الأدب المصري المكتوب باللغة الفرنسية
لماذا نشطت اللغة الفرنسية كلغة تعبيرٍ في مصر، رغم أن فرنسا لم تحتل مصر مثلما فعلت في الجزائر؟ وكان الاحتلال بريطانيًّا لأكثر من سبعين عامًا؟
يرجح الكثيرون من المحلِّلين أن هناك أسبابًا عديدة من أبرزها الحملة الفرنسية التي جاءت لمدة ثلاث سنواتٍ في أواخر القرن الثامن عشر. ثم لأن محمد علي قد توجَّه إلى فرنسا من خلال مشروعه الحضاري، وليس إلى إنجلترا؛ فقد أرسل البعثات الأولى، خاصةً ما يرتبط منها بالتعليم والثقافة، إلى فرنسا.
ورغم أن الحملة الفرنسية التي انتهت عام ١٨٠١م قد خلَّفت في قلوب المصريين المرارة والحزن، إلا أن الفرنسيين بعد أن رحلوا تركوا وراءهم أشياء عديدة لم يكن يمكن تجاهلها، مثل آلات الطباعة ومركز أبحاث علمي، ومعهد للدراسات. ولم يكن أمام المصريين سوى استغلال هذه الأشياء خاصةً أن محمد علي الذي صنع النهضة في مصر قد جاء إلى مقعد الحكم بعد رحيل الفرنسيين بأربع سنوات. فقد راح محمد علي يستعين بالخبرات الأجنبية من أجل تحديث بلاده، خاصةً في مجال صناعة الأسلحة. وفكر محمد علي في الفرنسيين في المقام الأول، كما فكر في الإيطاليين. وقد كانت فرنسا أكثر تأثيرًا وقوة في تلك السنوات من إيطاليا، على الأقل على المستوى الاقتصادي.
وهكذا بدأت اللغة الفرنسية تدخل بصفة رسمية إلى مصر؛ فلم يكن للخبراء الفرنسيين أن يتعاملوا مع قومٍ لا يتكلمون لغتهم. وأحسَّ محمد علي أنه من الأهمية بمكان أن يتعلم المصريون اللغة الفرنسية، فأرسل المبعوثين إلى فرنسا، وكان من بينهم، كما هو معروف، رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك. وجاء الفرنسيون كي يصنعوا صحافة على شاطئ النيل.
وقد ساعد إحساس المصريين بأنهم في حاجة إلى الفرنسيين على تخفيف أجواء التعصُّب ضد الأجانب، وقد شجع نجاحُ المشروعات التي يقوم بها الفرنسيون أبناءَ الجاليات الأخرى على القدوم إلى مصر مثل اليونانيين والأتراك واللبنانيين والأرمن وغيرهم.
وزاد نشاط الأجانب في أوجه الحياة الاجتماعية في مصر، وراجت تجارة الأغذية. وقد جعلت هذه الظاهرة المدن المصرية ساحةً جديدةً لأبناء الجاليات الذين يتكلمون بلغاتهم الأصلية، على الأقل بشكلٍ شفاهي. ومن هنا بدأ المصريون يتعلمون هذه اللغات، وقد جلب هذا أيضًا إلى المصريين عاداتٍ جديدة وشعائر واحتفالات صنعها الأجانب، أو جلبوها من بلادهم.
وشيئًا فشيئًا بدأت هذه الجاليات في النمو عددًا، وبدءوا يفتحون لأبنائهم مدارس خاصة لتعليم اللغات القومية، بالإضافة إلى اللغة العامة في البلد. وأصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الأولى، كما أصبح للأجانب دُور العلاج الخاصة بهم، ثم نواديهم؛ وساعد هذا على ارتفاع أهمية رجال الأعمال ودورهم في المجتمع؛ حيث عملوا على جلب عددٍ آخر من مواطنيهم من أجل مساعدتهم، كما شهدت البلاد ظاهرة الاقتران بين أبناء الجاليات الأوروبية والأجنبية.
وفي نهاية حكم محمد علي كان بعض الفرنسيين قد وصلوا إلى مناصب إدارية عليا في البلاد، كما كانت مصر دائمًا مصدر جذبٍ — بمناخها المعتدل — للأجانب.
ويقول الكاتب إن المدارس الأجنبية قد لعبت دورًا سياسيًّا في تجميع أبناء الجاليات الأجنبية من ديانات مختلفة ليصبحوا تلاميذ فيها. ومن أهم هذه المدارس: الفرير للإخوة المسيحيين، والآباء اليسوعيون، كما ظهرت بعد ذلك المدارس الإنجليزية مع دخول الاحتلال البريطاني وبداية القرن الحالي. وكانت هناك لغات أخرى سائدة مثل اليونانية والإيطالية. فقد تم افتتاح أول مدرسة من مدارس الفرير المسيحية في الإسكندرية عام ١٨٤٧م، ثم مدرسة الفرير اللعازريين عام ١٨٥٢م، «ومدرسة الآباء لصحبة المسيح» في القاهرة عام ١٨٧٩م، «ومدرسة الآباء للمهمات الأفريقية» في طنطا عام ١٨٨٣م، ثم مدرسة «الفرير البلومرية» عام ١٩٠٣م. كما تم افتتاح مجموعة من المدارس لتعليم البنات، مثل «الأخوات سان فانسان بول» في الإسكندرية عام ١٨٨٤م، ثم مدارس أخرى في القاهرة. وقد وصل عدد مدارس اللغات الفرنسية للبنات التي تم إنشاؤها حتى عام ١٩٣٥م اثنتي عشرة مدرسة، والتي انتشرت في أنحاء البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء معاهد تعليمية مثل «مدرسة الحقوق الفرنسية» التي تأسست عام ١٨٩٠م. وفي مجال التعليم فإن الدولة لم تتوقف عن إرسال بعثاتها التعليمية إلى الخارج، حيث بدأت البعثة الأولى عام ١٨١٥م، ثم سافرت البعثة الثانية عام ١٨١٩م. وقد درس مئاتٌ من الطلاب المصريين دراسات عليا في فرنسا، ونظروا إلى باريس باعتبارها منبعًا للقانون والأدب، باعتبار أن مصر في تلك المرحلة كانت تعتمد على نصوص القانون الفرنسي (تم ذلك حتى عام ١٩٥٠م).
كان نابليون بونابرت قد أنشأ «معهد مصر» في عام ١٧٩٨م، ولكن تم إغلاقه مع رحيل الفرنسيين في عام ١٨٠١م. وفي عام ١٨٥٩م أعيد فتحه تحت اسم «المعهد المصري»، ثم استعاد اسمه الأول عام ١٩١٨م، وقد اهتم بدراسة المجتمع المصري جغرافيًّا وسياسيًّا. وقد آمن العاملون بهذا المعهد أن مصر هي نافذة العالم؛ فكانوا يدخلون منه إلى أوروبا. وفي عام ١٨٨٠م تم إنشاء المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، والذي كانت مهمته — ولا تزال — دراسة مصر القديمة، وأيضًا تاريخ الحضارات الشرقية بشكلٍ عام، وقد أصدر المعهد مطبوعاتٍ شبه دورية.
وقد تم إنشاء مجموعة من الإدارات والمؤسسات التي تعاملت مع اللغة الفرنسية في المقام الأول. ومن هذه المؤسسات جمعيات أدبية وفنية عديدة، مثل «الاتحاد الفني» الذي تم إنشاؤه عام ١٨٩٨م، وقد ظل لمدة عشرين عامًا مسرحًا لعرض أهم الأعمال المسرحية الفرنسية والمصرية. وفي عام ١٩٢٠م تكوَّنت «جماعة أصدقاء الفن»، والتي استمر نشاطها اثني عشر عامًا. وتم إنشاء «أتيليه الفنانين» عام ١٩٣٣م بواسطة الفنان التشكيلي محمد ناجي. وقد ظل هذا الأتيليه، ولا يزال، بؤرة للنشاط الفني في الإسكندرية حتى الآن. أما القاهرة فعرفت نشاطًا ثقافيًّا كبيرًا، حيث تكوَّنت جماعاتٌ مثل «المحاولون» عام ١٩٢٤م، و«أصدقاء الثقافة الفرنسية في مصر» عام ١٩٢٦م، ثم «اتحاد كُتَّاب مصر الذين يكتبون بالفرنسية» عام ١٩٢٩م. وجماعة «الضيافة» عام ١٩٣٠م، ثم جماعة «الفن والحرية» عام ١٩٣٩م التي اهتمت بالفن السريالي.
وقد أوقفت الحرب العالمية الثانية أنشطة أغلب هذه الجمعيات، ثم اهتزَّت العلاقات الفرنسية المصرية بعد حرب السويس، ولم يبقَ الآن من مؤسسات لها أنشطة في هذا المضمار سوى مؤسسات قليلة مثل الأتيليه بالإسكندرية، والمركز الثقافي التابع للقنصلية الفرنسية في القاهرة والإسكندرية.
وفي فترة الثلاثينيات والأربعينيات ازدهرت الصالونات الأدبية مثل صالون جريجوار سركسيان في الإسكندرية، وصالون الأميرة نازلي، والكاتبة قوت القلوب الدمرداشية.
ويقول جان جاك لوتي في كتابه الذي اعتمدنا عليه في هذا الجزء من التقديم التاريخي، إن أول صحيفة صدرت في مصر باللغة الفرنسية حملت اسم «لوكوريير دي جيبت» عام ١٧٩٨م، و«لاديكا دي جبسيان» في نفس العام، اعتمدت الأولى على المعلومات والأخبار، أما الثانية فكانت ذات صبغة علمية. وفي عصر إسماعيل ظهرت مجلاتٌ سريعة ولم تتكرر المحاولة. ثم ظهرت جريدة «النيل» التي كانت تصدر كل أسبوعين، وهي تهتم بالأخبار والاقتصاد، وكان يُطبَع منها ١٦٠٠ نسخة. وسرعان ما تطورت الصحف الفرنسية، فظهرت جريدة «البسفور المصري» عام ١٨٨١م التي ما لبثت أن توقفت بعد الاحتلال الإنجليزي، وقد ساعد إغلاقها على إعطائها الكثير من الأهمية، وخلقت رأيًا عامًّا مؤثرًا في الأوساط الشعبية، فعادت مرة أخرى إلى الظهور، وكانت تتابع العروض المسرحية والفنية، ثم أُغلِقت عام ١٨٩٥م.
وقد تعددت الصحف، وتخصَّصت بعضها مثل «البورصة المصرية» عام ١٨٩٩م. وشهدت سنوات العشرينيات نشاطًا ملحوظًا في صدور صحف يومية مثل «الحرية» عام ١٩٢١م، و«الخبر» عام ١٩٢٥م، و«الفنار المصري» عام ١٩٢٥م، وكانت تصدر بين القاهرة والإسكندرية. ومن أهم هذه المطبوعات «مصر الجديدة» التي دافعت عن حرية الفتاة المصرية. وهناك أيضًا «المصرية» التي صدرت لمدة عشرين عامًا. أما أهم المجلات فهي «الأسبوع المصري» عام ١٩٢٦م، وهي مجلة أدبية وسياسية. وقد استطاعت أن تصبح مركزًا ثقافيًّا لأغلب الأدباء الذين كتبوا بالفرنسية، وكان من أشهر أدبائها جورج حنين وأحمد راسم. وفي عام ١٩٣٨م صدرت مجلة «القاهرة» التي كانت لسان حال المفكرين المصريين.
وقد صدرت مجلة «إيماج» عن دار الهلال عام ١٩٢٩م، إلا أن كل هذه المطبوعات قد اختفت تمامًا بعد عام ١٩٥٦م، بينما صدرت جريدتان باللغة الفرنسية لا تزالان تصدران حتى الآن هما «لوبروجريه إجيبسيان» و«جورنال ديجبت».
تركز نشاط الأدباء العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية في ثلاثة مجالات رئيسية: الشِّعر والرواية، ثم المقالات والفلسفة والنقد. وعندما جاء الشعر الفرنسي إلى مصر وجد نفسه في مواجهة ثقافة فنها الأول على مدى التاريخ العربي وهو الشعر، ويقول جان جاك لوتي في كتابه السابق الإشارة إليه إن الشعر العربي في القرن التاسع عشر بدأ يغيِّر مجراه بعد احتكاكه بالشعر الفرنسي، وقد تميز الكثير من الشعراء العرب في تلك الفترة بنزعاتهم الرومانسية في جوهرها.
وقد ظهر الشعراء البارنثيون بعد الرومانتيكيين، وكان ذلك انعكاسًا للتغييرات الاجتماعية التي شهدتها البلاد. ثم ظهرت المدرسة السريالية في عام ١٩٣٧م. وقد كثَّفت هذه المدرسة كل جهودها من أجل تبنِّي كلِّ من يسعى لإيجاد أشكالٍ فنية جديدة واختراق الأشكال التقليدية. ووجدت هذه المدرسة من ينضم إليها ممن يكتبون بالعربية والفرنسية على السواء. وضمَّت بعض الأسماء التي لم تنتمِ إلى السريالية نفسها ومنهم ألبير قصيري، وأحمد راسم. وقد حاول الأدباء الذين يكتبون بالفرنسية استلهام البيئة المحلية لتكون نسيج أعمالهم الإبداعية. ويرى ج. ج. لوتي أنه ليس من الغريب أن أهم شعراء هذه المرحلة كانوا ممن يكتبون من البيئة المصرية، ولم يحاولوا الانفصال عنها مثل راسم جان عراش.
ظل شكل القصيدة يتطوَّر دائمًا، ويتغير على أيدي الأدباء العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية. وكانت قضية الشاعر دومًا هي الحصول على أكبر قدرٍ من الحرية في التعبير. ووسط هذه الأجواء بدأت العلاقات السياسية تتوتَّر. ووجد البعض — حتى ما قبل ذلك — أن فرص النشر في باريس ستكون أفضل، علمًا بأنها لم تكن أبدًا سيئة. لكن — بلا شكٍّ — فإن أشياء كثيرة قد تقلَّصت، ومن هنا شدَّ بعضهم الرحال إلى باريس مثل جويس منصور وأندريه شديد.
أما في مجال القصص والحكايات، فمن المعروف أن أول كتاب عربي جذب اهتمام الفرنسيين هو «ألف ليلة وليلة». وقد ظهرت القصاصون الذين يكتبون بالفرنسية قبل ظهور الشعراء. فقد كتب جوزيف أجوب كتابه «الحكيم هيكار» عام ١٨٣٥م. ورغم أن الكتاب كان بمثابة محاولة ساذجة إلا أن التجارب اللاحقة كانت أفضل، مثل كتاب «اللآلئ المتناثرة» لواصف بطرس غالي المنشور عام ١٩٢٣م. وقد فتح ذلك الباب لظهور مجموعة من المجموعات القصصية القصيرة المنشورة على فتراتٍ مختلفة مثلما فعل ألبير قصيري، وأندريه شديد، وميري فانسان.
وقد اهتم الكثيرون من الأدباء المصريين الذين كتبوا بالفرنسية بالحياة في الريف، ومنهم أيضًا أندريه شديد التي قدَّمت روايتها الأولى «نوم الخلاص» عن فتاة ريفية تعاني القهر من زوجها دائمًا.
أما ألبير قصيري فيُعتبَر من أهم الكُتَّاب الذين توغلوا في أروقة مدينة القاهرة وأحيائها الشعبية في رواياتٍ من طراز «شحاذون ومعتزون» و«منزل الموت الأكيد». وقد حاول البعض أن يسير على نفس النهج، الذي مشى عليه أقرانهم الذين يكتبون باللغة العربية، بالكتابة عن أجواء الأسرة المصرية وأساليب حياتها، حتى لو كان التمرد في العلاقات واضحًا مثلما في رواية «زنوبة» لقوت القلوب و«رمزة»، وأيضًا أندريه شديد في أعمالها «نوم الخلاص» و«اليوم السادس»، وفوزية أسعد في «المصرية»، إلا أن البعض الآخر حاول أن يخرج عن أجواء الأسر مثلما فعل قصيري في «شحاذون ومعتزون».
وفي مجال الإبداع المسرحي كانت التجارب والمحاولات قليلة للغاية، وأغلب الذين كتبوا عن مصر من مسرحياتٍ كانوا من الفرنسيين المقيمين؛ وذلك لأن المسرح في المقام الأول ليس نصًّا أدبيًّا بقدر ما هو نصٌّ يجب أن يشاهده الجمهور. وكان لا بد لهؤلاء المبدعين أن يفرزوا من داخلهم من يكتب نقدًا لأعمالهم ويتابعها. ولذا برزت بعض الأسماء في مجال النثر غير الإبداعي مثل راءول كمال والأمير عمر طوسون وروجيه جوديل وأنور عبد الملك.
قوت القلوب
قوت القلوب الدمرداشية هي واحدة من شهيرات الكاتبات المصريات اللائي يكتبن باللغة الفرنسية، كما أنها من أوائل سيدات المجتمع المصري اللائي آمنَّ بقيمة الكلمة، وفتحت بيتها ليكون صالونًا أدبيًّا يأتي إليه أبناء المجتمع البارزون من الرجال والنساء.
ولم تكن قوت القلوب امرأة متفرنسة، بل هي امرأةٌ مصرية، سواء في الدور الذي قامت به اجتماعيًّا، أو في أدبها الذي لم يجد طريقه إلى اللغة العربية، مما ساعد على أن تصبح مجرد شخصية هامشية، بل يكاد لا يكون لها وجودٌ في خريطة هذا الأدب، والسبب بالغ البساطة، أن رواياتها، وقصصها القصيرة لم تُترجَم — حتى الآن — إلى اللغة العربية، شأنها في ذلك شأن كل أقرانها الذين كانت هناك أيدٍ خفيةٌ لوضعهم وراء الهامش بحجة أن لغة الإبداع عندهم غير عربية.
ولذا، مرَّت السنون الطويلة، دون أن ينتبه الناس إلى هذا الأدب، وأصبح من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على هؤلاء الكُتَّاب، وخاصةً أن المراجع التي يمكن للمرء الرجوع إليها لمعرفة المزيد عن هؤلاء الأدباء كثيرة باللغة الفرنسية.
وتكاد تكون قوت القلوب هي الأديبة الوحيدة التي ارتبطت رواياتها بالأجواء الشرقية، وعالم النساء في الحريم، وقد امتزجت أجواؤها أيضًا بالصوفية، وهو ليس أمرًا غريبًا على امرأة عاشت في أسرة متصوفة شهيرة.
وقد كتب ناصر الدين النشاشيبي فصلًا عنها في كتابه: «نساء من الشرق الأوسط» قال فيه: «إنها من عائلة رائدة في التصوُّف. وكانت الطريقة الدمرداشية في التصوُّف تمتاز بالتربية الذاتية، والخلوات الفردية، والتعبُّد الفردي. إنها مجرَّد واحدة من بين أكثر من ستين طريقة دينية صوفية في مصر. كما استمرت الطريقة الدمرداشية كغيرها من الطرق الصوفية المصرية تحاول أن تجمع في مسلكها وتصرفات أنصارها وخطوات المسئولين فيها شيئًا من مظاهر الاحتفالات الدينية الصاخبة التي يسيطر عليها التطرف في الأداء، والصخب في الصوت، والضجيج في الابتهالات، مع الحرص على المساهمة في خدمة المجتمع، ورعاية الفقير وتعليم الأولاد.»
«لقد عاشت قوت القلوب الدمرداشية، وهي تسبح عكس التيار بالنسبة لانتمائها الصُّوفي، أو مسلكها العام أو تصرفاتها الشخصية.»
كانت قوت القلوب هي الابنة الوحيدة للشيخ عبد الرحمن الدمرداش الذي كان يعتبر نفسه شيخ الطريقة الدمرداشية في مصر، وكان على جانبٍ كبيرٍ من الثراء؛ لذا نشأت في جوٍّ مليءٍ بالرفاهية وبعيدٍ عن الزهد والتقشُّف، فتزوَّجت من رجلٍ مصري يقل عنها وجاهةً وثراءً — كما يقول النشاشيبي — فاحتفظت بحق العصمة في يدها، ورُزِقت منه بثلاثة أولادٍ وبنت واحدة.
«وعندما مات أبوها ترك لها ميراثًا ضخمًا، ومستشفى خيريًّا خاصًّا يحمل اسمه، لا يزال يقوم بدوره في المجتمع حتى الآن، مما مكَّن «قوت القلوب» أن تتسلَّح بأرفع ما تتمنَّاه الفتاة من علمٍ وثقافة وإجادة للغات الأجنبية.»
وقد تسلَّحت الكاتبة بأمرَين ساعداها على أن تحقق طموحها، الأول هو المال، أما الثاني فهو ثقافتها. وفي كتاب «الأدب الناطق بالفرنسية منذ عام ١٩٤٥» أن قوت القلوب أقامت صالونًا أدبيًّا للأدباء الذين يكتبون بالفرنسية.
دخلت الكاتبة عالم الأدب بعد أن تجاوزت الخامسة والأربعين، في فترة أصبح فيها دخول المرأة المصرية إلى الشارع والمجتمع قويًّا، ونشرت روايتها الأولى عام ١٩٣٧م في دار المعارف باللغة الفرنسية تحت عنوان «مصادفة الفكر»، وفي نفس العام نشرت روايتها «حريم» في دار جاليمار.
وقد تنوَّع عطاء الكاتبة بين الرواية والقصة القصيرة واليوميات، ومن رواياتها: زنوبة (جاليمار ١٩٤٠م)، والخزانة الهندسية (جاليمار ١٩٥١م)، والتي كتب مقدمتها الروائي المعروف جان كوكتو. ثم «ليلة القدر» عام ١٩٥٤م (جاليمار). وفي نفس دار النشر قدَّمت «رمزة» عام ١٩٥٨م، و«حفناوي الرائع» عام ١٩٦١م، وهو نفس العام الذي كفَّت فيه عن الكتابة. أما قصصها القصيرة فهناك «ثلاث حكايات عن الحب والموت» عام ١٩٤٥م. وعقب مصرعها على يدي ابنها باثني عشر عامًا، أي عام ١٩٨٠م، نُشرت يوميات الكاتبة المصرية تحت عنوان «ليالي رمضان» بالإضافة إلى مجموعة من القصص التي لم تُنشَر من قبل.
ولعل المرَّة الوحيدة التي تعرَّف فيها القارئ المصري على قوت القلوب هي في عدد شهر ديسمبر عام ١٩٤٩م من مجلة «الهلال» حين نُشر ملخَّصٌ لروايتها «زنوبة».
أما الباحثون المصريون فقد تعرَّفوا على قوت القلوب في حدودٍ ضيقة من خلال الدراسة التي نشرتها المكتبة الفرنسية المصرية بالقاهرة عام ١٩٨٥م، تحت عنوان «قوت القلوب أو رؤية مصر الأمس» أعدتها الدكتورة سونيا إبراهيم عقداوي، والتي حلَّلت فيها أدب الكاتبة.
في كتابها «ليلة القدر» تتكلم قوت القلوب عن نفسها قائلة: «لقد وُلِدت تحت أقدام مئذنة، والتي كانت أول شيءٍ رأيته، فأحسست بها كأنها إصبع تشير إلى السماء. أما أول شيءٍ سمعته فهو اسم الله يتردد خمس مراتٍ يوميًّا بصوت المؤذن فيُنشِّي روحي.»
وكما جاء في مقدمة كتابها «ثلاث قصصٍ عن الحب والموت» التي كتبتها أندريه موروا، أن قوت القلوب قد ربَّت أبناءها تربيةً دينيةً حسب الشريعة الإسلامية، كما تلقَّوا أيضًا أسسَ العلوم والفنون الغربية، وكان بيتها مزارًا لكل كتَّاب العالم الذين يأتون إلى القاهرة أمثال فرانسوا مورياك، وأناطول فرانس.
وترى الدكتورة سونيا إبراهيم في دراستها أن قوت القلوب لم تكن كاتبة «واقعية»، ولكنها اختارت من الواقع عناصره الرئيسية، وكانت بطلات رواياتها من نساء المجتمع البرجوازي.
من هؤلاء النساء هناك زنوبة، ورمزة، وغيرهما. وزنوبة امرأة تعيش في بداية القرن العشرين تنتمي إلى أسرة فقدت عائلها، وهي فتاة جميلة، كان عليها أن تتزوج رجلًا على عتبة الشيخوخة، ولكنها فوجئت أن هناك نسوةً في المنزل يسعين إلى إفساد هذا الزواج. وعندما تم القران أصبح الرجل الذي ارتبطت به مربوطًا ربط الخيط بالمقص، وفي ليلة الزفاف لم يوجِّه العجوز إلى زوجته كلمة غزل واحدة، وقضى ليلته ممددًا على مقعدٍ طويلٍ.
وعندما أقبل الصباح لم تجده في حجرتها؛ فقد مات العجوز. وهكذا ظلَّت عذراء في ليلة عرسها وهي الأرملة الصغيرة، وبعد عدة أشهر تتزوج من رجلٍ يُدعى عبد المجيد، كان كلُّ همِّه أن تنجب له ولدًا. لكنها لم تحمل بالسرعة التي تحدث للنساء في البيوت المجاورة؛ فراحت تدَّعي أنها حامل، ولم تكن كذلك. فلم يتطرَّق الشكُّ إلى ذهن أحدٍ ممن كانوا يرونها ويراقبون تطوُّر حالتها. إلى أن ذهبت إلى بيت أبيها لتضع مولودها فيه جريًا على العادة المتبعة، فإذا بالمولِّدة تقدم الطفلة الوليدة لحماتها، فأسرعت زنوبة إلى أسرتها، ثم عادت مرة أخرى إلى منزلها. وعند الميلاد تشعر بمشاعر جديدة: «اقتربت الأم الشابة من طفلتها الصغيرة، وحملتها بين ذراعيها، وضمَّتها إلى صدرها، وقدَّمت لها صدرها، وارتفعت أصوات النساء بالزغاريد.»
«لكن الفرحة لم تكتمل، فليس الإنجاب هو المهم في هذا المجتمع، بل أيضًا إنجاب الذكور؛ فالويل، كل الويل، لمن ليس له ولد! والويل ألف مرَّة للمسكين الذي لم ينجب ذكرًا؛ إن نعشه يحمله الأغراب، ولن يجد المعزُّون في بيته من يوجِّهون إليه العزاء.»
والحرية هي إحدى المسائل البالغة الأهمية في روايات قوت القلوب خاصةً حرية المرأة. فالمرأة الشرقية مسورةٌ بقيودٍ تمنعها من حريتها، وأم «رمزة» — على سبيل المثال — كانت في سنٍّ تسمح لها بالمغامرة، ولكنها سرعان ما دخلت إلى حريم الأمير. ولأنها فتاةٌ ذكية، فقد حصلت على حظوته، وعلى مكانة طيبة داخل الحريم. ولكن ابنتها راحت تتمتع بحريتها. وقد بدا ذلك واضحًا من خلال ترددها على المكتبة، واستيعاب المعرفة. وهي تعتبر نموذجًا مخالفًا لزنوبة؛ فهي فتاةٌ ذات استقلالٍ خاصٍّ وطموح، حيث ترفض ألا يراها زوجها قبل الارتباط.
وفي روايتها «الخزانة الهندسية» نرى نموذج عائشة الريفية البسيطة التي كان من حسن حظِّها أن تربَّت مع ابنة رضوان بك في القاهرة؛ ولذا فهي لا تتصرَّف كخادمة، ولكن كابنة لرضوان. وقد استطاعت أن تجذب انتباه المجتمع من حولها. وهي تهوَى الموسيقى، وتجيد العزف على العود، مما دفعها أن تصبح مطربة مشهورة، وتجيء أهمية نموذج عائشة ليس فقط من أنها تحرَّرت من القيود الاجتماعية البالية، لكن في أنها أصبحت مثالًا يُحتذى به للكثير من الفتيات.
وقد رأت رمزة أن خلع الحجاب ليس أبدًا تمرُّدًا على الدين، ولكنه حالة من الانفصال عن سطوة الرجل الذي ينظر إليها نظرة جنسية.
أما رمزة بطلة الرواية التي تحمل نفس الاسم فهي فتاة في الرابعة عشرة من العمر، عليها ألَّا تكشف وجهها قطُّ عندما تخرج من المنزل، خاصةً عندما تدخل سلاملك أبيها. وهي تعيش في مدينة الإسكندرية التي يعيش فيها أبناء جنسيات عديدة، وتتفاوت مسألة الحجاب بالنسبة للفتاة حسب الأمور، فعندما تنزل إلى الحديقة، عليها أن ترتدي حجابًا ثقيلًا حتى لا يراها أحد، أما إذا ذهبت إلى صديقاتها الفرنسيات، فيجب أن ترتدي حجابًا أبيض خفيفًا، وهي لا تخفي أنه يسبِّب لها ضيقًا ويعرقل حركتها.
وفي رواية «حفناوي الرائع» تذهب زكية إلى رأس البر مع زوجها الذي يفرض عليها أن تغطِّي كل جسدها؛ لأنه يشعر بالغيرة عليها.
وقد وصفت قوت القلوب حالة العبودية التي تعيشها بعض النساء بعد الزواج في قصصها ورواياتها، وخاصة في «رمزة». لكن هذه المرأة لا تلبث أن ترفض أن يقوم الرجل بتعريتها حين ينظر إليها؛ فهي ليست حيوانًا، ولكنها كائن يفكِّر ويحسُّ. وسلوك رمزة يثير قلق أمها التي تقول لها: «ستفعلين مثل الأخريات يا ابنتي؟ سيقولون لأنك ذهبت إلى المدرسة … ولأنك تعلمت؛ تريدين أن تحطمي تقاليدنا.» لكن الفتاة لا تودُّ أن تُعامَل كسلعة، فقد مضى عهد استعباد المرأة، وتقرر أن تقوم باختيار زوجها بنفسها. ولأن مسألة اختيار الزوج صعبة في هذا المجتمع، فإنها تردد: «عندما تودين حلية فإنك تذهبين إلى الجواهرجي، وعندما تودِّين مسكنًا، تسألين سمسارًا، وإذا رغبت في زوجٍ فيجب أن تكوني قادرة وماهرة في الاختيار.»
وأغلب نساء قوت القلوب لا يقفن موقفًا سلبيًّا في المجتمع؛ ﻓ «رمزة» تتعلم القراءة والكتابة أيضًا في «الكُتَّاب»، ثم تتطوَّر في تحصيل المعرفة، وتصادق الفرنسيات، وتحب رجلًا يُدعى ماهر، وتبدو واضحة وهي تعبِّر له عن مشاعرها، ثم تتزوَّجه ضدَّ رغبة أبيها، وتكون الصدمة أن زوجها يرفض أفكارها المتحررة.
هذا هو بعض من عالم قوت القلوب، والذي كتب عنه أدباء مشاهير من طراز أناطول فرانس، وأندريه موروا الذي رأى أن عالمها أقرب إلى ما قدمته لنا الكاتبة النيوزلندية الشهيرة كاثرين مانسفيلد، في طيِّ حديثه عن المجموعة القصصية «ثلاث حكايات عن الحب والموت: نظيرة، زهيرة، ظريفة»، هؤلاء البنات البائسات الثلاث قد قمن بتعريفي الكثير عن مصر أكثر مما أعرفه عن إنجلترا، عن نساء كاثرين مانسفيلد، أو مما تعلمته عن نساء فرنسا كما كتبت كوليت.
ألبير قصيري
لم يتنبه القارئ العربي إلى أهمية الكاتب المصري ألبير قصيري إلا بعد ترجمة روايته «شحاذون ومعتزون» إلى اللغة العربية عام ١٩٨٧م. وتأكدت مكانته بعد ترجمة روايتَي «منزل الموت الأكيد» و«العنف والسخرية»، وهكذا ظلَّت اللغة الفرنسية، التي يكتب بها قصيري إبداعه، حائلًا دون أبناء وطنه من العرب.
وقد أثارت هذه الرواية انتباه القراء العرب لأسبابٍ عديدة منها أنها تدور في حي الأزهر والمناطق الشعبية القريبة منه، وهي نفس المنطقة التي دارت فيها أحداث بعض روايات نجيب محفوظ، بالإضافة إلى أن أبطال هذه الرواية كانت لهم مواقف واضحة من الناس والمجتمع والحياة، وخاصةً أن أغلب هذه الشخصيات كانت معروفة للناس مثل بطله الشاعر يكن، الذي كان يحمل نفس الاسم في الحياة. كما أن الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية — بداية الحرب العالمية الثانية — لم يُلقِ عليها الفنُّ الروائي المصري الضوءَ بالقدر الكافي.
وبعد ثلاثة أعوامٍ من ترجمة «شحاذون ومعتزون» إلى اللغة العربية، منحت الأكاديمية الفرنسية قصيري جائزتها السنوية الكبرى للأدب المكتوب باللغة الفرنسية. وقد مُنحت الجائزة لقصيري بصفته كاتبًا مصريًّا، فحصل على ما قيمته ٤٠٠ ألف فرنك فرنسي. وفي نفس السنة تمَّ تحويل هذه الرواية إلى فيلمٍ سينمائي مصري أخرجته أسماء البكري، وحصل على جوائز عديدة. فهو كاتب مصري قلبًا وقالبًا، ليس فقط لأنه لا يزال يحمل الجنسية المصرية منذ أن رحل إلى فرنسا في عام ١٩٤٥م، ولكن أيضًا لأنه، رغم رحيله، فإنه لم يكتب إلا عن البيئة التي جاء منها، بل وعن قاع المجتمع في مصر. كما فاز عام ١٩٩٥م بجائزة جاك أوديبرتي في مدينة أنتيب الفرنسية تقديرًا لأدبه، ولمرور نصف قرن على إقامته في نفس الغرفة بالفندق.
وألبير قصيري من مواليد مدينة القاهرة في الثالث من نوفمبر عام ١٩١٣م، من أبوين مصريين. التحق بالمدارس الدينية الفرنسية في القاهرة مثل أغلب أبناء جيله، بعد أن عاشت أسرته لفترة بين الإسكندرية ودمياط.
ومثلما صادق قصيري الكاتب الأمريكي ميللر قبل الحرب، فإنه تعرَّف على الكاتب البريطاني لورانس داريل الذي كان يعيش في مصر في تلك الآونة، وهو صاحب رباعية الإسكندرية.
وفي عام ١٩٤٥م عمل قصيري فوق سفينة تجارية، وحول هذه التجربة تحدث إلى كاتب هذه السطور حين زيارته لمصر في عام ١٩٨٩م قائلًا: «لم أكن أنوي مغادرة مصر، لكن هي روح المغامرة التي كانت تتلبَّسني دائمًا منذ الطفولة، كنت أحلم بالقيام بجولة حول العالم لأختلط بأجناسٍ بشرية عديدة. فالتحقت عام ١٩٤٥م للعمل كبحَّار مبتدئ في إحدى السفن المصرية التجارية. كان بها جزءٌ مخصصٌ للركاب، وتحمل اسم «النيل»، ظلَّت تجوب بي الموانئ شهورًا طويلة، وكنا نترك الميناء لنذهب إلى آخر.»
«في نهاية الرحلة رست السفينة على الساحل الفرنسي، فوجدت أنني عثرت على ضالتي. فهنا يمكنني أن أنشر كتبي باللغة التي أجيد التعبير بها، هنا مركز ثقافي وإشعاعي يمكنني أن أتكيَّف معه.»
«كانت فرنسا بابًا مفتوحًا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت تشهد حركة ثقافية وفكرية كما ننشدها جميعًا كمثقَّفين مصريين من أعضاء جماعة الفنِّ والحرية، وذلك في الأدب والفلسفة والفنِّ التشكيلي والسينما.»
ومن المعروف أن قصيري قد أقام، منذ تلك الآونة، في فندقٍ صغيرٍ بباريس عقب نزوله المدينة، وظلَّ يسكن به منذ ذلك التاريخ حتى الآن، لا يفكر أن يغيِّره، ويقع هذا الفندق في الحي اللاتيني، الذي تقع فيه مقهى المونمارتر التي يجلس عليها أشهر أدباء فرنسا. وقد صادق كلًّا من جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وجان جينيه، أما أقرب أصدقائه إلى نفسه فقد كان الكاتب ألبير كامي.
ورغم أن الكاتب عاش في باريس كل هذه السنوات، إلا أن الصحف الفرنسية أطلقت عليه اسم «المنسي من الجميع» أما مجلة «لاكتويل» فقد قالت في عددها الصادر في أبريل ١٩٩٠م إنه أشهر كاتبٍ كسولٍ في العالم.
وتقول الدكتورة رجاء ياقوت في محاضراتها المنشورة باللغة الفرنسية عن قصيري: «إن إقامته في باريس فتحت له آفاقًا جديدة، وسمحت له أن يستكمل دراسته، وأن يتمكَّن أكثر من اللغة الفرنسية، بدرجة لا تجعل أحدًا يضاهيه.»
ومفتاح الدخول إلى أعمال قصيري هي حالة الكسل التي يعيشها أبطاله، والسخرية التي يتحدثون بها عن الحكومة. فهذه الشخصيات تعيش في مجتمعاتٍ فقيرة، ولا تميل إلى العمل مثل قصيري نفسه. ولعل هذا المدخل يمثِّل ردًّا نموذجيًّا على هؤلاء الذين لم يعجبهم عالم قصيري. فقد تصوَّر البعض أن قصيري يكشف للأجانب الجانب السلبي في مصر بتصويره الأحياء الشعبية، وكأن هناك علاقةً بين الإبداع والسياحة. فقد توغَّل قصيري في هذه الأماكن، كما توغَّل في الأشخاص الذين عاشوا في هذه الأماكن. فكلٌّ من يكن وجوهر والكردي في رواية «شحاذون ومعتزون» قد آثروا أن يعيشوا على هامش المجتمع، خاصةً جوهر أستاذ التاريخ الذي قدم استقالته احتجاجًا على تفاهة وزَيف المناهج، وقرر أن يعيش كسولًا في غرفة ليس بها من الأثاث سوى ورق الصحف، وهو رجل يعشق الليل لما به من سكون، ويبتعد عن النهار لما به من حركة وحياة صاخبة.
أما العاملون في هذه الرواية فهما الزبال ولاعب القرود. والزبال في هذه الرواية يبدو كريهًا، رغم أنه الوحيد الذي يعمل في وظيفة حكومية تميزه عن الآخرين، وهو لا يتوانى عن أن يفخر بهذه الوظيفة أمام سكان العطفة. وهو رجل متقدِّم في السن، متزوجٌ من فتاة صغيرة مصدورة، شديد الغيرة عليها، ويغلق الأبواب حتى لا ترى العالم من حولها؛ فإذا خرج بها لزيارة أهلها أحاط الأمر بسرية تامة … وهو في نهاية الرواية يترك البيت الآيل للسقوط بنفس السرية من أجل السكن في مكانٍ آخر. ويصوِّر قصيري هذا الشخص أقرب إلى الجلف الذي لا يجيد التعامل مع البشر، وخاصةً زوجته وجيرانه.
وهؤلاء الأشخاص يعيشون دائمًا على هامش المجتمع، منسيين من المجتمع، ومن السماء، وأيضًا من الحكومة. ولو راجعنا الطريقة التي يتكلم بها أبطال رواية «منزل الموت الأكيد» عن الحكومة، فسوف نراها مليئة بالسخرية، وتنمُّ عن مدى انفصال الطرفين. فسكان هذا المنزل يتعاملون مع الحكومة بصفتها شخصًا محدد الهوية، فهم لم يذهبوا مثل البشر إلى المدرسة، وهم لا يعرفون ماذا تكون الحكومة سوى أنها حكومة. ولا يظهر من هذه الحكومة سوى رجل الشرطة الذي يأتي ليستدعي سكان المنزل الآيل للسقوط للإدلاء بشهادتهم في أمر الرسالة التي أرسلوها.
أما الحكومة في رواية «شحاذون ومعتزُّون» فهي غالبًا رجل الشرطة، ضابط البوليس المصاب بالشذوذ، والذي يبدي تعاطفًا واضحًا مع هؤلاء البشر الهامشيين والمنسيين. وهناك أيضًا «مخبر» يراقب الكردي في الترام وكأنه يبلغه أنه يطارده، فضلًا عن المخبر الذي دسَّه رؤساؤه في بيت الهوى الذي تمَّت فيه الجريمة.
وهؤلاء البشر منسيُّون أيضًا من السماء، وخاصةً في رواية «منزل الموت الأكيد»، فأحداث الرواية تدور في شتاءٍ قارسٍ بالغ القسوة، وفي مكانٍ عالٍ من القاهرة، قريب من القلعة. وتفتتح الرواية فصولها بطفلٍ دخل إلى البيت الآيل للسقوط وقد تجرَّد تمامًا من ملابسه، وهذا الطفل يبدو كأنه استعذب عريه الإجباري؛ لأننا سنراه يلعب مع الأطفال في مكانٍ آخر من الرواية وهو ما زال عاريًا.
وتقول الدكتورة رجاء ياقوت، في البحث المُشار إليه، إنه إذا كان أبطال روايات قصيري المكتوبة قبل عام ١٩٦٤م منسيين، فإن أبطال الروايات المكتوبة بعد هذه الفترة من القرويين، وهم يريدون من خلال نشاطهم الثوري أن يكونوا شهودًا على مواقفهم.
ولكن هذا لا يلغي أن موقف الهامشيين في رواية «شحاذون ومعتزون»، ثم عبد العال في «منزل الموت الأكيد» وطاهر في «العنف والسخرية»؛ ثوري، وإن كان موقف جوهر الثوري السلبي، الذي ينسحب بسهولة من الميدان كي يتعاطى الأفيون والمخدرات، فإن عبد العال يعلِّم السكان التمرُّد، ويطلب منهم عدم دفع الأجرة لصاحب البيت لأنَّ المنزل بلا سكانٍ لا يُعتبَر بيتًا، أما طاهر فيؤمن بضرورة اغتيال المحافظ، وأن ما يفعله المتمردون الساخرون ليس سوى نوعٍ من لعب الأطفال.
ورغم أن الكثير من هؤلاء البشر منسيون، إلا أنهم أصحاب مبادئ، ولا يمارسون الشرور الكبرى. فشرورهم، إن وجدت، صغيرة وعابرة. مثل الشخص الذي يمكن أن يسرق قطًّا من أجل بيعه. وفي رواياته هناك المغنِّي الذي يبحث عن فرصة، والموظف الباحث عن امرأة يمارس معها الهوى. حتى جريمة جوهر في «شحاذون ومعتزون» فهي جريمة مجانية، لم يقصد أن يقوم بها؛ ولذا لم يكن من السهل اكتشاف فاعلها.
أما عن المكان، فترى د. رجاء ياقوت، أنه قبل عام ١٩٦٤م كان أبطال روايات قصيري من الفقراء. ولكن بعد ذلك بدأ يزحف إلى شارع فؤاد حيث عالم الأثرياء. فهذا الشارع مليء بالمحلات التي تبيع بضائعها للأثرياء، وهؤلاء الأغنياء يتَّسمون بأنانية ملحوظة، ولا توجد شخصية نموذجية في هذه الروايات من الأغنياء. ومن هؤلاء الأغنياء سي خليل صاحب البيت في رواية «منزل الموت الأكيد». والحقيقة أن عالم قصيري ظلَّ كما هو، فرواية «العنف والسخرية» تدور في أروقة مدينة الإسكندرية، وفوق سطح منزل يطلُّ على البحر.
وهؤلاء الفقراء ليس لهم الحقُّ أن يحلموا؛ فالأحلام دائمًا خطرة، قد تجعلهم يتطلَّعون ويطمحون، وهذه هي قمة المأساة. فعندما تطلَّع جوهر إلى أساور العاهرة أرنبة في رواية «شحاذون ومعتزون» لم يكن يعرف أنها أساور مزيَّفة، وارتكب من أجلها جريمة قتل مجانية، وكذلك فإن «يكن» عندما تطلَّع إلى التلميذة التي تسكن الحي الإفرنجي فإنه لم يأخذ سوى تلك الرسالة التي دسَّها في يدها، وهي عائدة ليلًا إلى منزلها.
ويهمنا أن نصور النساء في روايات قصيري. فدائمًا هناك امرأة تعيش على الهامش، والرجل في روايات قصيري ينظر إلى المرأة على أنها شيء يمكن أن يجده ويمارسه مثلما يفعل مع المخدرات. والمرأة في رواية «شحاذون ومعتزون» تمارس الهوى في أغلب الحالات، ابتداءً من أرنبة التي ماتت وهي تغوي جوهر، ومرورًا بالنماذج التي ساقها الكاتب في الرواية. أما في «منزل الموت الأكيد» فهي في أغلب الحالات زوجة، ولكنها زوجة شرسة، حتى وإن كانت عجوزًا. وهناك عاهرة سابقة تزوَّجت من سي خليل صاحب البيت، كما أن هناك فتاةً صغيرً يمكنها أن تغوي العجوز كاوة من أجل ثمرة برتقال مضروبة. والعاهرة فتاة طيبة في «العنف والسخرية»، فهي تصدِّق كلمات كريم، وتعود إليه دومًا لأنها تثق فيه، ولا تأخذ منه المال رغم أنها لا تعرف أنه مفلسٌ. كما أن العاهرة في «تسالي في الوادي الخصيب» تحبُّ رجلًا، وتودُّ أن تتزوَّج منه، لكنه رجل كسول ينام أيامًا دون يقظة.
والمرأة أداةٌ لدى أبطال قصيري؛ لا يتمردن أبدًا. ويمكن للرجل أن يغيِّر المرأة مثلما فعل في رواية «منزل الموت الأكيد». أما في رواية «العنف والسخرية» فإن هيكل يعرف من صديقٍ له أنه لا يستطيع أن يغيِّر سيارته كل سنة، لكن من السهل أن يغيِّر زوجته في كل عام. وهو يستخدم فتاته الصغيرة، كي تحصل على معلوماتٍ عن مشاريع المحافظ وتحركاته بصفته صديق أبيها.
ونحن نقف من وصف قصيري لهذا العالم موقف الحياد، فهذه هي رؤيته للعالم، وهي رؤية مبدعٍ. ولعلَّ قصيري كان يكتب عن عالمٍ ضيق، مثل عالمه القاهري الذي وصفه، وأيضًا عالمه الضيق الذي عاشه في مدينة باريس. فأبطاله، كما سبق أن أشرنا، كسالى مثله، أو لعلَّه هو الذي أكسبهم هذا الكسل. فمن الغريب فعلًا، وفي عاصمة فرنسا، أن يعيش شخصٌ لأكثر من خمسين عامًا في غرفة صغيرة بفندقٍ بسيطٍ. لا يمكن لهذا الشخص، حين يكتب، أن يتكلَّم عن أشخاصٍ يملؤهم الطموح، ويسعون للعمل، أو يسدُّون المنزل الذي يكاد ينهار فوق رءوسهم، وذلك بدلًا من إطلاق اللعنات، مرةً تجاه صاحب البيت المخادع «سي خليل» في رواية «منزل الموت الأكيد»، ومرةً أخرى تجاه الحكومة التي لا يعرفون كيف يخاطبونها، أو كيف يتعاملون معها. وهم في النهاية، عدا الزبال، يجلسون في البيت الآيل للسقوط، ينتظرون أن يسقط عليهم.
والجدير بالذكر أن هناك سخرية مريرة تتمثَّل في بعض روايات الكاتب، وهي سخريةٌ منسكبةٌ أيضًا من قصيري نفسه. فهو شخص، كما لمست حين التقيت به أكثر من مرة، يتمتَّع بخفَّة ظلٍّ. وقد بدت هذه السِّمة من خلال الحمار «برغوت» في رواية «شحاذون ومعتزون» صاحب النكتة الشهيرة، وأيضًا من خلال مواقف عديدة تعرَّض لها «يكن» الذي تطارده الشرطة. حين ذهب للإقامة في فندق يعطي الأغطية للزبائن … ثم يسحبها منهم بعد أن يغطُّوا في النوم من أجل إعطائها لزبائن جددٍ. ومثل هذه السِّمة لم تبدُ كثيرًا في رواية «منزل الموت الأكيد» إلا من خلال مواقف بالغة المرارة. مثل النساء اللاتي ذهبن لمقابلة سي خليل، والأطفال الذين ألقوا بدراجة سي خليل في الوحل، وأيضًا حكاية المهندس المزعوم الذي جاء يعاين البيت الآيل للسقوط. ولكنها بادية في السخرية من المحافظ في «العنف والسخرية» بتعليق صوره في الميادين والأماكن العامَّة تمتدحه، ويبدو فيها مثيرًا للضحك. وكذلك في موقف الخاطبة وهي تدلِّك قفا الأب في رواية «كسالى في الوادي الخصيب».
من المهم أن نقدم في ختام حديثنا عن أدب قصيري المكتوب باللغة الفرنسية أنه يرتبط باللغة عند الكاتب. فعند قراءة النص الفرنسي يمكن أن نحسَّ لأول وهلة أنه مكتوبٌ بإحساسٍ عربي، أو أنه رواية عربية تمَّت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، وليس العكس، سواء في اختيار أسماء الأشخاص وكتابتها، مثلما هي في النصِّ الفرنسي. فهو حين يكتب سي خليل، أو سليمان العبيط، فإنه يكتب الاسمين كاملين بالحروف اللاتينية، كما حدث ذلك في اسم «الحاجة زهرة» في رواية «كسالى في الوادي الخصيب».
«باسم العيش والملح الذي أكلناه معًا، أحلف لك أنني لم أتصل بهذا الرجل.»
وقد ساقت الدكتورة رجاء العديدَ من النماذج في رواياتٍ أخرى، وأكدت أن هذه المصرية قد وصلت أيضًا إلى أسماء الأماكن مثل شارع فؤاد، ومدخنة عابدين ثم شارع عماد الدين في رواية «كسالى في الوادي الخصيب». ورغم أن كل مؤشرات المكان تدلُّ على أن «العنف والسخرية» تدور أحداثها في الإسكندرية، إلا أنه يجرد الأماكن مثلما يجرد الشخصيات.
وروايات ألبير قصيري صعبة المفردات اللغوية والأدبية، ولكنها في نفس الوقت مكتوبة بلغةٍ جميلة، أما بالنسبة للحوار، وخاصةً في هذه البيئة الشعبية فإن المرء يحسُّ أنه مكتوبٌ بلسان هؤلاء الناس. وأغلب الظنِّ أن قصيري لو كان يكتب باللغة العربية، لاختار أن يكون الحوار باللغة العامية المصرية. وقد يكون من السهل على المترجِم أن يكتب ترجمته باللغة الفصحى. لكن اللغة العامية التي يقصدها الكاتب من الصعب ترجمتها بدقةٍ. وهناك في الحوار كلمات مثل «بس» و«لسه» وجمل أخرى كثيرة مماثلة. ويمكن لقارئ ألبير قصيري أن يترجم داخل ذاته الجمل الفصحى التي يكتبها، سواء أكانت بالفرنسية أم تمت ترجمتها إلى اللغة العربية إلى لغته العامية الدارجة في أحياء مصر الشعبية، وخاصةً في أواخر الثلاثينيات التي تدور فيها أغلب أعماله الأدبية.
ويقول الخراط في نفس حديثه إلى منتصر القفاش إن ألبير قصيري «ينحو إلى نوعٍ من الغرائبية، وعلى الأخصِّ في تسمية أبطاله الذين يعطيهم أحيانًا أسماء يصعب تصديقها، أو لم نسمع عنها قطُّ، فكأنها منحوتةٌ من مزيج العامية المصرية والفرنسية، ولا شك أنه أحيانًا يطلق العنان لتقريرات مباشرةٍ عن انسحاق الناس ووطأة الفقر والجوع والعوز الروحي والمادي معًا عليها، مما قد ينحو بالعمل الروائي إلى شيءٍ من المباشرة. ولكن إذا كان لنا أن نستخلص موقفًا فكريًّا مضمرًا عن هذا الكاتب فلعلَّه أقرب إلى مزاجٍ من اليسارية التي تقارب الفوضوية أو العدمية أحيانًا.»
الجدير بالذكر أن هناك محاولاتٍ قد سبقت لتقديم أدب قصيري إلى قارئه العربي. ففي عام ١٩٦٨م كتب يوسف فرنسيس سيناريو فيلمه «الناس اللي جوَّه» عن رواية «منزل الموت الأكيد» وأخرجه جلال الشرقاوي، وقام بالبطولة فيه يحيى شاهين وعبد الوارث عسر وناهد شريف وعادل إمام. وقد اختلف السيناريو تمامًا عن النص الأدبي، ليس فقط في أحداثه، بل في سِمات وسلوك الأشخاص، والعلاقات القائمة فيما بينهم، فهو فيلمٌ حسيٌّ تمامًا. حيث اهتمَّ بتصوير علاقات حسية وخيانات زوجية وشبقٍ ساخنٍ من الرجال تجاه زوجات الجيران، ومثل هذه العلاقة لم تكن موجودة في الرواية، كما افتقرت الرواية إلى حسِّها الساخر عندما تحوَّلت إلى فيلمٍ.
وفي عام ١٩٩١م تحوَّلت رواية «شحاذون ومعتزون» إلى فيلم أخرجته أسماء البكري، من بطولة صلاح السعدني وعبد العزيز مخيون ومحمود الجندي. وقد حاولت المخرجة التي كتبت النص، أن تلتزم إلى أقصى حدٍّ بالرواية، ولم يمكنها الاستثناء إلا في تفصيلاتٍ عابرة … ورغم جودة الفيلم، إلا أنه أيضًا افتقد حسَّه الساخر لدى أبطاله، خاصةً المواقف التي تعرَّض لها يكن في الفندق، ومن مطاردة رجال الشرطة، ومن التعذيب في قسم البوليس. والجدير بالذكر أن نفس الرواية تم إنتاجها لحساب السينما الفرنسية عام ١٩٧١م، وصُوِّرت في تونس في فيلمٍ قام ببطولته المطرب اليوناني الأصل، الذي عاش في مصر فترة من الزمن، جورج موسناكي، ولم يلق الفيلم أي نجاحٍ يذكر، وقد خصصت مجلة «أدب ونقد» عددًا عن الكاتب في نوفمبر ١٩٩٣م، ثم أفردت له مجلة «القاهرة» دراسات في يناير ١٩٩٥م.
أندريه شديد
وإذا كان ألبير قصيري هو أبرز الأدباء العرب الذين كتبوا الرواية باللغة الفرنسية، فإن أندريه شديد تُذكَر دائمًا كأنها على قدم المساواة مع قصيري، وهي كاتبة متنوعة الإنتاج والإبداع، فهي شاعرة نشرت ثلاثة عشر ديوانًا من الشعر، وروائية لها سبع روايات، ومجموعتان قصصيتان وثلاث مسرحيات، وبحثان عن لبنان، وثلاثة سيناريوهات للأطفال. وقد حصلت عن هذا الإبداع الغزير على خمس جوائز أدبية، منها جائزة جونكور في القصة القصيرة لعام ١٩٧٩م، هذه الكاتبة تنتمي في جذورها ونشأتها إلى بلدَين عربيين: لبنان بحكم أصل الأسرة (صعب)، ومصر بحكم المولد والنشأة والثقافة.
وُلدت أندريه صعب في مدينة القاهرة في عام ١٩٢٩م، ودرست في المدارس الفرنسية بالمدينة قبل أن تسافر إلى لبنان وتعود إليها مرة ثانية لتستكمل دراستها في جامعتها الأمريكية. ثم ما لبثت أن تزوجت من العالِم لوي شديد الذي كان عليه أن يرحل إلى باريس عام ١٩٤٦م، فسافرت معه واختارت أن تبقى هناك، وهو يعمل الآن باحثًا في فلوريدا بالولايات المتحدة.
تقول أندريه شديد: «في عام ١٩٤٢م، كنت شابةً صغيرةً تركض وراء فراشات القاهرة. في هذه الفترة لم تكن تراودني فكرة الكتابة، غير أنني أردت أن أصنع شيئًا ما في حياتي، التي كانت مكونةً من المسرح والرقص والتمثيل بالصدفة وحدها، بدأت برسم — ولا أقول كتابة — بعض الأبيات من الشِّعر بالعربية والإنجليزية. عبَّرت عن العنف والموت وهدف الحياة، اتخذتُ اسمًا مستعارًا هو أندريه لايك منعًا للشبهة.»
«بقيت على هذه الحال حتى عام ١٩٤٦م، ذات يومٍ مشمسٍ من أيام باريس دخلت إلى مكتبة تبيع مطبوعات شرقية، نقلتُ أسماء المجلات لكي أقيم معها الاتصال. رحَّب بي ناشر، كان هو أيضًا الناشر الأول لجورج شحادة.»
وفي وصف الجو والعالم تحس أن أندريه شديد قد عاشت ردحًا من الزمن في صعيد مصر، فهي تعرف عاداته، وسلوك أبنائه. فسامية نموذج للمرأة المصرية التي يعاملها الرجل — غالبًا — على أنها شيء مكمل في البيت.
وتجيء أهمية هذه الرحلة إلى القرية من خلال ما جاء على لسان صالح أيضًا في الصفحات الأولى من الرواية «أن الكوليرا لا تهمُّ أهل المدن في شيء، إنها تهمُّنا نحن فقط.»
وصالح هذا في حدِّ ذاته رمزٌ كبير للعجوز، فهو يحدِّثها عن أحوال القرية ومرضاها، والأسرة التي مات منها أحد عشر شخصًا، وذلك من خلال حوار طويل دار بين الاثنين. وفي هذه الزيارة أيضًا تعرف أن زوجها سعيد يجد من يتولَّى أمره في غياب العجوز؛ تبدو المرأة، وقد تحجرت مشاعرها لكثرة ما سمعت من أخبار عن موتى الكوليرا، ولا يخفِّف هذا التحجُّر سوى مرض سليم المدرس بعد عودتها إلى المدينة، ثم مرض حفيدها. لقد تركت الجدة حفيدها عند الأستاذ سليم من أجل أن تذهب إلى العزاء، وسليم عند أندريه شديد رمز الأمل الذي لا يموت.
وسليم المعلم يرتدي ملابسه على النمط الأوروبي، كان كل شيء في هذا الشاب يوحي لها بالثقة. كانت تجد وجهه جميلًا وسيمًا، ونظرته مشرقة. أما ابتسامته فكانت تصفها بأنها قطر الندى، ولكن عندما يبدي الأستاذ سليم رأيه في الجهل والفقر والعلم، فإنَّ وجهه يتغيَّر فجأة، وتتوهَّج أذناه، ويتدفَّق الدَّم في شرايين صدغه، وتتصارع أفكارٌ كثيرة في رأسه، ويتملَّكه عنفٌ شديد، وعندئذٍ تتضارب كلماته، ويختلط بعضها بالبعض فتصبح مبهمة. وعندئذٍ تستولي عليه موجاتٌ من الشهامة والثورة لا يكاد يعي كنهها، ولا يستطيع أن يدرك مغزاها أو أن يتحكَّم فيها.
وسليم المعلم، شخصية ذات أبعادٍ عميقة كما تقدِّمه الكاتبة، لذا؛ فإن إصابته بالمرض ترمز إلى تحطيم أمل، ليس فقط في قلب الجدة، بل في قلب الصغير حسن الذي انتقلت إليه الكوليرا: «بعد ستة أيام سأكون قد شُفيت، لا تنس ما أقوله لك، في اليوم السادس، إما أن نموت أو نُبعَث من جديد، اليوم السادس.» وهكذا سيصبح لهذا اليوم معنًى كبير، فهو اليوم الذي إذا لم يمت فيه مريض الكوليرا فمعنى هذا أنه قد اجتاز مرحلة الخطر.
وتقل صديقة مركب، وفي اليوم السادس يصبح كلُّ مَن فوق المركب — الذي تعاطف معها — جسدًا واحدًا وكتلة بشرية تسعى لتوصيل حسن إلى البحر مهما كانت المصاعب. منهم مروِّض القرود الذي ركب معها، والذي يُدعَى عوكل، وصاحب السفينة والنوتي، وأبو نواس الذي يردد في كل أعماقه، وهو يتأمل الطفل المريض: «إنه حي، إنَّ الغد يفيض حياة.» ثم يصيح النوتي، وقد أنار وجهه: إنه حيٌّ.
وتكاد تكون روايتاها: «نوم الخلاص» و«اليوم السادس» الوحيدتين اللتين تدور أحداثهما في مصر الحديثة. أما بقية أعمالها عن مصر فهي تدور في التاريخ الفرعوني والتاريخ القبطي، مثل روايتها «إخناتون وحلم فرعون» ١٩٦٤م، وهي أيضًا مترجَمة إلى اللغة العربية، والتي موضوعها الأساسي هو الدفاع عن قدسية الحياة الزوجية، وعن الأمل في وجه قسوة التاريخ. فبطلة الرواية تموت في النهاية بعد قصة حب كبيرة، وقبل غيابها تؤكد في لحظة أملٍ على أنَّ الموت ليس نهاية الحياة، إنه فقط مجرد نهاية للمصير الأرضي.
أما المرأة الثالثة «سير»، فهي مراهقة، فلاحة صغيرة مليئة بالسحر، وقد هربت من الدير الذي يسيئون فيه معاملتها، وقررت أن تتوه في الصحراء باحثةً عن الله من أجل حبٍّ صوفيٍّ يتم في صمتٍ شديدٍ.
ذات يومٍ يقرر هذا الوالي أن يترك مكانه لابنته الشابة برنيس، وهي نموذجٌ مكرر لأبيها، وهي، كما تقول الكاتبة، الأخت الكبرى للملكة كليوباترا السابعة. وكي تستقرَّ على العرش؛ فإن برنيس تتزوج من كلاوس، ويكوِّن الاثنان ثنائيًّا بسيطًا لا يتعلَّق كثيرًا بالسلطة. ويتصرف ببساطة مع الشعب، فرسالتهما هي تدمير كل آثار الطغيان الذي كان يمارسه بطليموس، لكن هذا ليس أمرًا سهلًا، وكي ينجحا فعليهما الاستعانة بالشعب.
ولكن، بعد ثلاث سنوات من الفتوحات والحروب التي لا تنتهي يعود بطليموس إلى الإسكندرية، آملًا أن تكون الأمور قد سارت على هواه. لكنه يفاجأ ببرنيس وزوجها في مواجهة عودته بكل ما يملكان. فيقرر بطليموس الاستعانة بالقائد مارك أنطونيوس الذي يدخل المدينة بجيوشه، ويأمر بإعدام الزوجين. وهنا تقرر الأخت كليوباترا أن تدخل حلبة الصراع من أجل العرش، وأن تدافع عن الحقِّ بعد موت أختها، وها هو عازف ناي صغير يطوف بضواحي المدينة، يغني حكاية الملكة برنيس المصرية التي ماتت على أيدي جيوش الطغاة.
وبطلة الرواية تُدعى سيسيل، إنها في الثانية عشرة من عمرها، تعيش في الولايات المتحدة، أما الجدة فتُدعى كاليا. وهناك لقاءات قصيرة عابرة بين الاثنتين. فإذا كان اللقاء الأول قد تمَّ في أغسطس ١٩٧٥م، فإنَّ لقاءً آخر تمَّ قبل ذلك، حيث كان هناك لقاء بين الجدة كاليا عندما كانت في نفس السنِّ عام ١٩٣٢م وبين جدتها … وهناك حالات انتقال غير ثابتة بين الحاضر والماضي. وفي اللقاء العابر نرى هناك جثَّتين لامرأتين، إنهما نفس الصديقتَين القديمتَين اللتين جاءتا من أجل المصالحة والسلام؛ لقد أطلق النار عليهما شخصٌ مجهول.
لقد ماتت الصغيرة في هذا اللقاء العابر مع جدتها، هبَّت عليها الرياح الدموية فغرق الوشاح الأصفر في الدماء.
أما روايتها «الطفل المتنامي» فهي تدور أيضًا في زمن الحرب اللبنانية، والبطل هنا طفل بريء يُدعى عمر-جو. وهو ممزَّقٌ مثلما بلاده ممزَّقة. كما أن أسرته منقسمة؛ فهو من أب مسلم وأمٍّ مسيحية، وكأنه لبنان كلها. لقد مات الأبوان في أثناء انفجار سيارة مفخخة أسفل عمارتهما في بيروت، وكان على عمر أن يعيش المأساة. هو في الثانية عشرة من العمر، ولكن ذاكرته خصبة ومزدحمة مثل الكبار، ورغم هذا فلديه شهية قوية لأن يبقى على قيد الحياة، ولا يموت غدرًا مثلما حدث لأبويه. يقرر الرحيل إلى باريس عند أبناء عمومته، وهناك يلتقي بصديقٍ فرنسي من نفس سنِّه يُدعى ماكسيم، له شعر مجعَّد، ويحب مداعبة القطط. يلاحظ عمر-جو أن الأطفال الذين يعيشون في مدن مسالِمة، ليست بها حرب أهلية، يحبُّون مشاهدة التلفاز ومتابعة قصص وأفلام الحرب. يتذكر عمر-جو بلاده التي امتلأت بأشجار الزيتون الأسود والنعناع … الآن أصبح وطنه أشبه بالليل الدائم.
في باريس أيضًا يتذكر جَدَّه يوسف الذي يبلغ الثمانين من العمر، والذي عاش طويلًا في الجبال؛ فيكتب له رسالة طويلة يعبِّر له فيها عن مدى سعادته بالحياة في باريس. فهو لا يسمع، ليلًا أو نهارًا، أصوات المدافع، ولكنه يسمع صوت ماكسيم يلعب. ويقول إن الأشجار هنا لا تُجتث من جذورها بسهولة، وهو لا يرى أي حوائط في المدينة وقد اخترقها الرصاص، ولكنه يرى رجلًا وامرأة يتبادلان القبلات دون أن يتساءلا عن ديانة كلٍّ منهما … وتجيء رسالة من الجَد يخبره فيها أنه سوف يأتي يومًا لزيارته في هذه البلاد، ولكن هذه البلاد لن تصبح قطُّ وطنه، ويذكِّره أن المزرعة التي يعيش فيها لا يزال موجودًا بها الديوك والأرانب والماعز.
وفي الليل يحلم يوسف أن روحَه تصعد إلى السماء، وأنه يطير فوق البحر المتوسط، ثم يصل إلى باريس.
أما عن الروايات القليلة التي كتبتها أندريه شديد ولم تذكر فيها شيئًا عن الشَّرق، فهناك رواية بعنوان «الآخر» توحي أحداثها بأنها تدور في لبنان حول صداقةٍ تنمو بين شاب ورجل عجوز رأى منزلًا ينهار عليه.
هذا هو بعض من عالم أندريه شديد الروائي … فماذا عن علاقتها بالشِّعر؟ لقد نشرت مجموعة من الدواوين من أبرزها؛ «كلمات عن قصيدة» و«كلمات عن الأرض الجديدة» ثم «الوجه الأول». ويتسم شعرها بأنه بالغ الخصوبة، مجرَّد — غالبًا — من الأزمنة والأماكن، عكس ما حدث في رواياتها. وهي أشعار يصعب ترجمتها إلى أية لغة. فهي تعزف على معاني الكلمات من خلال مقاطعها وكلماتها القصيرة. وتؤمن أن «صمام الشعر» أو مفتاحه هو الغموض. ويجب على الشاعر أن يغوص داخل دهاليز مليئة بالأسرار والألغاز والطلاسم: «أحاول قدر الإمكان أن أبيِّن الأشياء واضحة، ولكن هناك أشياء مختلفةً في الشعر، ويجب أن تكون لنا فيه مسالك جديدة.»
وعن الشعر أيضًا تقول أندريه شديد: «إن العالم الهائج الغامض السرِّي الذي نحمله في داخلنا يفتِّش عن نوافذ يطلُّ منها نحو الخارج، الشعر هو إحدى هذه النوافذ. إنه خارج الأعمار والأجناس والألوان والجغرافيا، إنه مرادفٌ للحرية أو بديلٌ لها. لا تحدُّه حدود القسوة أو الدم، إنه قصائد أحيانًا، وتسقط منها نقاط الدم … دم أسئلة عن الموت والحياة والحبِّ والمرأة والظمأ إلى سعادة لا تكتمل أبدًا.»
ولقد اخترنا إحدى القصائد السهلة نوعًا، قياسًا إلى أشعارها الأخرى تحت عنوان «انتقام» من ديوانها «نزوات وأعياد»:
والجدير بالذكر أن شديد كانت قد قالت نفس الكلام في عدد مجلة «مدام لوفيجارو» السابق الإشارة إليه: «باريس هي أرضٌ مثل القاهرة، من الرائع للكاتب أن يكون مواطنًا فيها، وأن يخرج أحيانًا من جذوره وأماكنه. لم أبدأ في كتابة صفحات وجدانية عن مصر إلا بعد ثلاث أو أربع سنواتٍ في فرنسا.»
وقد حصلت أندريه شديد على مجموعة كبيرة من الجوائز الأدبية، نذكر منها: جائزة لوي لابيه عام ١٩٦٦م، وجائزة النشر الذهبي للشِّعر عام ١٩٧٢م، والجائزة الكبرى للأدب الفرنسي التي تمنحها الأكاديمية الملكية ببلجيكا عام ١٩٧٥م. ثم جائزة أفريقيا البحر المتوسط عام ١٩٧٥م، وجائزة جونكور في القصة القصيرة عام ١٩٧٩م، ثم جائزة في الترجمة الأدبية عام ١٩٩٢م.
أحمد راسم
يشكِّل أحمد راسم ظاهرة تستحقُّ التأمُّل فيها فيما يتعلق بالأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية، وهي أنه كان متمكِّنًا من اللغة العربية قدر لغته الفرنسية، ومع ذلك فقد فضَّل كتابة قصائده باللغة الفرنسية، وكان ينشر أعماله في أضيق حيِّز ممكن، حيث لم يكن ينشر أو يطبع أكثر من ٥٠٠ نسخة فقط من دواوينه؛ ولذا فإن مؤلفاته المكتوبة بالفرنسية لم يقرأها إلا نخبة قليلة من أصدقائه الملمِّين بالفرنسية، ولم يُترجَم شعره قطُّ إلى اللغة العربية في كتاب؛ فبدا كأنه رقص بالفعل على السلم، فلا هو نشر أدبه على مستوى عالٍ في فرنسا، مثلما فعل أقرانه من الأدباء الناطقين بالفرنسية، ولم يسع إلى ترجمة هذا الأدب إلى اللغة العربية.
والجدير بالذكر أن راسم يعدُّ من أوائل الأدباء العرب الذين نالوا جوائز في فرنسا؛ فقد منحته الأكاديمية الفرنسية جائزة خاصَّة تقديرًا لشعره في عام ١٩٥٤م.
نشأ أحمد راسم في مدينة الإسكندرية، حيث كان الثغر مليئًا بأبناء الجاليات الأجنبية الذين يتحدثون لغاتٍ عديدة. وقد كان ميلاده في عام ١٨٩٥م في أسرة مصرية تصاهرت مع عائلة تركية. وقد نبغ بعض أفراد هذه الأسرة في الفنون والآداب، واشتهر البعض الآخر بالوظائف الإدارية العليا مثلما سيحدث مع راسم نفسه حيث تبوَّأ، كما سنرى، العديدَ من المناصب في السِّلك الإداري.
التحق أحمد راسم بمدارس الإسكندرية الفرنسية. وقد كتب الشاعر السكندري نيقولا يوسف مقالًا عنه في عدد شهر يونيو ١٩٦٩م من «المجلة» قال فيه إنه: «أجاد اللغتَين العربية والفرنسية ودرس أدبيهما، ثم تلقَّى العربية على يد أستاذ خاص، والتحق بمدرسة رأس التين الثانوية، ثم درس القانون بمدرسة الحقوق.»
«وكان منذ عهد التلمذة شغوفًا بمطالعة الكتب — الأدبية والفلسفية والعلمية — في اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. ويبدو أثر هذه المطالعات في كتابٍ طبعه في الإسكندرية عام ١٩١٦م وهو في نحو العشرين من العمر … وسمَّاه «الدين والإنسان» الجزء الأول (وُضِع بالفرنسية ثم تُرجم وروجع) وجعله في قالب حوارٍ قصصي أو مناظرة تتخللها صور وأوصاف فكهة بين فيلسوف مادِّي ملحدٍ وطالب روحاني مؤمن … ثم بين الشكِّ واليقين. ووردت في الحوار أسماء وآراء لبرجسون، ومونتاني، والكسيس كاريل، والعلماء سوس وبسكال وجوستاف لوبون، كما ترِد تجارب كيماوية، ونظريات فلكية، وآراء علمية كانت ثابتة فتغيَّرت، يستشهد بها الماديون.»
ويقول بشير السباعي إن أحمد راسم قبل أن يتمَّ العشرين من عمره كان قد قرأ وحفظ، عن ظهر قلب، الكثيرَ من أعمال الشعراء الكلاسيكيين العرب والفارسيين والهنود واليونانيين واللاتينيين، إلى جانب الكثير من أعمال الشعراء المحدثين الشرقيين والغربيين على حدٍّ سواء.
في تلك الآونة كان أحمد راسم يتدرَّج في الوظائف، وقد ساعده في سرعة الترقِّي إتقانه للغات الأجنبية، بالإضافة إلى ثقافته ووسامته. فعمل في السلك الدبلوماسي في العديد من عواصم العالم في كل من إيطاليا وإسبانيا وتشيكوسلوفاكيا، وساعده ذلك على الاتصال المباشر بثقافاتٍ أخرى. وكثيرًا ما ارتبط بصداقاتٍ مع أبناء هذه البلاد خاصةً الأدباء والمثقفين.
وعندما عاد إلى مصر عام ١٩٢٨م عمل في مناصبَ إدارية عليا؛ فكان سكرتيرًا عامًّا لرئاسة مجلس الوزراء، ثم وكيلًا لمحافظة القاهرة، ومحافظًا لمدينة السويس في عام ١٩٤١م. كما عمل بعد ذلك مديرًا لإدارة المطبوعات، وكان آخر هذه الوظائف مدير عام مصلحة السياحة المصرية عام ١٩٥٢م، ثم ما لبث أن ترك الوظيفة كي يتفرَّغ لأدبه حتى وفاته في يناير عام ١٩٥٨م.
تنوَّع نشاط راسم الكتابي بين الإبداع الشِّعري باللغة الفرنسية، وهو نشاطه الغالب، وبين الترجمة والنقد. وفي أشعاره النثرية التي نشرها في دواوين مثل «قصائد العذارى» عام ١٩٢٥م. و«جدِّي يقول أيضًا» ١٩٣٠م، و«زمبول» ثم «يقول أيضًا» ١٩٣٢م، و«أحمد يقول». وتبدو مدى حميمية الشاعر مع الأشخاص الذين عاش معهم. خاصةً أبناء أسرته، فقد كتب من أجل جَدته الشركسيَّة الأصل، والتي كانت تُدعى زنججيل — أي لون الورد باللغة التركية — بعض الكلمات في ديوانه الأول «كتاب نيسان» وهو شعر منثور، بينما أطلق اسم مربيته «زمبول» وهي كلمةٌ تعني الهزيلة كسراجٍ على وشك الانطفاء … فقد أهداها عنوان ديوانه الثاني. وقد تنوَّعت أعمال راسم فنشر من الدواوين «سقتُ حماري» عام ١٩٣٥م، و«مهبول عتاقة» ١٩٤١م، و«الحقيقة العتيقة» ١٩٤١م، ثم «بائع الكتب الصغير الأستاذ علي» عام ١٩٤٣م، و«نثر لا جدوى منه» ١٩٤٩م، و«ملك» ثم «حاتم الطائي» عام ١٩٥١م، و«نوال» ١٩٥٢م، و«نهى» ١٩٥٣م، و«يوميات مصور خائب» ١٩٥٤م. أما مؤلَّفاته بالعربية فهناك «الدين والإنسان» ١٩٢١م، ثم شعره المنثور «الحديقة المهجورة» ١٩٣٢م.
كنا قد أشرنا أن أحمد راسم قد حصل على جائزة الشرف المدوَّنة باسم فارس، وجائزة خاصة من الأكاديمية الفرنسية عام ١٩٥٤م. وقد كتبت مجلة «الإثنين» تحية إلى راسم بهذه المناسبة يهمُّنا هنا أن ننقلها قالت فيها:
وإذا كان أحمد راسم لم يقُم بترجمة أعماله، ولم يطلب من أصدقائه أن يفعلوا ذلك، فإنه بعد أربعة وثلاثين عامًا من هذا التاريخ قام بشير السباعي بترجمة مجموعة من أشعار راسم نشرتها مجلة «القاهرة». وكما قال المترجِم فإنه اعتمد في ترجمة أغلب القصائد التي نشرتها المجلة على نسخة من مختارات راسم الشعرية، مهداة من الشاعر إلى شكري زيدان الصحفي المعروف في دار الهلال.
وقد اخترنا قصيدتَين ترجمهما السباعي؛ الأولى تحت عنوان «دعاء»:
ومن قصيدة «كيف يمكنك» يقول:
جورج حنين
قليلة هي المراجع العربية التي تحدَّثت — بشكلٍ متسعٍ — عن جورج حنين. ومن أهم هذه المراجع كتاب لسمير غريب يحمل عنوان «السريالية في مصر»، فيه تابع المؤلف حركة السيرياليين في مصر، من خلال مجموعة من أبرز أبناء هذه المدرسة مثل رمسيس يونان وأنور كامل وكامل التلمساني وإبراهيم فارس. ورغم تعدُّد هذه الأسماء الواردة في الكتاب إلا أنه من الواضح تمامًا أن سمير غريب قد كتب كتابًا عن جورج حنين في مصر. فقد خصَّص صفحاتٍ كثيرةً من هذه الدراسة عن حياة وعطاء حنين، خاصة في فترة حياته في مصر. ونحن نعترف أن المراجع التي بين أيدينا عن الشاعر المصري أقلُّ كثيرًا مما توفَّرت لدى سمير غريب، الذي اعترف أن مجموعة من أصدقاء الشاعر وأفراد أسرته قد أمدُّوه بالمراجع خاصةً صديقه عبد القادر الجنابي، وزوجة الشاعر إقبال العلايلي.
ولذا، فإن أغلب ما سيرِد في الحديث عن حنين سيكون مرجعه ما جاء في هذا الكتاب. فحنين مولود في العشرين من نوفمبر عام ١٩١٤م، من أب مصري وأمٍّ إيطالية. وجورج لم يذهب قطُّ إلى المدرسة، ولكن مربيًا تولَّى تعليمه القراءة والكتابة حتى سن الثانية عشرة. وفي عام ١٩٢٤م عُيِّن والده سفيرًا لمصر في مدريد فصحبه جورج ومربِّيه، وهناك تعلم اللغة العربية، وحاول أن يترجم إليها كتاب كارل ماركس «رأس المال».
إذن، فجورج حنين كان يجيد اللغة العربية لدرجة أنه كان يترجِم إليها، وذلك بعكس أقرانه مثل ألبير قصيري وأندريه شديد.
وقد أبدى حنين حماسه الشديد في أن يقدم لأبناء وطنه من المثقفين نماذج من الأدباء الفرنسيين المعاصرين؛ ولذا، قدَّم إلى قراء العربية كلًّا من فردينان سيلين وأندريه مالرو وهنري دي مونترلان وآخرين، كانت لديه الرغبة لأن يُظهِر لفناني بلده كيف أن الفنون التشكيلية قادرة على المشاركة، مثل الكتابة، في معرفة الإنسان.
في تلك السنوات كان جورج حنين ينتقل بين القاهرة وباريس، وفي عام ١٩٣٦م تعرَّف على الكاتب والفنان السريالي أندريه بريتون، وفي عام ١٩٣٧م قدَّم محاضرة عن السريالية، ثم بدأ يشكِّل جماعةً من السرياليين المصريين أمثال الشاعر إدموند جابيس، والرسامين كامل التلمساني ورمسيس يونان، وقرَّر أن يسمي جماعته «الفن والحرية» تعبيرًا عن انتمائه لتروتسكي.
-
(أ)
الدفاع عن حرية الفن والثقافة.
-
(ب)
نشر المؤلفات الحديثة، وإلقاء محاضرات عن كبار المفكرين في العصر الحديث.
-
(جـ)
إيقاف الشباب المصري على الحركات الأدبية والفنية والاجتماعية في العالم.
وفي ديسمبر ١٩٣٩م شارك في تأسيس جريدة باللغة الفرنسية، تحمل اسم «دون كيشوت» فكان يكتب ويرسم فيها. ولكن مجلة «التطور» التي صدرت عن الجماعة في عام ١٩٤٠م باللغة العربية كانت تجمع بين السياسة والأدب والفنون، ولكن المجلة لم يكن لها مورد مالي سوى تبرعات الأعضاء، وبالأخص جورج حنين وحصيلة بيعها القليلة. وقد نشرت قصصًا وقصائد لأدباء من نفس الجماعة وأدباء آخرين من غير الجماعة مثل ألبير قصيري. وعانت المجلة من مشكلة الاستمرار فلم تصدر سوى سبعة أعداد فقط.
وقد وجد حنين أن عليه أن يغادر مصر بعد أن جاء ضابطٌ من الجيش ليجلس على مكتبه في شركة السجائر التي كان يعمل فيها؛ فسافر إلى اليونان عام ١٩٦٠م، ثم توجَّه إلى إيطاليا وطن أمه، ثم قرر أن يعيش في باريس حيث وجد فرصة عملٍ ومسكنًا للإقامة.
ويقول سمير غريب: إن حنين قد انتقل بين بلاد عديدة بعد ذلك، ومن المعروف أنه عمل مع زوجته في هيئة تحرير مجلة «جون أفريك» الأسبوعية، وهي مجلة تصدر باللغة الفرنسية، وتهتمُّ بثقافة العالم الثالث، وقد عمل فيها عدة سنوات، ونقل إدارتها من المغرب إلى باريس. وفي السنوات الأخيرة من حياة الشاعر شهد حنين نشاطًا مكثفًا على المستوى الثقافي؛ فكتب مقدمة كتاب يحمل اسم «مختارات الأدب العربي المعاصر»، وشارك في «الموسوعة السياسية الصغيرة» التي أشرف على إصدارها الشاعر جان لاكوتير، وفي ١٨ يوليو عام ١٩٧٣م رحل عن عالمنا، وتم دفنه بالقاهرة بناءً على وصيته.
ومن هذا الشعر نقدِّم جزءًا من قصيدة «مبدأ هوية» المنشور في ديوانه «العلامة الأكثر ظلامًا»:
قائمة باسم الأدباء المصريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية
يعقوب، يوسف (١٧٩٥–١٨٣٢م)
وُلِد في مصر القديمة، يُرجَّح أنه أرمني. أغلب أبناء أسرة يعقوب الذين عادوا مع الحملة الفرنسية إلى فرنسا، علَّمه أبوه اللغة العربية. سافر إلى باريس عام ١٨٢٠م، ونشر ديوانه الأول في «مدح مصر» الذي جذب إليه الانتباه عام ١٨٢٠م، كما اشترك في إعداد ووضع «وصف مصر». ارتبط بصداقة مع الشيخ الطهطاوي ثم عيِّن مدرسًا للغة العربية في «مدرسة الشباب للغات»، اهتمَّ بالشعر، سافر وأسرته إلى مارسيليا، وهناك مات.
من أعماله: محاضرات تاريخية عن مصر (١٨٢٣م) … قصص رومانسية عربية فجة (١٨٢٧م) … مزيج الآداب الشرقية والفرنسية (١٨٣٧م).
أرتين، يعقوب (١٨٤٢–١٩١٩م)
من أصل أرمني، كان أبوه وزيرًا للخارجية في حكومة محمد علي. درس في تركيا وفرنسا، واهتمَّ بالقانون والأدب واللغة. عندما عاد إلى مصر عام ١٨٧٠م عيَّنه الخديوي إسماعيل سكرتيرًا أوروبيًّا للقصر، وبعد ذلك عُيِّن وزيرًا مرتين، واهتم بالأدب المصري، من أهم أعماله: «الممتلكات العقارية في مصر» (١٨٨٣م)، و«حكايات شعبية» (١٨٨٥م)، و«١٦ حدوته» (١٩٠٣م)، و«حكايات شعبية سودانية» (١٩٠٩م).
أكساوس، سيلين (١٩٠٣م)
وُلِدت في الإسكندرية من أبوين لبنانيَّين عاشا طويلًا في مصر. درست في المدارس الفرنسية. كان أخوها رينيه ناسو شاعرًا موهوبًا. اختلطت بالأوساط الأدبية، وساهمت في الحركة الأدبية الناطقة بالفرنسية في مصر ولبنان. من أعمالها «الكنيستان» (١٩٤٣م) و«السلَّم العاجي» (١٩٥٢م)، وتاريخ وفاتها غير معروف.
أركاش، جان (١٩٠٢–١٩٦١م)
وُلدت في الإسكندرية لأب من أصل سوري لبناني وأمٍّ فرنسية، درست في «ليسيه فرانسيه»، ثم درست الأدب والموسيقى. تزوَّجت عام ١٩٤٥م، وانتقلت لتعيش في القاهرة، وماتت عام ١٩٦١م، ودُفنت في الإسكندرية. لم تنشر أعمالًا أدبية، لكن أغلب ما تركته مسوَّدات: الإسكندرية في مرآتي (١٩٣١م)، الفرقة العالية (١٩٣٣م)، أمير الصليب (١٩٣٧م) شفا أبو سليمان (١٩٥٣م) نشر في دار المعارف.
أسعد، فوزية (١٩٢٩م)
وُلدت في القاهرة لأبوين صعيديين. درست في مدرسة «مير دي ديو» ورحلت إلى فرنسا، وحصلت على دكتوراه في الفلسفة، وعادت لتدرِّس الأدب في جامعة عين شمس. تزوَّجت من د. فخري أسعد الذي سافر إلى جنيف. من أعمالها «المصرية» رواية (١٩٧٥م)، وكتاب باللغة العربية عن سورن كيركجارد (١٩٦٥م)، ورواية «أطفال وقطط» (١٩٨٧م)، و«البيت الكبير في الأقصر» (١٩٩٢م).
بارم، راءول (١٩٠٤م)
من أصل ملطي، وُلِد في بورسعيد، ودرس في القاهرة في المدرسة الألمانية، ثم في مدارس الجزويت بالإسكندرية. نشر أشعاره الأولى وهو في سن الرابعة عشرة بالقاهرة في الصحف، ثم نشر أول ديوان له عام ١٩٢٦م. اشترك في تأسيس ست مجلات أدبية باللغة الفرنسية، عمل في الترجمة، ومدرسًا، وعمل في إحدى دور النشر. ترك مصر عام ١٩٥٦م إلى إيطاليا. من دواوينه: «الملاحق الأولى» ديوان شعر (١٩٢٦م)، «مفتون بشفتيك» (١٩٢٨م)، «ارفع الستار» (١٩٢٩م)، «جناح قديم» (١٩٣٠م)، «الصلاة الراقصة» (١٩٦٩م)، «مجداف من ذهب» (١٩٧١م).
بلوم، روبير (١٩٠١م)
وُلِد في تونس، ثم تركت الأسرة تونس إلى القاهرة عام ١٩٠٤م. عمل مفتشًا في المدارس الإسرائيلية ثم رحل إلى فرنسا ليؤدي الخدمة العسكرية عام ١٩٢٢م. وعاد إلى مصر ليعمل بالصحافة في الإسكندرية ثم في القاهرة. روائي وكاتب قصة قصيرة وشاعر وكاتب مسرحي. من أعماله «أشياء صغيرة» (١٩٢٥م)، و«الظلال على الحائط» (١٩٢٨م)، «خمسة مشاعل» (١٩٣٠م)، «قصص أطفال للكبار» (١٩٤٢م)، «قوس قزح» ديوان شعر، عام ١٩٥١م، «علامة عربية» رواية ١٩٥٥م.
بونجان، فرانسوا (١٨٨٤–١٩٦٣م)
وُلِد في ليون، ودرس في المدينة. وهناك كتب روايته الأولى «قصة اثنتي عشرة ساعة»، كتب لها المقدمة رومان رولان. وصل عام ١٩١٩م إلى مصر، وأقام بها ٥ سنوات وشغف بها كثيرًا. وصادق مثقَّفًا مصريًّا هو أحمد نصيف الذي فتح له مجال الإسلام والأزهر. عاد إلى فرنسا وطلب العودة إلى مصر. وعاش سنوات بين المغرب وسوريا والجزائر ومات في الرباط. من أعماله: «منصور، قصة طفل مصري» (١٩٢٤م)، «منصور في الأزهر» (١٩٢٧م)، «الشيخ عبده المصري» (١٩٢٩م)، «الثقة في فتاة ليل» (١٩٣٩م).
جون سيانيفو، آجوستينو (١٨٧٦–١٩٥٦م)
وُلد في القاهرة من أصل إيطالي. كان أبوه يعمل لمصلحة الخديوي إسماعيل. عاش في الإسكندرية واهتمَّ بالشعر. وكان ينتقل بين مصر وأوروبا. وكانت أشعاره عن مصر. وفي أواخر حياته استقرَّ في إيطاليا. وهناك ذاع صيته كشاعرٍ. اهتمَّ به أندريه جيد. من أهم أعماله: «أشعار» (١٩٢٥م)، «الحضور الخفي» باللغة الإيطالية ومنشور بالإسكندرية عام ١٨٩٩م، «اليد» (١٩٠٠م)، باللغة الإيطالية.
جوزبوفيشي، ألبير (١٨٩٢–١٩٣٢م)
وُلِد في إسطنبول ودرس بها. أبوه من أصل روماني. جاء إلى مصر عام ١٩٠٤م مع أسرته. تعرَّف على الكاتب ألبير عدس واهتمَّ بالأدب. كتب الرواية. سافر إلى مصر، ثمَّ قرَّر الإقامة بها. ترك عند موته الكثير من الروايات غير المنشورة. من أعماله: «بالتعاون مع ألبير عدس» و«القلقون» عام ١٩١٤م، «وكتاب جحا» (١٩١٩م)، و«سعيد الجميل» (١٩٢٨م).
حنين، جورج (١٩١٤–١٩٧٣م)
(انظر الفصل الثاني).
فراوي، جيهان (١٨٦١–١٩٤٠م)
اسمها الحقيقي جان بوش داليس، جاءت مع زوجها سليم فهمي إلى الإسكندرية عام ١٨٧٩م، ثم عاشا في طنطا. درست اللغة العربية بناء على نصيحة زوجها. وأرسلت مقالات إلى الصحف المحلية والأجنبية. وحققت رواياتها الاجتماعية والتاريخية التي تصف مصر الحديثة والقديمة نجاحًا وشهرة. عادت إلى فرنسا عام ١٩١٩م بعد وفاة زوجها، وظلَّت تهتمُّ بالأدب. وكان أصدقاؤها من المصريين هناك. من أعمالها: «الأمير مراد» (١٨٩٨م)، «في قلب الحريم» (١٩١٠م)، «وردة الفيوم» (١٩١٢م). «الغريب» (١٩٢١م)، و«المصري الخالد» (١٩٢١م)، و«مصير الآنسة عيسى الغريب» (١٩٣٥م).
ديبو، سيريل
اسم مستعار لشخصٍ يُدعى محمد صديق، ابن صديق المفتش وزير مالية الخديوي إسماعيل. درس في سويسرا، عاد إلى مصر وصادق العديدَ من الأدباء الفرنسيين، مثل أندريه جيد، وجان كوكتو. عاش في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى، واستقرَّ في الإسكندرية. من أعماله: «البكاشين»، مسرحية، عام ١٩٤٤م، «دون جوان أو النرجس» (١٩٤٤م).
راسم، أحمد (١٨٩٥–١٩٥٨م)
(راجع الفصل الثاني).
سكوفي، أليك (١٨٨٦–١٩٣٢م)
شاعر يوناني يكتب بالفرنسية، عاش في الإسكندرية. وكان يعيش بين مصر وفرنسا. اشترك في تحرير مجلة «الأسبوع المصري». من أعماله: «الأشعار الأولى» (١٩٠٩م)، «أغنيات الشعارات» (١٩٠٩م)، «الإغراءات» (١٩٢٤م)، «الكمان الآلي» (١٩٣٢م)، و«سفينة بالهلب»، رواية، (١٩٣٢م).
شديد، أندريه (١٩٢٨م)
(انظر الفصل الثاني).
شميل، ماريوس (١٨٦٣–١٩٥٦م)
وُلد في ليفربول بإنجلترا، ودرس في بيروت، وجاء إلى مصر ليعمل في البنوك والصناعة، ابن أمين شميل الذي كان شاعرًا. اهتمَّ مثل أبيه بالشعر، وراح يكتب مقالات في النقد الفني في الصحف المحلية. وفي عام ١٩٢٠م أسس «مجلة العالم المصري»، وحصل على جائزة واصف غالي. يُعتبَر واحدًا من طليعيِّي الأدب المكتوب بالفرنسية في مصر. من أعماله: «الطوفان الكبير» مسرحية تُرجمت إلى العربية عام ١٩١٨م، و«ضد النسيان» (١٩٢٠م).
عدس ألبير (١٨٩٣–١٩٢١م)
وُلد في القاهرة، ودرس الحقوق في باريس. ارتبط عطاؤه بجويبزفيش، وفي نهاية الحرب العالمية قرَّر أن يستقرَّ في فرنسا، وبعد وفاته عملت زوجته على نشر أغلب أعماله. من أعماله: «ملك عار» عام ١٩٢٢م، و«عدس عند برجسون» عام ١٩٤٩م.
العقاد، توفيق (١٨٨٩–١٩٥٦م)
وُلد في الإسكندرية، ودرس في المدارس الثانوية الفرنسية، ثم في القدس. تنقَّل بين الإسكندرية وفرنسا، وحصل على الدكتوراه، وعمل في البنوك والصحافة والمسرح. أقام في لبنان فترة ثم عاد إلى الإسكندرية. من أعماله «ليلة في وادي الملوك» (١٩٢٥م)، و«ليلة عند سفح الهرم» (١٩٣٧م)، «وليلة تحت قوس النصر» (١٩٣٧م).
غالي، واصف بطرس (١٩٧٨–١٩٥٨م)
وُلد في القاهرة، ودرس في المدارس الفرنسية، ثم سافر إلى فرنسا. عند عودته اهتمَّ بالسياسة، من أهم أعماله «حديقة الزهور» عام ١٩١٣م، «اللآلئ اللامعة» (١٩٢٣م).
فوشيه زنانيري، نيللي (١٨٩٧م)
وُلدت في الإسكندرية من أسرة سورية تقيم في مصر منذ القرن السابع عشر. درست في دمشق، وأقامت في مصر. اهتمَّت بالمسرح ودرسته لمدة عامين في فرنسا. تزوَّجت من الصحفي جورج فوشيه، وبعد زواجها الثاني افتتحت مكتبة، ثم سافرت إلى سويسرا. من أعمالها: دواوين «حديقة الصباح» عام ١٩٢٠م، «الواحة العاطفية» (١٩٢٩م)، «في الظهيرة تحت الشَّمس الحارقة» (١٩٣٦م)، و«الشَّمس الغائمة» (١٩٧٤م).
قصيري، ألبير (١٩١٣م)
(انظر الفصل الثاني).
القلوب، قوت (١٨٩٢–١٩٦٨م)
(انظر الفصل الثاني).
موسكانيللي، جان (١٩٠٥–١٩٥٦م)
من أصل إيطالي. وُلِد في القاهرة، ودرس في المدارس الألمانية، ثم اهتمَّ بالصحافة والحركة الأدبية. عمل في «الأسبوع المصري»، تولى رئاسة تحرير مجلة «إيماج»، كتب الشعر، ظلَّ في مصر حتى وفاته. من أعماله: «هذيان» (١٩٢٦م)، «أنا بدونك» (١٩٢٧م)، «أشعار ملقاة فوق مقعدٍ» (١٩٢٩م)، «أشعار» (١٩٣٥م)، «رباعيات للحبِّ» (١٩٥٢م)، «زنجيَّة في معسكر الاعتقال» (١٩٥٣م)، و«أشعار في مصر» (١٩٥٥م).
منصور، جويس (١٩٢٨–١٩٨٦م)
[انظر الفصل الثامن].