَمَى
٨٩١
هوامش