في قطار
تَقُولُ لِصَبْرِي أَتَنْسَى الْهَوَى
وهل أنتَ تَذْكُرُ ذَاكَ الْهَنَاءُ؟
وقد أَغَمضَ الدهرُ عَيْنَ التَّجَافِي
وغابَ الْعَوَاذِلُ وَالرُّقَباء
فَقَبَّلْتُ شَعْرًا كَسُودِ الليالي
وَوَجْهًا مُنِيرًا كبَدْرِ السماء
ولما الْتَقَتْ مُقْلَتَانَا بَكَيْنَا
سرورًا فَيَا نِعْمَ هذا الْبُكَاء
ولما الْتَقَتْ شَفَتَانَا ارْتَعَشْنَا
لأنَّ المَحَبَّةَ كالْكَهْرَباء!
أُقَبِّلُ خَدَّيْكِ طَوْرًا وَطَوْرًا
عُيُونَ المَهَى وَجُفُونَ الظِّبَاء
وَجِيدًا طَرِيًّا وَكَفًّا نَدِيًّا
وَوَجْهًا تَهِيمُ به الأتقياء
•••
وَلَسْتُ لأذْكُرَ كلَّ الحديثِ
وَخَيْبَةَ قلبي وَمَوْتَ الرَّجاء
وَأَخْذَكِ مِنِّي المَوَاثِيقَ أَنِّي
أُمِيتُ الْهَوَى وَأُقِيمُ الإِخاء
أَتَرْضَى بِمَوْتِ الْهَوَى لِفُؤَادِي
ومَوْتُ فؤادي بِذَاكَ الرِّضاء؟
وأنتَ الَّذِي عَذَّبَ القلبَ عامًا
فَأَدْمَعَ عَيْنِي بِنُورِ الذَّكَاء
عليك التَّحِيَّةُ يا نورَ عَيْنِي
تحيةَ صَبٍ شديد الوفاء
تحيةَ مَنْ أَثْقَلَتْهُ الزَّرَايَا
وَحَمَّلَهُ الْبُعْدُ كلَّ الشَّقَاء
أَتَنْسَى الْوَدَاعَ وَدَقَّاتِ قلبي
أَتَنْسَى هَوَى لَيْلَةِ الأربِعَاء؟!
وقد جِئْتَ تبكي بِدَمْعٍ غزيرٍ
وكنتَ تُنَاجِي إِلۤهَ السماء
وَدَمْعُكَ يَرْوِي وُرُودَ الْخُدُودِ
وَضَاعَفَ حُسْنَكَ وَرْدُ الحياء
فخِلْتُ مَلَاكًا تَدَفقَ لُطْفًا
وَأَبْصَرْتُ بَدْرًا جميلَ الرِّدَاء
ولم تَخْشَ جَمْعًا يَمُوجُ كَبَحْرٍ
وَأَيْقَنْتَ أَنْ سَيَزُولُ الهناء
تَشَجَّعْتُ لمَّا رَأَيْتُكَ تبكي
وَفَتَّتَ قلبي أَليمُ النِّداء
ولمَّا القطارُ بَدَا لم تَعُدْ
تُشَاهِدُ عَيْنِي بَهِيجَ الضِّيَاء
وَقَطَّعَ قلبي دُنُوُّ الفراقِ
وَأَظْلَمَ عَيْنِي نُزُولُ القَضَاء
رَأَيْتُكَ تُسْرِعُ نحو القطارِ
كأنك ترجو دوام البقاء
ولما رأيتَ البقاءَ مُحَالًا
وَأَيْقَنْتَ أَنْ لا يُفيد الدواء
وَضَعْتَ يَمِينَكَ فرق جَبِينٍ
تَبَارَكَ مَنْ خَصَّهُ بالبهاء
وقلتَ: حبيبي أَتَتْرُكُ قلبي
أَسِيرَ الْفِرَاقِ شهيدَ الوفاء؟
أَتَذْرِفُ من نَرْجسِ الْعَيْنِ دمعًا؟
خَليقٌ بجفنك سَفْكُ الدِّماء!