مقدمة المترجم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وأهله ونسله والمقتدين بسنته من ذوي ملته في قوله وفعله.
وبعد، فإن الكردينال لافيجري قد طبق الأرض ذكره، واشتهر في الخافقين أمره، وجرت على لسان البرق خطاباته، واستفاضت في الجرائد والصحائف كتاباته، لأنه تصدى — كما يقول — للأخذ بناصر الأرقاء، ولكنه تطرف وتغالى، فقادته الغاية العمياء إلى الطعن على الديانة الحنيفية الغراء، فعدل عن واجب الاعتدال في جادة الجدال، ولذلك انبرى للرد عليه كثيرون من حلفاء هذا الدين المبين، وأتوه بهذا اليقين، ولكن الذي فاز بقصب السبق في هذا المضمار، وحاز الفضل والفخار، هو حضرة المحقق البارع أحمد بك شفيق، كاتم أسرار سعادة ناظر الخارجية المصرية، فإنه أجاد في الكلام على الرق عند جميع الأمم، وفي جميع الأديان، ثم انتقل من هذه التوطئة إلى بيان الاسترقاق في الإسلام، ليظهر فضل الدين المحمدي في هذا المقام، فينجلي الصبح لذي عينين، إذ بضدها تتميز الأشياء، وحينئذ يحكم العاقل الخبير، والناقد البصير، بأن جناب الكردينال جنح إلى الاعتداء بدلًا من الاعتدال، ولما أتم المؤلف هذه الرسالة خطب بها على الجمعية الجغرافية الخديوية في جلسات متوالية، ونالت من الإعجاب والاستحسان ما نالت، ولذلك طلب إليَّ كثير من الكبراء وأهل الفضل أن أنقلها إلى اللغة العربية ليعم نفعها، وتكمل فائدتها، فرجوت حضرة مؤلفها أن يجعل لي قسطًا من الفضل في هذا العمل، فتفضل بالإجابة، فاستخرت الله في هذه الخدمة الوطنية، غيرة على هذا الدين القويم، وشمَّرت عن ساعد الاجتهاد، فعرَّبتها بغاية العناية، حتى جاءت بحمد الله تعالى مثالًا للترجمة التي يحافظ فيها على المعنى تمام المحافظة مع مراعاة القواعد الإنشائية العربية والأساليب القولية الكلامية التي تجعلها أهلًا للقبول عند الناطقين بالضاد في جميع البلاد، ثم حلَّيتها بفوائد علمية وحواشٍ تاريخية جغرافية؛ لكي يكون المطَّلع عليها في غنى عن الرجوع إلى غيرها مما يدخل في دائرة بحثها، وقد راجعت الأصول وأمهات الكتب، فنقلت منها الأحاديث الشريفة بشرح بعضها، وكذلك فعلت ببعض الآيات القرآنية الكريمة، وأكملت القصص والحوادث التاريخية من مصادرها المعول عليها الموثوق بها، وفوق ذلك، فقد لاحظت بنفسي طبع هذه الرسالة على هذا الشكل الفائق الأنيق، والأسلوب الشائق الرقيق، فمزجت بين الحروف المختلفة المقدار كلما رأيت ذلك واجبًا لتنبيه القراء، واستلفات الأنظار، وفصلت الفقرات عن بعضها فصلًا يسهل به التمييز بين المواضيع، جاريًا في ذلك على النمط الذي اصطلح عليه أهل أوربا من إتقان الطبع وإحكام الوضع.