كيف أصنع؟
بَدَا لِيَ بَرْقٌ من ثَنَايَاكِ يلمعُ
أَسَالَ غُيوثًا من جفونيَ تَهْمَعُ
فأصبح قلبي فوق جمرٍ من الهوَى
وَعَيْنَايَ في رَوْضٍ مِنَ الحُسْنِ تَرْتَعُ
مَضَتْ ليلةٌ لم يَشْهَدِ الدهرُ صَفْوَهَا
بأمثالِها لم يَحْظَ كِسرى وتُبَّعُ
ودارتْ كؤوسُ الحُبِّ بيني وبينَها
وما عاشِقٌ مَنْ لا يذلُّ ويَخْضَعُ
تقول وقد فاضت بنا نشوة الهوى
غرامُك حَيٌّ ليس فيه تَصَنُّعُ
أَتَيْتُكِ لم أَحْفِلْ بِلَوْمِ عَواذِلي
وَجِئْتُك أشكو ما أُلَاقي وَأَجْرَعُ
تَذكَّرْ عهودي واحترِمْ شِرْعَةَ الهوَى
وكم من فؤادٍ شَفَّهُ الحُبُّ يُخْدَعُ
فهذي يميني تُوثِقُ العهدَ بيننا
وهذا فؤادي من فؤادكِ يَسْمَعُ
فقلت لها والدمعُ مِلْءُ محاجِري
وقلبيَ من وَجْدِ الجَوَى يَتَقَطَّعُ
رضعتُ لبانَ ٱلحبِّ منذ طفولتي
فصار دَمِي يجري بما كنتُ أرضعُ!
سَرَى الحبُّ يُزْجِي في دمائي حرارةً
يُسَعِّرُهَا هَجرٌ طويلٌ مُرَوِّعُ
ولولا النَّوَى ما حَالَفَ السُّهْدُ نَاظِرِي
وما قَرَّحَ الجَفْنَ المُعَذَّبَ مَدْمَعُ
تمرُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ
يطارد عني النَّوْمَ كَرْبِي ويمنعُ
يُسَاهِرُ جَفْني النَّجْمَ حَتَّى إِذا بدا
جبينُ الضُّحَى من نورِه أَتَشَجَّعُ
كساني عذابُ البُعْدِ ثوبًا من الضَّنَى
له كلُّ قلبٍ وَالِهٍ يَتَقَطَّعُ
طِوَالُ الليالي مكَّنَتْ عِلّةَ الهوَى
بقلبي فأَمْسِي حائرًا يَتَنَزَّعُ
كفاني عذابًا ما أُعاني من الأَسَى
وما لي سوَى سُقْمي ودمعي مُشفعُ
فجسميَ مما شَفَّهُ كَادَ يختفي
نُحولًا ونفسي أَوْشَكَتْ تَتَشَعَّعُ
ولو لم يكن صوتي لأنكرتُ أنني
إذا ما التقينا واقفٌ أَتَوَجَّع
فديتكِ مهما قد نأَى عنكِ ناظري
فَطَيْفُكِ حولي ما خَلَا منه موضعُ
وكم وَشَتِ الْعُذَّالُ بيني وبينَها
فقلتُ دعوني إنني لستُ أَسْمَعُ
أنا العاشقُ المُضْنَى المُقِيمُ على الهوى
فلا تطلبوا ما لا يُفِيدُ ويَنْفَعُ
عقدت يميني بالوفاءِ وها أنا
غَدَوْتُ خيالًا يا هوى كيف أصنعُ؟