وداع
أَلَا مَنْ لِي بِنَظْمٍ كاللآلي
أُقَلِّدُ منه أَجْيادَ الليالي
وَمَنْ لي أن أُحَلِّيَهُ بِشُكْرٍ
تُضِئُ بِهِ فَرَائِدُهُ الْغَوَالِي
وَأُهْدِي من مَحَاسِنِهِ عُقُودًا
لأهلِ الفضلِ أربابِ النَّوَالِ
رجالِ الخيرِ أشرافِ السَّجَايَا
كِرَامِ العصرِ خُطَّابِ المَعَالِي
فمنكم كلُّ سَمْحٍ أَرْيَحِيٍ
تَحَلَّى بالفضائلِ والكمالِ
ومنكم كلُّ مُحْتَرَمٍ شريف
كريمٍ في الْعَطَايَا وَالْخِصَالِ
تَجَمَّعْتُمْ فَأَلَّفْتُمْ قلوبًا
وَبَرْهَنْتُمْ عَلَى حُسْنِ اتِّصَالِ
وَهَذِي لَيْلَةٌ أَحْيَيْتُمُوهَا
لِذِكْرَى مَنْ تَبَدَّى كالْهِلَالِ
شريفِ الْعُنْصُرَيْنِ عريقِ مجدٍ
كريم الرَّاحَتَيْنِ عزيزِ خالِ
تَزَاحَمَتِ القلوبُ عَلَيْهِ حَتَّى
تَشَاغَلَتِ العيونُ عَنِ الْغَزَالِ!
•••
عَلِقْتُ به فَتَيَّمَنِي هَوَاهُ
وَهِمْتُ به فَأَنْعَشَنِي خيالي
دَخَلْتُ بِحُبِّهِ بُسْتَانَ وَجْدِي
فَأَلْفَيْتُ الطُّيُورَ عَلَى الدَّوَالِي
تُغَرِّدُ والنسيمُ جَرَى بَلِيلًا
يُحَرِّكُ خَصْرَ رَبَّاتِ الجمالِ
تَلَاعَبُ بالنفوسِ ذَوَاتُ حُسْنٍ
كَحُورِ الخُلْدِ تَرْمِي بالنِّبَالِ
كَنِسْوَةِ يُوسُفٍ لما تَجَلَّى
يُقَطِّعْنَ الأنامِلَ بالنِّصَالِ!
وقد بَدَتِ الكواكبُ مُسْفِراتٍ
تُضِئُ من اليمينِ إلى الشِّمالِ
تَبَاعَدَ عن رياضِ الْقَوْمِ جَفْنِي
وَهَامَ بِمَهْمَهِ السِّحْرِ الحلالِ
فخلت الرَّوْضَ لِلتَّمْثِيلِ دارًا
تُمَثِّلُ فيه رَبَّاتُ الدَّلالِ
وفاق سَنَاهُ نُورَ البدرِ لما
تَجَلَّى حُسْنُهُ فَأَهَاجَ بَالِي
تَرَنَّمَ تحت غُصْنِ الْبَانِ رِيمٌ
رَشِيقُ الْقَدِّ فَتَّانُ الجمالِ
وَأَوْمَأَ باليمينِ إِلَيَّ يرجو
حديثًا قُلْتُ: أَسْرِعْ بالسُّؤَالِ
تَمَايَلَ عِطْفُهُ واهتَزَّ تِيهًا
وَأَجْرَى ماءَ لَفْظٍ كالزُّلالِ
•••
تَجَمَّعْنَا هُنَا لِوَدَاعِ شَهْمٍ
يَرَى يَوْمَ الْوَغَى يَوْمَ الْوِصَالِ!
قَضَى في الجيشِ أعوامًا كَسَتْهُ
لِبَاسَ النصرِ بالْبِيضِ الصِّقَالِ
رَقَى بالجيش حتى نال مجدًا
يُذَكِّرُهُ بساحاتِ الْقِتَالِ
كأنِّي قد سَمِعْتُ شِفَاهُ قالت
وقد وَثَبَ الرِّعالُ عَلَى الرِّعالِ
بِبِيضِ الْهِنْدِ وَالسُّمْرِ الْعَوَالِي
غرامي لا بِرَبَّاتِ الجمالِ
وَأَفْدِي يوم أَقْتَحِمُ المَنَايَا
بأهلي كلِّهِمْ وَأَبِي وَمَالِي
•••
أَتَى بعد الجيوشِ يُدِيرُ سِجْنًا
فَأَحْيَا أَمْنَهُ طُولَ الليالي
تنقَّلَ بَيْنَهَا شَرْقًا وغَرْبًا
وسار من اليمينِ إِلى الشِّمَالِ
أَسِجْنَ (قنا) لقد نِلْتَ الأَماني
وبتَّ بِفَضْلِهِ في خَيْرِ حَالِ!
أَتاك الشَّهْمُ أَصلح مِنْكَ شَأْنًا
فَبِتَّ مُفَاخِرًا قِمَمَ ﭐلْجِبَالِ
وبتَّ بِفَضْلِهِ مأْوًى حَصِينًا
وكنتَ بِعَزْمِهِ أَقْوَى الثمال
فإِنْ تكُ قَدْ سَمِعْتَ بما تَأَتَّى
فإِنَّكَ نادبٌ حُسْنَ ﭐلخَوَالِي
•••
سَيَرْحَلُ قاصدًا أَسْيُوطَ حَتَّي
يُفَاخِرَ سِجْنُهَا الشهبَ العَوَالِي!
فودِّعْ فيه إِنْسَانًا عَظِيمًا
تهلَّلَ بٱلهناءِ وبالْجَلَالِ
•••
فَدَتْكَ النَّفْسُ يا مَنْ غَابَ عَنِّي
فغابَ لبُعْدِهِ عَقْلِي وَبَالِي
ولكنِّي سُرِرْتُ لِأَنَّ هذَا
سَبيلٌ في ارتِقَائِكَ لِلْمَعَالِي!
وخُذْ مَعَكَ الْفُؤَادَ فإِنْ هَذَا
لِخَيْرُ هديةٍ عِنْدَ ﭐلرِجَالِ!
لأنا قَدْ وَجَدْنَا فِيكَ شهمًا
همامًا لا يخافُ ولا يُبَالِي
وسافِرْ (صَفْوَتَ) الإِحْسَانِ أَنْتُمْ
كَمَالٌ في كَمَالٍ في كَمَالٍ
•••
أَمُقْتَبِلٌ أَنَا أَمْ ذَا ودَاعٌ
وهل فَرِحٌ أَنَا أَمْ غَاب بالي
إِذا كان المُدِيرُ أَتَى حديثًا
فَمَالي قد سكتُّ عن ﭐلمَقَالِ؟
أَلا أَهْلًا بهِ من كلِّ قَلْبي
فنِعْمَ الشَّهْمُ في أَبْهَى مَجَالِ
ونعمَ الفَرْدُ ربُّ العَدْلِ مَنْ قَدْ
أَضاءَ قِنَا فحيَّتْهُ ﭐلأَهَالي
نَعَمْ قَدْ جاءَهَا عطفًا عليها
لِيُوصِلَهَا إلى أَوْجِ الكمالِ