نهاية الأمم
قد يبدو التحدث عن نهاية الأمم من المفارقات الصارخة بالذات في الوقت الذي تتفكك فيه أوصال الاتحاد السوفييتي تحت وطأة النزعات القومية، وتتوحد فيه الأمة الألمانية، وتشهد الأمم المتحدة تزايدًا في عدد الدول الأعضاء بشكل لم يُعهد أبدًا من قبل. كما أن الفكر القومي لم يُسبق له أن أظهر مداه الثوري بمثل هذا القدر. فهل يتعلق الأمر بالعودة إلى الجوهر أو بانتفاضة أخيرة لمعالجة سياسية أدت مهمتها التاريخية وباتت أقل قدرة على بث الآمال، وإيجاد حلول للمشاكل التي يطرحها الزمن؟
فالأمة فكرة حديثة العهد، وكانت المطالب الوطنية محرك عملية التخلص من الاستعمار. وقد تحوَّل الربط بين الحس القومي والمطالب الديموقراطية في أوروبا إلى ربط بين ذلك الحس القومي والمطالبة بالاستقلال، عندما امتد ليشمل عالمنا بأسره. كان ثوريو القرن التاسع عشر يطالبون ﺑ «الحرية»، كما طالب الخاضعون للاستعمار في القرن العشرين بالاستقلال؛ أي بالتخلص من النير الاستعماري. وهكذا لم يشكك أحد المعادلة القائلة بأن الاستقلال يساوي الحرية.
يظهر في الواقع من خلال تلك التطورات المتتالية مطلب جديد، لم يَعُد منصبًّا على علاقة التبعية إزاء الخارج، ولكن على قدرة القادة الوطنيين على تمثيل المصلحة الوطنية والذود عنها؛ فالمطلب القومي في بلدان العالم الثالث يتجه أكثر فأكثر نحو التماثل مع المطلب القومي للأوروبيين في القرن التاسع عشر؛ أي إنه أصبح المطالبة بالديموقراطية. ففي أمريكا اللاتينية وأفريقيا غدا الربط قائمًا بين الديموقراطية والتنمية، وتقوم المظاهرات في العديد من العواصم الأفريقية ضد قادة استنفدوا الرصيد المعنوي الذي اكتسبوه عن طريق النضال من أجل الاستقلال. وأضحى سقوط دكتاتوريات أوروبا، وبالأخص سقوط تشاوشسكو، مثالًا بالنسبة للنخب الأفريقية الجديدة؛ فالنموذج القبَلي لاستئثار أسرة بالسلطة بات مرفوضًا بوضوح، وفي الوقت نفسه يهيئ الحوار بين مانديللا ودي كليرك الإمكانات لأفريقيا لقيام بناء اجتماعي معقد إلى حد أكبر بكثير من تلك النماذج المختصرة التي كانت تُتخذ حتى الآن أساسًا للمطالب الوطنية. فالأمة لم تَعُد قناعًا للقبلية، بل المجال السياسي الذي يمكن أن تقوم الديموقراطية على أساسه.
وهذا التطلع الطَّموح يستحث الأمة ولكنه لا ينجح في إنقاذ فكرتها. وهو يلقي الضوء على الطابع العرضي للبنيات القومية بالمقارنة مع الأهداف المنشودة؛ فإذا كانت الأمة في حاجة إلى دولة لكي تصبح ديموقراطية؛ فأين هي الدولة في أفريقيا؟ وأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء ليست في هذا المجال سوى حالة قصوى لوضع يميل إلى الانتشار في العديد من بلدان العالم الثالث المتأزم. لقد توارت شرعية النضال من أجل الاستقلال دون أن تحل محلها شرعية أخرى. ولم يتبقَّ من ذلك الوضع الذي دمرته الأزمة الاقتصادية إلا الأجهزة الحكومية المتشعبة العاملة وفقًا لنموذج السلطة الموروث والمتحرر تدريجيًّا من الأبعاد القومية.
وتقدِّم اقتصاديات المخدرات صورة واضحة للتطاول على الدول، على يد عصابات التهريب عبر القومية الأقوى من تلك الدول. فالمخدرات تحل حيثما يصيب الدولة الوهن وتكون الظروف المناخية مواتية، مما يؤدي إلى تغيرات عميقة في المجتمع. وعليه، ليس هناك ما يدعو للدهشة إزاء تحوُّل أمريكا اللاتينية وأفغانستان بل ولبنان أيضًا إلى مراكز كبيرة لإنتاج المخدرات ومعالجتها. وأصبح الدخل الذي تحققه المخدرات يفوق مجمل المساعدات العامة للتنمية، وفقًا لإحصاءات لجنة المساعدة على التنمية التي تقدرها بمائة مليار دولار. ولذا فإن القضاء على تهريب المخدرات سيكون له بكل تأكيد أثر أكبر من حصر سياسات المساعدة العامة على التنمية. والمنتجان الزراعيان الوحيدان الأكثر رواجًا والقادمان من بلدان العالم الثالث هما الكوكا والخشخاش. ولا يختلف حجم الدخل من المخدرات عن حجم الميزانية في بعض الدول، بل إنه يكاد يكون من الممكن شراء بعض دول العالم الثالث بعوائد المخدرات. وهكذا أضحى مجال المصالح العامة في متناول الثروات الخاصة، بل والأشكال القصوى للملكية الخاصة.
ولكن ما هي الأمة؟ لقد تعوَّدنا، لكوننا نتاج القالب الأوروبي، على اعتبار الأمة شكلًا سياسيًّا مفروغًا منه وإفرازًا طبيعيًّا لكل المجتمعات. وقد آن الأوان لكي ندرك أن فكرة الأمة التي منحتها أوروبا للعالم ربما لم تكن سوى شكل سياسي عابر واستثناء أوروبي ومرحلة انتقالية مؤقتة بين العهدين الملكي و«الإمبريالي الجديد».
يعتمد تعريف الأمة أولًا على ما لا يتوفر لديها من عناصر تكوينها؛ فهي ليست جماعة اجتماعية أو دينية أو عنصرية. وبعبارة أخرى فإن الروابط التي توحد مواطني حصيلة تمازج فريد لعدة معطيات اجتماعية دون أن تقتصر أبدًا تلك الحصيلة على بُعد اجتماعي أو ديني أو عنصري واحد. فالسمة المميزة للوحدة القومية، كما حددها الأوروبيون بالمقارنة مع أشكال الوحدة الأخرى، تكمن فيما يلي: إنها تجمع أناسًا لا على أساس ما هم عليه ولكن على أساس ذكريات ما كانوا عليه من قبل. والتعريف الوحيد للأمة يقوم على الأصول التاريخية؛ فهي موقع التاريخ المشترك ومستقر أسباب الشقاء والهناء المشتركة والتجسيد المعنوي للمصير المشترك. غير أنه لا يمكن تعريف الأمة عن طريق الانتساب فقط؛ فلو كان الأمر كذلك لما صارت إلا قبيلة موسعة. والأمة في التعريف الأوروبي لهذا المصطلح تحددها في المقام الأول الأرض، أي أراضٍ معينة لها حدود مرسومة تمامًا كالعلامات التي تحدد تخوم الحقول في أرياف أوروبا القديمة.
ولقد توكدت استقلالية القانون بالنسبة للديانة منذ العهد الروماني وذلك بفضل قواعد الملكية التي تزايد تحديدها بدقة. فتعريف الفرد بما يملك يرجع إلى القانون، أما تعريف كيانه فيعود إلى الدين. وعمليات تحديد الملكية وتسجيل المساحات هي نقطة الانطلاق للحقوق التي تعني الحق في الأرض قبل أن تكون حقوقًا للأفراد، وهذا التأصيل الإقليمي للأمة كان أساس حريتنا وشرطًا للوحدة. وهو لا يحصر الناس في نطاق جماعاتهم ولا يتورط في البحث عن الأصول والأنساب، بل إن تسامحه إزاء تنوع البشر الذين يتولى تنظيم نشاطهم يدعوه إلى الالتزام بأقصى قدر من الدقة في تحديد النطاق الذي يُطبق فيه. والحرية التي يمنحها للأفراد في دورهم الاجتماعي يسلبها من النطاق الذي يحكمه. ولا يمكن القبول هنا بأي افتقاد للوضوح. وتعريف الانتساب إلى سلالة أو عنصر أو ديانة بالنسبة لمجتمعٍ ما عن طريق الأواني المستطرقة يجب أن يكون دقيقًا للغاية بقدر ما يكون التعريف الإقليمي متعثرًا. ويتعين الاعتراف في مواجهة تلك المشكلة بأن الحل الذي اختارته أمم أوروبا فريد من نوعه ونتاج غير متوقع لتاريخ خاص لا نجد له مثيلًا في أي جزء آخر من العالم.
وهذه الحدود المرسومة بدقة والتي تحدد مجال التوسع في مختلف الحقوق الأوروبية لها أصولها الخاصة التي تميز أمم أوروبا عن كافة الجماعات البشرية الأخرى التي انتحلت تجاوزًا اسم الأمم. والواقع أن الحدود خارج أوروبا قريبة العهد إلى حد كبير، كما ظلت أقل دقة في رسمها. ولذا كان طابعها المقدس أقل رسوخًا. وحجبت عمليات التخلي عن المستعمرات الطابع الفريد لحالة أوروبا طوال بضعة عقود. واعتقد الذين تخلصوا من الاستعمار أن بوسعهم قلب فكرة الأمة ضد المستعمر. غير أن العقود القادمة ستبدد هذا الوهم. ولا يرجع ذلك إلى أن الأوروبيين كانوا أوفر حظًّا من الآخرين، ولكن ببساطة لأن الخير كان أندر، فكلفهم «تقدمهم» ألف عام من الحروب، مما مكنهم من تصفية نزاعاتهم حول رسم حدود النظم الملكية القديمة؛ فنشأت بذلك رابطة قوية للغاية بين مفهومَي القانون والإقليم. فالقانون لا يحكم البشر بل نشاطهم في حدود إقليم محدد. ولو كان الأمر غير ذلك لما كان الناس مواطنين بل عبيدًا.
غير أن تلك الرابطة لا تزال غير مستقرة حتى في أوروبا. فبريطانيا التي هيأ لها وضعها كجزيرة إقليمًا محددًا تمامًا لا تقيم نفس الوزن لمفهوم الإقليم مثل الأمم التي تعين عليها أن تحارب من أجل تحديد تخومها. وظل مفهوم إنجلترا لهويتها، على غرار اليابان، ظل عنصريًّا إلى حدٍّ ما لمدة طويلة، وهو ما يميزها عن فرنسا وإسبانيا. أما ألمانيا، الجسر الواصل بين الحدود الأوروبية؛ فإن نزاعاتها مع بقية أوروبا تعود أصلًا إلى تعريف الشعب الألماني في حدود اللغة والثقافة دون أن يكون متأصلًا في إقليم محدد.
والواقع أن الخطوط المستقيمة التي اعتقد المستعمرون الأوروبيون أن بوسعهم إحلالها محل قرون من الصراعات لم ترسخ حقًّا إلا في أمريكا الشمالية ولكن بثمن باهظ. فقد تطلَّب الأمر تجديد السكان بالكامل لموازنة الطابع المصطنع للحيز الخاضع للإدارة بقوة العقد الاجتماعي. ولا يكفي اتخاذ قرار بعدم المساس بالحدود التي خلَّفها المستعمرون، كما قررت منظمة الوحدة الأفريقية بعد فترة وجيزة من رحيل الاستعمار، لكي يتم خلق أمم داخل خطوط لا علاقة لها بالواقع.
ولذا فإن تدعيم فكرة الأمة أصبحت تحتل مركز الصدارة لدى قادة عدد متزايد من البلدان. ويتم اختراع أساطير يعتمد عليها قيام الأمة وابتكار عدوٍّ موروث بُغية الوصول إلى تحقيق المحاكاة السريعة لتاريخ أقدم الأمم الأوروبية التي صقلها الحديد والنار. غير أن تلك القوميات تبدو هشة إلى حد كبير في حقبة لم تَعُد مواتية للبنيات القومية الكبيرة. لقد بعدنا عن المنافسات بين القوميات الإمبراطورية الكبرى في القرن التاسع عشر التي كانت تتنازع على تقسيم العالم فيما بينها، لكي يكون لها «مكانًا تحت الشمس» حسب التعبير الألماني. ونشأت قوميات في أواخر القرن العشرين عن ردود فعل دفاعية، وهي تعبر عن الانطواء على النفس والخوف من ذلك العالم المتسع الأرجاء الذي يفلت من أيدينا ولا نفلت نحن منه. ولذا فلا غرابة في أن يتخذ التشنج القومي في العالم الذي أعقب التخلص من الشمولية، طابعًا معاديًا لكل ما هو أجنبي أكثر مما هو مناهض للإمبريالية. وبوسعنا أن نقوم بجولة حول العالم لنبين أن الفكر القومي لا يحيا اليوم إلا بالتحالف مع قوى تتجاوزه: الدين والعنصر والأيديولوجيا والقبلية. وتتزايد شيئًا فشيئًا ندرة البلدان التي تعتمد على انتسابٍ تاريخيٍّ ما أو عقد اجتماعي؛ بحيث تكون أراضيها كافية لتعريف الأمة كحقيقة واقعة.
ومع ذلك فإن وضوح حدود الأراضي في البلدان القليلة التي فرض فيها التاريخ ذلك يخضع اليوم للأخذ والرد نتيجة لعدد من الظواهر الاقتصادية. ويتعرض اليوم الأساس الإقليمي للحداثة السياسية، كما تصورناها منذ قرون، لهجمات الأشكال الجديدة للحداثة الاقتصادية.
فأهمية «الأراضي» والتجاور تقل تدريجيًّا، خاصة وأن الزراعة لم تَعُد وحدها تمثل جزءًا متناقصًا من النشاط الاقتصادي، بل إن الأمر يشمل أيضًا الصناعة. كان التحكم في الأراضي القابلة للزراعة لتأمين الموارد الغذائية الهدف السياسي الأول للبشر الذين استقروا. وقد ساهم كل من نمو الصناعة والتحكم في المواد الأولية من جهة، وضرورة جمع آلاف الأفراد في مناجم من جهة أخرى، في ربط النشاط الاقتصادي بنوع من تنظيم الحيز. فالصناعة التي تتعامل بمواد أولية ذات أحجام كبيرة ومربكة للغاية، تجمع أعدادًا كبيرة من الأفراد في مكان واحد؛ بحيث يكون الحيز مسألة تستدعي فعلًا الاكتراث بها. ففي صناعة السيارات كانت المواد الأولية تمثل ما يتراوح بين ٣٠ و٤٠٪ من القيمة. أما المكونات الإلكترونية، وهي المنتج الذي يرمز إلى العهد الجديد، فهي تشكل بالكاد ١٪ من تلك المنتجات.
وهذا معناه أن العالم يصبح «تجريديًّا» و«لا مادي» أكثر فأكثر وأن طابع الثروة الملموس يقل تدريجيًّا. وتتزايد صعوبة تحديد المكونات المادية في تركيب القيمة. وتنشأ القيمة من خلال تكوين شبكات الاتصال؛ فالشخص الذي يملك قائمة بأسماء وعناوين أغنى خمسين ألف فرنسي أكثر ثراء من الصائغ الذي يملك حليًّا ذهبية. وبمجرد زوال الحاجة الشديدة، أصبحت القيمة تتحقق عن طريق التقارب بين العرض الجيد والطلب الجيد. بَيدَ أن الشبكات تفقد طابعها الإقليمي مع ثورة الاتصالات اللاسلكية، ومع الانتقال من تنظيم البنية بالخطوط الملاحية والسكك الحديدية إلى تنظيمها بواسطة النقل الجوي والاتصال عن بُعد مما قلب مفهوم الحيز رأسًا على عقب. فالكادر العامل لدى شركة أي. بي. إم. والقائم بنشاط اقتصادي، يمكنه الاتصال بشركته أيًّا كانت البقعة التي يتواجد فيها في العالم، شأنه في ذلك شأن أي مزارع في قرية في أقاصي الريف لم يغادرها طوال حياته. فالشيء الأساسي لم يَعُد التحكم في الأراضي بقدر ما هو الاتصال بشبكة. وهذا التحول يفسر لنا أيضًا نزوع الناس أكثر فأكثر إلى التنقل. فقد انتهت عملية التوطن المستقر في القرون الأخيرة وانتعشت الهجرة من جديد. ولم تَعُد الصناعة تُقام بالضرورة في الموقع الذي توجد فيه اليد العاملة بوفرة؛ فالناس يتوجهون إلى المواقع التي تُخلق فيها الثروة. وتصبح هجرات الفقراء هي أيضًا واقعًا هامًّا في الاقتصاد في عالم لم يَعُد فيه الفرد مشدودًا إلى أرضه إلا بالقهر البوليسي. وستصبح هذه الهجرة واقعًا سياسيًّا هامًّا أيضًا حسب إعادة تعريفها في القرن القادم.
وهذه الثورة التي يشهدها الاقتصاد تقلل من قيمة الحيز وترفع من قيمة الأفراد؛ لأن الندرة التي تحدد القيمة تغيرت بالنسبة للحيز وكذلك بالنسبة للأفراد؛ فالحيز النادر هو ذلك الذي يتم فيه اللقاء. ومن هنا ينبع التفاوت الكبير بين العواصم الكبرى في العالم والمدن التي ظلت منعزلة. والجمال القريب من المراكز الحضرية لا قيمة له، كما نرى في الكوت دازور. كما أن الحيز أصبح أقل أهمية بالنسبة للإنتاج. فقيمة الأراضي الزراعية تنخفض بانتظام. وهكذا أصاب منطق الاقتصاد اللامادي الأراضي التي كان يبدو لنا أنها لا بد وأن تفلت من ذلك التحوُّل. وأصبحت قطعة الأرض تساوي من الآن فصاعدًا أقل من حيث قدرتها على الإنتاج بالمقارنة مع حرص الناس على الاستقرار فيها؛ إذ أصبح هؤلاء في الواقع المورد الأكثر وفرة والأندر في الوقت نفسه. فلم يحدث أبدًا من قبل أن كان الحصول على يد عاملة رخيصة وقليلة الكفاءة سهلًا إلى هذا الحد، كما أن الكفاءة لم يكن الإقبال على طلبها هي أيضًا بالقدر الحالي منذ أن أضحت مجالًا للتنافس على الصعيد العالمي.
وستترتب على ذلك الانقلاب في التوقعات آثار عميقة على النظام السياسي. كانت ندرة الحيز الأساس الذي قام عليه القانون عندنا؛ فهي التي أوجدت نظام التسجيل العقاري في المدن الإيطالية التي كانت سلَف الديموقراطية الحديثة. كما حررتنا وفرة الأفراد من العبودية. ويرجع أصل الأمة الحديثة إلى تلك الظاهرتَين. فما هو النظام السياسي الجديد الذي سينشأ عن وضع مختلف بعمق؟
توجد لدينا منذ الآن فكرة عن هذا النظام في مجال الضرائب، ومما له مغزاه بهذا الصدد أن سلطة فرض الضرائب والرقابة على تلك السلطة شكَّلا معًا العناصر الأولى لتحويل السلطة إلى مؤسسة، وأن الديموقراطية القومية الأوروبية قامت على أساس ذلك الحوار. وتعتمد الضرائب في كل الديموقراطيات الحديثة على قاعدة إقليمية سواء تعلقت تلك الضرائب بالممتلكات أو التعاملات أو الأفراد. ويواجه هذا المنطق اليوم ثلاثة اعتراضات؛ أولها تزايد تحرك الأشخاص أكثر فأكثر للتهرب من الضرائب إذا كانوا من الأثرياء، ولبيع كفاءاتهم إذا كانت لديهم مواهب خاصة، وللحصول على عمل إذا كانوا من الفقراء، وأخيرًا فإن رءوس الأموال متحركة ونادرة في آن واحد، والرغبة في اجتذاب رءوس الأموال الأجنبية تجعل من الصعب فرض الرقابة على رءوس الأموال الوطنية. وأخيرًا فإن لجوء الشركات المتعددة القوميات إلى توزيع مختلِف مراحل صنع منتجٍ ما على عدة بلدان يجعل تحديد القيمة المضافة في كل مرحلة أمرًا مشكوكًا فيه بالنظر إلى أوجه عدم التيقن التي تواجهها أسعار البيع الداخلية. وبما أنه لم تَعُد هناك ضرورة لموقع إقليمي معين، وبما أن موقع المقر والاستثمار لم يعودا مفروضَين بل يخضعان للاختيار، وبما أن القيمة المضافة تتحقق بشكل مجرد؛ بحيث يتعذر تحديد موقع إنتاجها بدقة؛ فإن الضريبة لم تَعُد قرارًا سياديًّا. ولا تزال توجد بالطبع مجالات واسعة للنشاط الاقتصادي لم تحرر من مقتضيات التواجد الإقليمي. فالدولة تحتفظ بكافة سلطاتها لفرض الرسوم على الممتلكات العقارية والضرائب على العاملين بالأجر في المصانع. ولكن بمجرد أن تتجه نية الدولة القومية إلى فرض الضرائب على الأشكال الجديدة لخلق الثروة؛ فإنها تجد نفسها في تنافس مع العالم بأسره، ولا يمكنها أن تزيد على منافسيها في السباق من أجل استثمار رءوس الأموال والمواهب، دون أن تتعرض للخسائر. ولو اشتد التفاوت بين الضغط الضريبي على من لا يستطيعون التحرر من مقتضيات التواجد المحلى وبين من يفلتون منها؛ فإن الترابط السياسي للنظام الضريبي قد يتسبب في إثارة مصاعب. فلا يمكن الاستمرار في فرض ضرائب على الأجور بما يعادل ثلاثة أمثال الضرائب على دخول رأس المال. وهكذا تضطر الدولة، حتى في المجال الذي تعتقد أنها لا تزال سيدة قرارها فيه، إلى الامتثال لمقتضيات جديدة تشوِّه العلاقات التي كانت قائمة من قبل بين المواطنين والأمة، عبر الضرائب.
ويتعين على الضريبة أن تلتزم جانب التواضع لكي تحافظ على قدر من شرعيتها، وأن تمثل مجرد المقابل اللازم لمخصصات المرافق العامة والخدمات التي توفرها الدولة في نطاق أراضيها، بدلًا من أن تكون تعبيرًا ومقياسًا للتضامن السياسي. ولا تستطيع الدولة أن تسمح لنفسها بزيادة الضرائب لتبلغ مستوًى أعلى مما هو عليه في بلاد مماثلة لها، وإلا تسببت في هروب رءوس الأموال والمواهب. وسيرى البعض في هذا القيد تطبيقًا موفقًا لقوانين السوق في المجال السياسي. ولما كانت الاستفادة من العديد من الخدمات العامة (الأمن، المرافق، العدالة …) لا ترتبط بدفع الضرائب؛ فإن عددًا كبيرًا من المنشآت ستتوفر لديه وسائل الحد من الأعباء الضريبية الواقعة عليه عن طريق الاستقرار في الدولة التي تقدم أفضل خدمات عامة. وعليه فإن التعرض للأساس القومي للضريبة ستترتب عليه عواقب أخطر مما توحي به الليبرالية السطحية. إنه يعني إفقار الدولة القومية وعجزها عن تمويل خدماتها العامة عن طريق الضرائب. ومن هنا يتعين على الدول التي تقدِّم خدمات من نفس المستوى أن تتفق معًا على عدم التنافس في المجال الضريبي وتقر فيما بينها آليات توزيعها إذا استدعى الأمر ذلك، أو أن تحد العامة «المجانية» وتحل محلها خدمات مدفوعة ونظم تأمين متميزة.
وفي كل من الافتراضَين تصبح الأمة مهددة في كونها حيزًا طبيعيًّا لمختلف أوجه التضامن وللتحكم السياسي.
وبما أن الأمة غدت غير مسلحة جيدًا لجباية الضرائب؛ فهي لن تكون بالتالي فعالة في إدارة النفقات. وهي تبدو متباعدة للغاية عندما يتعلق الأمر بسد الاحتياجات اليومية لسكانها، وعاجزة في الوقت نفسه عن السهر حقًّا على حسن استخدام الأموال العامة، وفي منأًى عن الرقابة السياسية الحقيقية؛ فمن ذا الذي سيفكر في قلب حكومةٍ ما لأن مدرسة المدينة أو المستشفى العام فيها لا تؤدي أي منها مهمتها على نحو مقبول؟ مِن المعروف طبعًا أن الإدارة المركزية عاجزة في هذا المجال حتى وإن كان من المعروف أيضًا أن التمويل يأتي من طرفها. ولا تتوافر الثقة في الكوادر الوطنية سواء فيما يتعلق بالتوزيع المنصف للموارد، أو من باب أولى بالإدارة المباشرة للمرافق العامة. والحرص على الرقابة الفعالة يعطي الأفضلية للوحدات الإدارية التي تحصل على تمويلها وتخضع للإشراف عليها على الصعيد المحلي. ولا يهم في هذه الحالة أن يؤدي التواجد على مقربة إلى جعل الأثرياء أغنى والفقراء أفقر. فالمرء لا يتجاوب إلا مع ما يمكنه أن يتحكم فيه، وتبدو الدولة القومية الحديثة مستحيلة وبالتالي غير مسئولة عن نشاطات الإدارة اليومية. فاللومبارديون الأغنياء في شمال إيطاليا لم يعودوا يقبلون أن يُساء إنفاق ما يُجبى منهم من ضرائب في نابولي الواقعة في جنوب البلاد. ومما يزيد من صعوبة القبول بالتضامن أن الثقة في قدرة الدولة على إدارة شئون البلاد أصبحت مفتقدة. ويظهر نفس الرفض في كافة مراتب التنظيم السياسي. فالضواحي الغنية لم تَعُد ترغب في الإنفاق على الضواحي الفقيرة. وكل انتقال للأموال يثير مشاكل إذ إن حيز السياسة المشترك أضاع شرعيته وأطاح مع أزمته بمفهوم التضامن القومي دون أن ندري هل يرجع فقدان الشرعية هذا إلى فشل الدولة القومية أو إلى تعمق الشك في الجماعة القومية التي تزعم الدولة أنها تحكمها.
ومع أن الأمة بعيدة إلى حد كبير عن مجال إدارة مشاكل حياتنا اليومية، إلا أنها تظل متماسكة للغاية في تصديها للمشاكل العامة التي تتأثر بها. فعندما يتعلق الأمر بالمهام التقليدية السيادية كالدفاع والقضاء والاختصاصات الاقتصادية، تبدو الأمة أكثر فأكثر كإطار ضيق غير متكيف مع تزايد اندماج العالم.
ففي مجال الدفاع، ادَّعت دولتان هما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة طوال أربعين عامًا أنهما لا تعتمدان إلا على نفسيهما في تأمين الدفاع. وعلى العكس فإن الدولتَين اللتَين لحقت بهما الهزيمة في الحرب العالمية الثانية حوَّلتا ما أُمليَ عليهما إلى فضيلة، فلم تُخصصا إلا جزءًا محدودًا من مواردهما لشئون الدفاع، وتركتا للولايات المتحدة مسئولية تنظيم العالم وضمان أمنهما. لقد أنهك الاتحاد السوفييتي قواه في سباق اقتضى منه تخصيص نصيب متزايد من ناتجه القومي للميزانية العسكرية بينما صمدت الولايات المتحدة على نحو أفضل وتمكنت من التوفيق بين الرخاء والدفاع؛ غير أنها تواجه بدورها حدود المجهود التضامني. ولا يشك أحد في أن تخفيضًا له وزنه في الميزانية العسكرية وإعادة توزيع الإنفاق العام على نطاق أوسع ضروريان لكي تتحاشى أمريكا أُفول نجمها. ويقول المتفائلون إن زوال الاتحاد السوفييتي جاء في الوقت المناسب لإجراء تلك التخفيضات دون أي مخاطر كبيرة. غير أن ذلك ليس مؤكدًا أبدًا. فقدرة التكنولوجيا على تحقيق المساواة (التي تجعل الأسلحة المتقدمة للغاية سهلة الاستخدام شأنها شأن بندقية بدائية قديمة من القرن التاسع عشر، حتى إن الإرهابي المزود بصاروخ ستنجر يستطيع أن يسقط طائرة تعمل على خطوط منتظمة)، وانتشار الصواريخ الطويلة المدى التي تعرضنا للضرب من جانب بلدان بعيدة عن حدودنا، يخلقان تهديدات جديدة في الوقت نفسه الذي نصبح فيه أكثر تعرضًا للإصابة نتيجة للتوسع في المبادلات والتبعية المتبادلة والتشابك المتزايد بين الاقتصاديات المتقدمة.
والواقع أن الرخاء يتطلب النظام أكثر من أي وقت مضى. ففي هذا العالم الذي تتجزأ فيه التعقيدات إلى كمٍّ لا يُحصى ولا يُعَد من العمليات البسيطة، وتتولد فيه الثروة من خلال تعدد الصلات، يتعين تجنب الاضطرابات وكل ما هو غير متوقع أو مؤكد أو خاضع للإشراف، مهما كان الثمن. يجب أن يكون هناك نظام ليس نتاجًا طبيعيًّا للتبعيات الاقتصادية المتبادلة ولكنه يتوقف على قدرة الجيوش أيضًا. ولكن كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على مركزها إذا تعين عليها أن تخصص للدفاع جزءًا من مواردها يفوق دائمًا ما يخصصه منافسوها المباشرون لنفس الغرض؟ تدل المساجلات الحادة بين طوكيو وواشنطن بسبب أزمة الخليج ومدى استعداد اليابان للمساهمة في نفقاتها، تدل على أن أمريكا لم تَعُد تملك الإمكانات لتكون الحارس المتطوع للحفاظ على النظام العالمي بلا مقابل، وإن كانت تنفر من فكرة أن تكون المرتزق الذي يعمل لحساب دول كبرى غير عسكرية، وربما كانت روسيا مستعدة للقيام بهذا الدور؛ نظرًا لأن الورقة الرابحة الوحيدة في يدها والممكن استخدامها فورًا تتمثل في قوتها العسكرية. غير أن المجتمع الدولي غير مستعد للاعتماد على أيٍّ من الدولتَين في ضمان السلام في العالم.
والواقع أن أي أمة لا تستطيع أن تؤمِّن استقرارها وحدها، مهما كانت قوتها. ولا يحظى أحد في آن واحد بثقة الآخرين وبالإمكانات اللازمة لأداء هذا الدور، دون أن يخاطر بحلول الضعف به أو بالميل إلى إساءة استغلال المسئولية التي كُلف بها. وحتى لو افترضنا أن هناك أمة تتوفر لديها إمكانات إقرار ذلك النظام الذي نشعر بحاجتنا إليه؛ فإنها لا تملك حاليًّا الشرعية التي تخوِّل لها ذلك. فالرأي العام في البلدان المتقدمة يرفض تمامًا كل تحرك من جانب واحد، والمصلحة القومية لم والمصلحة القومية لم تَعُد مقبولة كأساس كافٍ للتحرك خارج الحدود، حتى وإن كان الأمر يتعلق «بأمة أوروبية» مفترضة. فالشرعية تستلزم الإطار المتعدد الجوانب للمجتمع الدولي. ولم تَعُد الأمة الإطار الطبيعي للأمن، فتعاودنا من جديد الأحلام بقيام حكومة عالمية دون أن ننجح في تحقيقها حتى الآن.
وبوسعنا اللجوء إلى نفس البرهنة بخصوص العدالة؛ إذ لا يوجد أي نظام قضائي يستطيع الادعاء بأنه في مأمن من التأثيرات الدولية، كما تدل على ذلك بشكل صارخ الأهميةُ المتزايدة للقوانين المصاغة في بروكسيل، مقر الجماعة الاقتصادية الأوروبية لوضع قواعد خاصة بمختلف بلدان تلك الجماعة. ولا تنبع هذه الالتزامات فقط من بنية المؤسسات التي قامت بإرادة سياسية؛ إذ إنها تعكس تطور الاقتصاديات وضرورة الخضوع للمعايير الدولية التي يتم إقرارها على صعيد فوق قومي. فالبلد الذي يعزل نفسه بواسطة معايير قانونية خاصة معتقدًا أنه يحمي بذلك صناعته من الغزوات الأجنبية يوجه لنفسه ضربة قاضية لأنه يحصر صناعاته المتقدمة في سوق ضيقة للغاية لا تتيح له إمكانية تغطية تكاليف البحث والتطوير التي لا غنى عنها للإبقاء على قدرته على المنافسة.
والحق عدم تكيف الكوادر الوطنية يتجلى بشكل واضح في المجال الاقتصادي. فقد أدت كل ثورة تقنية إلى ارتفاع تكاليف البحوث اللازمة لتطوير الصناعة. ومنذ مائة سنة مضت كانت فكرة التمويل القومي للبحوث مسألة غير مألوفة بل لا تخطر على البال، إذا كان العالم في معمله هو محرك التقدم العلمي وكانت البحوث تتم على النطاق الفردي، وبالأحرى في حدود المنشأة. غير أن تسارع التقدم العلمي الذي دفعته جزئيًّا الحربان العالميتان، أدى إلى تزايد مشاركة الدول في هذا المجال حتى غدت المحركة الرئيسية للتقدم العلمي عن طريق الميزانيات العسكرية والاعتمادات المخصصة للبحوث. وقد تغيرت معايير الإنفاق واستفادت الشركات الصناعية الكبرى بشكل مباشر أو غير مباشر بمساندة الدولة لها. وتم اجتياز مرحلة جديدة عن طريق برامج البحث الجديدة في مجال الفيزياء الأساسية، الضرورية لتحقيق التقدم في الإلكترونيات، وفي علوم الأحياء؛ إذ لا تتوفر لأي دولة — حتى ولو كانت في حجم الولايات المتحدة — إمكانات الانفراد بتمويل الجهود اللازمة لذلك. وهكذا أضحى التعاون الدولي ضرورة تفرض نفسها، كما نرى مثلًا في مشروع السوبر كونكورد أو في بعض البحوث في مجال الفيزياء الأساسية (معجلات الجزيئات العملاقة).
لقد تم تجاوز «الواقع الإقليمي» دون أن تحل محله رؤية منفعية ووظيفة للدولة؛ فلا شك في أنه بات في وسعنا أن نبتهج لفقدان الدول الحديثة بعضًا من تعجرفها واضطرارها إلى محاولة الإقناع بجدواها عن طريق الحملات الإعلانية الضخمة؛ شأنها في ذلك شأن أي منشأة. وهذا «التحول» له خطورته. فهل يتعلق الأمر بمجرد عملية إعادة توازن؟ ألا يوجد — بين الدولة الراعية التي تزعم أنها تعمل كل شيء، وإن كان بشكل سيئ، والليبراليين المتطرفين المؤمنين بأن الدولة لا يمكن أن تحسن أي عمل — ألا يوجد طريق وسط يعيد توزيع المسئوليات على مختلف الأصعدة، وفقًا لطبيعة المشاكل التي يتعين معالجتها؟ وهذا النوع من التهاون الذي يثير دهشة الفرنسيين المعتادين على وجود الدولة المركزية، يشكل صميم التجربة الفيدرالية في الولايات المتحدة وفي ألمانيا بعد الحرب.
ولكن يجب ألا ننخدع. فالحركة التي تشهدها تمتد لأبعد من الفيدرالية الكلاسيكية، فقد نشأت تلك الفيدرالية في عصر كانت فيه التبعية المباشرة للأرض لا تزال تسيطر على العلاقات الاجتماعية. وكانت مستويات التضامن المختلفة التي كانت تطمح الدولة الفيدرالية إلى تنظيمها آنذاك تخضع لمنطق جغرافي؛ فالبلدة تدخل في نطاق المنطقة والمنطقة مدرجة بدورها في إطار تلك الدولة. وهرم المسئوليات الذي تقرره الجغرافيا يتيح الإمكانية لتنظيم الحياة السياسية على عدة أصعدة. فهناك حَيز من التضامن في إطار البلدة وآخر في نطاق المنطقة وثالث على مستوى الأمة. وفي حدود تلك الأصعدة يقرر المواطنون أولويات ويلجئُون إلى التحكيم ويعبِّرون بالأخص عن إرادتهم المشتركة. وذلك هو صميم تعريف السياسة. ويتغير كل شيء عندما يتحرر نشاط الناس من الحيز وتتغلب قدرة الإنسان والاقتصاد على التنقل، على التقسيمات الجغرافية. ويزول التضامن على صعيد المجتمعات الإقليمية وتحل محله تكتلات مؤقتة معتمدة على المصالح. بَيدَ أن الدولة القومية التي تتطلع إلى الجمع بين الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية والسياسية للسلطة في إطار موحد تكون أسيرة لمفهوم إقليمي للقوة حتى وإن كانت تحاول إعادة توزيع اختصاصاتها وفقًا لمبدأ فيدرالي. لم يَعُد الحيز بعد المعيار الملائم. فهل ستصمد السياسة أمام مثل هذه الثورة؟ كانت السياسة منذ البداية ومنذ عهد الحاضرة الإغريقية فنَّ حكم مجتمع بشري محدد حسب تأصله في موقع معين، ألا وهو الحاضرة (بوليس باليونانية) أو الأمة؛ فإذا لم يَعُد التضامن محصورًا في الموقع الجغرافي، وإذا لم تَعُد توجد حاضرة أو أمة، فهل ستظل هناك سياسة؟