قافية الباء
وقال يمدح سيف الدولة وهو يسايره إلى الرقة وقد اشتد المطر بموضع يعرف بالثديين:
لِعَيْنِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ حَظٌّ
تَحَيَّرُ مِنْهُ فِي أَمْرٍ عُجَابِ
١
حِمَالَةُ ذَا الْحُسَامِ عَلَى حُسَامٍ
وَمَوْقِعُ ذَا السَّحَابِ عَلَى سَحَابِ
٢
وزاد المطر فقال:
تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ هَذَا الرَّبَابِ
وَيَخْلُقُ مَا كَسَاهَا مِنْ ثِيَابِ
٣
وَمَا يَنْفَكُّ مِنْكَ الدَّهْرُ رَطْبًا
وَلَا يَنْفَكُّ غَيْثُكَ فِي انْسِكَابِ
٤
تُسَايِرُكَ السَّوَارِي وَالْغَوَادِي
مُسَايَرَةَ الْأَحِبَّاءِ الطِّرَابِ
٥
تُفِيدُ الْجُودَ مِنْكَ فَتَحْتَذِيهِ
وَتَعْجِزُ عَنْ خَلَائِقِكَ الْعِذَابِ
٦
وأمره سيف الدولة بإجازة هذا البيت:
خَرَجْتُ غَدَاةَ النَّفْرِ أَعْتَرِضُ الدُّمَى
فَلَمْ أَرَ أَحْلَى مِنْكَ فِي الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ
٧
فقال:
فَدَيْنَاكَ أَهْدَى النَّاسِ سَهْمًا إِلَى قَلْبِي
وَأَقْتَلَهُمْ لِلدَّارِعِينَ بِلَا حَرْبِ
٨
تَفَرَّدَ بِالْأَحْكَامِ فِي أَهْلِهِ الْهَوَى
فَأَنْتَ جَمِيلُ الْخُلْفِ مُسْتَحْسَنُ الْكِذْبِ
٩
وَإِنِّي لَمَمْنُوعُ الْمَقَاتِلِ فِي الْوَغَى
وَإِنْ كُنْتُ مَبْذُولَ الْمَقَاتِلِ فِي الْحُبِّ
١٠
وَمَنْ خُلِقَتْ عَيْنَاكَ بَيْنَ جُفُونِهِ
أَصَابَ الْحُدُورَ السَّهْلَ فِي الْمُرْتَقَى الصَّعْبِ
١١
«وقال يعزيه عن عبده يماك التركي، وقد مات بحلب سنة أربعين وثلاثمائة»:
لَا يُحْزِنُ اللهُ الْأَمِيرَ فَإِنَّنِي
سَآخُذُ مِنْ حَالَاتِهِ بِنَصِيبِ
١٢
وَمَنْ سَرَّ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ بَكَى أَسًى
بَكَى بِعُيُونٍ سَرَّهَا وَقُلُوبِ
١٣
وَإِنِّي وَإِنْ كَانَ الدَّفِينُ حَبِيبَهُ
حَبِيبٌ إِلَى قَلْبِي حَبِيبُ حَبِيبِي
١٤
وَقَدْ فَارَقَ النَّاسُ الْأَحِبَّةَ قَبْلَنَا
وَأَعْيَا دَوَاءُ الْمَوْتِ كُلَّ طَبِيبِ
سُبِقْنَا إِلَى الدُّنْيَا فَلَوْ عَاشَ أَهْلُهَا
مُنِعْنَا بِهَا مِنْ جِيئَةٍ وَذُهُوبِ
١٥
تَمَلَّكَهَا الآتِي تَمَلُّكَ سَالِبٍ
وَفَارَقَهَا الْمَاضِي فِرَاقَ سَلِيبِ
١٦
وَلَا فَضْلَ فِيهَا لِلشَّجَاعَةِ وَالنَّدَى
وَصَبْرِ الْفَتَى لَوْلَا لِقَاءُ شَعُوبِ
١٧
وَأَوْفَى حَيَاةِ الْغَابِرِينَ لِصَاحِبٍ
حَيَاةُ امْرِئٍ خَانَتْهُ بَعْدَ مَشِيبِ
١٨
لَأَبْقَى يَمَاكٌ فِي حَشَايَ صَبَابَةً
إِلَى كُلِّ تُرْكِيِّ النِّجَارِ جَلِيبِ
١٩
وَمَا كُلُّ وَجْهٍ أَبْيَضٍ بِمُبَارَكٍ
وَلَا كُلُّ جَفْنٍ ضَيِّقٍ بِنَجِيبِ
٢٠
لَئِنْ ظَهَرَتْ فِينَا عَلَيْهِ كَآبَةٌ
لَقَدْ ظَهَرَتْ فِي حَدِّ كُلِّ قَضِيبِ
٢١
وَفِي كُلِّ قَوْسٍ كُلَّ يَوْمِ تَنَاضُلٍ
وَفِي كُلِّ طِرْفٍ كُلَّ يَوْمِ رُكُوبِ
٢٢
يَعِزُّ عَلَيْهِ أَنْ يُخِلَّ بِعَادَةٍ
وَتَدْعُو لِأَمْرٍ وَهْوَ غَيْرُ مُجِيبِ
٢٣
وَكُنْتُ إِذَا أَبْصَرُتُه لَكَ قَائِمًا
نَظَرْتُ إِلَى ذِي لِبْدَتَيْنِ أَدِيبِ
٢٤
فَإِنْ يَكُنِ الْعِلْقَ النَّفِيسَ فَقَدْتَهُ
فَمِنْ كَفِّ مِتْلَافٍ أَغَرَّ وَهُوبِ
٢٥
كَأَنَّ الرَّدَى عَادٍ عَلَى كُلِّ مَاجِدٍ
إِذَا لَمْ يُعَوِّذْ مَجْدَهُ بِعُيُوبِ
٢٦
وَلَوْلَا أَيَادِي الدَّهْرِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَنَا
غَفَلْنَا فَلَمْ نَشْعُرْ لَهُ بِذُنُوبِ
٢٧
وَلَلتَّرْكُ لِلْإِحْسَانِ خَيْرٌ لِمُحْسِنٍ
إِذَا جَعَلَ الْإِحْسَانَ غَيْرَ رَبِيبِ
٢٨
وَإِنَّ الَّذِي أَمْسَتْ نِزَارٌ عَبِيدَهُ
غَنِيٌّ عَنِ اسْتَعْبَادِهِ لِغَرِيبِ
٢٩
كَفَى بِصَفَاءِ الْوَدِّ رِقًّا لِمْثْلِهِ
وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ مَفْخَرًا لِلَبِيبِ
٣٠
فَعُوِّضَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ الْأَجْرُ إِنَّهُ
أَجَلُّ مَثَابٍ مِنْ أَجَلِّ مُثِيبِ
٣١
فَتَى الْخَيْل قَدْ بَلَّ النَّجِيعُ نُحُورَهَا
يُطَاعِنُ فِي ضَنْكِ الْمُقَامِ عَصِيبِ
٣٢
يَعَافُ خِيَامَ الرَّيْطِ فِي غَزَوَاتِهِ
فَمَا خَيْمُهُ إِلَّا غُبَارُ حُرُوبِ
٣٣
عَلَيْنَا لَكَ الْإِسْعَادُ إِنْ كَانَ نَافِعًا
بِشَقِّ قُلُوبٍ لَا بِشَقِّ جُيُوبِ
٣٤
فَرُبَّ كَئِيبٍ لَيْسَ تَنْدَى جُفُونُهُ
وَرُبَّ كَثِيرِ الدَّمْعِ غَيْرُ كَئِيبِ
٣٥
تَسَلَّ بِفِكْرٍ فِي أَبيكَ فَإِنَّمَا
بَكَيْتَ فَكَانَ الضِّحْكُ بَعْدَ قَرِيبِ
٣٦
إِذَا اسْتَقْبَلَتْ نَفْسُ الْكَرِيمِ مُصَابَهَا
بِخُبْثٍ ثَنَتْ فَاسْتَدْبَرَتْهُ بِطِيبِ
٣٧
وَلِلْوَاجِدِ الْمَكْرُوبِ مِنْ زَفَرَاتِهِ
سُكُونُ عَزَاءٍ أَوْ سُكُونُ لُغُوبِ
٣٨
وَكَمْ لَكَ جَدًّا لَمْ تَرَ الْعَيْنُ وَجْهَهُ
فَلَمْ تَجْرِ فِي آثَارِهِ بِغُرُوبِ
٣٩
فَدَتْكَ نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا
مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ
وَفِي تَعَبٍ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ نُورَهَا
وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِي لَهَا بِضَرِيبِ
٤٠
وقال يمدحه، ويذكر بناء مَرْعَشَ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة:
فَدَيْنَاكَ مِنْ رَبْعٍ وَإِنْ زِدْتَنَا كَرْبَا
فَإِنَّكَ كُنْتَ الشَّرْقَ لِلشَّمْسِ وَالْغَرْبَا
٤١
وَكَيْفَ عَرَفْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا
فُؤَادًا لِعِرْفَانِ الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا
٤٢
نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ نَمْشِي كَرَامَةً
لِمَنْ بَانَ عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا
٤٣
نَذُمُّ السَّحَابَ الْغُرَّ فِي فِعْلِهَا بِهِ
وَنُعْرِضُ عَنْهَا كُلَّمَا طَلَعَتْ عَتْبَا
٤٤
وَمَنْ صَحِبَ الدُّنْيَا طَوِيلًا تَقَلَّبَتْ
عَلَى عَيْنِهِ حَتَّى يَرَى صِدْقَهَا كِذْبَا
٤٥
وَكَيْفَ الْتِذَاذِي بِالْأَصَائِلِ وَالضُّحَى
إِذَا لَمْ يَعُدْ ذَاكَ النَّسِيمُ الَّذِي هَبَّا
٤٦
ذَكَرْتُ بِهِ وَصْلًا كَأَنْ لَمْ أَفُزْ بِهِ
وَعَيْشًا كَأَنِّي كُنْتُ أَقْطَعُهُ وَثْبَا
٤٧
وَفَتَّانَةَ الْعَيْنَيْنِ قَتَّالَةَ الْهَوَى
إِذَا نَفَحَتْ شَيْخًا رَوَائِحُهَا شَبَّا
٤٨
لَهَا بَشَرُ الدُّرِّ الَّذِي قُلِّدَتْ بِهِ
وَلَمْ أَرَ بَدْرًا قَبْلَهَا قُلِّدَ الشُّهْبَا
٤٩
فَيَا شَوْقِ مَا أَبْقَى وَيَا لِي مِنَ النَّوَى
وَيَا دَمْعِ مَا أَجْرَى وَيَا قَلْب مَا أَصْبَى
٥٠
لَقَدْ لَعِبَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِهَا وَبِي
وَزَوَّدَنِي فِي السَّيْرِ مَا زَوَّدَ الضِّبَّا
٥١
وَمَنْ تَكُنِ الْأُسْدُ الضَّوَارِي جُدُودَهُ
يَكُنْ لَيْلُهُ صُبْحًا وَمَطْعَمُهُ غَصْبَا
٥٢
وَلَسْتُ أُبَالِي بَعْدَ إِدْرَاكِيَ الْعُلَا
أَكَانَ تُرَاثًا مَا تَنَاوَلْتُ أَمْ كَسْبَا
٥٣
فَرُبَّ غُلَامٍ عَلَّمَ الْمَجْدَ نَفْسَهُ
كَتَعْلِيمِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الطَّعْنَ وَالضَّرْبَا
٥٤
إِذَا الدَّوْلَةُ اسْتَكْفَتْ بِهِ فِي مُلِمَّةٍ
كَفَاهَا فَكَانَ السَّيْفَ وَالْكَفَّ وَالْقَلْبَا
٥٥
تُهَابُ سُيُوفُ الْهِنْدِ وَهْيَ حَدَائِدٌ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ نِزَارِيَّةً عُرْبَا
٥٦
وَيُرْهَبُ نَابُ اللَّيْثِ وَاللَّيْثُ وَحْدَهُ
فَكَيْفَ إِذَا كَانَ اللُّيُوثُ لَهُ صَحْبَا
٥٧
وَيُخْشَى عُبَابُ الْبَحْرِ وَهْوَ مَكَانَهُ
فَكَيْفَ بِمَنْ يَغْشَى الْبِلَادَ إِذَا عَبَّا
٥٨
عَلِيمٌ بِأَسْرَارِ الدِّيَانَاتِ وَاللغَى
لَهُ خَطَرَاتٌ تَفْضَحُ النَّاسَ وَالْكُتْبَا
٥٩
فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كَأَنَّ جُلُودَنَا
بِهِ تُنْبِتُ الدِّيبَاجَ وَالْوَشْيَ وَالْعَصْبَا
٦٠
وَمِنْ وَاهِبٍ جَزْلًا وَمِنْ زَاجِرِ هَلًا
وَمِنْ هَاتِكٍ دِرْعًا وَمِنْ نَاثِرٍ قُصْبَا
٦١
هَنِيئًا لِأَهْلِ الثَّغْرِ رَأْيُكَ فِيهِمِ
وَأَنَّكَ حِزْبَ اللهِ صِرْتَ لَهُمْ حِزْبَا
٦٢
وَأَنَّكَ رُعْتَ الدَّهْرَ فِيهَا وَرَيْبَهُ
فَإِنْ شَكَّ فَلْيُحْدِثْ بِسَاحَتِهَا خَطْبَا
٦٣
فَيَوْمًا بِخَيْلٍ تَطْرُدُ الرُّومَ عَنْهُمُ
وَيَوْمًا بِجُودٍ يَطْرُدُ الْفَقْرَ وَالْجَدْبَا
٦٤
سَرَايَاكَ تَتْرَى وَالدُّمُسْتُقُ هَارِبٌ
وَأَصْحَابُهُ قَتْلَى وَأَمْوَالُهُ نُهْبَى
٦٥
أَتَى مَرْعَشًا يَسْتَقْرِبُ الْبُعْدَ مُقْبِلًا
وَأَدْبَرَ إِذْ أَقْبَلْتَ يَسْتَبْعِدُ الْقُرْبَا
٦٦
كَذَا يَتْرُكُ الْأَعْدَاءَ مَنْ يَكْرَهُ الْقَنَا
وَيَقْفُلُ مَنْ كَانَتْ غَنِيمَتُهُ رُعْبَا
٦٧
وَهَلْ رَدَّ عَنْهُ بِاللُّقَانِ وُقُوفُهُ
صُدُورَ الْعَوَالِي وَالْمُطَهَّمَةَ الْقبَّا
٦٨
مَضَى بَعْدَمَا الْتَفَّ الرِّمَاحَانِ سَاعَةً
كَمَا يَتَلَقَّى الْهُدْبُ فِي الرَّقْدَةِ الْهُدْبَا
٦٩
وَلَكِنَّهُ وَلَّى وَلِلطَّعْنِ سَوْرَةٌ
إِذَا ذَكَرَتْهَا نَفْسُهُ لَمَسَ الْجُنْبَا
٧٠
وَخَلَّى الْعَذَارَى وَالْبَطَارِيقَ وَالْقُرَى
وَشُعْثَ النَّصَارَى وَالْقَرَابِينَ وَالصُّلْبَا
٧١
أَرَى كُلَّنَا يَبْغِي الْحَيَاةَ لِنَفْسِهِ
حَرِيصًا عَلَيْهَا مُسْتَهَامًا بِهَا صَبَّا
٧٢
فَحُبُّ الْجَبَانِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ التُّقَى
وَحُبُّ الشُّجَاعِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ الْحَرْبَا
٧٣
وَيَخْتَلِفُ الرِّزْقَانِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ
إِلَى أَنْ يُرَى إِحْسَانُ هَذَا لِذَا ذَنْبَا
٧٤
فَأَضْحَتْ كَأَنَّ السُّورَ مِنْ فَوْقِ بَدْئِهِ
إِلَى الْأَرْضِ قَدْ شَقَّ الْكَوَاكِبَ وَالتُّرْبَا
٧٥
تَصُدُّ الرِّيَاحُ الْهُوجُ عَنْهَا مَخَافَةً
وَتَفْزَعُ مِنْهَا الطَّيْرُ أَنْ تَلْقُطَ الْحَبَّا
٧٦
وَتَرْدِي الْجِيَادُ الْجُرْدُ فَوْقَ جِبَالِهَا
وَقَدْ نَدَفَ الصِّنَّبْرُ فِي طُرْقِهَا الْعُطْبَا
٧٧
كَفَى عَجَبًا أَنْ يَعْجَبَ النَّاسُ أَنَّهُ
بَنَى مَرْعشًا تَبًّا لِآرَائِهِمْ تَبَّا
٧٨
وَمَا الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَنَامِ وَبَيْنَهُ
إِذَا حَذِرَ الْمَحْذُورَ وَاسْتَصْعَبَ الصَّعْبَا
٧٩
لِأَمْرٍ أَعَدَّتْهُ الْخِلَافَةُ لِلْعِدَا
وَسَمَّتْهُ دُونَ الْعَالَمِ الصَّارِمَ الْعَضْبَا
٨٠
وَلَمْ تَفْتَرِقْ عَنْهُ الْأَسِنَّةُ رَحْمَةً
وَلَمْ يَتْرُكِ الشَّامَ الْأَعَادِي لَهُ حُبَّا
٨١
وَلَكِنْ نَفَاهَا عَنْهُ غَيْرَ كَرِيمَةٍ
كَرِيمُ الثَّنَا مَا سُبَّ قَطُّ وَلَا سَبَّا
٨٢
وَجَيْشٌ يُثَنِّي كُلَّ طَوْدٍ كَأَنَّهُ
خَرِيقُ رِيَاحٍ وَاجَهَتْ غُصُنًا رَطْبَا
٨٣
كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ خَافَتْ مُغَارَهُ
فَمَدَّتْ عَلَيْهَا مِنْ عَجَاجَتِهِ حُجْبَا
٨٤
فَمَنْ كَانَ يُرْضِي اللُّؤْمَ وَالْكُفْرَ مُلْكُهُ
فَهَذَا الَّذِي يُرْضِي الْمَكَارِمَ وَالرَّبَّا
٨٥
وقال فيما كان يجري بينهما من معاتبة مستعتبًا:
٨٦
من القصيدة الميمية:
أَلَا مَا لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ عَاتِبًا
فَدَاهُ الْوَرَى أَمْضَى السُّيُوفِ مَضَارِبَا
٨٧
وَمَا لِي إِذَا مَا اشْتَقْتُ أَبْصَرْتُ دُونَهُ
تَنَائِفَ لَا أَشْتَاقُهَا وَسَباسِبَا
٨٨
وَقَدْ كَانَ يُدْنِي مَجْلِسِي مِنْ سَمَائِهِ
أُحَادِثُ فِيهَا بَدْرَهَا وَالْكَوَاكِبَا
٨٩
حَنَانَيْكَ مَسْئُولًا وَلَبَّيْكَ دَاعِيًا
وَحَسْبِيَ مَوْهُوبًا وَحَسْبُكَ وَاهِبَا
٩٠
أَهَذَا جَزَاءُ الصِّدْقِ إِنْ كُنْتُ صَادِقًا
أَهَذَا جَزَاءُ الْكِذْبِ إِنْ كُنْتُ كَاذِبَا
٩١
وَإِنْ كَانَ ذَنْبِي كُلَّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ
مَحَا الذَّنْبَ كُلَّ الْمَحْوِ مَنْ جَاءَ تَائِبَا
٩٢
وقال، وقد عرض على سيف الدولة سيوف مذهبة، وفيها سيف غير مذهب فأمر بإذهابه:
أَحْسَنُ مَا يُخْضَبُ الْحَدِيد بِهِ
وَخَاضِبَيْهِ النَّجِيعُ وَالْغَضَبُ
٩٣
فَلَا تَشِينَنْهُ بِالنُّضَارِ فَمَا
يَجْتَمِعُ الْمَاءُ فِيهِ وَالذَّهَبُ
٩٤
وتشكَّى سيف الدولة من دمل فقال فيه:
أَيَدْرِي مَا أَرَابَكَ مَنْ يُرِيبُ
وَهَلْ تَرْقَى إِلَى الْفَلَكِ الْخُطُوبُ
٩٥
وَجِسْمُكَ فَوْقَ هِمَّةِ كُلِّ دَاءٍ
فَقُرْبُ أَقَلِّهَا مِنْهُ عَجِيبُ
٩٦
يُجَمِّشُكَ الزَّمَانُ هَوًى وَحُبًّا
وَقَدْ يُؤْذَى مِنَ الْمِقَةِ الْحَبِيبُ
٩٧
وَكَيْفَ تُعِلُّكَ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ
وَأَنْتَ لِعِلَّةِ الدُّنْيَا طَبِيبُ
٩٨
وَكَيْفَ تَنُوبُكَ الشَّكْوى بِدَاءٍ
وَأَنْتَ الْمُسْتَغَاثُ لِمَا يَنُوبُ
٩٩
مَلِلْتُ مُقَامَ يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ
طِعَانٌ صَادِقٌ وَدٌّ صَبِيبُ
١٠٠
وَأَنْتَ الْمَلْكُ تُمْرِضُهُ الْحَشَايَا
لِهِمَّتِهِ وَتَشْفِيهِ الْحُرُوبُ
١٠١
وَمَا بِكَ غَيْرُ حُبِّكَ أَنْ تَرَاهَا
وَعِثْيَرُهَا لِأَرْجُلِهَا جَنِيبُ
١٠٢
مُجَلِّحَةً لَهَا أَرْضُ الْأَعَادِي
وَلِلسُّمْرِ الْمَنَاحِرُ وَالْجُنُوبُ
١٠٣
فَقَرِّطْهَا الْأَعِنَّةَ رَاجِعَاتٍ
فَإِنَّ بَعِيدَ مَا طَلَبَتْ قَرِيبُ
١٠٤
أذَا دَاءٌ هَفَا بُقْرَاطُ عَنْهُ
فَلَمْ يُعْرَفْ لِصَاحِبِهِ ضَرِيبُ
١٠٥
بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْوُضَّاءِ تُمْسِي
جُفُونِي تَحْتَ شَمْسٍ مَا تَغِيبُ
١٠٦
فَأَغْزُو مَنْ غَزَا وَبِهِ اقْتِدَارِي
وَأَرْمِي مَنْ رَمَى وَبِهِ أُصِيبُ
وَلِلْحُسَّادِ عُذْرٌ أَنْ يَشِحُّوا
عَلَى نَظَرِي إِلَيْهِ وَأَنْ يَذُوبُوا
١٠٧
فَإِنِّي قَدْ وَصَلْتُ إِلَى مَكَانٍ
عَلَيْهِ تَحْسُدُ الْحَدَقَ الْقُلُوبُ
١٠٨
وأحدث بنو كلاب حدثًا بنواحي بالس، وسار سيف الدولة خلفهم وأبو الطيب معه، فأدركهم
بعد
ليلة بين ماءين يعرفان بالغبارات والخرارات فأوقع بهم وملك الحريم فأبقى عليه، فقال أبو
الطيب بعد رجوعه من هذه الغزوة — وأنشده إياها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين
وثلاثمائة:
بِغَيْرِكَ رَاعِيًا عَبِثَ الذِّئَابُ
وَغَيْرَكَ صَارِمًا ثَلمَ الضِّرَابُ
١٠٩
وَتَمْلِكُ أَنْفُسَ الثَّقَلَيْنِ طُرًّا
فَكَيْفَ تَحُوزُ أَنْفُسَهَا كِلَابُ
١١٠
وَمَا تَرَكُوكَ مَعْصِيَةً وَلَكِنْ
يُعَافُ الْوِرْدُ وَالْمَوْتُ الشَّرَابُ
١١١
طَلَبْتَهُمُ عَلَى الْأَمْوَاهِ حَتَّى
تَخَوَّفَ أَنْ تُفَتِّشَهُ السَّحَابُ
١١٢
فَبِتَّ لَيَالِيًا لَا نَوْمَ فِيهَا
تَخُبُّ بِكَ الْمُسَوَّمَةُ الْعِرَابُ
١١٣
يَهُزُّ الْجَيْشُ حَوْلَكَ جَانِبَيْهِ
كَمَا نَفَضَتْ جَنَاحَيْهَا الْعُقَابُ
١١٤
وَتَسْأَلُ عَنْهُمُ الْفَلَوَاتِ حَتَّى
أَجَابَكَ بَعْضُهَا وَهْمُ الْجَوَابِ
١١٥
فَقَاتَلَ عَنْ حَرِيمِهِمِ وَفَرُّوا
نَدَى كَفَّيْكَ وَالنَّسْبُ الْقُرَابُ
١١٦
وَحِفْظُكَ فِيهِمِ سَلَفَيْ مَعَدٍّ
وَأَنَّهُمُ الْعَشَائِرُ وَالصِّحَابُ
١١٧
تُكَفْكِفُ عَنْهُمُ صُمَّ الْعَوَالِي
وَقَدْ شَرِقَتْ بِظُعْنِهِمِ الشَّعَابُ
١١٨
وَأُسْقِطَتِ الْأَجِنَّةُ فِي الْوَلَايَا
وَأُجْهِضَتِ الْحَوَائِلُ وَالسِّقَابُ
١١٩
وَعَمْرٌو فِي مَيَامِنِهِمْ عُمُورٌ
وَكَعْبٌ فِي مَيَاسِرِهِمْ كِعَابُ
١٢٠
وَقَدْ خَذَلَتْ أَبُو بَكْرٍ بَنِيهَا
وَخَاذَلَهَا قُرَيْظٌ وَالضِّبَابُ
١٢١
إِذَا مَا سِرْتَ فِي آثَارِ قَوْمٍ
تَخَاذَلَتِ الْجَمَاجِمُ وَالرِّقَابُ
١٢٢
فَعُدْنَ كَمَا أُخِذْنَ مُكَرَّمَاتٍ
عَلَيْهِنَّ الْقَلَائِدُ وَالْمَلَابُ
١٢٣
يُثِبْنَكَ بِالَّذِي أَوْلَيْتَ شُكْرًا
وَأَيْنَ مِنَ الَّذِي تُولِي الثَّوَابُ
١٢٤
وَلَيْسَ مَصِيرُهُنَّ إِلَيْكَ شَيْنًا
وَلَا فِي صَوْنِهِنَّ لَدَيْكَ عَابُ
١٢٥
وَلَا فِي فَقْدِهِنَّ بَنِي كِلَابٍ
إِذَا أَبْصَرْنَ غُرَّتَكَ اغْتِرَابُ
١٢٦
وَكَيْفَ يَتِمُّ بَأْسُكَ فِي أُنَاسٍ
تُصِيبُهُمُ فَيُؤْلِمُكَ الْمُصَابُ
١٢٧
تَرَفَّقْ أَيُّهَا الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ
فَإِنَّ الرِّفْقَ بِالْجَانِي عِتَابُ
١٢٨
وَإِنَّهُمُ عَبِيدُكَ حَيْثُ كَانُوا
إِذَا تَدْعُو لِحَادِثَةٍ أَجَابُوا
١٢٩
وَعَيْنُ الْمُخْطِئِينَ هُمُ وَلَيْسُوا
بِأَوَّلِ مَعْشَرٍ خَطِئُوا فَتَابُوا
١٣٠
وَأَنْتَ حَيَاتُهُمْ غَضِبَتْ عَلَيْهِمْ
وَهَجْرُ حَيَاتِهِمْ لَهُمُ عِقَابُ
١٣١
وَمَا جَهِلَتْ أَيَادِيَكَ الْبَوَادِي
وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ الصَّوَابُ
١٣٢
وَكَمْ ذَنْبٍ مُوَلِّدُهُ دَلَالٌ
وَكَمْ بُعْدٍ مُوَلِّدُهُ اقْتِرَابُ
١٣٣
وَجُرْمٍ جَرَّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ
وَحَلَّ بِغَيْرِ جَارِمِهِ الْعَذَابُ
١٣٤
فَإِنْ هَابُوا بِجُرْمِهِمِ عَلِيًّا
فَقَدْ يَرْجُو عَلِيًّا مَنْ يَهَابُ
١٣٥
وَإِنْ يَكُ سَيْفَ دَوْلَةِ غَيْرِ قَيْسٍ
فَمِنْهُ جُلُودُ قَيْسٍ وَالثِّيَابُ
١٣٦
وَتَحْتَ رَبَابِهِ نَبَتُوا وَأَثُّوا
وَفِي أَيَّامِهِ كَثُرُوا وَطَابُوا
١٣٧
وَتَحْتَ لِوَائِهِ ضَرَبُوا الْأَعَادِي
وَذَلَّ لَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الصِّعَابُ
١٣٨
وَلَوْ غَيْرُ الْأَمِيرِ غَزَا كِلَابًا
ثَنَاهُ عَنْ شُمُوسِهِمِ ضَبَابُ
١٣٩
وَلَاقَى دُونَ ثَايهِمْ طِعَانًا
يُلَاقِي عِنْدَهُ الذِّئْبَ الْغُرَابُ
١٤٠
وَخَيْلًا تَغْتَذِي رِيحَ الْمَوَامِي
وَيَكْفِيهَا مِنَ الْمَاءِ السَّرَابُ
١٤١
وَلِكْن رَبُّهُمْ أَسْرَى إِلَيْهِمْ
فَمَا نَفَعَ الْوُقُوفُ وَلَا الذَّهَابُ
١٤٢
وَلَا لَيْلٌ أَجَنَّ وَلَا نَهَارٌ
وَلَا خَيْلٌ حَمَلْنَ وَلَا رِكَابُ
١٤٣
رَمَيْتَهُمُ بِبَحْرٍ مِنْ حَدِيدٍ
لَهُ فِي الْبَرِّ خَلْفَهُمُ عُبَابُ
١٤٤
فَمَسَّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَرِيرٌ
وَصَبَّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرَابُ
١٤٥
وَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ
كَمَنْ فِي كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ
١٤٦
بَنُو قَتْلَى أَبِيكَ بِأَرْضِ نَجْدٍ
وَمَنْ أَبْقَى وَأَبْقَتْهُ الْحِرَابُ
١٤٧
عَفَا عَنْهُمْ وَأَعْتَقَهُمْ صِغَارَا
وَفِي أَعْنَاقِ أَكْثَرِهِمْ سِخَابُ
١٤٨
وَكُلُّكُمُ أَتَى مَأْتَى أَبِيهِ
فَكُلُّ فَعَالِ كُلِّكُمُ عُجَابُ
١٤٩
كَذَا فَلْيَسْرِ مَنْ طَلَبَ الْأَعَادِي
وَمِثْلَ سُرَاكَ فَلْيَكُنِ الطِّلَابُ
١٥٠
وقال يرثي أخت سيف الدولة، وقد توفيت بميَّافارقين، وورد خبرها إلى الكوفة، فكتب أبو
الطيب بهذه المرثية إليه من الكوفة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة:
يَا أُخْتَ خَيْرِ أَخٍ يَا بِنْتَ خَيْرِ أَبٍ
كِنَايَةً بِهِمَا عَنْ أَشْرَفِ النَّسَبِ
١٥١
أُجِلُّ قَدْرَكِ أَنْ تُسْمَيْ مُؤَبَّنَةً
وَمَنْ يَصِفْكِ فَقَدْ سَمَّاكِ لِلْعَرَبِ
١٥٢
لَا يَمْلِكُ الطَّرِبُ الْمَحْزُونُ مَنْطِقَهُ
وَدَمْعَهُ وَهُمَا فِي قَبْضَةِ الطَّرَبِ
١٥٣
غَدَرْتَ يَا مَوْتُ كَمْ أَفْنَيْتَ مِنْ عَدَدٍ
بِمَنْ أَصَبْتَ وَكَمْ أَسْكَتَّ مِنْ لَجَبِ
١٥٤
وَكَمْ صَحِبَتْ أَخَاهَا فِي مُنَازَلَةٍ
وَكَمْ سَأَلْتَ فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ تَخِبِ
١٥٥
طَوَى الْجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ
فَزِعْتُ فِيهِ بِآمَالِي إِلَى الْكَذِبِ
١٥٦
حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أَمَلًا
شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي
١٥٧
تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الْأَفْوَاهِ أَلْسُنُهَا
وَالْبُرْدُ فِي الطُّرْقِ وَالْأَقْلَامُ فِي الْكُتُبِ
١٥٨
كَأَنَّ فَعْلَةَ لَمْ تَمْلَأْ مَوَاكِبُهَا
دِيَارَ بَكْرٍ وَلَمْ تَخْلَعْ وَلَمْ تَهَبِ
١٥٩
وَلَمْ تَرُدَّ حَيَاةً بَعْدَ تَوْلِيَةٍ
وَلَمْ تُغِثْ دَاعِيًا بِالْوَيْلِ وَالْحَرَبِ
١٦٠
أَرَى الْعِرَاقَ طَوِيلَ اللَّيْلِ مُذْ نُعِيَتْ
فَكَيْفَ لَيْلُ فَتَى الْفِتْيَانِ فِي حَلَبِ
١٦١
يَظُنُّ أَنَّ فُؤَادِي غَيْرُ مُلْتَهِبٍ
وَأَنَّ دَمْعَ جُفُونِي غَيْرُ مُنْسَكِبِ
١٦٢
بَلَى وَحُرْمَةِ مَنْ كَانَتْ مُرَاعِيَةً
لِحُرْمَةِ الْمَجْدِ وَالْقُصَّادِ وَالْأَدَبِ
١٦٣
وَمَنْ مَضَتْ غَيْرَ مَوْرُوثٍ خَلَائِقُهَا
وَإِنْ مَضَتْ يَدُهَا مَوْرُوثَةَ النَّشَبِ
١٦٤
وَهَمُّهَا فِي الْعُلَى وَالْمَجْدِ نَاشِئَةً
وَهَمُّ أَتْرَابِهَا فِي اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ
١٦٥
يَعْلَمْنَ حِينَ تُحَيَّا حُسْنَ مَبْسِمِهَا
وَلَيْسَ يَعْلَمُ إِلَّا اللهُ بِالشَّنَبِ
١٦٦
مَسَرَّةٌ فِي قُلُوبِ الطِّيبِ مَفْرِقُهَا
وَحَسْرَةٌ فِي قُلُوبِ الْبِيضِ وَالْيَلَبِ
١٦٧
إِذَا رَأَى وَرَآهَا رَأْسَ لَابِسِهِ
رَأَى الْمَقَانِعَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الرُّتَبِ
١٦٨
وَإِنْ تَكُنْ خُلِقَتْ أُنْثَى لَقَدْ خُلِقَتْ
كَرِيمَةً غَيْرَ أُنْثَى الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ
١٦٩
وَإِنْ تَكُنْ تَغْلِبُ الْغَلْبَاءُ عُنْصُرَهَا
فَإِنَّ فِي الْخَمْرِ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْعِنَبِ
١٧٠
فَلَيْتَ طَالِعَةَ الشَّمْسَيْنِ غَائِبَةٌ
وَلَيْتَ غَائِبَةَ الشَّمْسَيْنِ لَمْ تَغِبِ
١٧١
وَلَيْتَ عَيْنَ الَّتِي آبَ النَّهَارُ بِهَا
فِدَاءُ عَيْنِ الَّتِي زَالَتْ وَلَمْ تَؤُبِ
١٧٢
فَمَا تَقَلَّدَ بِالْيَاقُوتِ مُشْبِهُهَا
وَلَا تَقَلَّدَ بِالْهِنْدِيَّةِ الْقُضُبِ
١٧٣
وَلَا ذَكَرْتُ جَمِيلًا مِنْ صَنَائِعِهَا
إِلَّا بَكَيْتُ وَلَا وُدٌّ بِلَا سَبَبِ
١٧٤
قَدْ كَانَ كُلُّ حِجَابٍ دُونَ رُؤْيَتِهَا
فَمَا قَنِعْتِ لَهَا يَا أَرْضُ بِالْحُجُبِ
١٧٥
وَلَا رَأَيْتِ عُيُونَ الْإِنْسِ تُدْرِكُهَا
فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيْهَا أَعْيُنَ الشُّهُبِ
١٧٦
وَهَلْ سَمِعْتِ سَلَامًا لِي أَلَمَّ بِهَا
فَقَدْ أَطَلْتُ وَمَا سَلَّمْتُ مِنْ كَثَبِ
١٧٧
وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا الَّتِي دُفِنَتْ
وَقَدْ يُقَصِّرُ عَنْ أَحْيَائِنَا الْغَيَبِ
١٧٨
يَا أَحْسَنَ الصَّبْرِ زُرْ أَوْلَى الْقُلُوبِ بِهَا
وَقُلْ لِصَاحِبِهِ يَا أَنْفَعَ السُّحُبِ
١٧٩
وَأَكْرَمَ النَّاسِ لَا مُسْتَثْنِيًا أَحَدًا
مِنَ الْكِرَامِ سِوَى آبَائِكَ النُّجُبِ
١٨٠
قَدْ كَانَ قَاسَمَكَ الشَّخْصَيْنِ دَهْرُهُمَا
وَعَاشَ دُرُّهُمَا الْمَفْدِيُّ بِالذَّهَبِ
١٨١
وَعَادَ فِي طَلَبِ الْمَتْرُوكِ تَارِكُهُ
إِنَّا لَنَغْفُلُ وَالْأَيَّامُ فِي الطَّلَبِ
١٨٢
مَا كَانَ أَقْصَرَ وَقْتًا كَانَ بَيْنَهُمَا
كَأَنَّهُ الْوَقْتُ بَيْنَ الْوِرْدِ وَالْقَرَبِ
١٨٣
جَزَاكَ رَبُّكَ بِالْأَحْزَانِ مَغْفِرَةً
فَحُزْنُ كُلِّ أَخِي حُزْنٍ أَخُو الْغَضَبِ
١٨٤
وَأَنْتُمُ نَفَرٌ تَسْخُو نُفُوسُكُمُ
بِمَا يَهَبْنَ وَلَا يَسْخُونَ بِالسَّلَبِ
١٨٥
حَلَلْتُمُ مِنْ مُلُوكِ النَّاسِ كُلِّهِمِ
مَحَلَّ سُمْرِ الْقَنَا مِنْ سَائِرِ الْقَصَبِ
١٨٦
فَلَا تَنَلْكَ اللَّيَالِي إِنَّ أَيْدِيَهَا
إِذَا ضَرَبْنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بِالْغَرَبِ
١٨٧
وَلَا يُعِنَّ عَدُوًّا أَنْتَ قَاهِرُهُ
فَإِنَّهُنَّ يَصِدْنَ الصَّقْرَ بِالْخَرَبِ
١٨٨
وَإِنْ سَرَرْنَ بِمَحْبُوبٍ فَجَعْنَ بِهِ
وَقَدْ أَتَيْنَكَ فِي الْحَالَيْنِ بِالْعَجَبِ
١٨٩
وَرُبَّمَا احْتَسَبَ الْإِنْسَانُ غَايَتَهَا
وَفَاجَأَتْهُ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُحْتَسَبِ
١٩٠
وَمَا قَضَى أَحَدٌ مِنْهَا لُبَانَتَهُ
وَلَا انْتَهَى أَرَبٌ إِلَّا إِلَى أَرَبِ
١٩١
تَخَالَفَ النَّاسُ حَتَّى لَا اتِّفَاقَ لَهُمْ
إِلَّا عَلَى شَجَبٍ وَالْخُلْفُ فِي الشَّجَبِ
١٩٢
فَقِيلَ تَخْلُصُ نَفْسُ الْمَرْءِ سَالِمَةً
١٩٣
وَقِيلَ تَشْرَكُ جِسْمَ الْمَرْءِ فِي الْعَطَبِ
وَمَنْ تَفَكَّرَ فِي الدُّنْيَا وَمُهْجَتِهِ
أَقَامَهُ الْفِكْرُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالتَّعَبِ
١٩٤
وأنفذ إليه سيف الدولة كتابًا بخطه إلى الكوفة يسأله المسير إليه، فأجابه بهذه الأبيات،
وأنفذها إليه ميَّافارِقِين، وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة:
١٩٥
فَهِمْتُ الْكِتَابَ أَبَرَّ الْكُتُبْ
فَسَمْعًا لِأَمْرِ أَمِيرِ الْعَرَبْ
١٩٦
وَطَوْعًا لَهُ وَابْتِهَاجًا بِهِ
وَإِنْ قَصَّرَ الْفِعْلُ عَمَّا وَجَبْ
١٩٧
وَمَا عَاقَنِي غَيْرُ خَوْفِ الْوُشَاةِ
وَإِنَّ الْوِشَايَاتِ طُرْقُ الْكَذِبْ
١٩٨
وَتَكْثِيرِ قَوْمٍ وَتَقْلِيلِهِمْ
وَتَقْرِيبِهِمْ بَيْنَنَا وَالْخَبَبْ
١٩٩
وَقَدْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ سَمْعُهُ
وَيَنْصُرُنِي قَلْبُهُ وَالْحَسَبْ
٢٠٠
وَمَا قُلْتُ لِلْبَدْرِ أَنْتَ اللُّجَيـْ
ـنُ وَلَا قُلْتُ لِلشَّمْسِ أَنْتِ الذَّهَبْ
٢٠١
فَيَقْلَقَ مِنْهُ الْبَعِيدُ الْأَنَاةِ
وَيَغْضَبَ مِنْهُ الْبَطِيءُ الْغَضَبْ
٢٠٢
وَمَا لَاقَنِي بَلَدٌ بَعْدَكُمْ
وَلَا اعْتَضْتُ مِنْ رَبِّ نُعْمَاي رَبْ
٢٠٣
وَمَنْ رَكِبَ الثَّوْرَ بَعْدَ الْجَوَا
دِ أَنْكَرَ أَظْلَافَهُ وَالْغَبَبْ
٢٠٤
وَمَا قِسْتُ كُلَّ مُلُوكِ الْبِلَادِ
فَدَعْ ذِكْرَ بَعْضٍ بِمَنْ فِي حَلَبْ
٢٠٥
وَلَوْ كُنْتُ سَمَّيْتُهُمْ بِاسْمِهِ
لَكَانَ الْحَدِيدَ وَكَانُوا الْخَشَبْ
٢٠٦
أَفِي الرَّأيِ يُشْبَهُ أَمْ فِي السَّخَا
ءِ أَمْ فِي الشَّجَاعَةِ أَمْ فِي الْأَدَبْ
٢٠٧
مُبَارَكُ الِاسْمِ أَغَرُّ اللَّقَبْ
كَرِيمُ الْجِرِشَّى شَرِيفُ النَّسَبْ
٢٠٨
أَخُو الْحَرْبِ يُخْدِمُ مِمَّا سَبَى
قَنَاهُ وَيَخْلَعُ مِمَّا سَلَبْ
٢٠٩
إِذَا حَازَ مَالًا فَقَدْ حَازَهُ
فَتًى لَا يُسَرُّ بِمَا لَا يَهَبْ
٢١٠
وَإِنِّي لَأُتْبِعُ تَذْكَارَهُ
صَلَاةَ الْإِلَهِ وَسَقْيَ السُّحُبْ
٢١١
وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِآلَائِهِ
وَأَقْرُبُ مِنْهُ نَأَى أَوْ قَرُبْ
٢١٢
وَإِنْ فَارَقَتْنِي أَمْطَارُهُ
فَأَكْثَرُ غُدْرَانِهَا مَا نَضَبْ
٢١٣
أَيَا سَيْفَ رَبِّكَ لَا خَلْقِهِ
وَيَا ذَا الْمَكَارِمِ لَا ذَا الشُّطَبْ
٢١٤
وَأَبْعَدَ ذِي هِمَّةٍ هِمَّةً
وَأَعْرَفَ ذِي رُتْبَةٍ بِالرُّتَبْ
٢١٥
وَأَطْعَنَ مَنْ مَسَّ خَطِّيَّةً
وَأَضْرَبَ مِنْ بِحُسَامٍ ضَرَبْ
٢١٦
بِذَا اللَّفْظِ نَادَاكَ أَهْلُ الثُّغُورِ
فَلَبَّيْتَ وَالْهَامُ تَحْتَ الْقُضُبْ
٢١٧
وَقَدْ يَئِسُوا مِنْ لَذِيذِ الْحَيَاةِ
فَعَيْنٌ تَغُورُ وَقَلْبٌ يَجِبْ
٢١٨
وَغَرَّ الدُّمُسْتُقَ قَوْلُ الْعُدَا
ةِ أَنَّ عَلِيًّا ثَقِيلٌ وَصِبْ
٢١٩
وَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُهُ أَنَّهُ
إِذَا هَمَّ وَهْوَ عَلِيلٌ رَكِبْ
٢٢٠
أَتَاهُمْ بِأَوْسَعَ مِنْ أَرْضِهِمْ
طِوَالَ السَّبِيبِ قِصَارَ الْعُسُبْ
٢٢١
تَغِيبُ الشَّوَاهِقُ فِي جَيْشِهِ
وَتَبْدُو صِغَارًا إِذَا لَمْ تَغِبْ
٢٢٢
وَلَا تَعْبُرُ الرِّيحُ فِي جَوِّهِ
إِذَا لَمْ تَخَطَّ الْقَنَا أَوْ تَثِبْ
٢٢٣
فَغَرَّقَ مُدْنَهُمُ بِالْجُيُوشِ
وَأَخْفَتَ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّجَبْ
٢٢٤
فَأَخْبِثْ بِهِ طَالِبًا قَهْرَهُمْ
وَأَخْبِثْ بِهِ تَارِكًا مَا طَلَبْ
٢٢٥
نَأَيْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِاللِّقَاءِ
وَجِئْتَ فَقَاتَلَهُمْ بِالْهَرَبْ
٢٢٦
وَكَانُوا لَهُ الْفَخْرَ لَمَّا أَتَى
وَكُنْتَ لَهُ الْعُذْرَ لَمَّا ذَهَبْ
٢٢٧
سَبَقْتَ إِلَيْهِمْ مَنَايَاهُمُ
وَمَنْفَعَةُ الْغَوْثِ قَبْلَ الْعَطَبْ
٢٢٨
فَخَرُّوا لِخَالِقِهِمْ سُجَّدًا
وَلَوْ لَمْ تُغِثْ سَجَدُوا لِلصُّلُبْ
٢٢٩
وَكَمْ ذُدْتَ عَنْهُمْ رَدًى بِالرَّدَى
وَكَشَّفْتَ مِنْ كُرَبٍ بِالْكُرَبْ
٢٣٠
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ إِنْ يَعُدْ
يَعُدْ مَعَهُ الْمَلِكُ الْمُعْتَصِبْ
٢٣١
وَيَسْتَنْصِرَانِ الَّذِي يَعْبُدَانِ
وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ قَدْ صُلِبْ
٢٣٢
لِيَدْفَعَ مَا نَالَهُ عَنْهُمَا
فَيَا لَلرِّجَالِ لِهَذَا الْعَجَبْ
٢٣٣
أَرَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِيـ
ـنَ إِمَّا لِعَجْزٍ وَإِمَّا رَهَبْ
٢٣٤
وَأَنْتَ مَعَ اللهِ فِي جَانِبٍ
قَلِيلُ الرُّقَادِ كَثِيرُ التَّعَبْ
٢٣٥
كَأَنَّكَ وَحْدَكَ وَحَّدْتَهُ
وَدَانَ الْبَرِيَّةُ بِابْنِ وَأَبْ
٢٣٦
فَلَيْتَ سُيُوفَكَ فِي حَاسِدٍ
إِذَا مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ كَئِبْ
٢٣٧
وَلَيْتَ شَكَاتَكَ فِي جِسْمِهِ
وَلَيْتَكَ تَجْزِي بِبُغْضٍ وَحُبْ
٢٣٨
فَلَوْ كُنْتَ تَجْزِي بِهِ نِلْتُ مِنـْ
ـكَ أَضْعَفَ حَظٍّ بِأَقْوَى سَبَبْ
٢٣٩
وقال في صباه ارتجالًا، وقد عذله أبو سعيد المجَيْمري
٢٤٠ على تركه لقاء الملوك:
أَبَا سَعِيدٍ جَنِّبِ الْعِتَابَا
فَرُبَّ رَائِي خَطَأٍ صَوَابَا
٢٤١
فَإِنَّهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا الْحُجَّابَا
وَاسْتَوْقَفُوا لِرَدِّنَا الْبَوَّابَا
٢٤٢
وَإِنَّ حَدَّ الصَّارِمِ الْقِرْضَابَا
وَالذَّابِلَاتِ السُّمْرَ وَالْعَرَابَا
يَرْفَعُ فِيمَا بَيْنَنَا الْحِجَابَا
٢٤٣
وقال في صباه ارتجالًا لبعض الكلابيين وهم على شراب:
لِأَحِبَّتِي أَنْ يَمْلَئُوا
بِالصَّافِيَاتِ الْأَكْوُبَا
٢٤٤
وَعَلَيْهِمِ أَنْ يَبْذُلُوا
٢٤٥
وَعَليَّ أَنْ لَا أَشْرَبَا
حَتَّى تَكُونَ الْبَاتِرَا
تُ الْمُسْمِعَاتُ فَأَطْرَبَا
٢٤٦
وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي، وينفي الشماتة عن بني عمه:
٢٤٧
لِأَيِّ صُرُوفِ الدَّهْرِ فِيهِ نُعَاتِبُ
وَأَيَّ رَزَايَاهُ بِوِتْرٍ نُطَالِبُ
٢٤٨
مَضَى مَنْ فَقَدْنَا صَبْرَنَا عِنْدَ فَقْدِهِ
وَقَدْ كَانَ يُعْطِي الصَّبْرَ وَالصَّبْرُ عَازِبُ
٢٤٩
يَزُورُ الْأَعَادِي فِي سَمَاءِ عَجَاجَةٍ
أَسِنَّتُهُ فِي جَانِبَيْهَا الْكَوَاكِبُ
٢٥٠
فَتُسْفِرُ عَنْهُ وَالسُّيُوفُ كَأَنَّمَا
مَضَارِبُهَا مِمَّا انْفَلَلْنَ ضَرَائِبُ
٢٥١
طَلَعْنَ شُمُوسًا وَالْغُمُودُ مَشَارِقُ
لَهُنَّ وَهَامَاتُ الرِّجَالِ مَغَارِبُ
٢٥٢
مَصَائِبُ شَتَّى جُمِّعَتْ فِي مُصِيبَةٍ
وَلَمْ يَكْفِهَا حَتَّى قَفَتْهَا مَصَائِبُ
٢٥٣
رَثَى ابْنَ أَبِينَا غَيْرُ ذِي رَحِمٍ لَهُ
فَبَاعَدَنَا مِنْهُ وَنَحْنُ الْأَقَارِبُ
٢٥٤
وَعَرَّضَ أَنَّا شَامِتُونَ بِمَوْتِهِ
وَإِلَّا فَزَارَتْ عَارِضَيْهِ الْقَوَاضِبُ
٢٥٥
أَلَيْسَ عَجِيبًا أَنَّ بَيْنَ بَنِي أَبٍ
لِنَجْلِ يَهُودِيٍّ تَدِبُّ الْعَقَارِبُ
٢٥٦
أَلَا إِنَّمَا كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدٍ
دَلِيلًا عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلهِ غَالِبُ
٢٥٧
وقال يمدح المغيث بن عليِّ بن بشر العجلي:
دَمْعٌ جَرَى فَقَضَى فِي الرَّبْعِ مَا وَجَبَا
لِأَهْلِهِ وَشَفَى أَنَّى وَلَا كَرَبَا
٢٥٨
عُجْنَا فَأَذْهَبَ مَا أَبْقَى الْفِرَاقُ لَنَا
مِنَ الْعُقُولِ وَمَا رَدَّ الَّذِي ذَهَبَا
٢٥٩
سَقَيْتُهُ عَبَرَاتٍ ظَنَّهَا مَطَرًا
سَوَائِلًا مِنْ جُفُونٍ ظَنَّهَا سُحُبَا
٢٦٠
دَارُ الْمُلِمِّ لَهَا طَيْفٌ تَهَدَّدَنِي
لَيْلًا فَمَا صَدَقَتْ عَيْنِي وَلَا كَذَبَا
٢٦١
نَاءَيْتُهُ فَدَنَا أَدْنَيْتُهُ فَنَأَى
جَمَّشْتُهُ فَنَبَا قَبَّلْتُهُ فَأَبَى
٢٦٢
هَامَ الْفُؤَادُ بِأَعْرَابِيَّةٍ سَكَنَتْ
بَيْتًا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ تَمْدُدْ لَهُ طُنُبَا
٢٦٣
مَظْلُومَةُ الْقَدِّ فِي تَشْبِيهِهِ غُصُنًا
مَظْلُومَةُ الرِّيقِ فِي تَشْبِيهِهِ ضَرَبَا
٢٦٤
بَيْضَاءُ تُطْمِعُ فِيمَا تَحْتَ حُلَّتِهَا
وَعَزَّ ذَلِكَ مَطْلُوبًا إِذَا طُلِبَا
٢٦٥
كَأَنَّهَا الشَّمْسُ يُعْيِي كَفَّ قَابِضِهِ
شُعَاعُهَا وَيَرَاهُ الطَّرْفُ مُقْتَرِبَا
٢٦٦
مَرَّتْ بِنَا بَيْنَ تِرْبَيْهَا فَقُلْتُ لَهَا
مِنْ أَيْنَ جَانَسَ هَذَا الشَّادِنُ الْعَرَبَا
٢٦٧
فَاسْتَضْحَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَالْمُغِيثِ يُرَى
لَيْثَ الشَّرَى وَهْوَ مِنْ عِجْلٍ إِذَا انْتَسَبَا
٢٦٨
جَاءَتْ بِأَشْجَعَ مَنْ يُسْمَى وَأَسْمَحَ مَنْ
أَعْطَى وَأَبْلَغَ مَنْ أَمْلَى وَمَنْ كَتَبَا
٢٦٩
لَوْ حَلَّ خَاطِرُهُ فِي مُقْعَدٍ لَمَشَى
أَوْ جَاهِلٍ لَصَحَا أَوْ أَخْرَسٍ خَطَبَا
٢٧٠
إِذَا بَدَا حَجَبَتْ عَيْنَيْكَ هَيْبَتُهُ
وَلَيْسَ يَحْجُبُهُ سِتْرٌ إِذَا احْتَجَبَا
٢٧١
بَيَاضُ وَجْهٍ يُرِيكَ الشَّمْسَ حَالِكَةً
وَدُرُّ لَفْظٍ يُرِيكَ الدُّرَّ مَخْشَلَبَا
٢٧٢
وَسَيْفُ عَزْمٍ تَرُدُّ السَّيْفَ هِبَّتُهُ
رَطْبَ الْغِرَارِ مِنَ التَّأْمُورِ مُخْتَضِبَا
٢٧٣
عُمْرُ الْعَدُوِّ إِذَا لَاقَاهُ فِي رَهَجٍ
أَقَلُّ مِنْ عُمْرِ مَا يَحْوِي إِذَا وَهَبَا
٢٧٤
تَوَقَّهُ فَمَتَى مَا شِئْتَ تَبْلُوَهُ
فَكُنْ مُعَادِيَهُ أَوْ كُنْ لَهُ نَشَبَا
٢٧٥
تَحْلُو مَذَاقَتُهُ حَتَّى إِذَا غَضِبَا
حَالَتْ فَلَوْ قَطَرَتْ فِي الْمَاءِ مَا شُرِبَا
٢٧٦
وَتَغْبِطُ الْأَرْضُ مِنْهَا حَيْثُ حَلَّ بِهِ
وَتَحْسُدُ الْخَيْلُ مِنْهَا أَيَّهَا رَكِبَا
٢٧٧
وَلَا يَرُدُّ بِفِيهِ كَفَّ سَائِلِهِ
عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْجَحْفَلَ اللَّجِبَا
٢٧٨
وَكُلَّمَا لَقِيَ الدِّينَارُ صَاحِبَهُ
فِي مُلْكِهِ افْتَرَقَا مِنْ قَبْلِ يَصْطَحِبَا
٢٧٩
مَالٌ كَأَنَّ غُرَابَ الْبَيْنِ يَرْقُبُهُ
فَكُلَّمَا قِيلَ هَذَا مُجْتَدٍ نَعَبَا
٢٨٠
بَحْرٌ عَجَائِبُهُ لَمْ تُبْقِ فِي سَمَرٍ
وَلَا عَجَائِبِ بَحْرٍ بَعْدَهَا عَجَبَا
٢٨١
لَا يُقْنِعُ ابْنَ عَلِيٍّ نَيْلُ مَنْزِلَةٍ
يَشْكُو مُحَاوِلُهَا التَّقْصِيرَ وَالْتَّعَبَا
٢٨٢
هَزَّ اللِّوَاءَ بَنُو عِجْلٍ بِهِ فَغَدَا
رَأْسًا لَهُمْ وَغَدَا كُلٌّ لَهُمْ ذَنَبَا
٢٨٣
التَّارِكِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَهْوَنَهَا
وَالرَّاكِبِينَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا صَعُبَا
٢٨٤
مُبَرْقِعِي خَيْلِهِمْ بِالْبِيضِ مُتَّخِذِي
هَامِ الْكُمَاةِ عَلَى أَرْمَاحِهِمْ عَذَبَا
٢٨٥
إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ لَاقَتْهُمُ وَقَفَتْ
خَرْقَاءَ تَتَّهِمُ الْإِقْدَامَ وَالْهَرَبَا
٢٨٦
مَرَاتِبٌ صَعِدَتْ وَالْفِكْرُ يَتْبَعُهَا
فَجَازَ وَهْوَ عَلَى آثَارِهَا الشُّهُبَا
٢٨٧
مَحَامِدٌ نَزَفَتْ شِعْرِي لِيَمْلَأَهَا
فَآلَ مَا امْتَلَأَتْ مِنْهُ وَلَا نَضَبَا
٢٨٨
مَكَارِمٌ لَكَ فُتَّ الْعَالَمِينَ بِهَا
مَنْ يَسْتَطِيعُ لِأَمْرٍ فَائِتٍ طَلَبَا
٢٨٩
لَمَّا أَقَمْتَ بِإِنْطَاكِيَّةَ اخْتَلَفَتْ
إِلَيَّ بِالْخَبَرِ الرُّكْبَانُ فِي حَلَبَا
٢٩٠
فَسِرْتُ نَحْوَكَ لَا أَلْوِي عَلَى أَحَدٍ
أَحُثُّ رَاحِلَتِيَّ الْفَقْرَ وَالْأَدَبَا
٢٩١
أَذَاقَنِي زَمَنِي بَلْوَى شَرِقْتُ بِهَا
لَو ذَاقَهَا لَبَكَى مَا عَاشَ وَانْتَحَبَا
٢٩٢
وَإِنْ عَمَرْتُ جَعَلْتُ الْحَرْبَ وَالِدَةً
وَالسَّمْهَرِيَّ أَخًا وَالْمَشْرَفِيَّ أَبَا
٢٩٣
بِكُلِّ أَشْعَثَ يَلْقَى الْمَوْتَ مُبْتَسِمًا
حَتَّى كَأَنَّ لَهُ فِي قَتْلِهِ أَرَبَا
٢٩٤
قُحٍّ يَكَادُ صَهِيلُ الْخَيْلِ يَقْذِفُهُ
٢٩٥
عَنْ سَرْجِهِ مَرَحًا بِالْغَزْوِ أَوْ طَرَبَا
فَالْمَوْتُ أَعْذَرُ لِي وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ بِي
وَالْبَرُّ أَوْسَعُ وَالدُّنْيَا لِمَنْ غَلَبَا
٢٩٦
وقال يمدح علي بن منصور الحاجب:
٢٩٧
بِأَبِي الشُّمُوسُ الْجَانِحَاتُ غَوَارِبَا
اللَّابِسَاتُ مِنَ الْحَرِيرِ جَلَابِبَا
٢٩٨
الْمُنْهِبَاتُ قُلُوبَنَا وَعُقُولَنَا
وَجَنَاتِهِنَّ النَّاهِبَاتِ النَّاهِبَا
٢٩٩
النَّاعِمَاتُ الْقَاتِلَاتُ الْمُحْيِيَا
تُ الْمُبْدِيَاتُ مِنَ الدَّلَالِ غَرَائِبَا
٣٠٠
حَاوَلْنَ تَفْدِيَتِي وَخِفْنَ مُرَاقِبًا
فَوَضَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فَوْقَ تَرَائِبَا
٣٠١
وَبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشِيتُ أُذِيبَهُ
مِنْ حَرِّ أَنْفَاسِي فَكُنْتُ الذَّائِبَا
٣٠٢
يَا حَبَّذَا الْمُتَحَمِّلُونَ وَحَبَّذَا
وَادٍ لَثَمْتُ بِهِ الْغَزَالَةَ كَاعِبَا
٣٠٣
كَيْفَ الرَّجَاءُ مِنَ الْخُطُوبِ تَخَلُّصًا
مِنْ بَعْدِ مَا أَنْشَبْنَ فِيَّ مَخَالِبَا
٣٠٤
أَوْحَدْنَنِي وَوَجَدْنَ حُزْنًا وَاحِدًا
مُتَنَاهِيًا فَجَعَلْنَهُ لِيَ صَاحِبَا
٣٠٥
وَنَصَبْنَنِي غَرَضَ الرُّمَاةِ تُصِيبُنِي
مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُّيُوفِ مَضَارِبَا
٣٠٦
أَظْمَتْنِيَ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُهَا
مُسْتَسْقِيًا مَطَرَتْ عَلَيَّ مَصَائِبَا
٣٠٧
وَحُبِيتُ مِنْ خُوصِ الرِّكَابِ بِأَسْوَدٍ
مِنْ دَارِشٍ فَغَدَوْتُ أَمْشِي رَاكِبَا
٣٠٨
حَالٌ مَتَى عَلِمَ ابْنُ مَنْصُورٍ بِهَا
جَاءَ الزَّمَانُ إِلَيَّ مِنْهَا تَائِبَا
٣٠٩
مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وَبَنَانُهُ
يَتَبَارَيَانِ دَمًا وَعُرْفًا سَاكِبَا
٣١٠
يَسْتَصْغِرُ الْخَطَرَ الْكَبِيرَ لِوَفْدِهِ
وَيَظُنُّ دِجْلَةَ لَيْسَ تَكْفِي شَارِبَا
٣١١
كَرَمًا فَلَوْ حَدَّثْتَهُ عَنْ نَفْسِهِ
بِعَظِيمِ مَا صَنَعَتْ لَظَنَّكَ كَاذِبَا
٣١٢
سَلْ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَزُرْهُ مُسَالِمًا
وَحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ مِنْهُ مُحَارِبَا
٣١٣
فَالْمَوْتُ تُعْرَفُ بِالصِّفَاتِ طِبَاعُهُ
لَمْ تَلْقَ خَلْقًا ذَاقَ مَوْتًا آيِبَا
٣١٤
إِنْ تَلْقَهُ لَا تَلْقَ إِلَّا قَسْطَلًا
أَوْ جَحْفَلًا أَوْ طَاعِنًا أَوْ ضَارِبَا
٣١٥
أَوْ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا أَوْ رَاغِبًا
أَوْ رَاهِبًا أَوْ هَالِكًا أَوْ نَادِبَا
٣١٦
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْجِبَالِ رَأَيْتَهَا
فَوْقَ السُّهُولِ عَوَاسِلًا وَقَوَاضِبَا
٣١٧
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى السُّهُولِ رَأَيْتَهَا
تَحْتَ الْجِبَالِ فَوَارِسًا وَجَنَائِبَا
٣١٨
وَعَجَاجَةً تَرَكَ الْحَدِيدُ سَوَادَهَا
زِنْجًا تَبَسَّمُ أَوْ قَذَالًا شَائِبَا
٣١٩
فَكَأَنَّمَا كُسِيَ النَّهَارُ بِهَا دُجَى
لَيْلٍ وَأَطْلَعَتِ الرِّمَاحُ كَوَاكِبَا
٣٢٠
قَدْ عَسْكَرَتْ مَعَهَا الرَّزَايَا عَسْكَرًا
وَتَكَتَّبَتْ فِيهَا الرِّجَالُ كَتَائِبَا
٣٢١
أُسُدٌ فَرَائِسُهَا الْأُسُودُ يَقُودُهَا
أَسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الْأُسُودُ ثَعَالِبَا
فِي رُتْبَةٍ حَجَبَ الْوَرَى عَنْ نَيْلِهَا
وَعَلَا فَسَمَّوْهُ عَلِيَّ الْحَاجِبَا
٣٢٢
وَدَعَوْهُ مِنْ فَرْطِ السَّخَاءِ مُبَذِّرًا
وَدَعَوْهُ مِنْ غَصْبٍ النُّفُوسِ الْغَاصِبَا
هَذَا الَّذِي أَفْنَى النُّضَارَ مَوَاهِبًا
وَعِدَاهُ قَتْلًا وَالزَّمَانَ تَجَارِبَا
٣٢٣
وَمُخَيِّبُ الْعُذَّالِ فِيمَا أَمَّلُوا
مِنْهُ وَلَيْسَ يَرُدُّ كَفًّا خَائِبَا
٣٢٤
هَذَا الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ حَاضِرًا
مِثْلُ الَّذِي أَبْصَرْتُ مِنْهُ غَائِبَا
٣٢٥
كَالْبَدْرِ مِنْ حَيْثُ الْتَفَتَّ رَأَيْتَهُ
يُهْدِي إِلَى عَيْنَيْكَ نُورًا ثَاقِبَا
٣٢٦
كَالْبَحْرِ يَقْذِفُ لِلْقَرِيبِ جَوَاهِرًا
جُودًا وَيَبْعَثُ لِلْبَعِدِ سَحَائِبَا
كَالشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَضَوْءُهَا
يَغْشَى الْبِلَادَ مَشَارِقًا وَمَغَارِبَا
أَمُهَجِّنَ الْكُرَمَاءِ وَالْمُزْرِي بِهِمْ
وَتَرُوكَ كُلِّ كَرِيمِ قَوْمٍ عَاتِبَا
٣٢٧
شَادُوا مَنَاقِبَهُمْ وَشِدْتَ مَنَاقِبًا
وُجِدَتْ مَنَاقِبُهُمْ بِهِنَّ مَثَالِبَا
٣٢٨
لَبَّيْكَ غَيْظَ الْحَاسِدِينَ الرَّاتِبَا
إِنَّا لَنَخْبُرُ مِنْ يَدَيْكَ عَجَائِبَا
٣٢٩
تَدْبِيرُ ذِي حُنَكٍ يُفَكِّرُ فِي غَدٍ
وَهُجُومُ غِرٍّ لَا يَخَافُ عَوَاقِبَا
٣٣٠
وَعَطَاءُ مَالٍ لَوْ عَدَاهُ طَالِبٌ
أَنْفَقْتَهُ فِي أَنْ تُلَاقِيَ طَالِبَا
٣٣١
خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ مَا أَسْطِيعُهُ
لَا تُلْزِمَنِّي فِي الثَّنَاءِ الْوَاجِبَا
٣٣٢
فَلَقَدْ دَهِشْتُ لِمَا فَعَلْتُ وَدُونَهُ
مَا يُدْهِشُ الْمَلَكَ الْحَفِيظَ الْكَاتِبَا
٣٣٣
وقال يمدح بدر بن عمار ارتجالًا، وهو على الشراب والفاكهة والنرجس حوله:
إِنَّمَا بَدْرُ بْنُ عَمَّارٍ سَحَابُ
هَطِلٌ فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابُ
٣٣٤
إِنَّمَا بَدْرٌ رَزَايَا وَعَطَايَا
وَمَنَايَا وَطِعَانٌ وَضِرَابُ
٣٣٥
مَا يُجِيلُ الطَّرْفَ إِلَّا حَمِدَتْهُ
جُهْدَهَا الْأَيْدِي وَذَمَّتْهُ الرِّقَابُ
٣٣٦
مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيهِ وَلَكِنْ
يَتَّقِي إِخْلَافَ مَا تَرْجُو الذِّئَابُ
٣٣٧
فَلَهُ هَيْبَةُ مَنْ لَا يُتَرَجَّى
وَلَهُ جُودُ مُرَجًّى لَا يُهَابُ
٣٣٨
طَاعِنُ الْفُرْسَانِ فِي الْأَحْدَاقِ شَزْرًا
وَعَجَاجُ الْحَرْبِ لِلشَّمْسِ نِقَابُ
٣٣٩
بَاعِثُ النَّفْسِ عَلَى الْهَوْلِ الَّذِي لَيـْ
ـسَ لِنَفْسٍ وَقَعَتْ فِيهِ إِيَابُ
٣٤٠
بِأَبِي رِيحُكَ لَا نَرْجِسُنَا ذَا
وَأَحادِيثُكَ لَا هَذَا الشَّرَابُ
٣٤١
لَيْسَ بِالْمُنْكَرِ إِنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا
غَيْرُ مَدْفُوعٍ عَنِ السَّبْقِ الْعِرَابُ
٣٤٢
وجلس بدر بن عمار يلعب بالشطرنج، وقد كثر المطر، فقال أبو الطيب:
أَلَمْ تَرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُرَجَّى
عَجَائِبَ مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّحَابِ
تَشَكَّى الْأَرْضُ غَيْبَتَهُ إِلَيْهِ
وَتَرْشُفُ مَاءَهُ رَشْفَ الرُّضَابِ؟
٣٤٣
وَأُوهِمُ أَنَّ فِي الشِّطْرَنْجِ هَمِّي
وَفِيكَ تَأَمُّلِي وَلَكَ انْتِصَابِي
٣٤٤
سَأَمْضِي وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ مِنِّي
مَغِيبِي لَيْلَتِي وَغَدًا إِيَابِي
٣٤٥
وقال في لعبةٍ أُحضرت مجلس بدر على صورة جارية، وأديرت فوقفت حذاء بدر رافعة رجلها،
وكانت
ترقص بحركات:
يَا ذَا الْمَعَالِي وَمَعْدِنَ الْأَدَبِ
سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِ الْعَرَبِ
أَنْتَ عَلِيمٌ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ
وَلَوْ سَأَلْنَا سِوَاكَ لَمْ يُجِبِ
٣٤٦
أَهَذِه قَابَلَتْكَ رَاقِصَةً
أَمْ رَفَعَتْ رِجْلَهَا مِنَ التَّعَبِ؟
وقال يمدح علي بن محمد بن سيار بن مُكرَم التميمي، وكان يحب الرمي بالنشاب ويتعاطاه،
وكان
له وكيل يتعرض للشعر، فأنفذه إلى أبي الطيب يناشده، فتلقاه وأجلسه في مجلسه، ثم كتب إلى
عليٍّ يقول:
ضُرُوبُ النَّاسِ عُشَّاقٌ ضُرُوبَا
فَأَعْذَرُهُمْ أَشَفُّهُمُ حَبِيبَا
٣٤٧
وَمَا سَكَنِي سِوَى قَتْلِ الْأَعَادِي
فَهَلْ مِنْ زَوْرَةٍ تَشْفِي الْقُلُوبَا؟
٣٤٨
تَظَلُّ الطَّيْرُ مِنْهَا فِي حَدِيثٍ
تَرُدُّ بِهِ الصَّرَاصِرَ وَالنَّعِيبَا
٣٤٩
وَقَدْ لَبِسَتْ دِمَاءَهُمُ عَلَيْهِمْ
حِدَادًا لَمْ تَشُقَّ لَهَا جُيُوبَا
٣٥٠
أَدَمْنَا طَعْنَهُمْ وَالْقَتْلَ حَتَّى
خَلَطْنَا فِي عِظَامِهِمِ الْكُعُوبَا
٣٥١
كَأَنَّ خُيُولَنَا كَانَتْ قَدِيمًا
تُسَقَّى فِي قُحُوفِهِمِ الْحَلِيبَا
٣٥٢
فَمَرَّتْ غَيْرَ نَافِرَةٍ عَلَيْهِمْ
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبَا
٣٥٣
يُقَدِّمُهَا وَقَدْ خُضِبَتْ شَوَاهَا
فَتًى تَرْمِي الْحُرُوبُ بِهِ الْحُرُوبَا
٣٥٤
شَدِيدُ الْخُنْزُوَانَةِ لَا يُبَالِي
أَصَابَ إِذَا تَنَمَّرَ أَمْ أُصِيبَا
٣٥٥
أَعَزْمِي طَالَ هَذَا اللَّيْلُ فَانْظُرْ
أَمِنْكَ الصُّبْحُ يَفْرَقُ أَنْ يَئُوبَا؟
٣٥٦
كَأَنَّ الْفَجْرَ حِبٌّ مُسْتَزَارٌ
يُرَاعِي مِنْ دُجُنَّتِهِ رَقِيبَا
٣٥٧
كَأَنَّ نُجُومَهُ حَلْيٌ عَلَيْهِ
وَقَدْ حُذِيَتْ قَوَائِمُهُ الْجَبُوبَا
٣٥٨
كَأَنَّ الْجَوَّ قَاسَى مَا أُقَاسِي
فَصَارَ سَوَادُهُ فِيهِ شُحُوبَا
٣٥٩
كَأَنَّ دُجَاهُ يَجْذِبُهَا سُهَادِي
فَلَيْسَ تَغِيبُ إِلَّا أَنْ يَغِيبَا
٣٦٠
أُقَلِّبُ فِيهِ أَجْفَانِي كَأَنِّي
أَعُدُّ بِهِ عَلَى الدَّهْرِ الذُّنُوبَا
٣٦١
وَمَا لَيْلٌ بِأَطْوَلَ مِنْ نَهَارٍ
يَظَلُّ بِلَحْظِ حُسَّادِي مَشُوبَا
٣٦٢
وَمَا مَوْتٌ بِأَبْغَضَ مِنْ حَيَاةٍ
أَرَى لَهُمُ مَعِي فِيهَا نَصِيبَا
٣٦٣
عَرَفْتُ نَوَائِبَ الْحَدَثَانِ حَتَّى
لَوِ انْتَسَبَتْ لَكُنْتُ لَهَا نَقِيبَا
٣٦٤
وَلَمَّا قَلَّتِ الْإِبِلُ امْتَطَيْنَا
إِلَى ابْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخُطُوبَا
٣٦٥
مَطَايَا لَا تَذِلُّ لِمَنْ عَلَيْهَا
وَلَا يَبْغِي لَهَا أَحَدٌ رُكُوبَا
٣٦٦
وَتَرْتَعُ دُونَ نَبْتِ الْأَرْضِ فِينَا
فَمَا فَارَقْتُهَا إِلَّا جَدِيبَا
٣٦٧
إِلَى ذِي شِيمَةٍ شَعَفَتْ فُؤَادِي
فَلَوْلَاهُ لَقُلْتُ بِهَا النَّسِيبَا
٣٦٨
تُنَازِعُنِي هَوَاهَا كُلُّ نَفْسٍ
وَإِنْ لَمْ تُشْبِهِ الرَّشَأَ الرَّبِيبَا
٣٦٩
عَجِيبٌ فِي الزَّمَانِ وَمَا عَجِيبٌ
أَتَى مِنْ آلِ سَيَّارٍ عَجِيبَا
٣٧٠
وَشَيْخٌ فِي الشَّبَابِ وَلَيْسَ شَيْخًا
يُسَمَّى كُلُّ مَنْ بَلَغَ الْمَشِيبَا
٣٧١
قَسَا فَالْأُسْدُ تَفْزَعُ مِنْ قُوَاهُ
وَرَقَّ فَنَحْنُ نَفْزَعُ أَنْ يَذُوبَا
٣٧٢
أَشَدُّ مِنَ الرِّيَاحِ الْهُوجِ بَطْشًا
وَأَسْرَعُ فِي النَّدَى مِنْهَا هُبُوبَا
٣٧٣
وَقَالُوا ذَاكَ أَرْمَى مَنْ رَأَيْنَا
فَقُلْتُ رَأَيْتُمُ الْغَرَضَ الْقَرِيبَا
٣٧٤
وَهَلْ يُخْطِي بِأَسْهُمِهِ الرَّمَايَا
وَمَا يُخْطِي بِمَا ظَنَّ الْغُيُوبَا
٣٧٥
إِذَا نُكِبَتْ كِنَانَتُهُ اسْتَبَنَّا
بِأَنْصُلِهَا لِأَنْصُلِهَا نُدُوبَا
٣٧٦
يُصِيبُ بِبَعْضِهَا أَفْوَاقَ بَعْضٍ
فَلَوْلَا الْكَسْرُ لَاتَّصَلَتْ قَضِيبَا
٣٧٧
بِكُلِّ مُقَوَّمٍ لَمْ يَعْصِ أَمْرًا
لَهُ حَتَّى ظَنَنَّاهُ لَبِيبَا
٣٧٨
يُرِيكَ النَّزْعُ بَيْنَ الْقَوْسِ مِنْهُ
وَبَيْنَ رَمِيِّهِ الْهَدَفَ الْمَهِيبَا
٣٧٩
أَلَسْتَ ابْنَ الْأُلَى سَعِدُوا وَسَادُوا
وَلَمْ يَلِدُوا امْرَأً إِلَّا نَجِيبَا
٣٨٠
وَنَالُوا مَا اشْتَهَوْا بِالْحَزْمِ هَوْنًا
وَصَادَ الْوَحْشَ نَمْلُهُمُ دَبِيبَا
٣٨١
وَمَا رِيحُ الرِّيَاضِ لَهَا وَلَكِنْ
كَسَاهَا دَفْنُهُمْ فِي التُّرْبِ طِيبَا
٣٨٢
أَيَا مَنْ عَادَ رُوحُ الْمَجْدِ فِيهِ
وَعَادَ زَمَانُهُ التَّالِي قَشِيبَا
٣٨٣
تَيَمَّمَنِي وَكِلُكَ مَادِحًا لِي
وَأَنْشَدَنِي مِنَ الشِّعْرِ الْغَرِيبَا
٣٨٤
فَآجَرَكَ الْإِلَهُ عَلَى عَلِيلٍ
بَعَثْتَ إِلَى الْمَسِيحِ بِهِ طَبِيبَا
٣٨٥
وَلَسْتُ بِمُنْكِرٍ مِنْكَ الْهَدَايَا
وَلَكِنْ زِدْتَنِي فِيهَا أَدِيبَا
فَلَا زَالَتْ دِيَارُكَ مُشْرِقَاتٍ
وَلَا دَانَيْتَ يَا شَمْسُ الْغُرُوبَا
٣٨٦
لِأُصْبِحَ آمِنًا فِيكَ الرَّزَايَا
كَمَا أَنَا آمِنٌ فِيكَ الْعُيُوبَا
٣٨٧
وقال يصف مجلسين لأبي محمد الحسن بن عبد الله بن طُغْج، قد انزوى أحدهما عن الآخر
ليُرَى
من كل واحد منهما ما لا يُرى من صاحبه:
الْمَجْلِسَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا
مُقَابِلَانِ وَلَكِنْ أَحْسَنَا الْأَدَبَا
٣٨٨
إِذَا صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَال ذَا رَهَبًا
وَإِنْ صَعِدْتَ إِلَى ذَا، مَالَ ذَا رَهَبَا
٣٨٩
فَلِمْ يَهَابُكَ مَا لَا حِسَّ يَرْدَعُهُ
إِنِّي لَأُبْصِرُ مِنْ شَأْنَيْهِمَا عَجَبَا
٣٩٠
وقال، وقد استقل في القبة، ونظر إلى السحاب:
تَعَرَّضَ لِي السَّحَابُ وَقَدْ قَفَلْنَا
فَقُلْتُ إِلَيْكَ إِنَّ مَعِي السَّحَابَا
٣٩١
فَشِمْ فِي الْقُبَّةِ الْمَلِكَ الْمُرَجَّى
فَأَمْسَكَ بَعْدَمَا عَزَمَ انْسِكَابَا
٣٩٢
وأشار إليه طاهر العلوي بمسك وأبو محمد حاضر فقال:
الطِّيبُ مِمَّا غَنِيتُ عَنْهُ
كَفَى بِقُرْبِ الْأَمِيرِ طِيبَا
يَبْنِي بِهِ رَبُّنَا الْمَعَالِي
كَمَا بِكُمْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَا
٣٩٣
وقال، وقد استحسن عين باز في مجلسه:
أَيَا مَا أُحَيْسِنَهَا مُقْلَةً
وَلَوْلَا الْمِلَاحَةُ لَمْ أَعْجَبِ
٣٩٤
خَلُوقِيَّةٌ فِي خَلُوقِيِّهَا
سُوَيْدَاءُ مِنْ عِنَبِ الثَّعْلَبِ
٣٩٥
إِذَا نَظَرَ الْبَازُ فِي عِطْفِهِ
كَسَتْهُ شُعَاعًا عَلَى الْمَنْكِبِ
٣٩٦
وقال يمدح أبا القاسم طاهر بن الحسين العلوي:
٣٩٧
أَعِيدُوا صَبَاحِي فَهْوَ عِنْدَ الْكَوَاعِبِ
وَرُدُّوا رُقَادِي فَهْوَ لَحْظُ الْحَبَائِبِ
٣٩٨
فَإِنَّ نَهَارِي لَيْلَةٌ مُدْلَهِمَّةٌ
عَلَى مُقْلَةٍ مِنْ بَعْدِكُمْ فِي غَيَاهِبِ
٣٩٩
بَعِيدَةِ مَا بَيْنَ الْجُفُونِ كَأَنَّمَا
عَقَدْتُمْ أَعَالِي كُلِّ هُدْبٍ بِحَاجِبِ
٤٠٠
وَأَحْسَبُ أَنِّي لَوْ هَوِيتُ فِرَاقَكُمْ
لَفَارَقْتُهُ وَالدَّهْرُ أَخْبَثُ صَاحِبِ
٤٠١
فَيَا لَيْتَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبَّتِي
مِنَ الْبُعْدِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَصَائِبِ
٤٠٢
أَرَاكِ ظَنَنْتِ السِّلْكَ جِسْمِي فَعُقْتِهِ
عَلَيْكِ بِدُرٍّ عَنْ لِقَاءِ التَّرَائِبِ
٤٠٣
وَلَوْ قَلَمٌ أُلْقِيتُ فِي شَقِّ رَأْسِهِ
مِنَ السُّقْمِ مَا غَيَّرْتُ مِنْ خَطِّ كَاتِبِ
٤٠٤
تُخَوِّفُنِي دُونَ الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ
وَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الْعَارَ شَرُّ الْعَوَاقِبِ
٤٠٥
وَلَا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ
يَطُولُ اسْتِمَاعِي بَعْدَهُ لِلنَّوَادِبِ
٤٠٦
يَهُونُ عَلَى مِثْلِي إِذَا رَامَ حَاجَةً
وُقُوعُ الْعَوَالِي دُونَهَا وَالْقَوَاضِبِ
٤٠٧
كَثِيرُ حَيَاةِ الْمَرْءِ مِثْلُ قَلِيلِهَا
يَزُولُ وَبَاقِي عَيْشِهِ مِثْلُ ذَاهِبِ
٤٠٨
إِلَيْكِ فَإِنِّي لَسْتُ مِمَّنْ إِذَا اتَّقَى
عِضَاضَ الْأَفَاعِي نَامَ فَوْقَ الْعَقَارِبِ
٤٠٩
أَتَانِي وَعِيدُ الْأَدْعِيَاءِ وَأَنَّهُمْ
أَعَدُّوا لِيَ السُّودَانَ فِي كَفْرِ عَاقِبِ
٤١٠
وَلَوْ صَدَقُوا فِي جَدِّهِمْ لَحَذِرْتُهُمْ
فَهَلْ فِيَّ وَحْدِي قَوْلُهُمْ غَيْرُ كَاذِبِ
٤١١
إِلَيَّ لَعَمْرِي قَصْدُ كُلِّ عَجِيبَةٍ
كَأَنِّي عَجِيبٌ فِي عُيُونِ الْعَجَائِبِ
٤١٢
بِأَيِّ بِلَادٍ لَمْ أَجُرَّ ذُؤَابَتِي
وَأَيُّ مَكَانٍ لَمْ تَطَأْهُ رَكَائِبِي
٤١٣
كَأَنَّ رَحِيلِي كَانَ مِنْ كَفِّ طَاهِرٍ
فَأَثْبَتَ كُورِي فِي ظُهُورِ الْمَوَاهِبِ
٤١٤
فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ لَمْ يَرِدْنَ فِنَاءَهُ
وَهُنَّ لَهُ شِرْبٌ وُرُودَ الْمَشَارِبِ
٤١٥
فَتًى عَلَّمَتْهُ نَفْسُهُ وَجُدُودُهُ
قِرَاعَ الْأَعَادِي وَابْتِذَالَ الرَّغَائِبِ
٤١٦
فَقَدْ غَيَّبَ الشُّهَّادَ عَنْ كُلِّ مَوْطِنٍ
وَرَدَّ إِلَى أَوْطَانِهِ كُلَّ غَائِبِ
٤١٧
كَذَا الْفَاطِمِيُّونَ النَّدَى فِي بَنَانِهِمْ
أَعَزُّ امِّحَاءً مِنْ خُطُوطِ الرَّوَاجِبِ
٤١٨
أُنَاس إِذَا لَاقَوْا عِدًى فَكَأَنَّمَا
سِلَاحُ الَّذِي لَاقَوْا غُبَارُ السَّلَاهِبِ
٤١٩
رَمَوْا بِنَواصِيهَا الْقِسِيَّ فَجِئْنَهَا
دَوَامِي الْهَوَادِي سَالِمَاتِ الْجَوَانِبِ
٤٢٠
أُولَئِكَ أَحْلَى مِنْ حَيَاةٍ مُعَادَةٍ
وَأَكْثَرُ ذِكْرًا مِنْ دُهُورِ الشَّبَائِبِ
٤٢١
نَصَرْتَ عَلِيًّا يَا ابْنَهُ بِبَوَاتِر
مِنَ الْفِعْلِ لَا فَلٌّ لَهَا فِي الْمَضَارِبِ
٤٢٢
وَأَبْهَرُ آيَاتِ التِّهَامِيِّ أَنَّهُ
أَبُوكَ وَأَجْدَى مَا لَكُمْ مِنْ مَنَاقِبِ
٤٢٣
إِذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُ النَّسِيبِ كَأَصْلِهِ
فَمَاذَا الَّذِي تُغْنِي كِرَامُ الْمَنَاصِبِ
٤٢٤
وَمَا قَرُبَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَبَاعِدٍ
وَلَا بَعُدَتْ أَشْبَاهُ قَوْمٍ أَقَارِبِ
٤٢٥
إِذَا عَلَوِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ طَاهِرٍ
فَمَا هُوَ إِلَّا حُجَّةٌ لِلنَّوَاصِبِ
٤٢٦
يَقُولُونَ تَأْثِيرُ الْكَوَاكِبِ فِي الْوَرَى
فَمَا بَالُهُ تَأْثِيرُهُ فِي الْكَوَاكِبِ
٤٢٧
عَلَا كَتَدَ الدُّنْيَا إِلَى كُلِّ غَايَةٍ
تَسِيرُ بِهِ سَيْرَ الذَّلُولِ بِرَاكِبِ
٤٢٨
وَحُقَّ لَهُ أَنْ يَسْبِقَ النَّاسَ جَالِسًا
وَيُدْرِكَ مَا لَمْ يُدْرِكُوا غَيْرَ طَالِبِ
٤٢٩
وَيُحْذَى عَرَانِينَ الْمُلُوكِ وَإِنَّهَا
لَمِنْ قَدَمَيْهِ فِي أَجَلِّ الْمَرَاتِبِ
٤٣٠
يَدٌ لِلزَّمَانِ الْجَمْعُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
لِتَفْرِيقِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّوَائِبِ
٤٣١
هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللهِ وَابْنُ وَصِيِّهِ
وَشِبْهُهُمَا شَبَّهْتُ بَعْدَ التَّجَارِبِ
٤٣٢
يَرَى أَنَّ مَا مَا بَانَ مِنْك لِضَارِبٍ
بِأَقْتَلَ مِمَّا بَانَ مِنْكَ لِعَائِبِ
٤٣٣
أَلَا أَيُّهَا الْمَالُ الَّذِي قَدْ أَبَادَهُ
تَعَزَّ فَهَذَا فِعْلُهُ فِي الْكَتَائِبِ
٤٣٤
لَعَلَّكَ فِي وَقْتٍ شَغَلْتَ فُؤَادَهُ
عَنِ الْجُودِ أَوْ كَثَّرْتَ جَيْشَ مُحَارِبِ
٤٣٥
حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ لِسَانِي حَدِيقَةً
سَقَاهَا الْحِجَى سَقْيَ الرِّيَاضَ السَّحَائِبِ
٤٣٦
فَحُيِّيتَ خَيْرَ ابْنٍ لِخَيْرِ أَبٍ بِهَا
لِأَشْرَفِ بَيْتٍ فِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
٤٣٧
وقال يمدح كافورًا سنة ستٍّ وأربعين وثلاثمائة — وهي من محاسن شعره:
مَنِ الْجآذِرُ فِي زِيِّ الْأَعَارِيبِ
حُمْرَ الْحُلَى وَالْمَطَايَا وَالْجَلَابِيبِ
٤٣٨
إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ شَكًّا فِي مَعَارِفِهَا
فَمَنْ بَلَاكَ بِتَسْهِيدٍ وَتَعْذِيبِ
٤٣٩
لَا تَجْزِنِي بِضَنًى بِي بَعْدَهَا بَقَرٌ
تَجْزِي دُمُوعِيَ مَسْكُوبًا بِمَسْكُوبِ
٤٤٠
سَوَائِرٌ رُبَّمَا سَارَتْ هَوَادِجُهَا
مَنِيعَةً بَيْنَ مَطْعُونٍ وَمَضْرُوبِ
٤٤١
وَرُبَّمَا وَخَدَتْ أَيْدِي الْمَطِيِّ بِهَا
عَلَى نَجِيعٍ مِنَ الْفُرْسَانِ مَصْبُوبِ
٤٤٢
كَمْ زَوْرَةٍ لَكَ فِي الْأَعْرَابِ خَافِيَةٍ
أَدْهَى وَقَدْ رَقَدُوا مِنْ زَوْرَةِ الذِّيبِ
٤٤٣
أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِي
وَأَنْثَنِي وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِي بِي
٤٤٤
قَدْ وَافَقُوا الْوَحْشَ فِي سُكْنَى مَرَاتِعِهَا
وَخَالَفُوهَا بِتَقْوِيضٍ وَتَطْنِيبِ
٤٤٥
جِيرَانُهَا وَهُمْ شَرُّ الْجِوَارِ لَهَا
وَصَحْبُهَا وَهُمُ شَرُّ الْأَصَاحِيبِ
٤٤٦
فُؤَادُ كُلِّ مُحِبٍّ فِي بُيُوتِهِمِ
وَمَالُ كُلِّ أَخِيذِ الْمَالِ مَحْرُوبِ
٤٤٧
مَا أَوْجُهُ الْحَضَرِ الْمُسْتَحْسَنَاتُ بِهِ
كَأَوْجُهِ الْبَدَوِيَّاتِ الرَّعَابِيبِ
٤٤٨
حُسْنُ الْحَضَارَةِ مَجْلُوبٌ بِتَطْرِيَةٍ
وَفِي الْبَدَاوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلُوبِ
٤٤٩
أَيْنَ الْمَعِيزُ مِنَ الْآرَامِ نَاظِرَةً
وَغَيْرَ نَاظِرَةٍ فِي الْحُسْنِ وَالطِّيبِ
٤٥٠
أَفْدِي ظِبَاءَ فَلَاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
مَضْغَ الْكَلَامِ وَلَا صَبْغَ الْحَوَاجِيبِ
٤٥١
وَلَا بَرَزْنَ مِنَ الْحَمَّامِ مَاثِلَةً
أَوْرَاكُهُنَّ صَقِيلَاتِ الْعَرَاقِيبِ
٤٥٢
وَمِنْ هَوَى كُلِّ مَنْ لَيْسَتْ مُمَوِّهَةً
تَرَكْتُ لَوْنَ مَشِيبِي غَيْرَ مَخْضُوبِ
٤٥٣
وَمِنْ هَوَى الصِّدْقِ فِي قَوْلِي وَعَادَتِهِ
رَغِبْتُ عَنْ شَعَرٍ فِي الرَّأْسِ مَكْذُوبِ
٤٥٤
لَيْتَ الْحَوَادِثَ بَاعَتْنِي الَّذِي أَخَذَتْ
مِنِّي بِحِلْمِي الَّذِي أَعْطَتْ وَتَجْرِيبِي
٤٥٥
فَمَا الْحَدَاثَةُ مِنْ حِلْمٍ بِمَانِعَةٍ
قَدْ يُوجَدُ الْحِلْمُ فِي الشُّبَّانِ وَالشِّيبِ
٤٥٦
تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الْأُسْتَاذُ مُكْتَهِلًا
قَبْلَ اكْتِهَالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيبِ
٤٥٧
مُجَرَّبًا فَهَمًا مِنْ قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
مُهَذَّبًا كَرَمًا مِنْ غَيْرِ تَهْذِيبِ
٤٥٨
حَتَّى أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا نِهَايَتَهَا
وَهَمُّهُ فِي ابْتِدَاءَاتٍ وَتَشْبِيبِ
٤٥٩
يُدَبِّرُ الْمُلْكَ مِنْ مِصْرٍ إِلَى عَدَنٍ
إِلَى الْعِرَاقِ فَأَرْضِ الرُّومِ فَالنُّوبِ
٤٦٠
إِذَا أَتَتْهَا الرِّيَاحُ النُّكْبُ مِنْ بَلَدٍ
فَمَا تَهُبُّ بِهَا إِلَّا بِتَرْتِيبِ
٤٦١
وَلَا تُجَاوِزُهُاَ شَمْسٌ إِذَا شَرَقَتْ
إِلَّا وَمِنْهُ لَهَا إِذْنٌ بِتَغْرِيبِ
٤٦٢
يُصَرِّفُ الْأَمْرَ فِيهَا طِينُ خَاتَمِهِ
وَلَوْ تَطَلَّسَ مِنْهُ كُلُّ مَكْتُوبِ
٤٦٣
يَحُطُّ كُلَّ طَوِيلِ الرُّمْحِ حَامِلُهُ
مِنْ سَرْجِ كُلِّ طَوِيلِ الْبَاعِ يَعْبُوبِ
٤٦٤
كَأَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ فِي مَسَامِعِهِ
قَمِيصُ يُوسُفَ فِي أَجْفَانِ يَعْقُوبِ
٤٦٥
إِذَا غَزَتْهُ أَعَادِيهِ بِمَسْأَلَةٍ
فَقَدْ غَزَتْهُ بِجَيْشٍ غَيْرِ مَغْلُوبِ
٤٦٦
أَوْ حَارَبْتُهُ فَمَا تَنْجُو بِتَقْدِمَةٍ
مِمَّا أَرَادَ وَلَا تَنْجُو بِتَجْبِيبِ
٤٦٧
أَضْرَتْ شَجَاعَتُهُ أَقْصَى كَتَائِبِهِ
عَلَى الْحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بِمَرْهُوبِ
٤٦٨
قَالُوا هَجَرْتَ إِلَيْهِ الْغَيْثَ قُلْتُ لَهُمْ
إِلَى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشَّآبِيبِ
٤٦٩
إِلَى الَّذِي تَهَبُ الدولَاتِ رَاحَتُهُ
وَلَا يَمُنُّ عَلَى آثَارِ مَوْهُوبِ
٤٧٠
وَلَا يَرُوعُ بِمَغْدُورٍ بِهِ أَحَدًا
وَلَا يُفَزِّعُ مَوْفُورًا بِمَنْكُوبِ
٤٧١
بَلَى يَرُوعُ بِذِي جَيْشٍ يُجَدِّلُهُ
ذَا مِثْلِهِ فِي أَحَمِّ النَّقْعِ غِرْبِيبِ
٤٧٢
وَجَدْتُ أَنْفَعَ مَالٍ كُنْتُ أَذْخَرُهُ
مَا فِي السَّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقْرِيبِ
٤٧٣
لَمَّا رَأَيْنَ صُرُوفَ الدَّهْرِ تَغْدِرُ بِي
وَفَيْنَ لِي وَوَفَتْ صُمُّ الْأَنَابِيبِ
٤٧٤
فُتْنَ الْمَهَالِكَ حَتَّى قَاَل قَائِلُهَا
مَاذَا لَقِينَا مِنْ الْجُرْدِ السَّرَاحِيبِ
٤٧٥
تَهْوِي بِمُنْجَرِدٍ لَيْسَتْ مَذَاهِبُهُ
لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبِ
٤٧٦
يَرَى النُّجُومَ بِعَيْنَيْ مَنْ يُحَاوِلُهَا
كَأَنَّهَا سَلَبٌ فِي عَيْنِ مَسْلُوبِ
٤٧٧
حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى نَفْسٍ مُحَحَّبَةٍ
تَلْقَى النُّفُوسَ بِفَضْلٍ غَيْرِ مَحْجُوبِ
٤٧٨
فِي جِسْمِ أَرْوَعَ صَافِي الْعَقْلِ تُضْحِكُهُ
خَلَائِقُ النَّاسِ إِضْحَاكَ الْأَعَاجِيبِ
٤٧٩
فَالْحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالْحَمْدُ بَعْدُ لَهَا
وَلِلْقَنَا وَلِإِدْلَاجِي وَتَأْوِيبِي
٤٨٠
وَكَيْفَ أَكْفُرُ يَا كَافُورُ نِعْمَتَهَا
وَقَدْ بَلَغْنَكَ بِي يَا كُلَّ مَطْلُوبِي
يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْغَانِي بِتَسْمِيَةٍ
فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَنْ وَصْفٍ وَتَلْقِيبِ
٤٨١
أَنْتَ الْحَبِيبُ وَلَكِنِّي أَعُوذُ بِهِ
مِنْ أَنْ أَكُونَ مُحِبًّا غَيْرَ مَحْبُوبِ
٤٨٢
وقال يمدحه في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة:
٤٨٣
أُغَالِبُ فِيكَ الشَّوْقَ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا الْهَجْرِ وَالْوَصْلُ أَعْجَبُ
٤٨٤
أَمَا تَغْلَطُ الْأَيَّامُ فِيَّ بِأَنْ أَرَى
بَغِيضًا تُنَائِي أَوْ حَبِيبًا تُقَرِّبُ
٤٨٥
وَلِلهِ سَيْرِي مَا أَقَلَّ تَئِيَّةً
عَشِيَّةَ شَرْقِيَّ الْحَدَالَى وَغُرَّبُ
٤٨٦
عَشِيَّةَ أَحْفَى النَّاس بِي مَنْ جَفَوْتُهُ
وَأَهْدَى الطِّرِيقَيْنِ الَّتِي أَتَجَنَّبُ
٤٨٧
وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ
تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ
٤٨٨
وَقَاكَ رَدَى الْأَعْدَاءِ تَسْرِي إِلَيْهِم
وَزَارَكَ فِيهِ ذُو الدَّلَالِ الْمُحَجَّبُ
٤٨٩
وَيَوْمٍ كَلَيْلِ الْعَاشِقِينَ كَمَنْتُهُ
أُرَاقِبُ فِيهِ الشَّمْسَ أَيَّانَ تَغْرُبُ
٤٩٠
وَعَيْنِي إِلَى أُذُنَيْ أَغَرَّ كَأَنَّهُ
مِنَ اللَّيْلِ بَاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَوْكَبُ
٤٩١
لَهُ فَضْلَةٌ عَنْ جِسْمِهِ فِي إِهَابِهِ
تَجِيءُ عَلَى صَدْرٍ رَحِيبٍ وَتَذْهَبُ
٤٩٢
شَقَقْتُ بِهِ الظَّلْمَاءَ أُدْنِي عِنَانَهُ
فَيَطْغَى وَأُرْخِيهِ مِرَارًا فَيَلْعَبُ
٤٩٣
وَأَصْرَعُ أَيَّ الْوَحْشِ قَفَّيْتُهُ بِهِ
وَأَنْزِلُ عَنْهُ مِثْلَهُ حِينَ أَرْكَبُ
٤٩٤
وَمَا الْخَيْلُ إِلَّا كَالصَّدِيقِ قَلِيلَةٌ
وَإِنْ كَثُرَتْ فِي عَيْنِ مَنْ لَا يُجَرِّبُ
٤٩٥
إِذَا لَمْ تُشَاهِدْ غَيْرَ حُسْنِ شِيَاتِهَا
وَأَعْضَائِهَا فَالْحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُ
٤٩٦
لَحَا اللهُ ذِي الدُّنْيَا مُنَاخًا لِرَاكِبٍ
فَكُلُّ بَعِيدِ الْهَمِّ فِيهَا مُعَذَّبُ
٤٩٧
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَقُولُ قَصِيدَةً
فَلَا أَشْتَكِي فِيهَا وَلَا أَتَعَتَّبُ
٤٩٨
وَبِي مَا يَذُودُ الشِّعْرَ عَنِّي أَقَلُّهُ
وَلَكِنَّ قَلْبِي يَا ابْنَةَ الْقَوْمِ قُلَّبُ
٤٩٩
وَأَخْلَاقُ كَافُورٍ إِذَا شِئْتُ مَدْحَهُ
وَإِنْ لَمْ أَشَأْ تُمْلِي عَلَيَّ وَأَكْتُبُ
٥٠٠
إِذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ أَهْلًا وَرَاءَهُ
وَيَمَّمَ كَافُورًا فَمَا يَتَغَرَّبُ
٥٠١
فَتًى يَمْلَا الْأَفْعَالَ رَأْيًا وَحِكْمَةً
وَنَادِرَةً أَحْيَانَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ
٥٠٢
إِذَا ضَرَبَتْ فِي الْحَرْبِ بِالسَّيْفِ كَفُّهُ
تَبَيَّنْتَ أَنَّ السَّيْفَ بِالْكَفِّ يَضْرِبُ
٥٠٣
تَزِيدُ عَطَايَاهُ عَلَى اللَّبْثِ كَثْرَةً
وَتَلْبَثُ أَمْوَاهُ السَّحَابِ فَتَنْضَبُ
٥٠٤
أَبَا الْمِسْكِ هَلْ فِي الْكَأْسِ فَضْلٌ أَنَالُهُ
فَإِنِّي أُغَنِّي مُنْذُ حِينٍ وَتَشْرَبُ
٥٠٥
وَهَبْتَ عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْ زَمَانِنَا
وَنَفْسِي عَلَى مِقْدَارِ كَفَّيْكَ تَطْلُبُ
٥٠٦
إِذَا لَمْ تَنُطْ بِي ضَيْعَةً أَوْ وِلَايَةً
فَجُودُكَ يَكْسُونِي وَشُغْلُكَ يَسْلُبُ
٥٠٧
يُضَاحِكُ فِي ذَا الْعِيدِ كُلٌّ حَبِيبَهُ
حِذَائِي وَأَبْكِي مَنْ أُحِبُّ وَأَنْدُبُ
٥٠٨
أَحِنُّ إِلَى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاءَهُمْ
وَأَيْنَ مِنَ الْمُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ
٥٠٩
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَبُو الْمِسْكِ أَوْ هُمُ
فَإِنَّكَ أَحْلَى فِي فُؤَادِي وَأَعْذَبُ
٥١٠
وَكُلُّ امْرِئٍ يُولِي الْجَمِيلَ مُحَبَّبٌ
وَكُلُّ مَكَانٍ يُنْبِتُ الْعِزَّ طَيِّبُ
٥١١
يُرِيدُ بِكَ الْحُسَّادُ مَا اللهُ دَافِعٌ
وَسُمْرُ الْعَوَالِي وَالْحَدِيدُ الْمُذَرَّبُ
٥١٢
وَدُونَ الَّذِي يَبْغُونَ مَا لَوْ تَخَلَّصُوا
إِلَى الْمَوْتِ مِنْهُ عِشْتَ وَالطِّفْلُ أَشْيَبُ
٥١٣
إِذَا طَلَبُوا جَدْوَاكَ أُعْطُوا وَحُكِّمُوا
وَإِنْ طَلَبُوا الْفَضْلَ الَّذِي فِيكَ خُيِّبُوا
٥١٤
وَلَوْ جَازَ أَنْ يَحْوُوا عُلَاكَ وَهَبْتَهَا
وَلَكِنْ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا لَيْسَ يُوهَبُ
٥١٥
وَأَظْلَمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِدًا
لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ
٥١٦
وَأَنْتَ الَّذِي رَبَّيْتَ ذَا الْمُلْكِ مُرْضَعًا
وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ سِوَاكَ وَلَا أَبُ
٥١٧
وَكُنْتَ لَهُ لَيْثَ الْعَرِينِ لِشِبْلِهِ
وَمَا لَكَ إِلَّا الْهِنْدُوَانِيَّ مِخْلَبُ
٥١٨
لَقِيتَ الْقَنَا عَنْهُ بِنَفْسٍ كَرِيمَةٍ
إِلَى الْمَوْتِ فِي الْهَيْجَا مِنَ الْعَارِ تَهْرُبُ
٥١٩
وَقَدْ يَتْرُكُ النَّفْسَ الَّتِي لَا تَهَابُهُ
وَيَخْتَرِمُ النَّفْسَ الَّتِي تَتَهَيَّبُ
٥٢٠
وَمَا عَدِمَ اللَّاقُوكَ بَأْسًا وَشِدَّةً
وَلَكِنَّ مَنْ لَاقَوْا أَشَدُّ وَأَنْجَبُ
٥٢١
ثَنَاهُمْ وَبَرْقُ الْبِيضِ فِي الْبَيْضِ صَادِقٌ
عَلَيْهِمْ وَبَرْقُ الْبَيْضِ فِي الْبيضِ خُلَّبُ
٥٢٢
سَلَلْتَ سُيُوفًا عَلَّمَتْ كُلَّ خَاطِبٍ
عَلَى كُلِّ عُودٍ كَيْفَ يَدْعُو وَيَخْطُبُ
٥٢٣
وَيُغْنِيكَ عَمَّا يَنْسُبُ النَّاسُ أَنَّهُ
إِلَيْكَ تَنَاهَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ
٥٢٤
وَأَيُّ قَبِيلٍ يَسْتَحِفُّكَ قَدْرُهُ
مَعَدُّ بْنُ عَدْنَان فِدَاكَ وَيَعْرُبُ
٥٢٥
وَمَا طَرَبِي لَمَّا رَأَيْتُكَ بِدْعَةً
لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ فَأَطْرَبُ
٥٢٦
وَتَعْذِلُنِي فِيكَ الْقَوَافِي وَهِمَّتِي
كَأَنِّي بِمَدْحٍ قَبْلَ مَدْحِكَ مُذْنِبُ
٥٢٧
وَلَكِنَّهُ طَالَ الطَّرِيقُ وَلَمْ أَزَلْ
أُفَتِّشُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَيُنْهَبُ
٥٢٨
فَشَرَّقَ حَتَّى لَيْسَ لِلشَّرْقِ مَشْرِقٌ
وَغَرَّبَ حَتَّى لَيْسَ لِلْغَرْبِ مَغْرِبُ
٥٢٩
إِذَا قُلْتُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ وُصُولِهِ
جِدَارٌ مُعَلًّى أَوْ خِبَاءٌ مُطَنَّبُ
٥٣٠
وقال يمدحه، وأنشده إياها في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهي آخر ما أنشده، ولم
يلقه
بعدها:
مُنًى كُنَّ لِي أَنَّ الْبَيَاضَ خِضَابُ
فَيَخْفَى بِتَبْيِيضِ الْقُرُونِ شَبَابُ
٥٣١
لِيَالِيَ عِنْدَ الْبِيضِ فَوْدَايَ فِتْنَةٌ
وَفَخْرٌ وَذَاكَ الْفَخْرُ عِنْدِيَ عَابُ
٥٣٢
فَكَيْفَ أَذُمُّ الْيَوْمَ مَا كُنْتُ أَشْتَهِي
وَأَدْعُو بِمَا أَشْكُوهُ حِينَ أُجَابُ
٥٣٣
جَلَا اللَّوْنُ عَنْ لَوْنٍ هَدَى كُلَّ مَسْلَكٍ
كَمَا انْجَابَ عَنْ ضَوْءِ النَّهَارِ ضَبَابُ
٥٣٤
وَفِي الْجِسْمِ نَفْسٌ لَا تَشِيبُ بِشَيبِهِ
وَلَوَ انَّ مَا فِي الْوَجْهِ مِنْهُ حِرَابُ
٥٣٥
لَهَا ظُفْرٌ إِنْ كَلَّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ
وَنَابٌ إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْفَمِ نَابُ
٥٣٦
يُغَيِّرُ مِنِّي الدِّهْرُ مَا شَاءَ غَيْرَهَا
وَأَبْلُغُ أَقْصَى الْعُمْرِ وَهْيَ كَعَابُ
٥٣٧
وَإِنِّي لَنَجْمٌ تَهْتَدِي بِي صُحْبَتِي
إِذَا حَالَ مِنْ دُونِ النُّجُومِ سَحَابُ
٥٣٨
غَنِيٌّ عَنِ الْأَوْطَانِ لَا يَسْتَفِزُّنِي
إِلَى بَلَدٍ سَافَرْتُ عَنْهُ إِيَابُ
٥٣٩
وَعَنْ ذَمَلَانِ الْعِيسِ إِنْ سَامَحَتْ بِهِ
وَإِلَّا فَفِي أَكْوَارِهِنَّ عُقَابُ
٥٤٠
وَأَصْدَى فَلَا أُبْدِي إِلَى الْمَاءِ حَاجَةً
وَلِلشَّمْسِ فَوْقَ الْيَعْمُلَاتِ لُعَابُ
٥٤١
وَلِلسِّرِّ مِنِّي مَوْضِعٌ لَا يَنَالُهُ
نَدِيمٌ وَلَا يُفْضِي إِلَيْهِ شَرَابُ
٥٤٢
وَلِلْخَوْدِ مِنِّي سَاعَةٌ ثُمَّ بَيْنَنَا
فَلَاةٌ إِلَى غَيْرِ اللِّقَاءِ تُجَابُ
٥٤٣
وَمَا الْعِشْقُ إِلَّا غِرَّةٌ وَطَمَاعَةٌ
يُعَرِّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
٥٤٤
وَغَيْرُ فُؤَادِي لِلْغَوَانِي رَمِيَّةٌ
وَغَيْرُ بَنَانِي لِلزُّجَاجِ رِكَابُ
٥٤٥
تَرَكْنَا لِأَطْرَافِ الْقَنَا كُلَّ شَهْوَةٍ
فَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بِهِنَّ لِعَابُ
٥٤٦
نُصَرِّفُهُ لِلطَّعْنِ فَوْقَ حَوَادِرٍ
قَدِ انْقَصَفَتْ فِيهِنَّ مِنْهُ كِعَابُ
٥٤٧
أَعَزُّ مَكَانٍ فِي الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
٥٤٨
وَبَحْرٌ أَبُو الْمِسْكِ الْخِضَمُّ الَّذِي لَهُ
عَلَى كُلِّ بَحْرٍ زَخْرَةٌ وَعُبَابُ
٥٤٩
تَجَاوَزَ قَدْرَ الْمَدْحِ حَتَّى كَأَنَّهُ
بِأَحْسَنِ مَا يُثْنَى عَلَيْهِ يُعَابُ
٥٥٠
وَغَالَبَهُ الْأَعْدَاءُ ثُمَّ عَنَوْا لَهُ
كَمَا غَالَبَتْ بِيضَ السُّيُوفِ رِقَابُ
٥٥١
وَأَكْثَرُ مَا تَلْقَى أَبَا الْمِسْكِ بِذْلَةً
إِذَا لَمْ تَصُنْ إِلَّا الْحَدِيدَ ثِيَابُ
٥٥٢
وَأَوْسَعُ مَا تَلْقَاهُ صَدْرًا وَخَلْفَهُ
رِمَاءٌ وَطَعْنٌ وَالْأَمَامَ ضِرَابُ
٥٥٣
وَأَنْفَذُ مَا تَلْقَاهُ حُكْمًا إِذَا قَضَى
قَضَاءً مُلُوكُ الْأَرْضِ مِنْهُ غِضَابُ
٥٥٤
يَقُودُ إِلَيْهِ طَاعَةَ النَّاسِ فَضْلُهُ
وَلَوْ لَمْ يَقُدْهَا نَائِلٌ وَعِقَابُ
٥٥٥
أَيَا أَسَدًا فِي جِسْمِهِ رُوحُ ضَيْغَمٍ
وَكَمْ أُسُدٍ أَرْوَاحُهُنَّ كِلَابُ
٥٥٦
وَيَا آخِذًا مِنْ دَهْرِهِ حَقَّ نَفْسِهِ
وَمِثْلُكَ يُعْطَى حَقَّهُ وَيُهَابُ
٥٥٧
لَنَا عِنْدَ هَذَا الدَّهْرِ حَقٌّ يَلُطُّهُ
وَقَدْ قَلَّ إِعْتَابٌ وَطَالَ عِتَابُ
٥٥٨
وَقَدْ تُحْدِثُ الْأَيَّامُ عِنْدَكَ شِيمَةً
وَتَنْعَمِرُ الْأَوْقَاتُ وَهْيَ يَبَابُ
٥٥٩
وَلَا مُلْكَ إِلَّا أَنْتَ وَالْمُلْكُ فَضْلَةٌ
كَأَنَّكَ سَيْفٌ فِيهِ وَهْوَ قِرَابُ
٥٦٠
أَرَى لِي بِقُرْبِي مِنْكَ عَيْنًا قَرِيرَةً
وَإِنْ كَانَ قُرْبًا بِالْبِعَادِ يُشَابُ
٥٦١
وَهَلْ نَافِعِي أَنْ تُرْفَعَ الْحُجْبُ بَيْنَنَا
وَدُونَ الَّذِي أَمَّلْتُ مِنْكَ حِجَابُ
٥٦٢
أُقِلُّ سَلَامِي حُبَّ مَا خَفَّ عَنْكُمُ
وَأَسْكُتُ كَيْمَا لَا يَكُونَ جَوَابُ
٥٦٣
وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ
سُكُوتِي بَيَانٌ عِنْدَهَا وَخِطَابُ
٥٦٤
وَمَا أَنَا بِالْبَاغِي عَلَى الْحُبِّ رِشْوَةً
ضَعِيفٌ هَوًى يُبْغَى عَلَيْهِ ثَوَابُ
٥٦٥
وَمَا شِئْتُ إِلَّا أَنْ أَدُلَّ عَوَاذِلِي
عَلَى أَنَّ رَأْيِي فِي هَوَاكَ صَوَابُ
٥٦٦
وَأُعْلِمَ قَوْمًا خَالَفُونِي فَشَرَّقُوا
وَغَرَّبْتُ أَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ وَخَابُوا
٥٦٧
جَرَى الْخُلْفُ إِلَّا فِيكَ أَنَّكَ وَاحِدٌ
وَأَنَّكَ لَيْثٌ وَالْمُلُوكُ ذِئَابُ
٥٦٨
وَأَنَّكَ إِنْ قُويِسْتَ صَحَّفَ قَارِئٌ
ذِئَابًا وَلَمْ يُخْطِئْ فَقَالَ ذُبَابُ
٥٦٩
وَإِنَّ مَدِيحَ النَّاسِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ
وَمَدْحُكَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ كِذَابُ
٥٧٠
إِذَا نِلْتُ مِنْكَ الْوُدَّ فَالْمَالُ هَيِّنٌ
وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
وَمَا كُنْتُ لَوْلَا أَنْتَ إِلَّا مُهَاجِرًا
لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بَلْدَةٌ وَصِحَابُ
٥٧١
وَلَكِنَّكَ الدُّنْيَا إِلَيَّ حَبِيبَةً
فَمَا عَنْكَ لِي إِلَّا إِلَيْكَ ذَهَابُ
٥٧٢
ومرَّ في صِباه برجلين قد قتلا جرذًا وأبرزاه يُعجبان الناس من كِبَره فقال:
لَقَدْ أَصْبَحَ الْجُرَذُ الْمُسْتَغِيرُ
أَسِيرَ الْمَنَايَا صَرِيعَ الْعَطَبْ
٥٧٣
رَمَاهُ الْكِنَانِيُّ وَالْعَامِرِيُّ
وَتَلَّاهُ لِلْوَجْهِ فِعْلَ الْعَرَبْ
٥٧٤
كِلَا الرَّجُلَيْنِ اتَّلَا قَتْلَهُ
فَأَيُّكُمَا غَلَّ حُرَّ السَّلَبْ
٥٧٥
وَأَيُّكُمَا كَانَ مِنْ خَلْفِهِ
فَإِنَّ بِهِ عَضَّةً فِي الذَّنَبْ
وقال يهجو ضبة بن يزيد العتبي:
٥٧٦
مَا أَنْصَفَ الْقَوْمُ ضَبَّهْ
وَأُمُّهُ الطُّرْطُبَّهْ
٥٧٧
رَمَوْا بِرَأْسِ أَبِيهِ
وَبَاكَوُا الْامَّ غُلُبَّهْ
٥٧٨
فَلَا بِمَنْ مَاتَ فَخْرٌ
وَلَا بِمَنْ نِيكَ رَغْبَهْ
٥٧٩
وَإِنَّمَا قُلْتُ مَا قُلـْ
ـتُ رَحْمَةً لَا مَحَبَّهْ
٥٨٠
وَحِيلَةً لَكَ حَتَّى
عُذِرْتَ لَوْ كُنْتَ تِيبَهْ
٥٨١
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْقَتـْ
ـلِ إِنَّمَا هِيَ ضَرْبَهْ
٥٨٢
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْغَدْ
رِ إِنَّمَا هُوَ سُبَّهْ
٥٨٣
وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الْعَا
رِ إِنَّ أُمَّكَ قَحْبَهْ
٥٨٤
وَمَا يَشُقُّ عَلَى الْكَلـْ
ـبِ أَنْ يَكُونَ ابْنَ كَلْبَهْ
مَا ضَرَّهَا مَنْ أَتَاهَا
وَإِنَّمَا ضَرَّ صُلْبَهْ
وَلَمْ يَنِكْهَا وَلَكِنْ
عِجَانُهَا نَاكَ زُبَّهْ
٥٨٥
يَلُومُ ضَبَّةَ قَوْمٌ
وَلَا يَلُومُونَ قَلْبَهْ
وَقَلْبُهُ يَتَشَهَّى
وَيُلْزِمُ الْجِسْمَ ذَنْبَهْ
لَوْ أَبْصَرَ الْجِذْعَ شَيْئًا
أَحَبَّ فِي الْجِذْعِ صَلْبَهْ
٥٨٦
يَا أَطْيَبَ النَّاسِ نَفْسًا
وَأَلْيَنَ النَّاسِ رُكْبَهْ
٥٨٧
وَأَخْبَثَ النَّاسِ أَصْلًا
فِي أَخْبَثِ الْأَرْضِ تُرْبَهْ
وَأَرْخَصَ النَّاسِ أُمًّا
تَبِيعُ أَلْفًا بِحَبَّهْ
كُلُّ الْفُعُولِ سِهَامٌ
لِمَرْيَمٍ وَهْيَ جَعْبَهْ
٥٨٨
وَمَا عَلَى مَنْ بِهِ الدَّا
ءُ مِنْ لِقَاءِ الْأَطِبَّهْ
٥٨٩
وَلَيْسَ بَيْنَ هَلُوكٍ
وَحُرَّةٍ غَيْرُ خِطْبَهْ
٥٩٠
يَا قَاتِلًا كُلَّ ضَيْفٍ
غَنَاهُ ضَيْحٌ وَعُلْبَهْ
٥٩١
وَخَوْفُ كُلِّ رَفِيقٍ
أَبَاتَكَ اللَّيْلُ جَنْبَهْ
٥٩٢
كَذَا خُلِقْتَ وَمَنْ ذَا الـ
ـذِي يُغَالِبُ رَبَّهْ
٥٩٣
وَمَنْ يُبَالِي بِذَمٍّ
إِذَا تَعَوَّدَ كَسْبَهْ
أَمَا تَرَى الْخَيْلَ فِي النَّخـْ
ـلِ سُرْبَةً بَعْدَ سُرْبَهْ
٥٩٤
عَلَى نِسَائِكَ تَجْلُو
فَعُولَهَا مُنْذُ سَنْبَهْ
٥٩٥
وَهُنَّ حَوْلَكَ يَنْظُرْ
نَ وَالْأُحَيْرَاحُ رَطْبَهْ
٥٩٦
وَكُلُّ غُرْمُولِ بَغْلٍ
يَرَيْنَ يَحْسُدْنَ قُنْبَهْ
٥٩٧
فَسَلْ فُؤَادَكَ يَا ضَبَّ
أَيْنَ خَلَّفَ عُجْبَهْ
٥٩٨
وَإِنْ يَخُنْكَ لَعَمْرِي
لَطَالَمَا خَانَ صَحْبَهْ
٥٩٩
وَكَيْفَ تَرْغَبُ فِيهِ
وَقَدْ تَبَيَّنْتَ رُعْبَهْ
٦٠٠
مَا كُنْتَ إِلَّا ذُبَابًا
نَفَتْكَ عَنَّا مِذَبَّهْ
٦٠١
وَكُنْتَ تَفْخَرُ تِيهًا
فَصِرْتَ تَضْرِطُ رَهْبَهْ
وَإِنْ بَعُدْنَا قَلِيلًا
حَمَلْتَ رُمْحًا وَحَرْبَهْ
٦٠٢
وَقُلْتَ لَيْتَ بِكَفِّي
عِنَانَ جَرْدَاءَ شَطْبَهْ
٦٠٣
إِنْ أَوْحَشَتْكَ الْمَعَالِي
فَإِنَّهَا دَارُ غُرْبَهْ
٦٠٤
أَوْ آنَسَتْكَ الْمَخَازِي
فَإِنَّهَا لَكَ نِسْبَهْ
٦٠٥
وَإِنْ عَرَفْتَ مُرَادِي
تَكَشَّفَتْ عَنْكَ كُرْبَهْ
٦٠٦
وَإِنْ جَهِلْتَ مُرَادِي
فَإِنَّهُ بِكَ أَشْبَهْ
٦٠٧
وقال يعزي أبا شجاع عضد الدولة بِعَمَّتِه، وقد توفيت ببغداد:
آخِرُ مَا المَلْكُ مُعَزًّى بِهِ
هَذَا الَّذِي أَثَّرَ في قلْبِهِ
٦٠٨
لَا جَزَعًا بَلْ أَنَفًا شَابَهُ
أَنْ يَقْدِرَ الدَّهْرُ عَلَى غَصْبِه
٦٠٩
لَوْ دَرَتِ الدُّنْيَا بِمَا عِنْدَهُ
لَاسْتَحْيَتِ الأَيَّامُ مِنْ عَتْبِهِ
٦١٠
لَعَلَّهَا تَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي
لَيْسَ لَدَيْهِ لَيْسَ مِنْ حِزْبِه
٦١١
وَأَنَّ مَنْ بَغْدَادُ دَارٌ لَهُ
لَيْسَ مُقِيمًا فِي ذَرَى عَضْبِه
٦١٢
وَأَنَّ جَدَّ الْمَرْءِ أَوْطَانُهُ
مَنْ لَيْسَ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ صُلْبِه
٦١٣
أَخَافُ أَنْ تَفْطُنَ أَعْدَاؤُهُ
فَيُجْفِلُوا خَوْفًا إِلَى قُرْبِه
٦١٤
لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ ضَجْعَةٍ
لَا تَقْلِبُ الْمُضْجَعَ عَنْ جَنْبِه
٦١٥
يَنْسَى بِهَا مَا كَانَ مِنْ عُجْبِه
وَمَا أَذَاقَ الْمَوْتُ مِنْ كَرْبِه
٦١٦
نَحْنُ بَنُو الْمَوْتَى فَمَا بَالُنَا
نَعَافُ مَا لَا بُدَّ مِنْ شُرْبِه
٦١٧
تَبْخَلُ أَيْدِيَنَا بِأَرْوَاحِنَا
عَلَى زَمَانٍ هِيَ مِنْ كَسْبِه
٦١٨
فَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ مِنْ جَوِّهِ
وَهَذِهِ الْأَجْسَامُ مِنْ تُرْبِه
٦١٩
لَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي مُنْتَهَى
حُسْنِ الَّذِي يَسْبِيهِ لَمْ يَسْبِه
٦٢٠
لَمْ يُرَ قَرْنُ الشَّمْسِ فِي شَرْقِهِ
فَشَكَّتِ الْأَنْفُسُ فِي غَرْبِه
٦٢١
يَمُوتُ رَاعِي الضَّأْنِ فِي جَهْلِهِ
مَوْتَةَ جَالِينُوسَ فِي طِبِّه
٦٢٢
وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى عُمْرِهِ
وَزَادَ فِي الْأَمْنِ عَلَى سِرْبِه
٦٢٣
وَغَايَةُ الْمُفْرِطِ فِي سِلْمِهِ
كَغَايَةِ الْمُفْرِطِ فِي حَرْبِه
٦٢٤
فَلَا قَضَى حَاجَتَهُ طَالِبٌ
فُؤَادُهُ يَخْفِقُ مِنْ رُعْبِه
٦٢٥
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِشَخْصٍ مَضَى
كَانَ نَدَاهُ مُنْتَهَى ذَنْبِه
٦٢٦
وَكَانَ مَنْ عَدَّدَ إِحْسَانَهُ
كَأَنَّهُ أَفْرَطَ فِي سَبِّه
٦٢٧
يُرِيدُ مِنْ حُبِّ الْعُلَى عَيْشَهُ
وَلَا يُرِيدُ الْعَيْشَ مِنْ حُبِّه
٦٢٨
يَحْسَبُهُ دَافِنُهُ وَحْدَهُ
وَمَجْدُهُ فِي الْقَبْرِ مِنْ صَحْبِه
٦٢٩
وَيُظْهَرُ التَّذْكِيرُ فِي ذِكْرِهِ
وَيُسْتَرُ التَّأْنِيثُ فِي حُجْبِهِ
٦٣٠
أُخْتُ أَبِي خَيْر أَمِيرٍ دَعَا
فَقَالَ جَيْشٌ لِلْقَنَا لَبِّهِ
٦٣١
يَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ مَنْ رُكْنُهَا
أَبُوهُ وَالْقَلْبُ أَبُو لُبِّهِ
٦٣٢
وَمَنْ بَنُوهُ زَيْنُ آبَائِهِ
كَأَنَّهَا النَّوْرُ عَلَى قُضْبِهِ
٦٣٣
فَخْرًا لِدَهْرٍ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ
وَمُنْجِبٍ أَصْبَحْتَ مِنْ عَقْبِهِ
٦٣٤
إِنَّ الْأَسَى الْقِرْنُ فَلَا تُحْيِهِ
وَسَيْفُكَ الصَّبْرُ فَلَا تُنْبِهِ
٦٣٥
مَا كَانَ عِنْدِي أَنَّ بَدْرَ الدُّجَى
يُوحِشُهُ الْمَفْقُودُ مِنْ شُهْبِهِ
٦٣٦
حَاشَاكَ أَنْ تَضْعُفَ عَنْ حَمْلِ مَا
تَحَمَّلَ السَّائِرُ فِي كُتْبِهِ
٦٣٧
وَقَدْ حَمَلْتَ الثِّقْلَ مِنْ قَبْلِهِ
فَأَغْنَتِ الشِّدَّةُ عَنْ سَحْبِهِ
٦٣٨
يَدْخُلُ صَبْرُ الْمَرْءِ فِي مَدْحِهِ
وَيَدْخُلُ الْإِشْفَاقُ فِي ثَلْبِهِ
٦٣٩
مِثْلُكَ يَثْنِي الْحُزْنَ عَنْ صَوْبِهِ
وَيَسْتَرِدُّ الدَّمْعَ عَنْ غَرْبِهِ
٦٤٠
إِيمَا لِإِبْقَاءٍ عَلَى فَضْلِهِ
إِيمَا لِتَسْلِيمٍ إِلَى رَبِّهِ
٦٤١
وَلَمْ أَقُلْ مِثْلُكَ أَعْنِي بِهِ
سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ
٦٤٢
وقال في صباه يهجو القاضي الذهبي:
لَمَّا نُسِبْتَ فَكُنْتَ ابْنًا لِغَيْرِ أَبٍ
ثُمَّ امْتُحِنْتَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَى أَدَبِ
سُمِّيتَ بِالذَّهَبِيِّ الْيَوْمَ تَسْمِيَةً
مُشْتَقَّةً مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ لَا الذَّهَبِ
٦٤٣
مُلَقَّبٌ بِكَ مَا لُقِّبْتَ وَيْكَ بِهِ
يَا أَيُّهَا اللَّقَبُ الْمُلْقَى عَلَى اللَّقَبِ
٦٤٤
وقال يهجو وردان بن ربيعة الطائي، وقد كان أبو الطيب نزل به في أرض حِسْمَى منصرفه
من
مصر؛ فاستغوى وردان عبيد أبي الطيب، فجعلوا يسرقون له من أمتعته؛ فلما شعر أبو الطيب
بذلك
ضرب أحد عبيده بالسيف فأصاب وجهه، وأمر الغلمان فأجهزوا عليه:
لَحَا اللهُ وَرْدَانًا وَأُمَّا أَتَتْ بِهِ
لَهُ كَسْبُ خِنْزِيرٍ وَخُرْطُومُ ثَعْلَبِ
٦٤٥
فَمَا كَانَ فِيهِ الْغَدْرُ إِلَّا دَلَالَةً
عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ
٦٤٦
إِذَا كَسَبَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَنِ عِرْسِهِ
فَيَا لُؤْمَ إِنْسَانٍ وَيَا لُؤْمَ مَكْسَبِ
٦٤٧
أَهَذَا اللَّذَيَّا بِنْتُ وَرْدَانَ بِنْتُهُ
هُمَا الطَّالِبَانِ الرِّزْقَ مِنْ شَرِّ مَطْلَبِ
٦٤٨
لَقَدْ كُنْتُ أَنْفِي الْغَدْرَ عَنْ تُوسِ طَيِّئٍ
فَلَا تَعْذِلَانِي رُبَّ صِدْقٍ مُكَذَّبِ
٦٤٩
هوامش