ثقافة فلسطين في القرن العاشر
إن تعبير «يهود» الذي تستخدمه كينيون في وصف شعب العهد القديم، في تلك الفترة من مراحل الرواية التوراتية، هو تعبير خاطئ؛ فاليهود هم حصرًا بقيةُ سَبْي يهوذا الذين عادوا إلى أورشليم في أواخر القرن السادس ق.م.، وشكلوا القاعدة السكانية للمقاطعة الصغيرة التي أنشأها الفرس على مساحة ضئيلة من أراضي مملكة يهوذا البائدة، ودعَوها بمقاطعة «يهود» اشتقاقًا من الاسم القديم للمملكة. في هذه المقاطعة، تحديدًا، والتي تضم مدينة أورشليم ومساحةً صغيرة حولها، قام كهنوت أورشليم بتدوين أسفار التوراة خلال الفترة الواقعة بين القرن الخامس والقرن الثاني قبل الميلاد، وهنا نشأت وتطورت الديانة المدعوة بالديانة اليهودية. فتعبير يهود أو يهودي هو صفة إثنية مثلما هو صفة دينية أيضًا، ويدل على فردٍ أو جماعة من سكان مقاطعة يهود، أو من أهل الديانة اليهودية. ولقد كان محررو أسفار التوراة مدركين لهذه الحقيقة، ولم يستخدموا سوى صفة إسرائيلي وإسرائيليين، أو عبراني وعبرانيين، وفي سردهم للأخبار السابقة على السبي الآشوري لأهل مملكة إسرائيل السامرة، والسبي البابلي لمملكة يهوذا.
إن أي معتقَد ديني، بالغًا ما بلغت بدائيتُه، يترك آثارًا تدل عليه. ونحن الآن نستطيع تلمُّس الخطوط العامة لمعتقدات وطقوس إنسان العصور الحجرية؛ اعتمادًا على ما تركه من بقايا مدافن ومن تماثيل صغيرة وأمكنة عبادة بسيطة. أما معتقدات الثقافات العليا فتعلن عن نفسها فيما تركته لنا من أناشيد دينية وصلوات، إضافة إلى الآثار المادية المتجسدة في الفنون التشكيلية وفي المعابد والهياكل والمقامات الدينية. ولكننا حتى الآن لا نستطيع تلمُّس أي أثر للمعتقد التوراتي خلال الفترة المفترضة لتوطن العبرانيين في المناطق الهضبية الفلسطينية (١٢٠٠–١٠٠٠ق.م.)، وخلال الفترة المفترضة للمملكة الموحدة (القرن العاشر ق.م.). فالنصوص الكتابية مفقودة تمامًا، وكذلك الشواهد الأركيولوجية. فهل يُعقل أن شعبًا كثير العدد قد حل في الهضاب الفلسطينية مدة قرنين من الزمان، وبنى لنفسه مملكة كبرى بعد ذلك دامت حوالي قرن تقريبًا، وضمت إليها معظم المناطق الفلسطينية، لم يترك لنا أثرًا واحدًا يدل على ثقافته الدينية؟
-
(١)
باحة سماوية.
-
(٢)
مدخل مفتوح على الباحة، عن يمينه ويساره عمودان يحملان سقف المدخل.
-
(٣)
القاعة الرئيسية. وقد تسبقها قاعة خارجية تلي المدخل المفتوح مباشرة.
-
(٤)
المحراب، أو قدس الأقداس، وهو عبارة عن قاعة داخلية ترتفع قليلًا عن الأرضية، ويفصلها عن القاعة الرئيسية حجاب. في جدارها الجبهي ينتصب تمثال الإله، أو الحجر المقدس الذي يرمز إليه.
وقد كشفت التنقيبات في بلاد الشام حتى الآن عن أكثر من عشرين معبدًا بُني وفق هذا المخطط، في مواقع مثل: تل الطعينات وألالاخ في حوض العاصي الشمالي، وعين دارا إلى الشمال الغربي من حلب، وكركميش على الفرات الأعلى، ومجدو وحاصور وشكيم وبيت شان بفلسطين.
إن المعلومات الأركيولوجية من القرن العاشر واضحة الرسالة. وهي تقول لنا بأن ثقافة فلسطين خلال القرن العاشر وما بعده، لم تكن إلا امتدادًا طبيعيًّا للثقافة السورية، وأن ديانة فلسطين، بما فيها المناطق الهضبية، لم تكن إلا ديانة سورية تقليدية لا أثر فيها للمعتقد التوراتي الذي صاغه كهَنة يهوذا بعد السَّبْي، وخلال الفترة المعروفة بفترة الهيكل الثاني، أما الثقافة المدعوة بالإسرائيلية، والتي يُفترض أن القبائل العبرانية قد جاءت بها من الخارج، فلا يوجد في أرض فلسطين ما يدل عليها على كل صعيد. وفي الحقيقة فإننا لا نستطيع إطلاق الاسم إسرائيل، ولا صفة الإسرائيلي، إلا على الدويلة الصغيرة التي قامت في منطقة الهضاب المركزية منذ مطلع القرن التاسع قبل الميلاد، عقب بناء مدينة السامرة على يد الملك عُمري، مؤسس مملكة السامرة، أو مملكة إسرائيل.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا لم تكن المناطق الهضبية في فلسطين قد شهدت خلال القرن العاشر قيام مملكة موحدة، كانت من القوة بحيث استطاعت أن تضم إليها معظم مناطق فلسطين الكبرى، فما الذي كان يجري على مسرح التاريخ خلال حقبة القرن العاشر؟ وكيف نشأت مملكتا إسرائيل ويهوذا المعروفتان لنا تاريخيًّا؟
لكي نجيب على هذا السؤال سوف نعود القهقرى في الزمن إلى بدايات التاريخ الفلسطيني في عصر البرونز المبكر (الألف الثالث قبل الميلاد)، ثم نهبط تدريجيًّا إلى عصر البرونز الوسيط (١٩٥٠–١٥٥٠ق.م.) فعصر البرونز الأخير (١٥٥٠–١٢٠٠ق.م.) فعصر الحديد الأول (١٢٠٠–١٠٠٠ق.م.)، وهو الفترة التي يُفترض أن القبائل العبرانية قد توطنت خلالها في المناطق الهضبية الفلسطينية قبل تشكيل المملكة الموحدة في القرن العاشر.
ونحن ما زلنا نبحث عن مملكة اليهود في فلسطين.
The Cambridge Ancient History, part 2. Vol. 2, pp. 331–337.
Volkman Frits, What Archaeology Tells Us About Solomon’s Temple, In: Biblical Archaeology Review, July-August, 1987.
Hershel Shanks, No History in the Bible? In: Biblical Archaeology Review, May-June, 2000.