وعزم سيف الدولة على لقاء الروم في السنَبُوس سنة أربعين وثلاثمائة، وبلغه أن العدو
في
أربعين ألفًا، فتهيبتهم أصحابه، فأنشد أبو الطيب بحضرة الجيش:
تَزُورُ دِيَارًا ما نُحِبُّ لَهَا مَغْنَى
وَنَسْأَلُ فِيهَا غَيْرَ سَاكِنِهَا الْإِذْنَا
١
نَقُودُ إِلَيْهَا الْآخِذَاتِ لَنَا الْمَدَى
عَلَيْهَا الْكُمَاةُ الْمُحْسِنُونَ بِهَا الظَّنَّا
٢
وَنُصْفِي الَّذِي يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ الْهَوَى
وَنُرْضِي الَّذِي يُسْمَى الْإِلَهَ وَلَا يُكْنَى
٣
وَقَدْ عَلِمَ الرُّومُ الشَّقِيُّونَ أَنَّنَا
إِذَا مَا تَرَكْنَا أَرْضَهُمْ خَلْفَنَا عُدْنَا
٤
وَأَنَّا إِذَا مَا الْمَوْتُ صَرَّحَ فِي الْوَغَى
لَبِسْنَا إِلَى حَاجَاتِنَا الضَّرْبَ وَالطَّعْنَا
٥
قَصَدْنَا لَهُ قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ
إِلَيْنَا وَقُلْنَا لِلسُّيُوفِ: هَلُمِّنَّا
٦
وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الْأَسِنَّةَ بَعْدَمَا
تَكَدَّسْنَ مِنْ هَنَّا عَلَيْنَا وَمِنْ هَنَّا
٧
ضُرِبْنَ إِلَيْنَا بِالسِّيَاطِ جَهَالَةً
فَلَمَّا تَعَارَفْنَا ضُرِبْنَ بِهَا عَنَّا
٨
تَعَدَّ الْقُرَى وَالْمُسْ بِنَا الْجَيشَ لَمْسَةً
نُبَارِ إِلَى مَا تَشْتَهِي يَدُكَ الْيُمْنَى
٩
فَقَدْ بَرَدَتْ فَوْقَ اللُّقَانِ دِمَاؤُهُمْ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ نُتْبِعُ البَارِدَ السُّخْنَا
١٠
وَإِنْ كُنتَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ الْعَضْبَ فِيهِمِ
فَدَعْنَا نَكُنْ قَبْلَ الضِّرَابِ الْقَنَا اللُّدْنَا
١١
فَنَحْنُ الْأُلَى لَا نَأْتَلِي لَكَ نُصْرَةً
وَأَنْتَ الَّذِي لَوْ أَنَّهُ وَحْدَهُ أَغْنى
١٢
يَقِيكَ الرَّدَى مَنْ يَبْتَغِي عِنْدَكَ الْعُلَا
وَمَنْ قَالَ: لَا أَرْضَى مِنَ الْعَيْشِ بِالْأدْنَى
١٣
فَلَوْلَاكَ لَمْ تَجْرِ الدِّمَاءُ وَلَا اللُّهَا
وَلَمْ يَكُ لِلدُّنْيَا وَلَا أَهْلِهَا مَعْنَى
١٤
وَمَا الْخَوْفُ إِلَّا مَا تَخَوَّفَهُ الْفَتَى
وَمَا الْأَمْنُ إِلَّا مَا رَآهُ الْفَتَى أَمْنَا
١٥
وقال يمدحه وقد أهدى له ثياب ديباج ورمحًا وفرسًا معها مهرها، وكان المهر أحسن:
ثِيَابُ كَرِيمٍ مَا يَصُونُ حِسَانَهَا
إِذَا نُشِرَتْ كَانَ الْهِبَاتُ صِوَانَهَا
١٦
تُرِينَا صَنَاعُ الرُّومِ فِيهَا مُلُوكَهَا
وَتَجْلُو عَلَيْنَا نَفْسَهَا وَقِيَانَهَا
١٧
وَلَمْ يَكْفِهَا تَصْوِيرُهَا الْخَيْلَ وَحْدَهَا
فَصَوَّرَتِ الْأَشْيَاءَ إِلَّا زَمَانَهَا
١٨
وَمَا ادَّخَرَتْهَا قُدْرَةً في مُصَوِّرٍ
سِوَى أَنَّهَا مَا أَنْطَقَتْ حَيَوَانَهَا
١٩
وَسَمْرَاءُ يَسْتَغْوِي الْفَوَارِسَ قَدُّهَا
وَيُذْكِرُهَا كَرَّاتِهَا وَطِعَانَهَا
٢٠
رُدَيْنِيَّةٌ تَمَّتْ وَكَادَ نَبَاتُهَا
يُرَكِّبُ فِيهَا زُجَّهَا وَسِنَانَهَا
٢١
وَأُمُّ عَتِيقٍ خَالُهُ دُونَ عَمِّهِ
رَأَى خَلْقَهَا مَنْ أَعْجَبَتْهُ فَعَانَهَا
٢٢
إِذَا سَايَرَتْهُ بَايَنَتْهُ وَبَانَهَا
وَشَانَتْهُ فِي عَيْنِ الْبَصِيرِ وَزَانَهَا
٢٣
فَأَيْنَ الَّتِي لَا تَأْمَنُ الْخَيْلُ شَرَّهَا
وَشَرِّي وَلَا تُعْطِي سِوَايَ أَمَانَهَا؟
٢٤
وَأَيْنَ الَّتِي لَا تَرْجِعُ الرُّمْحَ خَائِبًا
إِذَا خَفَضَتْ يُسْرَى يَدَيَّ عِنَانَهَا
٢٥
وَمَا لِي ثَنَاءٌ لَا أَرَاكَ مَكَانَهُ
فَهَلْ لَكَ نُعْمَى لَا تَرَانِي مَكَانَهَا؟
٢٦
ومد نهر قويق وهو نهر بحلب حتى أحاط بدار سيف الدولة، وخرج أبو الطيب من عنده فبلغ
الماء
إلى صدر فرسه فقال أبو الطيب مرتجلًا:
حَجَّبَ ذَا الْبَحْرَ بِحَارٌ دُونَهُ
يَذُمُّهَا النَّاسُ وَيَحْمَدُونَهُ
٢٧
يَا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَهُ؟
أَمِ اشْتَهَيْتَ أَنْ تُرَى قَرِينَهُ؟
٢٨
أَمِ انْتَجَعْتَ لِلْغِنَى يَمِينَهُ؟
أَمْ زُرْتَهُ مُكَثِّرًا قَطِينَهُ؟
٢٩
أَمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقًا حُصُونَهُ
إِنَّ الْجِيَادَ وَالْقَنَا يَكْفِينَهُ
٣٠
يَا رُبَّ لُجٍّ جُعِلَتْ سَفِينَهُ
وَعَازِبِ الرَّوْضِ تَوَفَّتْ عُونَهُ
٣١
وَذِي جُنُونٍ أَذْهَبَتْ جُنُونَهُ
وَشَرْبِ كَأْسٍ أَكْثَرَتْ رَنِينَهُ
٣٢
وَأَبْدَلَتْ غِنَاءَهُ أَنِينَهُ
وَضَيْغَمٍ أَوْلَجَهَا عَرِينَهُ
٣٣
وَمَلِكٍ أَوْطَأَهَا جَبِينَهُ
يَقُودُهَا مُسَهِّدًا جُفُونَهُ
٣٤
مُبَاشِرًا بِنَفْسِهِ شُئُونَهُ
مُشَرِّفًا بِطَعْنِهِ طَعِينَهُ
٣٥
عَفِيفَ مَا فِي ثَوْبِهِ مَأْمُونَهُ
٣٦
أَبْيَضَ مَا فِي تَاجِهِ مَيْمُونَهُ
٣٧
بَحْرٌ يَكُونُ كُلُّ بَحْرٍ نُونَهُ
٣٨
شَمْسٌ تَمَنَّى الشَّمَسُ أَنْ تَكُونَهُ
٣٩
إِنْ تَدْعُ: يَا سَيْفُ؛ لِتَسْتَعِينَهُ
يُجِبْكَ قَبْلَ أنْ تُتِمَّ سِينَهُ
٤٠
أَدَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ تَمْكِينَهُ
مَنْ صَانَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ
٤١
وقال يمدحه عند منصرفه من بلد الروم سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأنشده إياها بآمد:
الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهْيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي
٤٢
فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مِرَّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ
٤٣
وَلَرُبَّمَا طَعَنَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ
بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الْأَقْرَانِ
٤٤
لَوْلَا الْعُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ
أَدْنَى إِلَى شَرَفٍ مِنَ الْإِنْسَانِ
وَلَمَا تَفَاضَلَتِ النُّفُوسُ وَدَبَّرَتْ
أَيْدِي الكُمَاةِ عَوَالِيَ المُرَّانِ
٤٥
لَوْلَا سَمِيُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤُهُ
لَمَّا سُلِلْنَ لَكُنَّ كَالْأَجْفَانِ
٤٦
خَاضَ الْحِمَامَ بِهِنَّ حَتَّى مَا دُرَى
أَمِنِ احْتِقَارٍ ذَاكَ أمْ نِسْيَانِ؟
٤٧
وَسَعَى فَقَصَّرَ عَنْ مَدَاهُ في الْعُلَا
أَهْلُ الزَّمَانِ وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانِ
٤٨
تَخِذُوا الْمَجَالِسَ فِي الْبُيُوتِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ السُّرُوجَ مَجَالِسُ الْفِتْيَانِ
٤٩
وَتَوَهَّمُوا اللَّعِبَ الْوَغَى وَالطَّعْنُ فِي الـْ
ـهَيْجَاءِ غَيْرُ الطَّعْنِ فِي الْمَيْدَانِ
٥٠
قَادَ الْجِيَادَ إِلَى الطِّعَانِ وَلَمْ يَقُدْ
إِلَّا إِلَى الْعَادَاتِ وَالْأَوْطَانِ
٥١
كُلُّ ابْنِ سَابِقَةٍ يُغِيرُ بِحُسْنِهِ
فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ عَلَى الْأَحْزَانِ
٥٢
إِنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدَابِ الْوَغَى
فَدُعَاؤُهَا يُغْنِي عَنِ الْأَرْسَانِ
٥٣
فِي جَحْفَلٍ سَتَرَ الْعُيُونَ غُبَارُهُ
فَكَأَنَّمَا يُبْصِرْنَ بِالْآذَانِ
٥٤
يَرْمِي بِهَا الْبَلَدَ البَعِيدَ مُظَفَّرٌ
كُلُّ الْبَعِيدِ لَهُ قَرِيبٌ دَانِ
٥٥
فَكَأَنَّ أَرْجُلَهَا بِتُرْبَةِ مَنْبِجٍ
يَطْرَحْنَ أَيْدِيَهَا بِحِصْنِ الرَّانِ
٥٦
حَتَّى عَبَرْنَ بِأَرْسَنَاسَ سَوَابحًا
يَنْشُرْنَ فِيهِ عَمَائِمَ الْفُرْسَانِ
٥٧
يَقْمُصْنَ فِي مِثْلِ الْمُدَى مِنْ بَارِدٍ
يَذَرُ الْفُحُولَ وَهُنَّ كَالْخِصْيَانِ
٥٨
وَالْمَاءُ بَيْنَ عَجَاجَتَيْنِ مُخَلِّصٌ
تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
٥٩
رَكَضَ الْأَمِيرُ وَكَاللُّجَيْنِ حَبَابُهُ
وَثَنَى الْأَعِنَّةَ وَهْوَ كَالْعِقْيَانِ
٦٠
فَتَلَ الْحِبَالَ مِنَ الْغَدَائِرِ فَوْقَهُ
وَبَنَى السَّفينَ لَهُ مِنَ الصُّلْبَانِ
٦١
وَحَشَاهُ عَادِيَةً بِغَيْرِ قَوَائِمٍ
عُقْمَ الْبُطُونِ حَوَالِكَ الْأَلْوَانِ
٦٢
تَأْتِي بِمَا سَبَتِ الْخُيُولُ كَأَنَّهَا
تَحْتَ الْحِسَانِ مَرَابِضُ الْغِزْلَانِ
٦٣
بَحْرٌ تَعَوَّدَ أَنْ يُذِمَّ لِأَهْلِهِ
مِنْ دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الْحِدْثَانِ
فَتَرَكْتَهُ وَإِذَا أَذَمَّ مِنَ الْوَرَى
رَاعَاكَ وَاسْتَثْنَى بَنِي حَمْدَانِ
٦٤
الْمُخْفِرِينَ بِكُلِّ أَبْيَضَ صَارِمٍ
ذِمَمَ الدُّرُوعِ عَلَى ذَوِي التِّيجَانِ
٦٥
مُتَصَعْلِكِينَ عَلَى كَثَافَةِ مُلْكِهِمْ
مُتَوَاضِعِينَ عَلَى عَظِيمِ الشَّانِ
٦٦
يَتَقَيَّلُونَ ظِلَالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ
أَجَلِ الظَّلِيمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحَانِ
٦٧
خَضَعَتْ لِمُنْصُلِكَ الْمَنَاصِلُ عَنْوَةً
وَأَذَلَّ دِينُكَ سَائِرَ الْأَدْيَانِ
٦٨
وَعَلَى الدُّرُوبِ وَفِي الرُّجُوعِ غَضَاضَةٌ
وَالسَّيْرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الْإِمْكَانِ
وَالطُّرْقُ ضَيِّقَةُ الْمَسَالِكِ بِالْقَنَا
وَالْكُفْرُ مُجْتَمِعٌ عَلَى الْإِيْمَانِ
نَظَرُوا إِلَى زُبَرِ الْحَدِيدِ كَأَنَّمَا
يَصْعَدْنَ بَيْنَ مَنَاكِبِ الْعِقْبَانِ
٦٩
وَفَوَارِسٍ يُحْيِي الْحِمَامُ نُفُوسَهَا
فَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَيَوَانِ
٧٠
مَا زِلْتَ تَضْرِبُهُم دِرَاكًا فِي الذُّرَا
ضَرْبًا كَأَنَّ السَّيْفَ فِيهِ اثْنَانِ
٧١
خَصَّ الْجَمَاجِمَ وَالْوُجُوهَ كَأَنَّمَا
جَاءَتْ إِلَيْكَ جُسُومُهمْ بِأَمَانِ
٧٢
فَرَمَوْا بِمَا يَرْمُونَ عَنْهُ وَأَدْبَرُوا
يَطَئُونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرْنَانِ
٧٣
يَغْشَاهُمُ مَطَرُ السَّحَابِ مُفَصَّلًا
بمُثَقَّفٍ ومُهَنَّدٍ وَسِنَانِ
٧٤
حُرِمُوا الَّذِي أَمَلُوا وَأَدْرَكَ مِنْهُمُ
آمَالَهُ مَنْ عَادَ بِالْحِرْمَانِ
٧٥
وَإِذَا الرِّمَاحُ شَغَلْنَ مُهْجَةَ ثَائِرٍ
شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الْإِخْوَانِ
٧٦
هَيْهَاتَ عَاقَ عَنِ الْعِوَادِ قَوَاضِبٌ
كَثُرَ الْقَتِيلُ بِهَا وَقَلَّ الْعَانِي
٧٧
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ الْمَنَايَا فِيهِمِ
فَأَطَعْنَهُ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ
٧٨
قَدْ سَوَّدَتْ شَجَرَ الْجِبَالِ شُعُورُهُمْ
فَكَأَنَّ فِيهِ مُسِفَّةَ الْغِرْبَانِ
٧٩
وَجَرَى عَلَى الْوَرَقِ النَّجِيعُ الْقَانِي
فَكَأَنَّهُ النَّارَنْجُ فِي الْأَغْصَانِ
٨٠
إِنَّ السُّيُوفَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ
كَقُلُوبِهِنَّ إِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ
٨١
تَلْقَى الْحُسَامَ عَلَى جَرَاءَةِ حَدِّهِ
مِثْلَ الْجَبَانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبَانِ
٨٢
رَفَعَتْ بِكَ الْعَرَبُ الْعِمَادَ وَصَيَّرَتْ
قِمَمَ الْمُلُوكِ مَوَاقِدَ النِّيرَانِ
٨٣
أَنْسَابُ فَخْرِهِمِ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا
أَنْسَابُ أَصْلِهِمِ إِلَى عَدْنَانِ
٨٤
يَا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أَرَادَ بِسَيْفِهِ
أَصْبَحْتُ مِنْ قَتْلَاكَ بِالْإِحْسَانِ
٨٥
فَإِذَا رَأَيْتُكَ حَارَ دُونَكَ نَاظِرِي
وَإِذَا مَدَحتُكَ حَارَ فِيكَ لِسَانِي
وقال في صباه على لسان بعض التنوخيين وقد سأله ذلك:
قُضَاعَةُ تَعْلَمُ أَنِّي الفَتَى الَّـْ
ـذِي ادَّخَرَتْ لِصُرُوفِ الزَّمَانِ
٨٩
وَمَجْدِي يَدُلُّ بَنِي خِنْدِفٍ
عَلَى أَنَّ كُلَّ كَريمٍ يَمَانِ
٩٠
أَنَا ابْنُ اللِّقَاءِ أَنَا ابْنُ السَّخَاءِ
أَنَا ابْنُ الضِّرَابِ أَنَا ابْنُ الطِّعَانِ
٩١
أَنَا ابْنُ الْفَيَافِي أَنَا ابْنُ الْقَوَافِي
أَنَا ابْنُ السُّرُوجِ أَنَا ابْنُ الرِّعَانِ
٩٢
طَوِيلُ النِّجَادِ طَوِيلُ الْعِمَادِ
طَوِيلُ القَنَاةِ طَوِيلُ السِّنَانِ
٩٣
حَدِيدُ اللِّحَاظِ حَدِيدُ الْحِفَاظِ
حَدِيدُ الْحُسَامِ حَدِيدُ الْجَنَانِ
٩٤
يُسَابِقُ سَيْفِي مَنَايَا الْعِبَادِ
إِلَيْهِمْ كَأَنَّهُمَا فِي رِهَانِ
٩٥
يُرَى حَدُّهُ غَامِضَاتِ الْقُلُوبِ
إِذَا كُنْتُ فِي هَبْوَةٍ لَا أَرَانِي
٩٦
سَأَجْعَلُهُ حَكَمًا فِي النُّفُوسِ
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِسَانِي كَفَانِي
٩٧
ودخل على عليِّ بن إبراهيم التنوخي فعرض عليه كأسًا فيها شراب أسود، فقال
ارتجالًا:
وقال يمدح بدر بن عمار وقد سار إلى الساحل، ثم عاد إلى طبرية، وكان أبو الطيب قد تخلف
عنه، فقال يعتذر له:
أَلْحُبُّ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ الْأَلْسُنَا
وَأَلَذُّ شَكْوَى عَاشِقٍ مَا أَعْلَنَا
١٠٥
لَيْتَ الْحَبِيبَ الْهَاجِرِي هَجْرَ الْكَرَى
مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَاصِلِي صِلَةَ الضَّنَى
١٠٦
بِنَّا فَلَوْ حَلَّيْتَنَا لَمْ تَدْرِ مَا
أَلْوَانُنَا مِمَّا امْتُقِعْنَ تَلَوُّنَا
١٠٧
وَتَوَقَّدَتْ أَنْفَاسُنَا حَتَّى لَقَدْ
أَشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ الْعَوَاذِلُ بَيْنَنَا
١٠٨
أَفْدِي الْمُوَدِّعَةَ الَّتِي أَتْبَعْتُهَا
نَظَرًا فُرَادَى بَيْنَ زَفْرَاتٍ ثُنَا
١٠٩
أَنْكَرْتُ طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً
ثُمَّ اعْتَرَفتُ بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنَا
١١٠
وَقَطَعْتُ فِي الدُّنْيَا الْفَلَا وَرَكَائِبِي
فِيهَا وَوَقْتَيَّ الضُّحَا وَالْمَوْهِنَا
١١١
وَوَقَفْتُ مِنْهَا حَيْثُ أَوْقَفَنِي النَّدَى
وَبَلَغْتُ مِنْ بَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الْمُنَى
١١٢
لِأَبي الْحُسَيْنِ جَدًا يَضِيقُ وِعَاؤُهُ
عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوِعَاءُ الْأَزْمُنَا
١١٣
وَشَجَاعَةٌ أَغْنَاهُ عَنْهَا ذِكْرُهَا
وَنَهَى الْجَبَانَ حَدِيثُهَا أَنْ يَجْبُنَا
١١٤
نِيطَتْ حَمَائِلُهُ بِعَاتِقِ مِحْرَبٍ
مَا كَرَّ قَطُّ وَهَلْ يَكُرُّ وَمَا انْثَنَى
١١٥
فَكَأنَّهُ وَالطَّعْنُ مِنْ قُدَّامِهِ
مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ يُطْعَنَا
١١٦
نَفَتِ التَّوَهُّمَ عَنْهُ حِدَّةُ ذِهْنِهِ
فَقَضَى عَلَى غَيْبِ الْأُمُورِ تَيَقُّنَا
١١٧
يَتَفَزَّعُ الْجَبَّارُ مِنْ بَغَتَاتِهِ
فَيَظَلُّ فِي خَلَوَاتِهِ مُتَكَفِّنَا
١١٨
أَمْضَى إِرَادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ
وَاسْتَقْرَبَ الْأَقْصَى فَثَمَّ لَهُ هُنَا
١١٩
يَجِدُ الْحَدِيدَ عَلَى بَضَاضَةِ جِلْدِهِ
ثَوْبًا أَخَفَّ مِنَ الْحَرِيرِ وَأَلْيَنَا
١٢٠
وَأَمَرُّ مِنْ فَقْدِ الْأَحِبَّةِ عِنْدَهُ
فَقْدُ السُّيُوفِ الْفَاقِدَاتِ الْأَجْفُنَا
١٢١
لَا يَسْتَكِنُّ الرُّعْبُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
يَوْمًا وَلَا الْإِحْسَانُ أَنْ لَا يُحْسِنَا
١٢٢
مُسْتَنْبِطٌ مِنْ عِلْمِهِ مَا فِي غَدٍ
فَكَأَنَّ مَا سَيَكُونُ فِيهِ دُوِّنَا
١٢٣
تَتَقَاصَرُ الْأَفْهَامُ عَنْ إِدْرَاكِهِ
مِثْلَ الَّذِي الْأفْلَاكُ فِيهِ وَالدُّنَا
١٢٤
مَنْ لَيْسَ مِنْ قَتْلَاهُ مِنْ طُلَقَائِهِ
مَنْ لَيْسَ مِمَّنْ دَانَ مِمَّنْ حُيِّنَا
١٢٥
لَمَّا قَفَلْتَ مِنَ السَّوَاحِلِ نَحْوَنَا
قَفَلَتْ إِلَيْهَا وَحْشَةٌ مِنْ عِنْدِنَا
١٢٦
أَرِجَ الطَّرِيقُ فَمَا مَرَرْتَ بِمَوْضِعٍ
إِلَّا أَقَامَ بِهِ الشَّذَا مُسْتَوْطِنَا
١٢٧
لَوْ تَعْقِلُ الشَّجَرُ الَّتِي قَابَلْتَهَا
مَدَّتْ مُحَيِّيَةً إِلَيْكَ الْأَغْصُنَا
١٢٨
سَلَكَتْ تَمَاثِيلَ الْقِبَابِ الْجِنُّ مِنْ
شَوْقٍ بِهَا فَأَدَرْنَ فِيكَ الْأَعْيُنَا
١٢٩
طَرِبَتْ مَرَاكِبُنَا فَخِلْنَا أَنَّهَا
لَوْلَا حَيَاءٌ عَاقَهَا رَقَصَتْ بِنَا
١٣٠
أَقْبَلْتَ تَبْسِمُ وَالْجِيَادُ عَوَابِسٌ
يَخْبُبْنَ بالْحَلَقِ الْمُضَاعَفِ وَالْقَنَا
١٣١
عَقَدَتْ سَنَابِكُهَا عَلَيْهَا عِثْيَرًا
لَوْ تَبْتَغِي عَنَقًا عَلَيْهِ أَمْكَنَا
١٣٢
وَالْأَمْرُ أَمْرُكَ وَالْقُلُوبُ خَوَافِقٌ
فِي مَوْقِفٍ بَيْنَ الْمَنِيَّةِ وَالْمُنَى
١٣٣
فَعَجِبْتُ حَتَّى مَا عَجِبْتُ مِنَ الظُّبَا
وَرَأَيْتُ حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّنَا
١٣٤
إِنِّي أَرَاكَ مِنَ الْمَكَارِمِ عَسْكَرًا
في عَسْكَرٍ وَمِنَ الْمَعَالِي مَعْدِنَا
١٣٥
فَطِنَ الْفُؤَادُ لِمَا أَتَيْتُ عَلَى النَّوَى
وَلِمَا تَرَكْتُ مَخَافَةً أَنْ تَفْطُنَا
١٣٦
أَضْحَى فِرَاقُكَ لِي عَلَيْهِ عُقُوبَةً
لَيْسَ الَّذِي قَاسَيْتُ مِنْهُ هَيِّنَا
١٣٧
فَاغْفِرْ فِدًى لَكَ وَاحْبُنِي مِنْ بَعْدِهَا
لِتَخُصَّنِي بِعَطِيَّةٍ مِنْهَا أَنَا
١٣٨
وَانْهَ الْمُشِيرَ عَلَيْكَ فِيَّ بِضَلَّةٍ
فَالْحُرُّ مُمْتَحَنٌ بِأَوْلَادِ الزِّنَا
١٣٩
وَإِذَا الْفَتَى طَرَحَ الْكَلَامَ مُعَرِّضًا
فِي مَجْلِسٍ أَخَذَ الْكَلَامَ اللَّذْعَنَا
١٤٠
وَمَكَايِدُ السُّفَهَاءِ وَاقِعَةٌ بِهِمْ
وَعَدَاوَةُ الشُّعَرَاءِ بِئْسَ الْمُقْتَنَى
١٤١
لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّهَا
ضَيْفٌ يَجُرُّ مِنَ النَّدَامَةِ ضَيْفَنَا
١٤٢
غَضَبُ الْحَسُودِ إِذَا لَقِيتُكَ رَاضِيًا
رُزْءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُوزَنَا
١٤٣
أَمْسَى الَّذِي أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِرًا
مِنْ غَيْرِنَا مَعَنَا بِفَضْلِكَ مُؤْمِنَا
١٤٤
خَلَتِ الْبِلَادُ مِنَ الْغَزَالَةِ لَيْلَهَا
فَأَعَاضَهَاكَ اللهُ كَيْ لَا تَحْزَنَا
١٤٥
وقال يمدح أبا عبيد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخطيب الخصيبي، وهو يومئذٍ يتقلد
القضاء بأنطاكية:
أَفَاضِلُ النَّاسِ أَغْرَاضٌ لِذَا الزَّمَنِ
يَخْلُو مِنَ الْهَمِّ أَخْلَاهُمْ مِنَ الْفِطَنِ
١٤٩
وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي جِيلٍ سَوَاسِيَةٍ
شَرٍّ عَلَى الْحُرِّ مِنْ سُقْمٍ عَلَى بَدَنِ
١٥٠
حَوْلِي بِكُلِّ مَكَانٍ مِنْهُمُ خِلَقٌ
تُخْطِي إِذَا جِئْتَ فِي اسْتِفْهَامِهَا بِمَنِ؟
١٥١
لَا أَقْتَرِي بَلَدًا إِلَّا عَلَى غَرَرٍ
وَلَا أَمُرُّ بِخَلْقٍ غَيْرِ مُضْطَغِنِ
١٥٢
وَلَا أُعَاشِرُ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ أَحَدًا
إِلَّا أَحَقَّ بِضَرْبِ الرَّأْسِ مِنْ وَثَنِ
١٥٣
إِنِّي لَأَعْذِرُهُمْ مِمَّا أُعَنِّفُهُمْ
حَتَّى أُعَنِّفُ نَفْسِي فِيهِمِ وَأَنِي
١٥٤
فَقْرُ الْجَهُولِ بِلَا عَقْلٍ إِلَى أَدَبٍ
فَقْرُ الْحِمَارِ بِلَا رَأْسٍ إِلَى رَسَنِ
١٥٥
وَمُدْقِعِينَ بِسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ
عَارِينَ مِنْ حُلَلٍ كَاسِينَ مِنْ دَرَنِ
١٥٦
خُرَّابِ بَادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ
مَكْنُ الضِّبَابِ لَهُمْ زَادٌ بِلَا ثَمَنِ
١٥٧
يَسْتَخْبِرُونَ فَلَا أُعْطِيهِمُ خَبَرِي
وَمَا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الظِّنَنِ
١٥٨
وَخَلَّةٍ فِي جَلِيسٍ أَتَّقِيهِ بِهَا
كَيْمَا يُرَى أَنَّنَا مِثْلَانِ فِي الْوَهَنِ
١٥٩
وَكِلْمَةٍ فِي طَرِيقٍ خِفْتُ أُعْرِبُهَا
فَيُهْتَدَى لِي فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى اللَّحَنِ
١٦٠
قَدْ هَوَّنَ الصَّبْرُ عِنْدِي كُلَّ نَازِلَةٍ
ولَيَّنَ الْعَزْمُ حَدَّ المَرْكَبِ الْخَشِنِ
١٦١
كَمْ مَخْلَصٍ وَعُلًا فِي خَوْضِ مَهْلَكَةٍ
وَقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بِالذَّمِّ فِي الْجُبُنِ!
١٦٢
لَا يُعْجِبَنَّ مَضِيمًا حُسْنُ بِزَّتِهِ
وَهَلْ يَرُوقُ دَفِينًا جَوْدَةُ الْكَفَنِ؟!
١٦٣
للهِ حَالٌ أُرَجِّيهَا وَتُخْلِفُنِي!
وَأَقْتَضِي كَوْنَهَا دَهْرِي وَيَمْطُلُني
١٦٤
مَدَحْتُ قَوْمًا وَإِنْ عِشْنَا نَظَمْتُ لَهُمْ
قَصَائِدًا مِنْ إِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحُصُنِ
١٦٥
تَحْتَ الْعَجَاجِ قَوَافِيهَا مُضَمَّرَةً
إِذَا تُنُوشِدْنَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي أُذُنِ
١٦٦
فَلَا أُحَارِبُ مَدْفُوعًا إِلَى جُدُرٍ
وَلَا أُصَالِحُ مَغْرُورًا عَلَى دَخَنِ
١٦٧
مُخَيِّمُ الْجَمْعِ بِالْبَيْدَاءِ يَصْهَرُهُ
حَرُّ الْهَوَاجِرِ فِي صُمٍّ مِنَ الْفِتَنِ
١٦٨
أَلْقَى الْكِرَامُ الْأُلَى بَادُوا مَكَارِمَهُمْ
عَلَى الْخَصِيبِيِّ عِنْدَ الفَرْضِ وَالسُّنَنِ
١٦٩
فَهُنَّ فِي الْحَجْرِ مِنْهُ كُلَّمَا عَرَضَتْ
لَهُ الْيَتَامَى بَدَا بِالْمَجْدِ وَالْمِنَنِ
١٧٠
قَاضٍ إِذَا الْتَبَسَ الْأَمْرَانِ عَنَّ لَهُ
رَأْيٌ يُخَلِّصُ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ
١٧١
غَضُّ الشَّبَابِ بَعِيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ
مُجَانِبُ الْعَيْنِ لِلْفَحْشَاءِ وَالْوَسَنِ
١٧٢
شَرَابُهُ النَّشْحُ لَا لِلرِّيِّ يَطْلُبُهُ
وَطُعْمُهُ لِقَوَامِ الْجِسْمِ لَا السِّمَنِ
١٧٣
أَلْقَائِلُ الصِّدْقَ فِيهِ مَا يُضِرُّ بِهِ
وَالْوَاحِدُ الْحَالَتَيْنِ: السِّرِّ وَالْعَلَنِ
١٧٤
ألْفَاصِلُ الْحُكْمَ عَيَّ الْأَوَّلُونَ بِهِ
وَالْمُظْهِرُ الْحَقَّ لِلسَّاهِي عَلَى الذَّهِنِ
١٧٥
أَفْعَالُهُ نَسَبٌ لَوْ لَمْ يَقُلْ مَعَهَا
جَدِّي الْخَصِيبُ عَرَفْنَا الْعِرْقَ بِالْغُصُنِ
١٧٦
الْعَارِضُ الْهَتِنُ ابْنُ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابـْ
ـنِ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابْنِ الْعَارِضِ الْهتِنِ
١٧٧
قَدْ صَيَّرَتْ أَوَّلَ الدُّنْيَا وَآخِرَهَا
آبَاؤُهُ مِنْ مُغَارِ الْعِلْمِ فِي قَرَنِ
١٧٨
كَأَنَّهُمْ وُلِدُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ وُلِدُوا
أَوْ كَانَ فَهْمُهُمُ أَيَّامَ لَمْ يَكُنِ
١٧٩
الْخَاطِرِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَبَدًا
مِنَ الْمَحَامِدِ فِي أَوْقَى مِنَ الْجُنَنِ
١٨٠
لِلنَّاظِرِينَ إِلَى إِقْبَالِهِ فَرَحٌ
يُزيلُ مَا بِجِبَاهِ الْقَوْمِ مِنْ غَضَنِ
١٨١
كَأَنَّ مَالَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ مُغْتَرَفٌ
مِنْ رَاحَتَيْهِ بِأَرْضِ الرُّومِ وَالْيَمَنِ
١٨٢
لَمْ نَفْتَقِدْ بِكَ مِنْ مُزْنٍ سِوَى لَثَقٍ
وَلَا مِنَ الْبَحْرِ غَيْرَ الرِّيحِ وَالسُّفُنِ
١٨٣
وَلَا مِنَ اللَّيْثِ إِلَّا قُبْحَ مَنْظَرِهِ
وَمِنْ سِوَاهُ سِوَى مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ
١٨٤
مُنْذُ احْتَبَيْتَ بِأَنْطَاكِيَّةَ اعْتَدَلَتْ
حَتَّى كَأَنَّ ذَوِي الْأَوْتَارِ في هُدَنِ
١٨٥
وَمُذْ مَرَرْتَ عَلَى أَطْوَادِهَا قُرِعَتْ
مِنَ السُّجُودِ فَلَا نَبْتٌ عَلَى القُنَنِ
١٨٦
أَخْلَتْ مَوَاهِبُكَ الْأَسْوَاقَ مِنْ صَنَعٍ
أَغْنَى نَدَاكَ عَنِ الْأَعْمَالِ وَالْمِهَنِ
١٨٧
ذَا جُودُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دَهْرٍ عَلَى ثِقَةٍ
وَزُهْدُ مَنْ لَيْسَ مِنْ دُنْيَاهُ فِي وَطَنِ
١٨٨
وَهَذِهِ هَيْبَةٌ لَمْ يُؤْتَهَا بَشَرٌ
وَذَا اقْتِدَارُ لِسَانٍ لَيْسَ فِي الْمُنَنِ
١٨٩
فَمُرْ وَأَوْمٍ تُطَعْ قُدِّسْتَ مِنْ جَبَلٍ
تَبَارَكَ اللهُ مُجْرِي الرُّوحِ في حَضَنِ
١٩٠
وقال يمدح أبا سهل سعيد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن الأنطاكي:
قَدْ عَلَّمَ الْبَيْنُ مِنَّا الْبَيْنَ أَجْفَانَا
تَدْمَى وَأَلَّفَ فِي ذَا الْقَلْبِ أَحْزَانَا
١٩١
أَمَّلْتُ سَاعَةَ سَارُوا كَشْفَ مِعْصَمِهَا
لِيَلْبَثَ الْحَيُّ دُونَ السَّيْرِ حَيْرَانَا
١٩٢
وَلَوْ بَدَتْ لَأَتَاهَتْهُمْ فَحَجَّبَهَا
صَوْنٌ عُقُولَهُمْ مِنْ لَحْظِهَا صَانَا
١٩٣
بالْوَاخِدَاتِ وَحَادِيهَا وَبِي قَمَرٌ
يَظَلُّ مِنْ وَخْدِهَا فِي الْخِدْرِ حَشْيَانَا
١٩٤
أَمَّا الثِّيَابُ فَتَعْرَى مِنْ مَحَاسِنِهِ
إِذَا نَضَاهَا وَيَكْسَا الْحُسنَ عُرْيَانَا
١٩٥
يَضُمُّهُ الْمِسْكُ ضَمَّ الْمُسْتَهَامِ بِهِ
حَتَّى يَصِيرَ عَلَى الْأَعْكَانِ أَعْكَانَا
١٩٦
قَدْ كُنْتُ أُشْفِقُ مِنْ دَمْعِي عَلَى بَصَرِي
فَالْيَوْمَ كُلُّ عَزِيزٍ بَعْدَكُمْ هَانَا
١٩٧
تُهْدِي الْبَوَارِقُ أَخْلَافَ الْمِيَاهِ لَكُمْ
وَلِلْمُحِبِّ مِنَ التَّذْكَارِ نِيرَانَا
١٩٨
إِذَا قَدِمْتُ عَلَى الْأَهْوَالِ شَيَّعَنِي
قَلْبٌ إِذَا شِئْتُ أَنْ يَسْلَاكمُ خَانَا
١٩٩
أَبْدُو فَيَسْجُدُ مَنْ بِالسُّوْءِ يَذْكُرُنِي
وَلَا أُعَاتِبُهُ صَفْحًا وَإِهْوَانَا
٢٠٠
وَهَكَذَا كُنْتُ فِي أَهْلِي وَفِي وَطَنِي
إِنَّ النَّفِيسَ غَرِيبٌ حَيْثُمَا كَانَا
٢٠١
مُحَسَّدُ الْفَضْلِ مَكْذُوبٌ عَلَى أَثَرِي
أَلْقَى الْكَمِيَّ وَيَلْقَانِي إِذَا حَانَا
٢٠٢
لَا أَشْرَئِبُّ إِلَى مَا لَمْ يَفُتْ طَمَعًا
وَلَا أَبِيتُ عَلَى مَا فَاتَ حَسْرَانَا
٢٠٣
وَلَا أُسَرُّ بِمَا غَيْرِي الْحَمِيدُ بِهِ
وَلَوْ حَمَلْتَ إِلَيَّ الدَّهْرَ مَلْآنَا
٢٠٤
لَا يَجْذِبَنَّ رِكَابِي نَحْوَهُ أَحَدٌ
مَا دُمْتُ حَيًّا وَمَا قَلْقَلْنَ كِيرَانَا
٢٠٥
لَوِ اسْتَطَعْتُ رَكِبْتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ
إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بُعْرَانَا
٢٠٦
فَالْعِيسُ أَعْقَلُ مِنْ قَوْمٍ رَأَيْتُهُمُ
عَمَّا يَرَاهُ مِنَ الْإِحْسَانِ عُمْيَانَا
٢٠٧
ذَاكَ الْجَوادُ وَإِنْ قَلَّ الْجَوَادُ لَهُ
ذَاكَ الشُّجَاعُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَقْرَانَا
٢٠٨
ذَاكَ الْمُعِدُّ الَّذِي تَقْنُو يَدَاهُ لَنَا
فَلَوْ أُصِيبَ بِشَيءٍ مِنْهُ عَزَّانَا
٢٠٩
خَفَّ الزَّمَانُ عَلَى أَطْرَافِ أَنْمُلِهِ
حَتَّى تُوُهِّمْنَ لِلْأَزْمَانِ أَزْمَانَا
٢١٠
يَلْقَى الْوَغَى وَالْفَنَا وَالنَّازِلَاتِ بِهِ
وَالسَّيْفَ وَالضَّيْفَ رَحْبَ الْبَاعِ جَذْلَانَا
٢١١
تَخَالُهُ مِنْ ذَكَاءِ الْقَلْبِ مُحْتَمِيًا
وَمِنْ تَكَرُّمِهِ وَالْبِشْرِ نَشْوَانَا
٢١٢
وَتَسْحَبُ الْحِبَرَ القَيْنَاتُ رَافِلَةً
في جُودِهِ وتَجُرُّ الْخَيْلُ أَرْسَانَا
٢١٣
يُعْطِي الْمُبَشِّرَ بِالقُصَّادِ قَبْلَهُمُ
كَمَنْ يُبَشِّرُهُ بِالْمَاءِ عَطْشَانَا
٢١٤
جَزَتْ بَنِي الْحَسَنِ الْحُسْنَى فَإِنَّهُمُ
فِي قَوْمِهِمْ مِثلُهُمْ في الْغُرِّ عَدْنَانَا
٢١٥
مَا شَيَّدَ اللهُ مِنْ مَجْدٍ لِسَالِفِهِمْ
إِلَّا وَنَحْنُ نَرَاهُ فِيهِمِ الْآنَا
٢١٦
إِنْ كُوتِبُوا أَوْ لُقُوا أَوْ حُورِبُوا وُجِدُوا
فِي الخَطِّ وَاللَّفْظِ وَالْهَيْجَاءِ فُرْسَانَا
٢١٧
كَأَنَّ أَلْسُنَهُمْ فِي النُّطْقِ قَدْ جُعِلَتْ
عَلَى رِمَاحِهِمِ فِي الطَّعْنِ خِرْصَانَا
٢١٨
كَأَنَّهُمْ يَرِدُونَ الْمَوْتَ مِنْ ظَمَأٍ
أَوْ يَنْشَقُونَ مِنَ الْخَطِّيِّ رَيْحَانَا
٢١٩
الْكَائِنِينَ لِمَنْ أَبْغِي عَدَاوَتَهُ
أَعْدَى الْعِدَا وَلِمَنْ آخَيْتُ إِخْوَانَا
٢٢٠
خَلَائِقٌ لَوْ حَوَاهَا الزِّنْجُ لَانْقَلَبُوا
ظُمْيَ الشِّفَاهِ جِعَادَ الشَّعْرِ غُرَّانَا
٢٢١
وَأَنْفُسٌ يَلْمَعِيَّاتٌ تُحِبُّهُمُ
لَهَا اضْطِرَارًا وَلَوْ أَقْصَوْكَ شَنْآنَا
٢٢٢
الْوَاضِحِينَ أُبُوَّاتٍ وَأَجْبِنَةً
وَوَالِدَاتٍ وَأَلْبَابًا وَأَذْهَانَا
٢٢٣
يَا صَائِدَ الْجَحْفَلِ الْمَرْهُوبِ جَانِبُهُ
إِنَّ الليُوثَ تَصِيدُ النَّاسَ أُحْدَانَا
٢٢٤
وَوَاهِبًا كُلُّ وَقْتٍ وَقْتُ نَائِلِهِ
وَإِنَّمَا يَهَبُ الْوُهَّابُ أَحْيَانَا
٢٢٥
أَنْتَ الَّذِي سَبَكَ الْأَمَوَالَ مَكْرُمَةً
ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّؤَّالَ خُزَّانَا
٢٢٦
عَلَيْكَ مِنْكَ إِذَا أُخْلِيتَ مُرْتَقِبٌ
لَمْ تَأْتِ فِي السِّرِّ مَا لَمْ تَأْتِ إِعْلَانَا
٢٢٧
لَا أَسْتَزِيدُكَ فِيمَا فِيكَ مِنْ كَرَمٍ
أَنَا الَّذِي نَامَ إِنْ نَبَّهْتُ يَقْظَانَا
٢٢٨
فَإِنَّ مِثْلَكَ بَاهَيْتُ الْكِرَامَ بِهِ
وَرَدَّ سُخْطًا عَلَى الْأَيَّامِ رِضْوَانَا
٢٢٩
وَأَنْتَ أَبْعَدُهُمْ ذِكْرًا وَأَكْبَرُهُمْ
قَدْرًا وَأَرْفَعُهُمْ فِي الْمَجْدِ بُنْيَانَا
قَدْ شَرَّفَ اللهُ أَرْضًا أَنْتَ سَاكِنُهَا
وَشَرَّفَ النَّاسَ إِذْ سَوَّاكَ إِنْسَانَا
٢٣٠
وقال في مجلس أبي محمد بن طغج وقد أقبل الليل وهما في بستان:
وقال، وقد بلغ أبا الطيب أن قومًا نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب وهو بمصر:
بِمَ التَّعَلُّلُ لَا أَهْلٌ وَلَا وَطَنُ
وَلَا نَدِيمٌ وَلَا كَأْسٌ وَلَا سَكَنُ؟!
٢٣٧
أُرِيدُ مِنْ زَمَنِي ذَا أَنْ يُبَلِّغَنِي
مَا لَيْسَ يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الزَّمَنُ
٢٣٨
لَا تَلْقَ دَهْرَكَ إلَّا غَيرَ مُكتَرِثٍ
مَا دَامَ يَصْحَبُ فِيهِ رُوحَكَ الْبَدَنُ
٢٣٩
فَمَا يَدُومُ سُرُور مَا سُرِرْتَ بِهِ
وَلَا يَرُدُّ عَلَيْكَ الْفَائِتَ الْحَزَنُ
٢٤٠
مِمَّا أَضَرَّ بِأَهْلِ الْعِشْقِ أَنَّهُمُ
هَوُوا وَمَا عَرَفُوا الدُّنْيَا وَمَا فَطِنُوا
٢٤١
تَفْنَى عُيُونُهُمُ دَمْعًا وَأَنْفُسُهُمْ
فِي إِثْرِ كُلِّ قَبِيحٍ وَجْهُهُ حَسَنُ
٢٤٢
تَحَمَّلُوا حَمَلَتْكُمْ كُلُّ نَاجِيَةٍ
فَكُلُّ بَيْنٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مُؤْتَمَنُ
٢٤٣
مَا فِي هَوَادِجِكُمْ مِنْ مُهْجَتِي عِوَضٌ
إِنْ مُتُّ شَوْقًا وَلَا فِيهَا لَهَا ثَمَنُ
٢٤٤
يَا مَنْ نُعِيتُ عَلَى بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بِمَا زَعَمَ النَّاعُونَ مُرْتَهَنُ
٢٤٥
كَمْ قَدْ قُتِلْتُ وَكَمْ قَدْ مِتُّ عِنْدَكُمُ!
ثُمَّ انْتَفَضْتُ فَزَالَ الْقَبْرُ وَالْكَفَنُ
٢٤٦
قَدْ كَانَ شَاهَدَ دَفْنِي قَبْلَ قَوْلِهِمِ
جَمَاعَةٌ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ مَنْ دَفَنُوا
٢٤٧
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ
٢٤٨
رَأَيْتُكُمْ لَا يَصُونُ الْعِرْضَ جَارُكُمُ
وَلَا يَدِرُّ عَلَى مَرْعَاكُمُ اللَّبَنُ
٢٤٩
جَزَاءُ كُلِّ قَرِيبٍ مِنْكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنْكُمُ ضَغَنُ
٢٥٠
وَتَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حَتَّى يُعَاقِبَهُ التَّنْغِيصُ وَالْمِنَنُ
٢٥١
فَغَادَرَ الْهَجْرُ مَا بَيْنِي وَبيْنَكُمُ
يَهْمَاهَ تَكْذِبُ فِيهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ
٢٥٢
تَحْبُو الرَّوَاسِمُ مِنْ بَعْدِ الرِّسِيمِ بِهَا
وَتَسْأَلُ الْأَرْضَ عَنْ أَخْفَافِهَا الثَّفِنُ
٢٥٣
إِنِّي أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي كَرَمٌ
وَلَا أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي جُبُنُ
٢٥٤
وَلَا أُقِيمُ عَلَى مَالٍ أَذِلُّ بِهِ
وَلَا أَلَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
٢٥٥
سَهِرْتُ بَعْدَ رَحِيلِي وَحْشَةً لَكُمُ
ثُمَّ اسْتَمَرَّ مَرِيرِي وَارْعَوَى الوَسَنُ
٢٥٦
وَإِنْ بُلِيتُ بِوُدٍّ مِثْلِ وُدِّكُمُ
فَإِنَّنِي بفِرَاقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
٢٥٧
أَبْلَى الْأَجِلَّةَ مُهْرِي عِنْدَ غَيْرِكُمُ
وَبُدِّلَ الْعُذْرُ بِالفُسْطَاطِ وَالرَّسَنُ
٢٥٨
عِنْدَ الْهُمَامِ أَبِي الْمِسْكِ الَّذِي غَرِقَتْ
فِي جُودِهِ مُضَرُ الْحَمْرَاءِ وَاليَمَنُ
٢٥٩
وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِّي بَعْضُ مَوْعِدِهِ
فَمَا تَأَخَّرُ آمَالِي وَلَا تَهِنُ
٢٦٠
هُوَ الْوَفِيُّ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ لَهُ
مَوَدَّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ
٢٦١
صَحِبَ النَّاسُ قَبْلَنَا ذَا الزَّمَانَا
وَعَنَاهُمْ مِنْ شَأْنِهِ مَا عَنَانَا
٢٦٢
وَتَوَلَّوْا بِغُصَّةٍ كُلُّهُمْ مِنـْ
ـهُ وَإِنْ سَرَّ بَعْضَهُمْ أَحْيَانَا
٢٦٣
رُبَّمَا تُحْسِنُ الصَّنِيعَ لَيَالِيـ
ـهِ وَلَكِنْ تُكَدِّرُ الْإِحْسَانَا
٢٦٤
وَكَأَنَّا لَمْ يَرْضَ فِينَا بِرَيْبِ الدْ
دَهْرِ حَتَّى أَعَانَهُ مَنْ أَعَانَا
٢٦٥
كُلَّمَا أَنْبَتَ الزَّمَانُ قَنَاةً
رَكَّبَ الْمَرْءُ فِي الْقَنَاةِ سِنَانَا
٢٦٦
وَمُرَادُ النُّفُوسِ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ
نَتَعَادَى فِيهِ وَأَنْ نَتَفَانَى
٢٦٧
غَيْرَ أَنَّ الْفَتَى يُلَاقِي الْمَنَايَا
كَالِحَاتٍ وَلَا يُلَاقِي الْهَوَانَا
٢٦٨
وَلَوَ أَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ
لَعَدَدْنَا أَضَلَّنَا الشُّجْعَانَا
٢٦٩
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ
فَمِنَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ جَبَانَا
٢٧٠
كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الْأَنـْ
ـفُسِ سَهْلٌ فِيهَا إِذَا هُوَ كَانَا
٢٧١
وقال يذكر خروج شبيب العُقَيلي على الأستاذ كافور، وقتله بدمشق سنة ثمانٍ وأربعين
وثلاثمائة:
عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلِّ لِسَانِ
وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ الْقَمَرَانِ
٢٧٢
وَللهِ سِرٌّ فِي عُلَاكَ وَإِنَّمَا
كَلَامُ الْعِدَا ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَيَانِ
٢٧٣
أَتَلْتَمِسُ الْأَعْدَاءُ بَعْدَ الَّذِي رَأَتْ
قِيَامَ دَلِيلٍ أَوْ وُضُوحَ بَيَانِ؟!
٢٧٤
رَأَتْ كُلَّ مَنْ يَنْوِي لَكَ الْغَدْرَ يُبْتَلَى
بِغَدْرِ حَيَاةٍ أَوْ بِغَدْرِ زَمَانِ
٢٧٥
بِرَغْمِ شَبِيبٍ فَارَقَ السَّيْفُ كَفَّهُ
وَكَانَا عَلَى الْعِلَّاتِ يَصْطَحِبَانِ
٢٧٦
كَأَنَّ رِقَابَ النَّاسِ قَالَتْ لِسَيْفِهِ:
رَفِيقُكَ قَيْسِيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ
٢٧٧
فَإِنْ يَكُ إِنْسَانًا مَضَى لِسَبِيلِهِ
فَإِنَّ الْمَنَايَا غَايَةُ الْحَيَوَانِ
٢٧٨
وَمَا كَانَ إِلَّا النَّارَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ
تُثِيرُ غُبَارًا فِي مَكَانِ دُخَانِ
٢٧٩
فَنَالَ حَيَاةً يَشْتَهِيهَا عَدُوُّهُ
وَمَوْتًا يُشَهِّي الْمَوْتَ كُلَّ جَبَانِ
٢٨٠
نَفَى وَقْعَ أَطْرَافِ الرِّمَاحِ بِرُمْحِهِ
وَلَمْ يَخْشَ وَقْعَ النَّجْمِ وَالدَّبَرَانِ
٢٨١
وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ
مُعَارُ جَنَاحٍ مُحسِنِ الطَّيَرَانِ
٢٨٢
وَقَدْ قَتَلَ الْأَقرَانَ حَتَّى قَتَلْتَهُ
بِأَضْعَفِ قِرْنٍ فِي أَذَلِّ مَكَانِ
٢٨٣
أَتَتْهُ الْمَنَايَا فِي طَرِيقٍ خَفِيَّةٍ
عَلَى كُلِّ سَمْعٍ حَوْلَهُ وَعِيَانِ
٢٨٤
وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ السِّلَاحِ لَرَدَّهَا
بِطُولِ يَمِينٍ وَاتِّسَاعِ جَنَانِ
٢٨٥
تَقَصَّدَهُ الْمِقْدَارُ بَيْنَ صِحَابِهِ
عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأَمَانِ
٢٨٦
وَهَلْ يَنْفَعُ الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الْتِفَافُهُ
عَلَى غَيْرِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِ مُعَانِ؟!
٢٨٧
وَدَى مَا جَنَى قَبْلَ الْمَبِيتِ بِنَفْسِهِ
وَلَمْ يَدِهِ بِالْجَامِلِ الْعَكَنَانِ
٢٨٨
أَتُمْسِكُ مَا أَوْلَيْتُهُ يَدُ عَاقِلٍ
وَتُمْسِكُ فِي كُفْرَانِهِ بِعِنَانِ؟!
٢٨٩
وَيَرْكَبُ مَا أَرْكَبْتَهُ مِنْ كَرَامَةٍ
وَيَرْكَبُ لِلْعِصْيَانِ ظَهْرَ حِصَانِ
٢٩٠
ثَنَى يَدَهُ الْإِحْسَانُ حَتَّى كَأَنَّهَا
وَقَدْ قُبِضَتْ كَانَتْ بِغَيْرِ بَنَانِ
٢٩١
وَعِنْدَ مَنِ الْيَوْمَ الْوَفَاءُ لِصَاحِبٍ
شَبِيبٌ وَأَوْفَى مَنْ تَرَى أَخَوَانِ؟!
٢٩٢
قَضَى اللهُ يَا كَافُورُ أَنَّكَ أَوَّلٌ
وَلَيْسَ بِقَاضٍ أَنْ يُرَى لَكَ ثَانِ
٢٩٣
فَمَا لَكَ تَخْتَارُ الْقِسِيَّ وَإِنَّمَا
عَنِ السَّعْدِ يَرْمِي دُونَكَ الثَّقَلَانِ؟!
٢٩٤
وَمَا لَكَ تُعْنَى بِالْأَسِنَّةِ وَالْقَنَا
وَجَدُّكَ طَعَّانٌ بِغَيْرِ سِنَانِ؟!
٢٩٥
وَلِمْ تَحْمِلُ السَّيفَ الطَّوِيلَ نِجَادُهُ
وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْهُ بِالْحَدَثَانِ؟!
٢٩٦
أَرِدْ لي جَمِيلًا جُدْتَ أَوْ لَمْ تَجُدْ بِهِ
فَإِنَّكَ مَا أَحْبَبْتَ فِيَّ أَتَانِي
٢٩٧
لَوِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ أَبْغَضْتَ سَعْيَهُ
لَعَوَّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدَّوَرَانِ
٢٩٨
وكتب إلى يوسف بن عبد العزيز الخزاعي في بُلْبِيس يطلب منه دليلًا فأنفذه إليه:
وقال يمدح عضد الدولة وولديه: أبا الفوارس وأبا دلف، ويذكر طريقه بشعب بوَّان:
مَغَانِي الشِّعْبِ طِيبًا فِي الْمَغَانِي
بِمَنْزِلَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الزَّمَانِ
٣٠٦
وَلَكِنَّ الْفَتَى الْعَرَبِيَّ فِيهَا
غَرِيبُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ
٣٠٧
مَلَاعِبُ جِنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بِتَرْجُمَانِ
٣٠٨
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالْخَيْلَ حَتَّى
خَشِيتُ وَإِنْ كَرُمْنَ مِنَ الْحِرَانِ
٣٠٩
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الْأَغْصَانُ فِيهَا
عَلَى أَعْرافِهَا مِثْلَ الْجُمَانِ
٣١٠
فَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي
وَجِبْنَ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانِي
٣١١
وَأَلْقَى الشَّرْقُ مِنْهَا فِي ثِيَابِي
دَنَانِيرًا تَفِرُّ مِنَ الْبنَانِ
٣١٢
لَهَا ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهُ
بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلَا أَوَانِي
٣١٣
وَأَمْوَاهٌ تَصِلُّ بِهَا حَصَاهَا
صَلِيلَ الْحَلْيِ فِي أَيْدِي الْغَوَانِي
٣١٤
وَلَوْ كَانَتْ دِمَشْقَ ثَنَى عِنَانِي
لَبِيقُ الثُّرْدِ صِينِيُّ الْجِفَانِ
٣١٥
يَلَنْجُوجِيُّ مَا رُفِعَتْ لِضَيْفٍ
بِهِ النِّيرَانُ نَدِّيُّ الدُّخَانِ
٣١٦
تَحِلُّ بِهِ عَلَى قَلْبٍ شُجَاعٍ
وَتَرْحَلُ مِنْهُ عَنْ قَلْبٍ جَبَانِ
٣١٧
مَنَازِلُ لَمْ يَزَلْ مِنْهَا خَيَالٌ
يُشَيِّعُنِي إِلَى النِّوْبَنْذَجَانِ
٣١٨
إِذَا غَنَّى الْحَمَامُ الْوُرْقُ فِيهَا
أَجَابَتْهُ أَغَانِيُّ الْقِيَانِ
٣١٩
وَمَنْ بِالشِّعْبِ أَحْوَجُ مِنْ حَمَامٍ
إِذَا غَنَّى وَنَاحَ إِلَى الْبَيَانِ
٣٢٠
وَقَدْ يَتَقَارَبُ الْوَصْفَانِ جِدًّا
وَمَوْصُوفَاهُمَا مُتَبَاعِدَانِ
٣٢١
يَقُولُ بِشِعْبِ بَوَّانٍ حِصَاني:
أَعَنْ هَذَا يُسَارُ إِلَى الطِّعَانِ؟!
٣٢٢
أَبُوكُمْ آدَمٌ سَنَّ الْمَعَاصِي
وَعَلَّمَكُمْ مُفَارَقَةَ الْجِنَانِ
٣٢٣
فَقُلْتُ: إِذَا رَأَيْتُ أَبَا شُجَاعٍ
سَلَوْتُ عَنِ الْعِبَادِ وَذَا الْمَكَانِ
٣٢٤
فَإِنَّ النَّاسَ وَالدُّنْيَا طَرِيقٌ
إِلَى مَنْ مَا لَهُ فِي النَّاسِ ثَانِ
٣٢٥
لَقَدْ عَلَّمْتُ نَفْسِي الْقَوْلَ فِيهِمْ
كَتَعْلِيمِ الطَّرَادِ بِلَا سِنَانِ
٣٢٦
بِعَضْدِ الدَّوْلَةِ امْتَنَعَتْ وَعَزَّتْ
وَلَيْسَ لِغَيْرِ ذِي عَضُدٍ يَدَانِ
٣٢٧
وَلَا قَبْضٌ عَلَى الْبِيضِ المَوَاضِي
وَلَا حَظٌّ مِنَ السُّمْرِ اللِّدَانِ
٣٢٨
دَعَتْهُ بِمَفْزَعِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا
لِيَوْمِ الْحَرْبِ بِكْرٍ أَوْ عَوَانِ
٣٢٩
فَمَا يُسْمِي كَفَنَّاخُسْرَ مُسْمٍ
وَلَا يُكْنِي كَفَنَّاخُسْرَ كَانِي
٣٣٠
وَلَا تُحْصَى فَضَائِلُهُ بِظَنٍّ
وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَلَا الْعِيَانِ
٣٣١
أُرُوضُ النَّاسِ مِنْ تُرْبٍ وَخَوْفٍ
وَأَرْضُ أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَمَانِ
٣٣٢
تُذِمُّ عَلَى اللُّصُوصِ لِكُلِّ تَجْرٍ
وَيَضْمَنُ لِلصَّوَارِمِ كُلَّ جَانِي
٣٣٣
إِذَا طَلَبَتْ وَدَائِعُهُمْ ثِقَاتٍ
دُفِعْنَ إِلَى الْمَحَانِي وَالرِّعَانِ
٣٣٤
فَبَاتَتْ فَوْقَهُنَّ بِلَا صِحَابٍ
تَصِيحُ بِمَنْ يَمُرُّ: أَمَا تَرَانِي؟
٣٣٥
رُقَاهُ كُلُّ أَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ
لِكُلِّ أَصَمَّ صِلٍّ أُفْعُوَانِ
٣٣٦
وَمَا تُرْقَى لُهَاهُ مِنْ نَدَاهُ
وَلَا الْمَالُ الْكَرِيمُ مِنَ الْهَوَانِ
٣٣٧
حَمَى أَطْرَافَ فَارِسَ شَمَّرِيٌّ
يَحُضُّ عَلَى التَّبَاقِي بِالتَّفَانِي
٣٣٨
بِضَرْبٍ هَاجَ أَطْرَابَ الْمَنَايَا
سِوَى ضَرْبِ الْمَثَالِثِ وَالْمَثَانِي
٣٣٩
كَأَنَّ دَمَ الْجَمَاجِمِ فِي الْعَنَاصِي
كَسَا الْبُلْدَانَ رِيشَ الْحَيقُطَانِ
٣٤٠
فَلَوْ طُرِحَتْ قُلُوبُ الْعِشْقِ فِيهَا
لَمَا خَافَتْ مِنَ الْحَدَقِ الْحِسَانِ
٣٤١
وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ شِبْلَيْ هِزَبْرٍ
كَشِبْلَيْهِ وَلَا مُهْرَيْ رِهَانِ
٣٤٢
أَشَدَّ تَنَازُعًا لِكَرِيمِ أَصْلٍ
وَأَشْبَهَ مَنْظَرًا بِأَبٍ هِجَانِ
٣٤٣
وَأَكْثَرَ فِي مَجَالِسِهِ اسْتِمَاعًا
فُلَانٌ دَقَّ رُمْحًا فِي فُلَانِ
٣٤٤
وَأَوَّلُ رَأْيَةٍ رَأَيَا الْمَعَالِي
فَقَدْ عَلِقَا بِهَا قَبْلَ الْأَوَانِ
٣٤٥
وَأَوَّلُ لَفْظَةٍ فَهِمَا وَقَالَا
إِغَاثَةُ صَارِخٍ أَوْ فَكُّ عَانِ
٣٤٦
وَكُنْتَ الشَّمْسَ تَبْهَرُ كُلَّ عَيْنٍ
فَكَيْفَ وَقَدْ بَدَتْ مَعَهَا اثْنَتَانِ؟!
٣٤٧
فَعَاشَا عِيشَةَ الْقَمَرَيْنِ يُحْيَا
بِضَوْئِهِمَا وَلَا يَتَحَاسَدَانِ
٣٤٨
وَلَا مَلَكَا سِوَى مُلْكِ الْأَعَادِي
وَلَا وَرِثَا سِوَى مَنْ يَقْتُلَانِ
٣٤٩
وَكَانَ ابْنَا عَدُوٍّ كَاثَرَاهُ
لَهُ يَاءَيْ حُرُوفِ أُنَيْسِيَانِ
٣٥٠
دُعَاءٌ كَالثَّنَاءِ بِلَا رِئَاءٍ
يُؤَدِّيهِ الْجَنَانُ إِلَى الْجَنَانِ
٣٥١
فَقَدْ أَصْبَحْتَ مِنْهُ فِي فِرِنْدٍ
وَأَصْبَحَ مِنْكَ فِي عَضْبٍ يَمَانِ
٣٥٢
وَلَوْلَا كَوْنُكُمْ فِي النَّاسِ كَانُوا
هُرَاءً كَالْكَلَامَ بِلَا مَعَانِي
٣٥٣