الكون الرقمي: مقدمة سريعة
أصبحت المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية بالغةَ التعقيد وغنيةً بالميزات، لدرجةِ أنه من المألوف اليومَ أن تجد ملصقًا توضيحيًّا أو دليلًا موجزًا «للتشغيل السريع» يصحب كُتيب إرشادات الاستخدام، المكوَّن من نحو ١٠٠ صفحة، لجهاز تليفزيون رقمي أو كمبيوتر شخصي أو هاتف محمول جديد. يعي المصنِّعون أن المستهلك النافد الصبر (ويشمل هذا الوصف أغلبنا) عادةً ما يتجاهل قراءةَ كُتيب الإرشادات أولًا حتى تُعجِزه ميزةٌ لا تُعِينه البديهةُ على فهمها؛ ومن الأرجح أنه سيتصل برقم الدعم الفني التماسًا للمساعدة بدلًا من استشارة كُتيب الإرشادات؛ ما يثير حنق موظفي مراكز الاتصالات حول العالم. لأدلة التشغيل السريع جوانبُها الإيجابية، فهي توفر المعلومات الأساسية الكافية بحيث يمكنك تثبيتُ البرنامج أو تشغيل الجهاز بنجاحٍ والبدءُ في استخدامه بسرعةٍ.
آمل، عزيزي القارئ، أن تكتسب خلال مطالعتك لهذا الكتاب مزيدًا من أدوات النقد في ملاحظتك للاستخدام الاجتماعي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وأن تقيِّم النتائجَ الإيجابية والسلبية لاستخدامها، وأن تكوِّن رؤًى جديدةً أثناء القراءة ستضيف ثراءً وعمقًا لمعرفتك بالتواصُل والذكاء البشريَّيْن.
ثلاثة أنواع للمعرفة الرقمية
الفئة | الاستخدام الاستعاري | موقف الأفراد* | الهدف |
---|---|---|---|
المعرفة الوظيفية | أجهزة الكمبيوتر كأدوات | الأفراد كمستخدمين للتكنولوجيا | التوظيف الفعَّال |
المعرفة الناقدة | أجهزة الكمبيوتر كمنتجات ثقافية | الأفراد كطارحين للأسئلة حول التكنولوجيا | النقد المستنير |
المعرفة التأثيرية | أجهزة الكمبيوتر كوسائط تنقل نصًّا فائقًا | الأفراد كمنتجين للمحتوى على الإنترنت | الممارسة التأمُّلية |
التمتع بالمعرفة الناقدة
الفئة الثانية من نموذج سيلبر هي المعرفة الناقدة. وتفترض هذه الفئة الرسوخ الاجتماعي للتكنولوجيا في جميع المجتمعات المتصلة بشبكات حول العالم، كذلك تُلقِي الضوء على المضامين الثقافية والاقتصادية والسياسية لاستخدامها. المستخدِمون المتمتعون بالمعرفة الناقدة «يطرحون أسئلةً حول التكنولوجيا» وتطبيقاتها، ويستقصون كلًّا من المضامين الإيجابية والسلبية لاستخدام التكنولوجيا؛ وهذا موضوعٌ رئيسي في هذا الكتاب، وجانبٌ أساسي من كون المرء مستخدِمًا مُلِمًّا بالتكنولوجيا.
إن البراهين الإيجابية على تكنولوجيات المعلومات والاتصالات حاضرة في كل مكان؛ فمصنِّعو المكونات المادية ومنتجو البرمجيات وتجارُ الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية بالتجزئة والبنيةُ التحتية التسويقية التي تروِّج لهذه المنتجات والخدمات؛ تؤكِّد هذه المصادر كلها أننا واعون بخصائصها الإيجابية. عندما تُطرح تكنولوجيا مبتكرة في المعلومات أو الاتصالات، تبدأ دعايةٌ واسعةُ النطاق لميزات التكنولوجيا كجزءٍ من حملة التسويق. وغالبًا ما تكون الخصائصُ مركزةً على تحسينِ سرعة الاتصال عن بُعْدٍ، أو إضفاءِ كفاءةٍ أعلى على مهمة معالجة المعلومات، أو مزيجٍ من هذا وذاك. ومع اقتناء المستهلك لهذه المنتجات، غالبًا لا تظهر التبعاتُ السلبية إلا بوتيرة بطيئة.
يركز المنظور النقدي والمنظور الثقافي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، اللذان يطرحهما سيلبر، على تحرِّي علاقات القوة المهيمنة في المجتمع. ولهذين المنظورين ثقلُهما، خاصةً من منطلق دراسة عواقب الفجوات الرقمية بين مَن يُتاح لهم الحصول على المعلومات ومَن لا يُتاح لهم ذلك. وللمنظورَيْن الاقتصادي والسياسي نفعهما في دراسة قرارات تقنين التكنولوجيا، من بين غيرها من القضايا السياساتية الرئيسية. إلا أنني أوصي القرَّاء ببَسْط نطاق منظورهم النقدي لما يتجاوز المنظورين الاقتصادي والسياسي لتحرِّي القضايا الجوهرية في مسألة الاتصال البشري واستخدام تقنيات الأتمتة معه؛ على سبيل المثال: كيف تؤثِّر الوساطة في التواصل (إدخال آلة في عملية الاتصال) على التعبير والحوار البشري؟ هل فقد البشر الآن جانبًا رئيسيًّا من تقليد التواصل الشفهي الذي أولاه باحثون على غرار هارولد إينيس قيمةً كبيرةً؛ أم أُعِيدَ توظيفُ هذا الجانب بفعل الهواتف المحمولة وكاميرات تسجيل الفيديو؟ كيف أثَّرت تكنولوجيات الاتصال على تقاليد البشر في حكي القصص وعلى القصص التي نحكيها؟ من ثَمَّ، يركِّز المكوِّن النقدي من المعرفة الرقمية على الآثار الاجتماعية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. إنه ميدانُ دراسةٍ ثَرِيٌّ يشتمل على سلوك المستهلك وعلم النفس البشري والعلوم السياسية واللغة والفلسفة والاقتصاد والتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر. يستقصي علماءُ الاجتماع والكمبيوتر في هذه المجالات بعضًا من أكثر الأسئلة إثارةً للاهتمام بشأن استخدام البشر للتكنولوجيا. في الكتاب الذي بين أيديكم سنتحرَّى رؤى الملاحظين المنتقدين للتكنولوجيا بمَن فيهم هارولد إينيس، ولويس مامفورد، وجاك إيلول، ومارشال ماكلوان، وبيل ماكيبن.
المعرفة التأثيرية
النوع الثالث من المعرفة الرقمية الذي أشار إليه سيلبر هو المعرفة التأثيرية. في هذا السياق، تكون التكنولوجيات الرقمية قنواتٍ «لوسائط النص الفائق»، ويُعتبَر الأفراد «منتجين للتكنولوجيا». تصف هذه الرؤية عالَمَ الجيل الثاني من خدمات الإنترنت (الويب ٢٫٠) اليومَ، وعالَمَ الجيل الثالث (الويب ٣٫٠) في المستقبل القريب. إننا نسلِّم بسيطرة النص الفائق والوسائط الفائقة في عالَمٍ توجد فيه هذه الوسائط في جميع البيئات المتصلة بشبكات. وقد غيرت القدرةُ على الربط السَّلِس والسهل للمحتوى المتصل على الإنترنت من معالجة البشر للمعلومات ونشرهم إياها.
في حقبة الويب ٢٫٠، ليس مواطنو الكون الرقمي مجرد منزِّلين سلبيين للوسائط الرقمية من الإنترنت، بل تزداد وتيرة إنتاجهم النشط لمحتوى جديد؛ فأيُّ محتوى فيديو أو نصي أو موسيقي أو فني أو صوتي يمكن تحويلُه إلى صيغةٍ رقميةٍ وتحميلُه إلى الإنترنت في صورةِ وسائطَ فائقةٍ مرتبطة. إن إنشاءَ محتوًى يُنتِجه المستخدِمُ على شبكة الإنترنت ونقْلَه، حوَّلَ الكونَ الرقمي الذي يهمين عليه علماءُ الكمبيوتر ومطوِّرو الإنترنت دقيقو التخصُّص، إلى مجتمعٍ عالميٍّ بوسع كلِّ شخصٍ فيه نشْرُ أيِّ شيءٍ؛ أيِّ شيءٍ تُجِيزه الحكومة.
السيبرانية
إننا نتعلَّم اكتسابَ معارف ومهارات رقمية جديدة من خلال حلقات التعقيب المعقَّدة مع الأصدقاء والأسرة ومع التعليمات الرسمية؛ فعلى سبيل المثال: عندما تجرِّب التقاطَ صور رقمية للمرة الأولى ثم مشاركتها مع أصدقائك على الإنترنت، قد تتلقَّى تعقيبًا مفيدًا حول صورك يؤدِّي إلى تعديلك طريقةَ التقاطك للصور ومهارات معالجتك لها وفقًا له. في كونٍ يحكمه إصدارُ الويب ٢٫٠ ربما تكون حلقاتُ التعقيب فوريةً وشخصيةً («لا تعجبني صورتي التي التقطتَها لي في حفل نهاية الأسبوع الماضي؛ من فضلك احذِفْها!»)، أو ربما تكون بعيدةً وغيرَ شخصيةٍ (مثل المزايَدة على كاميرا رقمية على موقع إي باي). وهذه الآليات المتفاعلة هي جوهر التكنولوجيات المرتبطة القائمة على إصدار الويب ٢٫٠ مثل موقع ويكيبيديا. ومع مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من أدوات إصدار الويب ٢٫٠، بوسعك زيادة خيارات التعقيب واستخدامها لاكتساب معارف ومهارات جديدة، لا سيما تلك المتعلِّقة بتكنولوجيات الاتصالات عن بُعْدٍ الجديدة. سيوفر لك هذا الكتابُ الخلفيةَ المنشودة لفهم تطوُّر هذه التكنولوجيات، ثم سيحثُّك على التفكير الناقد في الكيفية التي تؤثِّر بها على حياة البشر في الحاضر وفي المستقبل.
دليلك لتفقُّد فصول الكتاب
- الجزء الأول: مقدمة وإطلالة؛ الفصول الأول والثاني والثالث.
- الجزء الثاني: تاريخ الإنترنت والويب؛ الفصول الرابع والخامس والسادس.
- الجزء الثالث: الاتصالات عن بُعْدٍ والتقارُب بين الوسائط؛ الفصلان السابع والثامن.
- الجزء الرابع: السيطرة على الإنترنت والثقافة السيبرانية والرؤى الديستوبية؛ الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر.
- الجزء الخامس: تكنولوجيات الاتصالات الجديدة والمستقبل؛ الفصول الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر.
كما أشرنا أعلاه، لم يُكتَب هذا الكتاب بهدف قراءة الفصول بالترتيب؛ ولذا يمكن قراءة الفصول دون ترتيبٍ إنِ ارتأى القارئ ذلك. لكن ربما أفضلُ منهجٍ هو قراءة فصلَيْ قانون مور والرؤى النقدية (الفصلان الثاني والثالث) أولًا؛ لأن المفاهيم الأساسية التي أطرحها بهذين الفصلين تمثل الأسس التي سأبني عليها شروحي في الفصول اللاحقة. كما أن الفصول التي تتناول الخلفية التاريخية (الفصول من الرابع إلى السادس) ستتلاحم بعضها مع بعض بصورة أفضل إن قُرئَت بالتتابع.
يعرِّف الفصلُ الثاني قانونَ مور ويشرح موقعه في قلب تكنولوجيات الكون الرقمي. وسأتناول بالشرح مضامينَه بالنسبة إلى الاتصالِ عن بُعْدٍ والحوسبةِ واسعة الانتشار والأجهزةِ الذكية، في إطار آثارها على الحياة اليومية. ينتهي الفصل بمجموعةِ أفكارٍ عن فرص تماسك قانون مور في هذا القرن. يعرض الفصل الثالث التحليلَ النقدي للكون الرقمي كما ألمَحَ إليه سيلبر في نموذجه للمعرفة التكنولوجية. سأتحرَّى رؤى منتقدي التكنولوجيا، مثل جاك إيلول ونيل بوستمان، في إطار تطبيقها على تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. وسأناقش الآثار الاجتماعية والمرضية المترتبة على العيش في عصر المعلومات، مع تأكيدي على الدور الذي تلعبه السرعة والكفاءة في تبنِّي تكنولوجيات الاتصالات الجديدة.
يركز الجزء الثاني على ابتكار الإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية؛ فيستعرِض الفصل الرابع منشأَ الإنترنت الذي يعود إلى الحرب الباردة، والدورَ المؤثِّر الذي لعبه عالِمُ الكمبيوتر جيه سي آر ليكلايدر في تطويره. يُلقِي الدورُ المركزي الذي لعبَتْه وزارةُ الدفاع الأمريكية في إنشاء وكالة مشاريع الأبحاث المتطورة (أربا) ومشروعها أربانت؛ الضوء على الجدل حول الباعث وراء إنشاء أول شبكة بيانات تغطي الأمة بأسرها. ويحلِّل الفصل الخامس تطوُّرَ أربانت إلى شبكة الإنترنت بين ١٩٨٠ و١٩٩٠. وسأناقش مساهمات كبار المبتكرين من أمثال فينتون سيرف وروبرت خان (إنشاء بروتوكول التحكُّم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت وغيره من بروتوكولات الشبكات الأساسية)، وتيد نيلسون (فكرة النص الفائق كأداةِ ربطٍ)، ودوج إنجلبارت (إنشاء تكنولوجيات الواجهة)؛ وذلك في سياق ابتكار شبكة الإنترنت العالمية. يطلُّ الفصل السادس على بول أوتليه وابتكارِه المندانيوم في بلجيكا بين ١٩١٠ و١٩٣٤، الذي كان نواةَ الشبكة العنكبوتية العالمية قبل ٦٠ عامًا من ابتكارها. وسأتناول الدورَ الذي أدَّاه تيم بيرنرز-لي في وضْعِ مفهومِ دمْجِ النص الفائق وبروتوكول التحكُّم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت ونظام أسماء النطاقات في منظومةٍ جامعةٍ لولوج المستندات أُطلِق عليها اسم «ميش» (التي يعرفها العالَمُ اليومَ باسم الشبكة العنكبوتية العالمية). اختتمْتُ الفصلَ بتحليلٍ لما نُطلِق عليه إصدارَ الويب ٢٫٠، وكيف يمكن أن يتطوَّر في العقد المقبل إلى إصدار الويب ٣٫٠.
يبدأ الجزء الثالث من الكتاب بالفصل السابع الذي يستعرض تطوُّر نُظُم الاتصال التلغرافية في أوروبا وأمريكا الشمالية وربطها عن طريق الكابلات تحت البحر، التي سرعان ما طوَّقَتِ الكوكبَ وقادتنا إلى مفهوم «العالم المتصل سلكيًّا». ومع تحوُّل الأسلاك من النحاس إلى الألياف البصرية في العشرين عامًا الماضية، أتاحَتْ هذه الوصلات — التي لا تحظى غالبًا بالاهتمام — وجودَ شبكةِ الإنترنت العالمية. إن «العالَم المسطح» الذي يتحدَّث عنه توماس فريدمان تحدِّد هذه الوصلاتُ ملامحَه وكيفية مساهمة الدور الذي يؤديه الاتصال عن بُعْد في تعهيد العمل الرقمي خارجيًّا، وفي تكوين فِرَق العمل العالمية التي تساهِم بها المنظماتُ الحكومية والخاصة. يركز الفصل الثامن على التقارُب الرقمي في التحوُّل من الوسائط التناظرية إلى الوسائط الرقمية، وسأتناول المنافعَ التي تعود من تقارُب الوسائط، إلى جانب آثارها السلبية على الوسائط الموجودة مثل الصحفِ وبثِّ الراديو والتليفزيون.
يركِّز القسم الأخير من الكتاب، الجزء الخامس، على نشوء تكنولوجيات الاتصال عن بُعْدٍ والتكنولوجيات الرقمية الجديدة التي ستؤثِّر على المجتمعات العالمية في العقود المقبِلة؛ فيتحرَّى الفصل الثاني عشر الكونَ المختلط المؤلَّف من تكنولوجيات الاتصالات السلكية واللاسلكية؛ فقد تحوَّلَ التليفزيون من تكنولوجيا بثٍّ لا سلكية إلى تكنولوجيا سلكية، عن طريق خدمات التليفزيون المدفوع ومع البث الحي للمحتوى عبر الإنترنت باستخدام تليفزيون بروتوكول الإنترنت (آي بي تي في). والهواتف الآن أجهزةُ مشاهَدةٍ متنقِّلة للتليفزيون حيث يُبَثُّ المحتوى مباشَرةً من الإنترنت، أو بوسع المشاهد بلوغه لا سلكيًّا من شركات نقل البث المحلية. تتيح الهواتف المحمولة وسائلَ للتواصل، مفعلة دائمًا وسانحة دائمًا، مع العائلة والأصدقاء؛ وسهولةُ نقْلِ هذه الخدمات تعني أنك لن تبتعد أبدًا عن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. ثم يحلِّل الفصلُ العواقبَ الاجتماعية للاتصال المستمر بالشبكة. يتناول الفصل الثالث عشر عمليةَ خلْقِ العوالم الافتراضية التي يمكن للبشر أن يعمروها من خلال الاشتراك في الألعاب على الإنترنت. لقد بلغَتْ ألعابُ الكمبيوتر أوْجَ تطوُّرِها في العقدين المنصرمين، وحقَّقَتْ مستوًى مُبهِرًا من الواقعية يصعب معه مقاوَمةُ المشاركة النَّشِطة فيها. كما سيتحرَّى الفصلُ التطبيقاتِ الجديدة التي تستخدم تقنية «الواقع المُعزَّز» المبهرة؛ حيثُ تُركَّب صور صمَّمَها الكمبيوتر فوق مَشاهِد متصلة في عالَم الواقع.
أختتم الكتابَ بالفصل الرابع عشر الذي يطرح عدة رؤًى حول مستقبل الكون الرقمي. إن المستقبل القريب باهرٌ؛ حيث سيخفِّض قانونُ مور من كلفة الأدوات الرقمية في الوقت الذي سيحسِّن كثيرًا من قدرتها وفُرَصنا في الحصول عليها. ومع تقلص الفجوة الرقمية، ستُتاح هذه الأدوات لعددٍ أكبر من البشر ليتصلوا بالآخَرين ويعملوا معهم. بعض سيناريوهات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستقبلية يوتوبية؛ أي إن البشر سيتطوَّرون جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا، وسيتبنَّوْن أفضلَ الجوانب من ذكاء وذاكرة الآلية. والبعضُ الآخَر ديستوبية؛ تدور حول تخطِّي ذكاءِ الآلة في النهاية ذكاءَ الإنسان، وأن دورنا في المستقبل ربما سيكون فريقَ الصيانة القائم على خدمة العالَم السيبراني. من المرجح أن الواقع سيكون في نقطةٍ ما بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين. لِمَ ينبغي لنا أن نقتطع من وقتنا للتفكير في هذين المستقبلين؟ لأن كلًّا منكم سيقضي حياتَه في هذا الزمان، ومن ثَمَّ فالتفكير الناقد في هذين السيناريوهين ربما يوسِّع من آفاقنا. أتمنَّى أن تستمتعوا برحلتكم عبر الكون الرقمي في هذا الكتاب بوصفه خريطةَ طريقٍ افتراضيةً للحياة المتصلة بالإنترنت والتكنولوجيا في العقود التي تنتظرنا.