الفرع الثاني: الاسترقاق عند الهنود
قد حددت شريعة مانو
٢ بطريقة شرعية دينية درجة السودرا (هو الرجل من الطبقة الدنيئة المستخدمة)
مع البرهمي، بل ومع سائر الناس، فقد ورد بها «أنه إذا اشترى البرهمي رجلًا سودرا، بل
وإذا لم يشترِهِ، فإنه يجوز له أن يجبره على خدمته بصفة كونه رقيقًا (دارا)، لأن مثل
هذا الإنسان ما خلقه واجب الوجود إلا ليخدم البراهمة».
ثم إن السودرا وإن أطلق سيده سراحه، لا تفارقه صفة الخدمة، لأنه من ذا الذي يمكنه
أن
يزيل عنه حالة طبيعية مرتبطة به!
ثم قيل في تلك الشريعة:
إذا اضطهد السودرا أحد البراهمة فلا مندوحة عن قتله البتة، وإذا وجه رجل من
الطبقة الدنيئة سبابًا فاحشًا إلى أحد الدويدياس (أي أولئك الذين تتألف منهم
الطبقات العليا الثلاث؛ وهم البراهمة وكشاترياس وفيزياس) فجزاؤه سل لسانه، لأنه
ناتج من القسم الأسفل من برهمة، وإذا ذكر أحدهم باسمه وبطبقته على هيئة يؤخذ
منها الازدراء، فجزاؤه أن يوضع في فمه خنجر طوله عشر أصابع، بعد إحمائه بالنار
إحماءً شديدًا، فإذا ساقه عدم الحزم وقلة التبصر إلى بذل النصائح والمواعظ
للبراهمة فيما يتعلق بواجباتهم، فعلى الملك أن يأمر بوضع الزيت المغلي في فيه
وفي أذنه. إذا سرق البرهمي من السودرا عوقب بالغرامة، أما إذا سرق السودرا من
البرهمي فجزاؤه أن يحرق، وإذا تجاسر السودرا على ضرب أحد القضاة فليعلق
بسفود
٣ وليُشْوَ حيًّا، فإذا ارتكب البرهمي مثل هذه الجريمة
فليغرم.
وقد تقرر في الشرائع البرهمية تقسيم جميع الأشخاص الملزمين بالخدمة إلى قسمين؛ وهما
الخادمون والأرقاء، فالأعمال الطاهرة من خصائص الخادمين، والأعمال النجسة على عواتق
الأرقاء.
الفرع الثالث: في الاسترقاق عند الآشوريين والأمم الإيرانية
مَن نظر إلى تاريخ مملكة آشور
٤ في الأحقاب السوالف علم أن الاسترقاق كان عريقًا بها متأصلًا فيها، فقد
كانت القصور مغتصة بالنساء والأرقاء المخصصين للجمال والزينة.
أما مملكة الفرس التي امتد سلطانها إلى حدود آسيا المعروفة في وقتها، فقد استجمعت
جميع أنواع الاستخدام المعروفة عند كثير من الأمم المختلفة، فكان الأرقاء الرعاة،
والأرقاء الخاصون بحاجات الزينة، والثروة واليسار، وكان في معبد أنايتس
٥ بأرمينيا وهيكل كومانة بكبدوكيه
٦ أرقاء قد أعدوا لعمل الخبائث المستقبحة المنكرة التي قضت بها خرافات
القوم.
وقد أوجد العرف والاصطلاح في بعض البلاد أوقات للأرقاء يتفرغون فيها لأنفسهم طلبًا
للراحة، بل قد اجتهد واضعو الشرائع عندهم في تقليل إجحاف الموالي بمواليهم وتخفيف وطأة
مظالمهم عليهم؛ قال هيرودوت:
٧ «لا يجوز لأي فارسي أن يعاقِب عبده على ذنب واحد قد اقترفه بعقاب بالغ في
الشدة والصرامة.» ولكن إذا عاد العبد لارتكاب هذا الذنب بعد ما أصابه من العقاب،
فلمولاه حينئذ أن يعدمه الحياة، أو أن يعاقبه بجميع ما يتصور من أنواع العذاب.
الفرع الرابع: في الاسترقاق عند الصينيين
قد أرخت الأيام سدالها، وألقت الليالي ستارها، على مبدأ ظهور الاستعباد بهاتيك
البلاد،
٨ فلقد كان الاستخدام للمنفعه العمومية موجودًا بها قبل التاريخ المسيحي
بأجيال طوال، يقوم به المحكوم عليهم والأسارى، ثم امتزجت أخلاق القوم بهذه العادة،
فاستعملوا الاسترقاق، وكانوا يجلبون الرقيق من الخارج، أو يأخذونهم من ذات الصين، كما
كانت تفعل الدولة نفسها. أما من الخارج فبواسطة الحروب والأسلاب، إذ كانوا يوزعون
الغنائم من أناس وأشياء على كبار الضباط، أو يأتون بأثمانهم لخزينة الدولة، وأما في نفس
البلد فبسبب الفاقة والاحتياج، لأن الفقير كان يضطر لبيع نفسه أو لبيع أولاده.
فكان هناك عائلات مستعبدة بسبب الشدة، وأرقاء قد بيعوا بالثمن، وكان للمولى على رقيقه
التصرف المطلق؛ يبيعه كما اشتراه، بل ويبيع أولاده.
والظاهر أن الاسترقاق كان في بلاد الصين قليل الشدة والصعوبة، فإن الشرائع والعرف
والأخلاق كانت تساعد على تلطيف حاله، فقد أصدر الإمبراطور كوانجون (وهو الذي كان عائشًا
بعد المسيح بخمسة وثلاثين سنة) أمرين اثنين بوقاية حياة الرقيق وشخصه، ضمَّنهما عبارات
تشف عن كمال المروءة، وتشعر بمقام الإنسانية ودرجاتها العالية، فقد قيل فيهما: «إن
الإنسان هو أفضل وأشرف المخلوقات التي في السماء والتي في الأرض، فمن قتل رقيقه فليس
له
من سبيل في إخفاء جرمه، ومن أخذت به الجراءة فكوى رقيقه بالنار حوكم على ذلك بمقتضى
الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في عداد الوطنيين الأحرار.» ولقد كان بعض الأرقاء
يصادفه الحظ، ويقبل عليه الدهر، فتسمو به المناصب إلى أن يكون موضع الثقة من مولاه، بل
ويجد في بعض المكاسب طريقة ينال بها حريته، ويتخلص من ربقة الرق، ولهذا كان الاسترقاق
قليلًا عند أمة الصينيين، التي امتازت بجودة الفطانة، وسلامة الفكر، وأصالة
الرأي.
الفرع الخامس: في الاسترقاق عند العبرانيين
وجد الاسترقاق عند هذه الأمة منذ الأزمان القديمة جدًّا، وكان الأرقاء في زمن أنبياء
بني إسرائيل معدودين من أصول الثروة وأسباب الغنى عند أولئك الرؤساء، الذين كان دأبهم
الحل والترحال والضرب في أطراف البلاد، وكان مقام الأرقاء كمقام الماشية، ولكن كما أن
صاحب الدابة لا يرضى بتحميلها فوق طاقاتها، وكما أن صاحب الناقة لا يجهدها أكثر مما في
استطاعتها، كذلك كان شأن السيد الحكيم المتبصر، فإنه ما كان يلزم رقيقه بعمل يزيد عن
الحد، وكان للأرقاء عندهم بعض الحقوق، فكان لهم أن يستريحوا سبعة أسابيع في السنة، ولا
يجوز للرجل أن يضرب عبده ضربًا مبرحًا مرهقًا، ومن فعل ذلك أوخذ بعقاب فيه بعض الشدة،
وكذلك من بتر الرقيق أو كسر له عضوًا أو سنًّا. ولهذا يصح القول بأن العبرانيين كانوا
يعاملون الأرقاء معاملتهم أنفسهم، وكان كثيرًا ما يتفق للمولى أن يميز إحدى إمائه،
فيتخذها حليلة له، بل الأغرب من ذلك أن العبد الذكر كان يتاح له في بعض الأحيان أن
يتزوج ببنت مولاه، وذلك حينما لا يكون للمولى أولاد ذكور، وفوق ذلك، فإن العبرانيين
كانوا يتسرون غالبًا بجواريهم.
وخلاصة القول أن الاسترقاق عند العبرانيين، وعند غيرهم من سائر أمم المشرق كان
مقرونًا بالتلطف والتعطف، اللذين لا يُرى لهما مثيل في بلاد اليونان، ولا في مدينة
رومة، وفضلًا عن ذلك فقد ورد بشريعة سيدنا موسى عليه السلام أن العبد إذا استحق القصاص
فلا يصدر الحكم عليه إلا من القاضي دون سواه، فكان في ذلك احتياط دقيق ورحمة بأولئك
المساكين؛ لئلا يكونوا عرضة لقساوة الموالي، وغرضًا لسهام أهوائهم.
٩
الفرع السادس: في الاسترقاق عند الإغريق١٠
كان الاسترقاق أمرًا شائعًا في جميع بلاد اليونان، ولم يكن في الفلاسفة الكثيرين
الذين تفتخر بهم هذه البلاد من أنكر الاسترقاق أو اعتبره مخالفًا للعدالة والآداب
ومكارم الأخلاق، بل إن أرسطو نفسه أيد صحته، وأثبت مشروعيته، معتمدًا في رأيه على
اختلاف السلائل البشرية وتنوع أصناف بني آدم، وقد عرَّف الرقيق بأنه «آلة ذات روح أو
متاع قائمة به الحياة.»
١١ ثم قسم الجنس البشري إلى قسمين؛ وهما: «الأحرار والأرقاء بالطبع».
وكان اليونان يقسمون الرقيق إلى صنفين متباينين؛ فالصنف الأول سكان الأقطار التي
افتتحوها، وغلبوا أهلها على أمرهم، وكان هؤلاء الأرقاء تابعين لأرضهم، ومعتبرين كجزء
منها، والصنف الثاني أرقاء البيع والشراء، وهؤلاء كان للموالي عليهم حق السيادة
المطلقة.
وأغلب الأرقاء كانوا من الفريق الثاني، وما كان للمرأة التي تباع أو تؤسر أن تمتنع
عن
الافتراش لسيدها، وكانوا يقولون بحرية من يولد من مثل هذه المخالطة، ولكن ذلك كان وصمة
عليهم، وموضع معرة تدنسهم، وسببًا في سقوط اعتبارهم عن غيرهم.
وكان الاسترقاق للعهد الأول بالتلصص في البحار، فكانوا يختطفون سكان السواحل
لاسترقاقهم، ثم صارت المستعمرات اليونانية في آسيا الصغرى أسواقًا عظيمة تباع فيها
العبيد وتشرى، بل كانت أثينة
١٢ نفسها من أهم هذه الأسواق، ولم يكن لها من يُزاحمها في هذه التجارة إلا بعض
أسواق قديمة لقربها من موارد الرقيق، وذلك مثل قبرص وساموس، وخصوصًا صاقس،
١٣ بل قيل إن سكان هذه الجزيرة هم أول من اتَّجر بالأرقاء والإماء.
وكان العبيد يعملون لمواليهم أو لأنفسهم، فإذا عملوا لأنفسهم كان عليهم أن يدفعوا
لأسيادهم مبلغًا معينًا في كل يوم على سبيل جعالة يجعلونها لهم، بل يظهر أنه كان يوجد
كثير من بني يونان ممن اشتروا العبدان، وخصَّصوهم للإجارة ليس إلا — ولعمري إن ذلك من
أفضل الوجوه وأحسن الطرق في استعمال المال واستغلاله.
وكان العبيد قائمين في أثينة بخدمة المنازل أيضًا، ولم يكن في هذه المدينة رجل عضه
الفقر وأخنى عليه الدهر حتى أحرمه من امتلاك عبد واحد على الأقل، يشغله في القيام
بلوازم منزله.
وكان حق المولى على عبده لا يختلف في شيء من الأشياء عن حقه على سائر مملوكاته، فكان
يجوز له رهنه
١٤ على أن حالة العبد عند اليونان لم تكن في الشدة والمقاساة مثلها عند أمة
الرومان، وذلك فيما خلا مدينة إسبرطه؛
١٥ فقد قال المؤرخ پلوترك:
١٦ «إن الحر فيها كان أكثر الأحرار حرية، وإن الرقيق أكثر الأرقاء
استرقاقًا.»
وكان المولى منهم يعاقب عبده بالجلد بالسوط، وبالطحن على الرحى، وكان يكوي الآبق
أو
الوارد من البلاد المتبربرة
١٧ بالحديد المحمي على جبهته، على أن حياة الرقيق وشخصه كانا في كنف القانون
ورعايته، فما كان يجوز إعدامه الحياة إلا بعد صدور الحكم القانوني عليه.
وقد كان يوجد بأثينة أناس من العتقى، ولكنهم ما كانوا يكتسبون الحقوق الوطنية، فكان
مقامهم كالأغراب المتوطِّنين في البلاد ليس إلا، بل كانوا ملزمين بالولاء لمواليهم مدى
الحياة، وأن يقوموا لهم بواجبات مفروضة، وكان هناك أرقاء عموميون تشتريهم الدولة للقيام
ببعض الشئون، فمنهم فريق كان يناط به حفظ المدينة وخفارتها، فكان الواجب عليهم المحافظة
على استتباب الأمن وتوطيد دعائم الراحة في الاجتماعات العمومية.
الفرع السابع: في الاسترقاق عند الرومانيين
إن العادة التي جرى عليها السلف في الأزمان القديمة من استعباد الأسارى كانت بالطبع
متبعة أيضًا عند الرومانيين، فكان العمل برومة
١٨ في مبدأ الأمر موكولًا إلى العاملين الأحرار، ولذلك انبثت روح الشهامة
والرجولية في جميع سكان هذه المدينة الشهيرة في مبادئ تاريخها، على أن هذه الحالة لم
تبقَ على ما هي عليه، بل زالت بالمرة لاتساع نطاق المدينة، وتطرق وجوه الزخرف والبهرجة
إليها، فكثر عدد الرقيق، ثم ازدادت لما توسعت رومة في الفتوحات وغزو البلاد، فوضع
البطارقة
١٩ والأغنياء أيديهم على العبيد واستعملوهم في حراثة أراضيهم، ولم تلبث
الصنائع والفنون الميكانيكية أن وقعت أيضًا في أيدي الرقيق.
وكانت وجوه الاسترقاق برومة متعددة، فإنه فضلًا عن استرقاق الأمم المغلوبة بالحرب
واستعبادها كان هناك صنف آخر، وهم العبيد بالولادة؛ أي الذين يولدون من الأرقاء. وصنف
ثالث من الأحرار الذين قضت عليهم بعض نصوص القانون بالوقوع تحت نير العبودية،
٢٠ ولا حاجة للقول بأن الحرب كانت من أعظم موارد الاسترقاق عند الرومانيين،
ولذلك كان النخاسون يرافقون الجيوش عادة، وكثيرًا ما كان يتفق بيع آلاف من الأسارى
بأثمان بخسة، وذلك عقب فوز عظيم في وقعة مهمة، وكانوا يسرقون الأطفال ليبيعوهم، والنساء
ليتخذوهن لقضاء الفاحشة وارتكاب الفجور.
وكان الرومانيون يعتبرون هذه التجارة مخلة بالشرف مسقطة للاعتبار، ولكنها كانت تجارة
رابحة ناجحة، وكان الذين يتعاطونها يحصلون على أموال طائلة، وثروة وافرة؛ فمنهم النخاس
تورانيوس الذي كان في أيام أغسطس متمتعًا بشهرة فائقة وصيت بعيد.
وكانت العادة في رومة بيع الرقيق بالمزاد، فكانوا يوقفونهم على حجر مرتفع، بحيث يتيسر
لكل واحد أن يراهم، ويمسهم بيده ولو لم يكن له رغبة في الشراء، وكانت العادة أن المشتري
يطلب رؤية الأرقاء عراة تمامًا، لأن بائعي الرقيق كانوا يستعملون وجوهًا كثيرة من المكر
لإخفاء عيوب الرقيق الجثمانية، كما يفعل اليوم الجمبازجية
٢١ في الخيول.
وكانت أثمان العبيد المتعلمين المتأدبين غالية جدًّا، ومثلهم المعدون لتشخيص
الروايات، ولا تسل عن المغالاة في دفع الأثمان الزائدة لمشتري الجواري الحسان البارعات
في الجمال اللاتي يجعلن لمقتنيهن حظًّا كبيرًا في الاستحصال على كثير المال، بسبب
تعرضهن للفسق والفجور، وفي عهد الدولة كان القوم يدفعون المبالغ الباهظة للاستحصال على
بنات ذات دلال، وذلك حيثما ازداد فساد الأخلاق واختلت قواعد الآداب وانتشرت الزخرف فيهم
إلى ما تجاوز الحدود.
وكانت رومة شبيهة ببلاد اليونان في تقسيم الأرقاء على أنواع؛ فمنهم الأرقاء
العموميون،
٢٢ ومنهم الأرقاء الخصوصيون؛ فأفراد الفريق الأول كانوا ملكًا للحكومة، وكانت
حالتهم أفضل وأحسن من حالة إخوانهم بكثير، فكان عليهم العناية بشأن المباني العمومية،
بل ومساعدة القضاة والكهنة في القيام بواجبات وظائفهم، وكانوا يستخدمون فوق ذلك سجانين
وجلادين (سيافين) وملاحين وأمثال ذلك من الوظائف، وأما أفراد الفريق الثاني فكان عليهم
أن يقوموا بكافة شئون الخدمة في دور مواليهم، كأن يكونوا بوابين وخدامين وطهاة
٢٣ ومستخدمين لقضاء الحاجات وما أشبه ذلك.
ولم يكن في نظر القانون إلا كشيء من الأشياء، فليس له ملكية ولا عائلة ولا صفة
شخصية.
وقد سبق لنا القول بأن الولادة قد تكون سببًا في الاسترقاق، ولذلك كان القانون يبيح
للسيد استرقاق من تلده أمته، والمقرر في الشريعة الرومانية أنه فيما عدا النكاح تكون
حالة الولد شبيهة بحالة أمه حين وضعها له، بمعنى أنها إذا كانت حرة في ذلك الوقت فالولد
يكون حرًّا، وإذا كانت رقيقة فالولد يكون رقيقًا أيضًا مهما كانت حالتها في أثناء
الحمل، على أن هذه الشدة قد تلطفت فيما بعد وتقرر أنه يكفي في حرية المولود أن تكون أمه
نالت حريتها أثناء الحمل
٢٤ (انظر فتاوى بوستينيانوس).
وكان حق العقوبة من نتائج سلطة الموالي على أرقائهم، فكان الأرقاء الذين يأتون بهفوة
يجازون عليها بالشدة، وفي بعض الأحيان بقساوة فائقة عن الحد لم يسمع لها بمثيل، فكان
أخف العقوبات وألطفها عندهم استعمال الرقيق في مشاق الحراثة والزراعة، وهو مكبل
بالسلاسل مثقل بالأغلال معرض لأقسى أنواع العذاب، وأما العقوبة بالجلد بالسياط فكانت
في
غاية القسوة ونهاية الشدة، حتى إنها كانت تنتهي بالهلاك في أغلب الأوقات، وكانوا
يعاقبون الرقيق أيضًا بتعليقه من يديه وربط الأثقال في رجليه.
وما زال الأرقاء يقاسون أنواع العذاب، ويعانون أصناف الأوصاب، حتى آل الأمر بواضعي
الشرائع للنظر إليهم بعين الشفقة والمرحمة، وتدوين الأحكام القاضية برعايتهم، وحسن
معاملتهم، وأول قانون في هذا المعنى هو قانون پترونيا، وفيه أنه يحرم على الموالي إلزام
أرقائهم بمقاتلة الوحوش الضارية والحيوانات الكاسرة، على أنه قد تدون فيه أن الرقيق
الذي يأتي جرمًا يستوجب هذا الجزاء يجوز لسيده أن يعاقبه به بعد التصريح من القاضي. وقد
أصدر أنطونان
٢٥ أمرًا حصر فيه ما يسمونه بحق الحياة والممات الذي يعتبره المفتي
جايوس
٢٦ من حقوق الأمم والملل، فقال أنطونان: «إذا قتل المولى عبده بغير حق وجبت
معاقبته كأنه قتل عبدًا لغيره.»
٢٧ وقد تقرر في هذا الأمر أيضًا نهي الموالي عن سوء معاملة أرقائهم، ثم صدر
أمرٌ من كلوديوس تدون فيه أنه «إذا قتل السيد عبده عُدَّ مرتكبًا لجناية القتل».